في تركيا.. اباحة الفساد وكتم حرية التعبير
عبد الامير رويح
2016-04-28 12:41
تواصل السلطات التركية بقيادة الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان وعلى الرغم من الانتقادات الدولية المتزايدة، سياسة التضييق على حرية التعبير والتغطية على الفساد الحكومي، فقد اثارت سياسات الرئيس التركي وإجراءات الحكومة التركية بحق وسائل الإعلام والمعارضة، انتقادات كبيرة وبلغت الاتهامات الموجهة لسياسات أردوغان وحكومة حزب العدالة وبحسب بعض المصادر، حدا دفع بالمراقبين إلى القول إنها أوسع حملة لإسكات الأصوات المطالبة بالتغيير والمساءلة في أنقرة.
وقال رئيس التحرير في قناة بوغون التلفزيونية، تانك توروس إنها أسوأ عملية قمع للصحافة في تاريخ تركيا، وفقا لصحيفة غارديان البريطانية. وقال توروس، لصحيفة غارديان إن "حكم الحزب الواحد يعتبر كارثة.. والانتهاكات ضد أولئك الذين لا يفكرون مثل أردوغان سوف يستمرون، بينما تدخل تركيا فترة ظلا. وقال رئيس التحرير المسؤول في صحيفة جمهوريت جان دوندار: "هذا هو أردوغان.. إنه يكره الانتقاد.
وتحولت حرية الصحافة والصحفيين إلى محور رئيسي في الجدل المتصاعد داخل تركيا خلال الفترة الماضية، على خلفية توقيف وحبس العديد من الصحفيين الأتراك والأجانب، فضلا عن إغلاق بعض الصحف. ويبدو أن هذا الجدل سوف يتسع تدريجيًّا، لا سيما مع تعرض بعض الصحفيين المحليين والأجانب، على حد سواء، لمضايقات واعتقالات، وقد اكتسب هذا التراجع في أوضاع حريات الصحافة اهتمامًا خاصًّا من جانب بعض المنظمات الدولية المعنية بحقوق الصحفيين وحرية الصحافة، بالإضافة إلى عدد من المؤسسات الدولية على رأسها البرلمان الأوروبي الذي ندد بانتهاكات الصحافة في تركيا.
ويُعاني الإعلام التركي منذ سنوات من تراجع واضح في مستوى الحريات الممنوحة له بحكم القانون والدستور، وهو ما بدا جليًّا في إغلاق العديد من الصحف، وتعطيل منح التراخيص لبعض وسائل الإعلام، واتخاذ إجراءات متعسفة بدمج جزء من المؤسسات الإعلامية، وإخضاعها لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم. فيما يُواجه بعض الصحفيين اتهامات معدة مسبقًا تتمثل في التآمر لقلب نظام الحكم، أو الانضمام إلى كيان موازٍ للدولة، أو التخابر مع جهات أجنبية، وقد أُضيفت إليها تهمة جديدة في الفترة الأخيرة تتمثل في إهانة رئيس الدولة.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الحكومة التركية تتبنى سياسة مزدوجة في التعامل مع وسائل الإعلام؛ حيث إنها تتيح مساحة نسبية من الحريات للإعلام الموالي لها، والمؤلف من 6 صحف و6 قنوات تلفزيونية مملوكة في الأساس لرجال أعمال مقربين من حزب "العدالة والتنمية"، وفي الوقت نفسه تفرض مزيدًا من القيود على الصحف والقنوات التلفزيونية المستقلة والمعارضة، فضلا عن عرقلة جهودها في الحصول على مناقصات وإعلانات، وفرض ضرائب عليها، أو منعها من الصدور.
وقد أشارت التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية المعنية بحقوق الصحفيين إلى أنه قد تم اعتقال 156 صحفيًّا في تركيا خلال عام 2015، فيما فقد 774 آخرون وظائفهم بسبب مضايقات الحكومة، وكشفت أيضًا أن الأجهزة الأمنية أخضعت 200 صحفي و7 مؤسسات إعلامية للتحقيقات قبل الإفراج عنهم، بينما تم فتح ملفات قضائية ضد 238 صحفيًّا في المحاكم.
تكميم وسائل الإعلام
وفي هذا الشأن يقول متين يلماز رئيس تحرير صحيفة سوزجو إحدى أجرأ وسائل الإعلام التركية في انتقاد الحكومة إنه يزن كلماته بقدر أكبر من العناية هذه الأيام. وتزين جدران مقر الصحيفة صفحاتها الأولى التي تقف شاهدا على وضعها كحصن لمعارضة الرئيس رجب طيب إردوغان وحزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية. وتحتفي الصحيفة بجذورها العلمانية برفع الأعلام التركية الحمراء وصور مؤسس الجمهورية التركية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك.
غير أن إغلاق صحف ووضع صحف أخرى تحت إدارة الدولة في الشهور الأخيرة وإبعاد بعض الشخصيات الإعلامية عن الميكروفون وتقديم شكوى قضائية ضد ممثل كوميدي في التلفزيون الألماني لإهانته إردوغان جعل الصحفيين من أمثال يلماز يقولون إنهم يفكرون مرتين في عواقب ما يكتبون ويفعلون. وقال يلماز في مكتبه بإحدى ضواحي اسطنبول "لا يسعك إلا أن تتساءل ‘هل سترفع دعوى قضائية إذا قلنا كذا؟‘"
وأضاف وهو ينظر من فوق كتف زميل له يعمل في تصميم صفحات الجريدة "من سوء الحظ أننا وصلنا إلى مرحلة إذا كتبت فيها حرف الراء من كلمة رئيس يتم فتح تحقيق ورفع دعوى قضائية عليك." ويرفض إردوغان هذه الاتهامات. ويقول إن الصحفيين أحرار في انتقاده مشيرا إلى عناوين أخرى وصفته بأنه "قاتل" و"لص". كما يقول مسؤولون في الحكومة إنه لم يحدث أن تعرض صحفيون للمقاضاة بسبب عملهم وإن بعضهم اعتقل للاشتباه في عضويته في جماعات متطرفة.
وقال إردوغان لقناة سي.إن.إن التلفزيونية في 31 مارس آذار خلال رحلة إلى واشنطن "لا أنا ولا حكومتي فعلنا أي شيء قط لمنع حرية التعبير أو حرية الصحافة. بل على العكس كانت الصحافة في تركيا شديدة الانتقاد لي ولحكومتي." لكنه حذر الصحفيين من الخوض في الإهانات وإلا فإنهم سيمثلون أمام القضاء في بلد تعد فيه إهانة الرئيس جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن وذلك رغم أنه لا إردوغان نفسه ولا القانون حدد ما هي الإهانة. وقد أثار سجل تركيا في حرية الصحافة قلقا بين بعض الساسة في الاتحاد الأوروبي دفعهم للتساؤل عما إذا كانت مرشحا مناسبا لعضوية الاتحاد.
وقد طلبت أنقره من السلطات الألمانية محاكمة الممثل الكوميدي يان بوهمرمان بتهمة "الإساءة لمؤسسات وممثلي دولة أجنبية" بعد أن ألقى قصيدة هزلية جنسية عن إردوغان في التلفزيون. وجاء ذلك في وقت حساس للمستشارة أنجيلا ميركل التي استعانت بإردوغان في التعامل مع أزمة المهاجرين لأوروبا. وبخلاف ما حدث من إغلاق الصحف الذي احتل العناوين في تركيا يخشى بعض الصحفيين والجماعات الحقوقية والحلفاء الغربيون من تقلص مساحة التعبير عن المعارضة بوتيرة سريعة.
ويقول منتقدون للحكومة إن منافذ إعلامية رئيسية مثل صحيفة حريت أو قناة سي.إن.إن ترك وكلاهما مملوكان لمجموعة دوجان الإعلامية البارزة تتعرض لضغوط متزايدة للسير على نهج الحكومة في تغطيتها. وقالت صحيفة حريت إنها ضمت الكاتب عبد القادر سيلوي وهو من كتاب الأعمدة البارزين الموالين للحكومة في حين أغلقت مجموعة دوجان موقع راديكال الإخباري اليساري الليبرالي لأسباب وصفها رئيس تحريره بأنها مالية.
وقال ميرجون جاباش المذيع السابق في قناة سي.إن.إن ترك وهو من منتقدي الحكومة "اتخذت المجموعة خطوات معينة للتوصل إلى حل وسط مع إردوغان... وأجرت تعديلات على المضمون." وكانت الشركة أوقفت برنامجه وقالت إن ذلك يرجع لأسباب مالية. وامتنعت مجموعة دوجان وصحيفة حريت وقناة سي.إن.إن ترك عن التعقيب.
وفرضت على مجموعة دوجان غرامة ضريبية قيمتها 3.8 مليار ليرة (1.3 مليار دولار) في عام 2009 كما رفع النائب العام في اسطنبول دعوى على مؤسسها آيدين دوجان بتهمة إدارة شبكة لتهريب الوقود وهي تهمة نفاها. وقالت الحكومة مرارا إن هاتين القضيتين ليست لهما دوافع سياسية. ومنذ تولى إردوغان منصب الرئيس في أغسطس اب عام 2014 رفعت 1845 دعوى على أفراد لإهانته. وقال باريش انجي رئيس تحرير صحيفة بيرجون اليسارية "أعتقد أن هذه الفترة ستعلق في الأذهان باعتبارها فترة كابوسية." وكان قد حكم عليه بالسجن 21 شهرا لاهانة إردوغان في مقال نشر عن تحقيق أجرته النيابة عام 2013 في الفساد بالحكومة.
وقال إردوغان إن التحقيق الذي تركز على وزراء ورجال أعمال مقربين منه من تدبير رجل الدين فتح الله كولن الذي يعيش في الولايات المتحدة. وأضاف أن أتباع كولن - الذي نفى هذه الاتهامات - تغلغلوا في أجهزة الشرطة والقضاء ويتآمرون لقلب نظام الحكم. وحفظت النيابة التحقيقات في الفساد بعد ذلك بعام. وقال إنجي الذي استأنف الحكم الصادر بحبسه "لم يجر أحد تحقيقا ملائما في قصة الفساد منذ ذلك الوقت .. فهل انتهت الرشوة في تركيا؟ من الواضح أن ذلك لم يحدث."وأضاف "لكن الصحفيين لا يعتقدون أن بوسعهم الفوز في قضية منظورة أمام المحاكم ولذلك يقولون ‘سأوفر على نفسي المشقة وأحجم عن كتابة مثل هذه الموضوعات‘ وهو أمر في غاية الإزعاج فيما يخص حرية التعبير والصحافة." بحسب رويترز.
في وقت سابق تولت الدولة إدارة صحيفة زمان أكبر صحف البلاد والتي تربطها صلات بجماعة كولن الدينية. وحدث الشيء نفسه مع صحيفتين أخريين للمجموعة هما بيجون ومليت في أكتوبر تشرين الأول الماضي. وقالت الحكومة إن السلطات تجري تحقيقا فيما إذا كانت الصحف متورطة في تمويل جماعة كولن بالمخالفة للقانون ونفت الصحف هذا الاتهام. من ناحية أخرى دفعت محاكمة رئيس تحرير صحيفة جمهوريت ورئيس مكتبها في أنقرة واللذين يواجهان السجن مدى الحياة بتهمة التجسس دبلوماسيين أجانب لحضور جلسة محاكمة تأييدا لهما. وكانت الصحيفة نشرت لقطات تظهر أن جهاز المخابرات ساعد في إرسال أسلحة إلى سوريا. قالت الحكومة إن الشاحنات المعنية كانت تحمل مساعدات وإن المحاكمة مسألة أمن وطني.
اعتقالات ومنع
من جانب اخر اعتقلت الشرطة التركية صحافية هولندية تركية الاصل هي ابرو عمر في منزلها الكائن في منتجع كوساداسي البحري غرب تركيا، بسبب تغريدات كتبتها واستهدفت الرئيس رجب طيب اردوغان، كما ذكرت في حسابها على موقع تويتر. وكتبت الصحافية "لست حرة، نحن ذاهبون الى المستشفى" لاجراء فحص طبي قبل مثولها امام المدعي.
ونشرت اوبرو عمر في الفترة الاخيرة مقالة وجهت فيها انتقادات حادة الى اردوغان في صحيفة "مترو" اليومية، حول رسالة الكترونية صدرت عن القنصلية التركية في روتردام، بغرب هولندا. والرسالة التي اثارت جدلا واسعا، طلبت من الاتراك الابلاغ بالشتائم التي ترد على شبكات التواصل الاجتماعي ضد الرئيس التركي. غير ان القنصلية تحدثت بعد ذلك عن "سوء تفاهم".
على صعيد متصل قال صحفي أمريكي يعيش ويعمل في تركيا إن السلطات التركية منعته من الدخول مجددا إلى أراضيها مما اضطره للعودة إلى بلاده في أحدث واقعة يتم فيها منع صحفي أجنبي من الدخول أو الحصول على بطاقة اعتماد. وأضاف الصحفي المستقل ديفيد ليبيسكا أن ضباط الهجرة في مطار أتاتورك باسطنبول أبلغوه بأن تأشيرته وضع عليها عبارة "حظر دخول". وكتب ليبيسكا لصحيفة جارديان وشبكة الجزيرة وفورين افيرز وجهات أخرى.
ولم يتضح على الفور سبب منع ليبيسكا (42 عاما) من دخول تركيا لكنه أحدث صحفي يتم إيقافه عند الحدود مما يزيد القلق الدولي تجاه سجل تركيا في مجال حرية الإعلام. وقال مسؤول كبير بالحكومة التركية إن ليبيسكا لا يملك بطاقة صحفية أو تأشيرة صحافة ولا يعمل لدى أي مؤسسة إعلامية. بحسب رويترز.
وأضاف المسؤول "الأفراد الذين يسلكون القنوات القانونية الملائمة لا يواجهون مثل هذه المشكلات" وتابع أن القضية لا تتعلق بحرية الصحافة بل بالإجراءات القانونية. وتقول تركيا إنه يجب على الصحفيين الأجانب المكلفين بالعمل بشكل دائم في تركيا أن يتقدموا بطلب لرئاسة الوزراء من أجل اعتمادهم. وقال ليبيسكا في بيان إنه بعد انتظار دام 20 ساعة خيرته السلطات بين العودة إلى إيطاليا التي جاء منها أو السفر إلى الولايات المتحدة. وقال في تغريدة على تويتر إنه بصدد الصعود على متن طائرة إلى شيكاجو. ويأتي منع ليبيسكا من الدخول وسط تزايد الحساسية تجاه التغطية الإعلامية لأزمة اللاجئين السوريين والعمليات الأمنية ضد المسلحين الأكراد.
الجيش التركي
الى جانب ذلك أعلن الجيش التركي أنه رفع دعوى ضد وسائل إعلام لم يحددها بشأن تقارير قال إنها تقوض المعنويات في الوقت الذي تواجه فيه تركيا مخاطر غير مسبوقة تتعلق بالأمن القومي. وكرر الجيش التزامه بالديمقراطية. وللجيش التركي تاريخ طويل من التدخل في السياسة وضغط على حكومة قادها إسلاميون حتى تركت السلطة عام 1997. وتواجه تركيا تحديات أمنية كبيرة منها تفجيرات انتحارية شنها متشددون إسلاميون في أنقرة واسطنبول إلى جانب صراع مع مسلحين أكراد في جنوب شرق البلاد وحرب دائرة في جارتها سوريا.
وقال الجيش دون مزيد من التحديد "من الطبيعي أن تؤثر أخبار وتعليقات بعض الأجهزة الإعلامية التي لا أساس لها على معنويات ودوافع رفاقنا الأبطال في الجيش سلبا وتجعل كل أفرادنا يشعرون بعدم ارتياح." وأضاف "الآليات الإدارية والقانونية للقوات المسلحة التركية التي تستمد قوتها من حب وثقة الشعب العميقة وتعبر عن التزامها بالديمقراطية في كل فرصة تُوظف دائما وبفعالية." بحسب رويترز.
وقال إنه بدأ تحركا قانونيا ضد من يكتبون الأخبار "ولهم أهداف أخرى" والذين "ذهبوا إلى أبعد مدى". ولم يكشف الجيش عن وسائل الإعلام التي يقصدها. وقالت صحيفة حريت إن بيان الجيش يشير إلى مزاعم عن محاولة انقلاب من جانب عسكريين موالين لرجل الدين فتح الله كولن خصم الرئيس رجب طيب إردوغان الذي يعيش في الولايات المتحدة. وينفي كولن هذه الاتهامات.
وقد انطلقت في اسطنبول ايضا وسط اجواء توتر محاكمة اربعة اكاديميين اتراك بتهمة القيام "بدعاية ارهابية" بسبب توقيعهم على عريضة تندد بعنف الجيش في عملياته ضد المتمردين الاكراد. وتعتقل السلطات منذ فترة الاستاذة في جامعة بوازيجي اسراء مونغر واستاذ الفنون الجميلة مظفر كايا والاستاذ في جامعة "نيشانتاشي" والاستاذة في جامعة "يني يوزييل" الذين يواجهون عقوبة سجن قد تصل الى سبع سنوات ونصف.
واتهم الاساتذة الاربعة بالقيام بالدعاية بعد ان قروا علنا "عريضة من اجل السلام" تندد "بمجازر" قوى الامن التركية في عملياتها ضد عناصر حزب العمال الكردستاني في عدد من المدن الخاضعة لمنع تجول. في كانون الثاني/يناير الماضي وقع اكثر من 1200 مثقف تركي واجنبي هذه العريضة، ما اثار غضب الرئيس الاسلامي المحافظ رجب طيب اردوغان، متوعدا الموقعين بتسديد "ثمن خيانتهم".
ولاحقا رفعت دعاوى في مختلف انحاء تركيا واوقف حوالى 20 استاذا جامعيا، ما اعاد زخم الانتقادات بشأن توجه اردوغان السلطوي. ومنذ اشهر يعيش جنوب شرق البلاد حيث الاكثرية من الاكراد على وتيرة المعارك الدامية اليومية بين الامن التركي وعناصر التمرد. واقترح اردوغان سحب الجنسية التركية من كل من يعتبر "متواطئا" مع حزب العمال الكردستاني من محامين ومثقفين وصحافيين ونواب.
اهانة مسؤول
على صعيد متصل بدأت محاكمة جيم يلماظ احد اشهر الممثلين الهزليين في تركيا بتهمة "اهانة" مسؤول محلي، في اخر مثال لسلسلة طويلة من الدعاوى القضائية التي تقلق المدافعين عن حرية التعبير. وقد يتعرض يلماظ (42 عاما) للسجن عامين لتغريدات تسخر من حاكم محافظة يالوفا (شمال غرب) سليم جابر اوغلو بعد وفاة استاذ في الرياضيات. وفي اذار/مارس 2015 وبخ جابر اوغلو علنا الاستاذ خليل سيركا اوز معتبرا ان لحيته وملابسه تعطي الانطباع بانه "متسول". وتوفي الاستاذ البالغ ال42 من العمر اثر اصابته بازمة قلبية اثناء تظاهرة للتنديد بهذه التصريحات.
وكان يلماظ علق على الحادثة على تويتر "تحطيم رجل باستخدام نفوذ ممنوح بموجب مسؤوليات رسمية وكسر فؤاده ... لكم هو حزين ان يكون الاستاذ المسكين توفي. نامل سيدي الحاكم ان تتولوا مسؤوليات اهم!". ونقلت وكالة انباء الاناضول الموالية للحكومة عن محامي يلماظ قوله "ان موكلي لم يرتكب اي جريمة. لم يقل في اي لحظة في تغريداته انت المسؤول عن ذلك". واضاف المحامي في غياب موكله "لقد انتقد (...) بصفته فنانا وممثلا هزليا". وقال محامي يلماظ ان "مستوى التسامح لدى المسؤولين حيال النقد يجب ان يكون اعلى". ويلماظ من اشهر الممثلين الهزليين في تركيا وهو ايضا كاتب سيناريوهات وادى دورا في فيلم "ذي ووتر ديفاينر" الى جانب الممثل راسل كرو في 2014. وقالت وكالة الاناضول ان المحاكمة ارجئت الى 13 تموز/يوليو.
من جهة اخرى استخدمت الشرطة التركية القوة لتفريق تظاهرة نظمها أنصار العلمانية أمام البرلمان التركي في أنقرة، غداة إعلان رئيس البرلمان رفضه إدراج العلمانية كبند في الدستور التركي الجديد. وتجمع نحو مئة متظاهر أمام أحد مداخل البرلمان في أنقرة وهم يهتفون "تركيا علمانية وستبقى كذلك"، قبل أن تتدخل شرطة مكافحة الشغب لتفريقهم بالغاز المسيل للدموع، واعتقلت عدة أشخاص. ومن المقرر أن تجري تظاهرات أخرى في مناطق أخرى احتجاجا على ما قاله رئيس البرلمان إسماعيل كهرمان من حزب العدالة والتنمية.
ويذكر أن كهرمان قال في مؤتمر صحافي عقده في إسطنبول "بصفتنا بلدا مسلما، لماذا علينا أن نكون في وضع نتراجع فيه عن الدين؟ نحن بلد مسلم وبالتالي يجب أن نضع دستورا دينيا". مضيفا "قبل أي شيء آخر، يجب أن لا ترد العلمانية في الدستور الجديد". وعقب ذلك، سارعت المعارضة الكمالية (نسبة إلى كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة العلمانية) إلى التنديد بتصريحات كهرمان، ومثلها المعارضة البرلمانية. ومنذ وصول حزب العدالة والتنمية بزعامة رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان إلى السلطة في 2002، والمعارضة تتهمه بالسعي إلى أسلمة نظام الحكم والمجتمع.
صورة اغضبت تركيا
في السياق ذاته اعلنت سلطات جنيف رفض سحب صورة من معرض فوتوغرافي اثارت غضب تركيا ويبدو فيها متظاهرون يحملون الرئيس التركي مسؤولية مقتل الفتى بركين الوان. واعلنت مدينة جنيف في بيان "التمسك بحرية التعبير" معلنة ان "الاذن الممنوح للمعرض يبقى ساريا، ويستمر المعرض الى الاول من ايار/مايو" في ساحة الامم، امام مقر الامم المتحدة في المدينة.
ورات السلطات ان هذا المعرض "يسهم في الدفاع عن حرية التعبير وابراز جنيف كعاصمة لحقوق الانسان". ويتضمن المعرض 58 صورة التقطها المصور الفوتوغرافي السويسري ذو الاصول الكردية الارمنية دمير سونميز في السنوات الاخيرة، وتهدف بحسبه الى اظهار "النضالات المتعددة للشعوب".
والتقطت الصورة التي اثارت غضب السلطات التركية الى حد انها طلبت سحبها، وتبدو فيها مجموعة متظاهرين يرفعون لافتة كبيرة تحمل صورة فتى باسم الى جانب جملة بالفرنسية تقول "اسمي بركين الوان. قتلتني الشرطة بامر من رئيس الوزراء التركي" (الذي كان انذاك الرئيس الحالي رجب طيب اردوغان). كما حملت الصورة عبارة "تكريما لبركين الوان، الذي اصيب برصاص الشرطة التركية وتوفي بعد غيبوبة استمرت 269 يوما في اسطنبول".
واوضحت القنصلية العامة لتركيا في جنيف انها "تحترم حرية الخيار لدى الفنان"، لكنها شددت على ان الشعار اثار "استياء المجموعة التركية في جنيف" وهو يتعامل مع اردوغان "في شكل ظالم وغير حقيقي". ونظم المعرض الذي حصل على رعاية مدينة جنيف ومنظمة مراسلون بلا حدود في الساحة المقابلة لمقر الامم المتحدة حيث يتوافد مواطنون من العالم اجمع للتظاهر بشكل شبه يومي. بحسب فرانس برس.
وفي حزيران/يونيو 2013 اصيب الوان برصاصة في الراس بعد خروجه لشراء الخبز في اثناء عملية للشرطة في حيه وسط موجة الاحتجاجات العارمة التي هزت نظام اردوغان ذلك العام. وادت وفاته في 11 اذار/مارس 2014 بعد 269 يوما في غيبوبة الى تظاهرات واسعة النطاق في جميع مدن البلاد نددت بحكومة اردوغان انذاك. ويقيم المصور سونميز المولود في ارض روم التركية في 1960، في جنيف منذ 1990 حيث نال الجنسية السويسرية. وبدا مهنته في الصحافة والتصوير في الثمانينات في تركيا قبل ان يطلب اللجوء السياسي في سويسرا.