الفرق في حقوق الإنسان بين الإسلام والمواثيق الدولية
جميل عودة ابراهيم
2024-01-29 04:12
الاعتقاد بان حقوق الإنسان في الإسلام لا تصلح لتلبية حاجات المجتمعات البشرية المعاصرة، كون تشريعها يعود إلى القرون الماضية ليس صحيحا. كما أن الاعتقاد بان حقوق الإنسان في المواثيق الدولية تستجيب بشكل كامل لمتطلبات المجتمعات العصرية ليس صحيحا أيضا. وما قيل عن وجود تعارض بين رؤية الإسلام لحقوق الإنسان ورؤية مواثيق حقوق الإنسان الدولية هو صحيح إلى حد كبير.
هذا التعارض هو واقع لا يمكن إنكاره، والذين حاولوا تكييف حقوق الإنسان في الإسلام على وفق معايير حقوق الإنسان المعاصرة سيدركون عاجلا أو آجلا أنهم كانوا مخطئين تماما، عندما اعتقدوا يوما ما أن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان هي أقرب للحقوق والحريات من رؤية الإسلام لهما. فالكفة يوما بعد آخر تميل لصالح الإسلام، كلما تقدم الزمان، وكلما وضُعت نصوص حقوق الإنسان الدولية على المحك. فحقوق الإنسان في الإسلام هي أكثر عمقا، وأشد إلزاما من المواثيق الدولية. كما أن الإسلام لم يجعل حقوق الإنسان والحفاظ عليها مجرد حق للإنسان، بل هي واجب عليه، ينبغي للمسلم أن يؤديه مثل أي واجب ديني آخر.
أجزم أن المسلمين مازالوا لا يهتمون كثيرا بما جاء من نصوص حقوقية في القرآن الكريم أو السنة النبوية، مثلما هم لا يهتمون بالمحتوى القرآني كله. وعدم الاهتمام هذا له سببان:
الأول؛ أن تقاليد وعادات المجتمعات الإسلامية تستند في غالبيتها إلى الثقافة الإسلامية، فأضحت من الأمور البديهة، التي اعتاد المسلمون ممارستها يوميا، والبديهي لا يهتم به أحد، ولا يسأل عنه أحد. فمثلا المساواة بين المسلمين قضية شخصية واجتماعية بديهية جدا، سواء أكان المسلم أبيض أو أسود، غني أو فقير. وسواء أكان المسلم من أهل البلد أو من بلد آخر. فلا يستطيع مسلم عاقل أن يطالب بحق له على مسلم آخر كونه أبيض والأخر أسود، أو يطالب بحقه كونه غني والآخر فقير.
والثاني؛ أن الكثير من المسلمين ابتعد عن مصادر الإسلام، وثقافة الإسلام، إما بسبب التعليم الحديث المبني على فلسفة الدين أفيون الشعوب، وإما لأن العلماء والقادة المسلمين لم يتمكنوا من طرح المفاهيم الإسلامية بطريقة تتلاءم ومتطلبات العصر.
تقول الراهبة الإنجليزية كارين أرمسترونج: الإسلام أول من وضع أسس قوانين حقوق الإنسان، حيث دان الممارسات المعادية لحقوق الإنسان منذ البداية، وجاء الإسلام ووجد العرب الوثنيون يقتلون بناتهم في تلك الطقوس المعروفة بوأد البنات، وكذلك ظهر الإسلام والأغنياء العرب يستغلون الفقراء ويمارسون الربا الفاحش ونقض العهود والسرقة، فجاء الإسلام بتشريعات خاصة ليأمر السادة أمراً حاسماً بأن يحسنوا معاملتهم للرقيق، وليقرر أن العلاقة بين السادة والرقيق ليست علاقة الاستعلاء والاستعباد أو التسخير أو التحقير، وإنما هي علاقة القربى والأخوة.
ليس الإسلام هو من وضع أسس حقوق الإنسان فقط، وليس هو من سبق كل الأمم والشعوب في تبني هذه الحقوق فقط، وليس هو من جعلها واجب فقط، بل نعتقد أن كل ما نص عليه الإسلام في القرآن الكريم، وما ثبت بنص صريح عن رسول الإسلام (ص) هو تعبير عن روح حقوق الإنسان وحرياته، سواء أكانت المواثيق الدولية قد نصت عليه صراحة أم لم تنص، وسواء أكانت موافقة له أم متعارضة معه.
إذ أن جذور حقوق الإنسان في الإسلام تكمن في العقيدة وتبدأ مع الإيمان بالله، الذي هو مصدر القيمة المتعالية. الله هو الذي أنعم بالكرامة على الإنسان (القرآن الكريم، سورة الإسراء، آية 70)، وهو الذي حرم انتهاك حقوق الإنسان وسلب كرامته. وبالتالي، سيكون فهمنا لحقوق الأفراد في علاقتنا مع كل من الله والناس داخل المجتمع. هذا يختلف عن فحوى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (UDHR)، الذي يبدو أنه يستخدم المفهوم التحرري لفرد منفصل عن التزاماته الاجتماعية و/أو علاقته بالمجتمع.
يقوم الإسلام على مبدأ تقاسم الحقوق والواجبات، ويؤكد على أن المسؤولية تقع على جميع المستويات والأفراد في المجتمع. ومثال على طريقة تقاسم الحقوق والواجبات هو رعاية المسنين، فالإسلام يحمل أفراد الأسرة أولا مسؤولية رعاية المسنين، كما أن الآباء والأمهات بدورهم عليهم مسؤوليات تجاه رعاية أطفالهم العاطفية والجسدية. بينما الحق في الرعاية وتكاليفها في سن الشيخوخة لنسبة متنامية من المسنين في المجتمعات الشمالية تقع قانوناً على الدولة باعتبارها الجهة المسؤولة الرئيسية عن الحالات التي تتطلب المساعدة..
في النهاية، الشريعة الإسلامية هي نظام متكامل يعترف بالإطار العقائدي للحقيقة الناشئة من الوحي الإلهي. حرية الفكر والممارسة الدينية هي مقررة ومحمية في الجزء الأكبر من الشريعة الإسلامية. يوجد اعتراف بأن التنوع هو جزء من الطبيعة البشرية وبأن العدالة يجب أن تسود من أجل حماية حقوق الأفراد، طالما أنها لا تتعدى على الصالح العام.
نخلص مما تقدم إلى أن هناك فروقا جوهرية بين رؤية الإسلام لحقوق الإنسان وبين المواثيق الدولة وأهم هذه الفروق هي:
1. من حيث الأسبقية: لقد كان للشريعة الإسلامية فضل السبق على كافة المواثيق والإعلانات والاتفاقيات الدولية في تناولها لحقوق الإنسان وتأصيلها لتلك الحقوق منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان، وأن ما جاء به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية اللاحقة ومن قبلها ميثاق الأمم المتحدة ما هو إلا ترديد لبعض ما تضمنه الشريعة الإسلامية .
2. من حيث الدقة والصواب: حقوق الإنسان في الإسلام أعمق وأصوب من حقوق الإنسان في المواثيق الوضعية، فحقوق الإنسان في الإسلام مصدرها كتاب الله وسنة رسوله (ص) أما مصدر حقوق الإنسان في القوانين والمواثيق الدولية فهو الفكر البشري، والبشر يخطئون أكثر مما يصيبون، ويتأثرون بطبيعتهم البشرية بما فيها من ضعف وقصور وعجز عن إدراك الأمور والإحاطة بالأشياء، وقد أحاط الله بكل شيء علماً.
3. من حيث الشمول: إذا كانت المواثيق الدولية قد ضمنت بعض الحقوق فإن الإسلام بمصدريه القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة شملا جميع أنواع الحقوق التي تكرم الله بها على خلقه. فالإسلام تفرّد ببعض الحقوق لم ترد في الإعلان العالمي، ومنها: (حق ضعاف العقول في الرعاية، حقوق اليتامى، حق الدفاع عن النفس، الحق في العفو، الحق في الميراث).
4. من حيث الإلزام: حقوق الإنسان في الإسلام حقوق ملزمة، شرعها الخالق سبحانه وتعالى، فليس من حق بشر كائناً من كان أن يعطلها أو يتعدى عليها، ولا تسقط حصانتها الذاتية لا بإرادة الفرد تنازلاً عنها ولا بإرادة المجتمع ممثلاً فيما يقيمه من مؤسسات أياً كانت طبيعتها وكيفما كانت السلطات التي تخولها. أما فيما يتعلق بالقيمة القانونية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان فهو ليس إلا مجرد تصريح صادر عن الأمم المتحدة غير ملزم.
5. من حيث الجزاء: لما كانت حقوق الإنسان في الإسلام ملزمة لكل مسلم فأنها فريضة تتمتع بضمانات جزائية وليست مجرد توصيات أو أحكام أدبية، فللسلطة العامة في الإسلام حق الإجبار على تنفيذ هذه الفريضة، خلافاً لمفهوم هذه الحقوق في المواثيق الدولية التي تعتبرها حقاً شخصياً مما لا يمكن الإجبار عليه إذا تنازل عنه صاحبه.