الحقوق والحريات في تركيا.. من تقنيين حرية التعبير الى استغلال القضاء

شبكة النبأ

2015-11-05 03:37

التجاوزات المستمرة على ملف حقوق الإنسان وتراجع الحريات في تركيا، التي تتعرض اليوم لانتقادات دولية كبيرة بسبب تفاقم الانتهاكات واستمرار عمليات الاعتقال الواسعة وغيرها من السياسات التعسفية الاخرى، التي تقوم بها السلطات التركية ضد الخصوم والمعارضين، اثارت قلق الكثير من المنظمات والمراكز الحقوقية الخاصة بالدفاع عن الحقوق والحريات، التي ادانت استخدام العنف من قبل الرئيس التركي الذي تمكن من فرض سيطرته المطلقة على تركيا بشكل عام من خلال استحداث بعض القوانين والانظمة الجديدة، التي شرعت استخدام اساليب القمع واسكات الاصوات المعارضة تحت مسميات وطنية مختلفة.

والملاحظ كما تنقل بعض المصادر إن سقف الحريات في تركيا بدأ يتقلص في ظل حكم أردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي أصبح يتمدد على حساب مؤسسات الدولة الدستورية، فقد أقر في وقت سابق جملة من القوانين المثيرة لجدل منها توسيع صلاحيات وكالة الاستخبارات، وهو ما عزز سيطرة الحكومة المتهمة بالعديد من قضايا الفساد والانتهاكات، حيث ينص هذا القانون توسيع عمل الوكالة لتشمل التنصت على المحادثات الهاتفية أو تجمع معلومات تتعلق بالإرهاب والجرائم الدولية، كما يوفر للوكالة حصانة معززة من الملاحقة ويقضي بمعاقبة صحافيين أو غيرهم ممن ينشرون معلومات مسربة بالسجن إلى حد 10 سنوات، ويعتبر هذا القانون سلاحا إضافيا في ترسانة الرئيس رجب طيب اردوغان.

وتجاوزات حقوق الإنسان والفساد وتراجع الحريات في تركيا احتلت جزءا كبيرا من التقرير السنوي لحقوق الإنسان، الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية الخاص بعام 2014. وأفادت صحيفة "جمهورييت"، أن بعض القضايا الخاصة بتركيا مثل: ضعف آلية العدالة، والفشل في محاربة الفساد، والقيود المفروضة على الصحافة والاحتجاجات، وحرية التعبير عن الرأي، ومشكلات الأقليات، كانت الأبرز في الجزء الخاص بتركيا في التقرير والوارد في 63 صفحة، الذي أعلنه وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري في وقت سابق. وأوضح التقرير أن معظم المتورطين في أعمال الفساد والرشوة، التي طالت عددا كبيرا من الوزراء والمقربين من حكومة "العدالة والتنمية"، بمن فيهم رجب طيب إردوغان، رئيس الوزراء آنذاك، تم التستر عليها وإغلاق ملفاتها قضائيا، فضلا عن تشريد آلاف رجال الأمن والمدعين العموم، الذين تولوا التحقيق والكشف عن هذه الأعمال في ديسمبر عام 2013.

ويعد الجزء الخاص بتركيا بالتقرير لعام 2014 هو الأكبر مقارنة بالسنوات الماضية، إذ بلغ 51 صفحة عام 2013، و48 صفحة عام 2012، و44 صفحة عام 2011. وركز التقرير هذا العام على استخدام الشرطة التركية القوة المفرطة ضد متظاهري أحداث "جيزي بارك"، ما أسفر عن مقتل وإصابة الكثير، وذلك دون أدنى جزاء لأي من مسؤولي الحكومة التركية. وقد أعلنت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، جين بساكي، ايضا أن الولايات المتحدة الأمريكية تتابع عن كثب، وعلى دراية كاملة بما يحدث في تركيا من عمليات اعتقالات واسعة. ويذكر أن تركيا شنت حملة اعتقالات واسعة، ضد عدد كبير من المسؤولين والصحفيين المعارضين.

تقرير أوروبي ينتقد تركيا

من جانب اخر اتهم تقرير أعدته المفوضية الاوروبية تركيا بالتراجع في مجالات سيادة القانون وحرية التعبير واستقلال القضاء. وتم حجب التقرير الى ما بعد الانتخابات لتجنب استعداء الرئيس رجب طيب اردوغان. وتشير نسخة من مسودة التقرير بشأن التقدم السنوي الخاص بطلب تركيا الانضمام الى عضوية الاتحاد الى تدهور شديد في الوضع الامني فضلا عن إقحام السياسة بشكل متزايد في الجهاز الإداري للدولة فيما يشدد حزب العدالة والتنمية الذي أسسه اردوغان ويتولى السلطة منذ 13 عاما قبضته على الحكم.

وأكدت مفوضية الاتحاد الاوروبي التي تحاول الحصول على مساعدة اردوغان في وقف تدفق اللاجئين السوريين والمهاجرين الاخرين من تركيا الى أوروبا أنها لم تؤخر صدور التقرير لأسباب سياسية. وقالت ان الامر متروك لرئيس المفوضية الاوروبية جان كلود يونكر ليقرر موعد اقرار ونشر تقارير التقدم الذي حققته الدول المرشحة للانضمام الى عضوية الاتحاد الاوروبي والتي تنشر عادة في اكتوبر تشرين الاول. وتحدثت مسودة التقرير عن اتجاه عام نحو مزيد من الحكم الاستبدادي في تركيا.

وجاء في المسودة "الحكومة المنتهية ولايتها بذلت جهودا لتنشيط عملية الانضمام الى الاتحاد الاوروبي... غير ان هذه الجهود قابلها تبني تشريع رئيسي في مجالات سيادة القانون وحرية التعبير وحرية التجمع لا يتفق مع المعايير الاوروبية." وتشير مسودة التقرير إلى نظام للتقاضي يخضع بدرجة متزايدة لسيطرة الحكومة أو لضغط سياسي. وجاء في التقرير ان "الوضع يتراجع منذ عام 2014". وأضاف "استقلال القضاء والفصل بين السلطات شهد تقويضا كبيرا ويتعرض قضاة وممثلون للادعاء لضغوط سياسية قوية." بحسب رويترز.

وأشار التقرير إلى الانتقادات الموجة إلى أسلوب اردوغان في ممارسة السلطة مع انشغال الرئيس بكثير من قضايا السياسة الخارجية والداخلية مما أثار انتقادات في تركيا بأنه يتجاوز صلاحياته الدستورية. وردا على سؤال بشأن المسودة قال متحدث باسم المفوضية الاوروبية ان المفوضية لن تعلق على "جوهر التقرير" قبل ان يتم تبنيه كوثيقة. غير ان مسؤولين بالاتحاد الاوروبي ودبلوماسيين قالوا ان بروكسل قررت حجب الوثيقة التي قد تثير خلافات الى ما بعد الانتخابات البرلمانية في تركيا لان الاتحاد يسعى الى تعاون أنقرة في وقف تدفق اللاجئين الى أوروبا.

الاعلام المعارض

في السياق ذاته لم تتمكن اثنتان من الصحف التركية القريبة من المعارضة من الصدور غداة قيام الشرطة بعملية دهم محطتي تلفزيون للمجموعة نفسها، ما يزيد من حدة الانتقادات للرئيس رجب طيب اردوغان، كما ذكر احد مسؤولي الصحيفتين. وصحيفتا "بوغون" و"ملت" هما في عداد مجموعة ابياك-كوزا، على غرار شبكتي بوغون تي.في وكنال تورك اللتين ارغمتا على وقف بثهما.

وقال رئيس تحرير بوغون اورهان بازيورت في تصريح تلفزيوني "انهينا تحرير صحيفتنا في وصلت الى المطبعة". واضاف "لقد ماطلوا بحجة حصول مشاكل تقنية. ثم قالوا لنا انه لا يمكن ان نطبع، وانه ثمة منعا خطيا". وذكرت صحيفة زمان ان بازيورت قد فصل مع اثنين من صحافيي صحيفة بوغون في وقت لاحق. وقد تقاسمت صحيفة "ملت" على حسابها في تويتر "الصفحة الاولى" للطبعة التي كان يفترض ان تصدر صورة البطاقة الصحافية الملطخة بالدم لاحد صحافييها تحت عنوان "انقلاب دام".

واقتحم عناصر من الشرطة يرتدون بزات مكافحة الشغب، مباشرة امام الكاميرات مقر شبكتي بوغون تي.في وكنال تورك في اسطنبول وصحيفتي "ملت" و"بوغون" اللتين وضع مقرهما تحت الوصاية القضائية. وشركة كوزا-ايبك القابضة مقربة من الداعية فتح الله غولن الذي اصبح "العدو العلني الرقم 1" للرئيس رجب طيب اردوغان، منذ اندلاع فضيحة فساد مدوية استهدفت المقربين منه شتاء 2013.

وردا على اسئلة التلفزيون ، برر اردوغان القرار القضائي. وتساءل "لماذا عين القضاء اداريين (لتولي ادارة كوزا-ايبك)؟" واضاف "لان المسؤول الاول (عن كوزا-ايبك اكين ايبك الذي يعيش في الخارج) قد فر. وهو يقول لم تحصل ابدا اي مخالفة" لذلك لماذا هربت؟ لا تهرب، إبق في بلادك". وخلص الى القول "اذا هرب، فهذا يعني ان ثمة خللا في مكان ما". وتمركزت اعداد كبيرة من عناصر الشرطة امام مقر ايباك للاعلام كما ذكرت وكالة جيهان للانباء. وقبل ايام من الانتخابات التشريعية، اججت عملية الدهم التي قامت بها الشرطة انتقادات المعارضة والعواصم الاجنبية التي نددت بضغوط الحكومة الاسلامية-المحافظة على منافسيها.

من جانب اخر اعلنت صحيفة حرييت التركية ان احمد حقان احد صحافييها المعروفين بانتقاداتهم للحكومة جرح في هجوم قام به رجال امام منزله في احد احياء اسطنبول الراقية. وقالت الصحيفة ان حقان الذي يقدم ايضا برنامجا على شبكة سي ان ان-ترك هوجم من قبل اربعة رجال امام منزله. وكان الصحافي عائدا الى منزله مع سائقه وحارس شخصي بعد تقديمه برنامجه "منطقة محايدة" (ترافسيس بولغي) في المبنى الذي تتقاسمه حرييت وسي ان ان-ترك.

وقد امسك احد المهاجمين بحارسه الشخصي وقام الثلاثة الآخرون بضربه قبل ان يلوذوا بالفرار. واخل الصحافي الذي اصيب بجروح في الاضلاع والانف الى المستشفى لكنه تمكن من مغادرتها. وذكرت حرييت ان الشرطة اوقفت اربعة مشبوهين لكن لم تعرف دوافعهم. وفي رسالة نقلها سيدات ايرجين رئيس تحرير صحيفة حرييت، قال حقان ان "مثل هذه الهجمات لن ترهبنا. لا نخاف من شىء وسنواصل الطريق الذي اخترناه". ودان ايرجين هذا "الهجوم المنظم والمخطط له"، مشيرا الى ان المهاجمين لاحقوا حقان بعد مغادرته مكتبه.

من جهتها، دانت السفارة الاميركية في انقرة في تغريدة على تويتر "الذين يحاولون ترهيب صحافيين بالعنف"، مؤكدة انهم "يخوضون معركة خاسرة". وتنتقد منظمات الدفاع عن حرية الصحافة تركيا باستمرار وتأخذ على الحكومة الضغوط التي تمارسها على الصحافيين. وتزايدت الهجمات على الصحافيين بينما يشن الرئيس رجب طيب اردوغان منذ نهاية تموز/يوليو حربا على المتمردين الاكراد الاتراك. بحسب فرانس برس.

وكان حقان واجه مؤخرا تهديدات من قبل كاتبي افتتاحيات في صحف حكومية لانتقاده السلطة وطلب حماية الشرطة. وهدد جيم كوتشوك كاتب الافتتاحية في صحيفة ستار القريبة من النظام حقان "بسحقه مثل حشرة". كما تعرضت مكاتب صحيفة حرييت في اسطنبول مرتين لهجمات من قبل متظاهرين قريبين من الحكومة اتهموها بتحوير تصريحات لاردوغان.

احكام مختلفة

الى جانب ذلك قضت محكمة في اسطنبول باحكام بالسجن تراوح بين شهرين و14 شهرا بحق 244 شخصا لمشاركتهم في التظاهرات العنيفة المناهضة للحكومة والتي هزت تركيا في حزيران/يونيو 2013. وخلال هذه المحاكمات، لوحق 255 شخصا بينهم سبعة اجانب بتهمة انتهاك قانون التظاهر على خلفية الحاقهم اضرارا باملاك خاصة او اماكن عبادة او لاسعافهم متظاهرين اخرين. وكانت النيابة طلبت انزال عقوبات بهم تصل الى السجن 12 عاما.

وحكم خصوصا على اربعة اشخاص بالسجن عشرة اشهر ل"تدنيسهم مكان عبادة" بعد دخولهم مع عشرات من المتظاهرين مسجد دولما بهجة على ضفة البوسفور هربا من مواجهات مع قوات الامن. واثار هذا الحادث استياء الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي كان انذاك رئيسا للوزراء، اذ اتهم المتظاهرين بدخول المسجد باحذيتهم وشرب البيرة داخله. لكن امام المسجد اكد ان ايا من المتظاهرين لم يتعاط الكحول داخله.

وبرأت محكمة جنائية في اسطنبول في نيسان/ابريل الفائت 26 شخصا معظمهم مهندسون واطباء ينتمون الى المجموعة التي حركت التظاهرات. انطلق هذا الحراك في صيف 2013 على خلفية بيئية وتخللته مواجهات بين عناصر الشرطة والمتظاهرين اسفرت عن ثمانية قتلى واكثر من ثمانية الاف جريح.

من جانبها ذكرت صحيفة حرييت اليومية ان القضاء التركي سيحاكم صبيين في الثانية عشرة والثالثة عشرة من العمر، اتهما ب "تحقير" الرئيس رجب طيب اردوغان، لأنهما مزقا صورته. واضافت الصحيفة ان نيابة ديار بكر طلبت في الاتهام انزال عقوبة السجن 14 شهرا و4 اشهر بالصبيين. وضبط الصبيان بينما كانا ينتزعان صورة رئيس الدولة في احد شوارع مدينة ديار بكر الكبيرة التي تسكنها اكثرية كردية في جنوب في شرق البلاد.

وقال الصبي الصغير الذي تم الكشف عن الحرفين الاولين من اسمه ر. ي. للقاضي "اردنا انتزاع ملصقات لاعادة بيع الورق. لم ننتبه الى من كان في الصورة، لم نكن نعرف من هو". وذكر محاميهما اسماعيل قرقماز ان موعد جلسة المحاكمة الاولى واضاف "اذا رفع الرئيس شكوى على الولدين لانهما مزقا احدى صوره، فهذا امر محزن جدا للقانون".

ويلاحق الصبيان بموجب المادة 299 من القانون الجزائي التي تفرض على كل شخص "يسيء الى صورة" رئيس الدولة عقوبة بالسجن اقصاها اربع سنوات. ومنذ انتخابه رئيسا في آب/اغسطس 2014، زاد اردوغان الذي يتهمه معارضوه بالنزعة التسلطية، من الملاحقات بناء على هذه المادة، فاستهدف فنانين وصحافيين واشخاصا عاديين. وفي كانون الاول/ديسمبر الماضي، اعتقل تلميذ في السابعة عشرة من العمر في صفه واوقف بضعة ايام بالتهمة نفسها، ثم حكم عليه بالسجن 11 شهرا مع وقف التنفيذ.

في السياق ذاته احال القضاء التركي رسميا على محكمة العدو اللدود للرئيس رجب طيب اردوغان، الداعية فتح الله غولن مع طلب عقوبة بالسجن 34 عاما له بتهمة الارهاب، وفق ما اوردت وكالة انباء الاناضول الحكومية. وغولن الذي يعيش في الولايات المتحدة ملاحق بتهمة "تشكيل عصابة اجرامية مسلحة" والتزوير والتشهير امام نيابة مكافحة الارهاب باسطنبول التي طلبت سجنه ايضا، بحسب المصدر ذاته.

وكان القضاء التركي اصدر منذ كانون الاول/ديسمبر 2014 مذكرة توقيف بحق غولن لكن الولايات المتحدة ترفض تسليمه. وغولن الذي كان لفترة طويلة حليفا للنظام الاسلامي المحافظ الحاكم في تركيا منذ 2002، اتهم من اردوغان بالسعي الى الاطاحة به من خلال تحقيق واسع في الفساد في 2013 بحق اردوغان ومقربين منه. ونفى غولن الذي يدير شبكة واسعة من المدارس والمؤسسات ومنظمة غير حكومية اسماها "حزمت" ومعناها خدمة، باستمرار هذه المزاعم وندد بها. بحسب فرانس برس.

وعلاوة على غولن احالت نيابة اسطنبول ايضا على المحكمة صاحب قناة سامانيولو التلفزيونية وخمسة من كبار ضباط الشرطة و26 شخصا آخرين يشتبه في انهم مقربون من شبكة غولن. وقد يحكم عليهم بالسجن لمدة تصل الى 26 عاما. وقام اردوغان منذ نحو عامين بعمليات تطهير ضد انصار "حزمت" خصوصا في الشرطة والقضاء حيث تم نقل آلاف الموظفين او طردهم او حتى سجنهم. كما تقدمت حكومته بعدة دعاوي قضائية ضد ما يصفها ب "الدولة الموازية". وشنت الشرطة عملية شد شركة مقربة من شبكة غولن هي مجموعة اباك الاعلامية. كما اوقفت رئيس مجلس ادارة مجموعة بويداك الصناعية ممدوح بويداك ثم افرج عنه بحسب وكالة دوغان.

ذات صلة

في ذكرى مولد عالم آل محمد: ثمرة من أرقى المواصفاتالكتل السياسية وبورصة انتخاب الرئيس الجديد لمجلس النوابحديث النفس والخاطر المحمودالاغفال التشريعي يخرق ضمانات الموظّفالسوسيولوجيا العربية وأزمة التنظير