المواطن العراقي ودوره لما بعد صندوق الاقتراع
محمد علي جواد تقي
2025-11-16 01:46
مشاهد الرجال والنساء وهم يصطحبون اطفالهم، مع كبار في السن، وحتى من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهم يتوجهون الى مراكز الانتخاب للإدلاء بأصواتهم في الدورة السادسة لانتخابات مجلس النواب، شكلت علامة فارقة في العلاقة النمطية بين الجماهير العراقية ورجال الحكم منذ 2003، فقد شكل حضور حوالي 12مليون ناخب من اصل واحد وعشرين مليون يحق لهم الانتخاب، تطوراً ايجابياً يكشف عن وعي وتفاعل جماهيري خيّب توقعات عديدة بأعداد أقل من هذا بكثير نظراً لتراكمات سلبية دعت البعض للتشكيك بعودة ثقة الناس بالعملية السياسية برمتها، بينما المشهد في الحادي عشر من الشهر الجاري أكد وجود بعض الأمل في شريحة من الناس بالقدرة على التغيير، وأن البقاء في البيت من شأنه إبقاء الفاسدين في مكانهم.
هل انتهى دور الناخب؟
ثمة اعتقاد بأن الناس أدّوا ما عليهم بالذهاب الى مراكز الاقتراع والادلاء بأصواتهم لصالح من يستحق مقعد النيابة، تبقى المهمة القادمة على عاتق النائب الفائز بأن يفي بوعوده ويتحمل مسؤولية التغيير نحو الافضل، وهذا صحيح من الناحية النظرية، ولكن في بلد مثل العراق يحتاج الى مراحل نضج للتجربة الديمقراطية لدى معظم المتولين مناصب إدارية في مؤسسات الدولة، يحتاج الامر الى متابعة لمرحلة ما بعد الانتخابات لمعرفة مستوى الأداء، وإن حصل شيء من التلكوء او المساومة على المبادئ، فان النائب يتعرض للمسائلة من قبل الشارع.
وليس الأمر كما كان في السابق عندما كانت الاحزاب والقوائم الانتخابية هي من تصعّد او تحرم المرشح من الصعود، وإنما الناخب حظي بدور كبير من خلال عدد الأصوات في صناديق الاقتراع وفق قانون سانت ليغو المعدّل لعام 2023، رغم إن الصوت الانتخابي يذهب بداية الى القائمة الانتخابية ثم الى المرشح، ثم تحتسب مجموع الاصوات وتُقسم على (1.7)، ومن ثم الارقام الفردية الاخرى حتى يتبين المرشح الفائز بأكثر أصوات الناخبين، وهذا يعني في رأي متابعين في الساحة السياسية بأنه يفسح المجال للقوائم الانتخابية ذات النفوذ والهيمنة السياسية والاجتماعية لأن تصعد الى مجلس النواب الى جانب المرشحين الفائزين بأصوات الناخبين، وهو ما لم يكن متاحاً بعد تعديل القانون عام 2021 عقب الاحتجاجات الجماهيرية عندما كان المرشح يصعد بصوت الناخب من دون الحاجة الى عمل قسمة على مجموع الاصوات للقائمة الواحدة.
ولمن يتحدث عن غياب القوائم الانتخابية الكبيرة والكتل السياسية المعروفة في انتخابات الدورة الماضية رغم التعديل المغري لقانون سانت ليغو، فان السبب يعود الى جمهور الناخبين انفسهم بعزوفهم الواسع عن المشاركة بعد تفشّي حالة من اليأس المطبق من النظام السياسي برمته على خلفية الاحتجاجات التي عمّت مدن الوسط والجنوب وطالبت بالإطاحة بالنظام السياسي وليس فقط بحكومة عادل عبد المهدي بدعوى الفساد الاداري والفشل في تقديم الخدمات وإنصاف الشباب وقضايا كثيرة أخرى.
أما اليوم فان الجماعات السياسية نزلت بكل ثقلها الى الميدان، ممثلة مختلف أطياف وانتماءات الشعب العراقي من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب، في ظل نسبة لابأس بها من الانجازات والنجاحات التي قدمتها حكومة السيد محمد شياع السوداني، والتحفيز على تقديم الأكثر بغية انجاز تغيير ملحوظ في عموم النظام السياسي والأداء الحكومي، مما شحذ الأمل في النفوس بالمشاركة وأن يجربوا حظهم هذه المرة في صعود وجوه جديدة الى مجلس النواب، فكانت مشاركة 12مليون ناخب، وهو رقم يعتد به في بلد مأزوم مثل العراق، تحيط به الازمات السياسية والاقتصادية، كما تحيط به كل اشكال التوقعات السلبية والشحن الاعلامي؛ الداخلي منه والخارجي غير المشجع.
مثلاً؛ في مدينة كربلاء المقدسة التي تحصد رقم 316الف صوت انتخابي، يحصل مرشح في قائمة صادقون، على 2660صوت ويدخل بها مجلس النواب، كما يرافقه مرشح من اشراقة كانون؛ محمد جاسم الخفاجي بـ 17الف صوت.
إن تعدد القوائم الانتخابية، ثم تعدد الاقطاب السياسية تحت قبة البرلمان، كل هذا وغيره، يحمّل الفائزين مسؤولية كبيرة للحفاظ على مستقبل هذا النجاح الانتخابي بتعزيز الأمل لدى الشارع العراقي للحصول على مشاركة أكبر في الدورة القادمة.
وهذا بدوره، يعني أننا امام تجربة جديدة يتكامل فيها الدور الرقابي لجمهور الناخبين بصعود الوجوه الجديدة وبأصوات عالية، مع الدور الرقابي للفائزين والنواب الجدد داخل البرلمان، وذلك من خلال التواصل عبر المنصات الالكترونية، او مكاتب مجلس النواب الموجودة في المحافظات كافة، وفيها يحضر النواب المنتخبين من قبل ابناء المدينة والمحافظة للوقوف على آخر تطورات العمل النيابي، لاسيما الدور الرقابي والتشريعي وما يتعلق بسنّ القوانين، ومحاسبة الفاسدين والفاشلين في مؤسسات الدولة.
إنها خطوة متقدمة في التجربة الديمقراطية، واعتقد أن العراقيين أهلاً لها، ومغادرة مظاهر التغرير والوعود الطويلة والكبيرة بانجاز أعمال صغيرة ليست من اختصاص النائب في مجلس النواب، مثل؛ تعبيد الشوارع، ومد شبكة الماء والكهرباء، و ايجاد تعيينات حكومية للخريجين، بينما هي من مهام البلدية والمؤسسات الخدمية في السلطة التنفيذية.
فاذا اردنا النجاح الحقيقي للتجربة الديمقراطية انطلاقاً من الانتخابات الاخيرة، علينا الاستمرار في التفاعل والتواصل لأن الديمقراطية لا تتوقف عند جمع أصوات الناخبين في الانتخابات، وهذا ما درجت عليه معظم البلدان ذات التجربة الديمقراطية الناجحة.