حقوق الطفل في بيئة النزاعات الأسرية

د. جمانة جاسم الاسدي

2025-07-19 05:35

يُعد الطفل الطرف الأضعف في أي نزاع أسري، سواء كان الطلاق أو الانفصال أو الخلافات المستمرة بين الوالدين، وفي ظل النزاعات الأسرية، غالبًا ما تُهمَّش حقوق الأطفال لصالح الصراعات بين البالغين، ما يؤثر سلبًا على نموهم النفسي والاجتماعي والمعرفي والعاطفي، ورغم وجود تشريعات دولية ووطنية تكفل حقوق الطفل، فإن تفعيل هذه الحقوق في بيئة النزاعات الأسرية يواجه تحديات كبيرة، تتطلب مقاربة شاملة تتجاوز الجانب القانوني إلى الأبعاد الاجتماعية والنفسية، يبحث هذا المقال في حقوق الطفل ضمن بيئة النزاع الأسري، من خلال الإطار القانوني، والآثار المترتبة على النزاع، والآليات الكفيلة بحماية هذه الحقوق.

والنزاع هنا هو حالة من الخلاف المستمر أو المؤقت بين أحد أو كلا الوالدين، قد يتخذ شكل طلاق، انفصال، أو خصومة داخل الأسرة، تؤثر على استقرار حياة الطفل وحقوقه الأساسية التي تُقرّها اتفاقية حقوق الطفل (CRC) الصادرة عن الأمم المتحدة (1989)، وتشمل الحق في الحياة والنمو (المادة 6)، الحق في الرعاية الأبوية (المادة 9)، الحق في التعبير عن الرأي (المادة 12)، الحق في الحماية من العنف والإهمال (المادة 19)، الحق في التعليم والصحة واللعب.

تكون آثار النزاع الأسري على حقوق الطفل مؤثرة على الحق في الأمان النفسي حينما يتعرض الطفل في النزاعات الأسرية لضغوط نفسية شديدة تشمل التوتر، القلق، وفقدان الشعور بالأمان، خاصة عندما يُستَخدم كوسيلة ضغط أو يقع ضحية لتبادل الاتهامات، وتؤثر على الحق في الرعاية المشتركة في حالات الطلاق أو الانفصال، قد يُحرم الطفل من أحد والديه نتيجة للحرمان العاطفي أو التحريض، وهو ما يُخالف مبدأ مصلحة الطفل الفضلى، والتأثير على التعليم والصحة في النزاعات الأسرية تؤثر سلبًا على تحصيل الطفل الدراسي، وقد تُهمل احتياجاته الصحية والنفسية نتيجة انشغال الوالدين بالصراع، كذلك على الحق في بيئة خالية من العنف فغالبًا ما يتعرض الأطفال في هذه البيئات لشكل من أشكال العنف، سواء كان جسديًا أو نفسيًا أو لفظيًا، بشكل مباشر أو غير مباشر (شهادة العنف).

الإطار القانوني لحماية الطفل من النزاعات الأسرية يتجسد فعليًا في اتفاقية حقوق الطفل والتي تلزم الدول الأطراف باتخاذ كل التدابير لحماية الطفل في حالات النزاع الأسري، بما في ذلك ضمان استمرار العلاقة مع الوالدين، منع إساءة استخدام الحضانة أو الولاية، وتوفير خدمات الدعم النفسي والاجتماعي، أما التشريعات الوطنية مثل قوانين الأحوال الشخصية فهي تُنظّم الحضانة والرؤية والنفقة، وقوانين حماية الطفل تنص على تجريم العنف والإهمال داخل الأسرة، كذلك المحاكم المختصة تُمنح صلاحيات في تقدير مصلحة الطفل وتقرير ترتيبات بديلة.

لكن هنالك تحديات واقعية لحماية حقوق الطفل مثل استخدام الطفل كأداة صراع مثل التحريض ضد أحد الوالدين أو إخفائه أو منع التواصل، وغياب الدعم النفسي والتربوي حيث يُهمل الجانب العلاجي لآثار النزاع، والتأخر القضائي مما يطيل أمد النزاع ويُعمّق الضرر الواقع على الطفل، كذلك ثقافة العيب أو التستر تمنع أحيانًا التدخل المؤسسي الفوري في حالات الإهمال أو العنف.

ختامًا- يبقى الطفل المتضرر الأكبر من النزاعات الأسرية، وإن حماية حقوقه لا ينبغي أن تكون ترفًا قانونيًا أو إجراءً شكليًا، بل مسؤولية مجتمعية ومؤسسية متكاملة، إن تعزيز هذه الحماية يتطلب مواءمة بين القانون، والعدالة النفسية، والرؤية التربوية، بحيث لا يدفع الأطفال ثمن صراعات لم يكونوا طرفًا فيها، كما إن بناء مستقبل آمن للطفل يبدأ من تأمين بيئة أسرية خالية من العنف والإقصاء.

ذات صلة

احداث السويداء في سوريا.. محاولة لفهم أشملفاجعة الكوت: بين الحزن الشعبي والإهمال الرسميالسوداني: شكرا للتوضيحإيران والزناد الأوربيالقيمة المعرفية للقرآن