الرقابة الشعبية لحماية حقوق الإنسان
جميل عودة ابراهيم
2015-08-25 06:09
هناك نوعان من الرقابة لضمان الحقوق والحريات، الأول: الضمانات الدستورية، حيث يعد النص على حقوق الإنسان في الدستور أحد الوسائل التي تؤدي إلى ضمان حقوق الإنسان وتعمل على عدم انتهاكها، إذ إن النص على هذه الحقوق في الدستور يعني إن هذه الحقوق مبادئ دستورية وطنية يجب على كافة السلطات في الدولة احترامها.
الثاني: الضمانات القضائية، حيث تعد الضمانات القضائية من الضمانات الداخلية التي تؤدي إلى حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، من خلال قيام القضاء بفض المنازعات الخاصة بين الأفراد وإرجاع الحقوق إلى أصحابها من خلال إعطائهم حق التقاضي أمامه، بالإضافة إلى دوره في حماية حقوق الإنسان من خلال الرقابة على دستورية القوانين وعلى أعمال السلطة التنفيذية.
والسؤال هنا، هل الضمانات الدستورية والقضائية كافية لتمتع الإنسان بحقوقه وحرياته؟ وهل الضمانات الدستورية والقضائية، يمكن أن تكون رادعا لانتهاكات حقوق الإنسان؟ أم نحن بحاجة إلى نوع آخر من الرقابة يمكن أن تؤمن للمواطنين المزيد من الضمانات لحقوقهم وحرياتهم؟.
لاشك أن وجود نصوص دستورية ضامنة لحقوق وحريات المواطنين من جهة، ووجود سلطة قضائية مستقلة تطبق الدستور والقوانين الراعية لحقوق الإنسان وحرياته من جهة ثانية، هي مساءلة في غاية الأهمية، كونها تمثل اعترافا أوليا وأساسيا بتلك الحقوق وتضمن الحدود الدنيا في التعامل مع منتهكيها.. إلا أن القول بان تلك الضمانات كافية هو قول يجافي الواقع؛ فعلى الرغم من وجود نصوص دستورية وتطبيقات قضائية في معظم الدول، ولكن هناك انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، ولا تكاد دولة بما فيها الدول الراعية للحقوق والحريات تخلو من ممارسات لا تنسجم مع الحقوق تحت مسميات ومبررات كثيرة..
وبالتالي، يمكن القول إن ضمان حقوق الإنسان وحرياته الأساسية لا يتحقق فقط بوجود الضمانات الدستورية والضمانات القضائية، إذ لابد من وجود ضمانات أخرى، بحيث تؤدي هذه الضمانات بمجملها إلى ضمان حقوق الإنسان وعدم انتهاكها. والضمانات الأخرى هي ضمانات واقعية غير منظمة تعزز دور الضمانات القانونية (الدستورية والقضائية) التي قد تعجز أحياناً عن توفير الحماية اللازمة للدستور واحترام حقوق الأفراد وحرياتهم، وتتمثل بالرأي العام ومنظمات المجتمع المدني.
المقصود بمصطلح "الرأي العام" هنا هو السلطة التي يتمتع بها الشعب أو جزء كبير منه، التي تدفع بشكل منتظم تجاه مبدأ احترام الحقوق والحريات، ومحاسبة الأفراد والمؤسسات والجماعات التي تنتهك تلك الحقوق. وهناك من يعرف الرأي العام، بأنه إدارة شعبية حكيمة، وهذه الإدارة أو مجموعة الإدارات تدخل في حوارات ومناقشات تعمل على نشر مفاهيم حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ويكون لها دور كبير في كشف الانتهاكات على هذه الحقوق من قبل السلطة الحاكمة.
وهناك تعريف ثالث يقول: يراد بمصطلح "الرأي العام" مجموعة الآراء التي تسود مجتمع معين في وقت ما بخصوص موضوعات معينة تتعلق بمصالحها العامة والخاصة.
ومهما كان التعريف المطروح للرأي العام، فهو قوة حقيقية شأنها شأن الريح، له ضغط لا تراه ولكنه ذو ثقل عظيم، وهو كالريح لا تمسك بها ولكنك تحني لها الرأس متطبعاً. والرأي جزء من منظومة متكاملة تبدأ بالمعلومات وتمر بالآراء والاتجاهات والقيم والمعتقدات وتنتهي بالسلوك. أي أن دور الرأي العام في ضمان وحماية حقوق الإنسان يرتبط بمدى ثقافة المجتمع ومدى معرفته بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وهذا بلا شك يتحقق من خلال تعليم وتثقيف أفراد المجتمع على الأفكار والمبادئ المتعلقة بحقوق الإنسان.
والمحصلة النهائية، إن رقابة الرأي العام تعد في الواقع العامل الرئيس في احترام الدستور وما يتضمنه من حقوق وحريات للأفراد؛ فكلما كانت هذه الرقابة قوية كلما كان التقيد بالدستور قوياً. وكلما كانت رقابة الرأي العام ضعيفة أو منعدمة كلما ضعف تعباً لذلك احترام الدستور. إذ إن احترام القواعد الدستورية إنما يرجع إلى مراقبة الأفراد لحكامهم، إلا إن هؤلاء لا يمكنهم التأثير على تصرفات الحكام ما لم يكن رأيهم مستنيراً ناضجاً ومنظماً من جهة أخرى.
وفي إطار "الرأي العام" أو "الإرادة الشعبية" ينبثق من المجتمع المحلي ما يعرف اليوم بـ"المجتمع المدني" أو "المؤسسات غير الربحية" أو "المنظمات غير الحكومية"، وهي مؤسسات تتوسط القطاع العام فهي ليست حكومية، والقطاع الخاص فهي ليست مملوكة لأشخاص، إنما هي مؤسسات غير ربحية تسعى لتحقيق أهداف مجتمعية تطوعية، منها ما يهدف إلى حماية وضمان حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
وبهذا المعنى فإن منظمات المجتمع المدني تساهم بدور مهم في ضمان احترام الدستور وحماية حقوق الأفراد وحرياتهم وتمثل الأسلوب الأمثل في إحداث التغيير السلمي والتفاهم الوطني مع السلطة في سبيل تعزيز الديمقراطية وتنشئة الأفراد على أصولها وآلياتها. فهي الكفيلة بالارتقاء بالفرد وبث الوعي فيه وتعبئة الجهود الفردية والجماعية للتأثير في السياسات العامة وتعميق مفهوم احترام الدستور وسيادة القانون.
ويتحقق هدف هذه المؤسسات في حماية حقوق الإنسان من خلال عدة نشاطات تقوم بها داخل الدولة، وهذه النشاطات تتمثل بتعريف أفراد المجتمع على مفهوم حقوق الإنسان وعلى المواثيق الدولية والإقليمية التي صدرت لحماية حقوق الإنسان. فضلاً عن الإشارة إلى سبل حماية حقوق الإنسان.
إذن، يمكن القول إن الضمانات الدستورية والقانونية والشعبية هي ضمانات في غاية الأهمية لحماية حقوق الإنسان، ومن أجل أن تكون فعالة ومجدية فان هناك مجموعة من التوصيات الضرورية منها:
أولا/ العمل على تعزيز الضمانات الدستورية من خلال النصوص الصريحة والواضحة التي لا تقبل اللبس والتأويل في مجال حقوق الإنسان وعلويتها على بقية النصوص الدستورية.
ثانيا/ العمل على حماية الحقوق من تجاوزات السلطة التشريعية وذلك من خلال منع المشرع من انتهاك المبادئ والإحكام الواردة في الدستور الخاصة بحقوق وحريات العامة للأفراد أثناء عملية سن القانون، وخضوع كل القوانين الصادرة من السلطة التشريعية لهذه الرقابة للنظر في مطابقتها مع نصوص الدستور باعتبار أن تلك القواعد هي العليا وتقع في قمة القواعد القانونية في الدولة.
ثالثا/ العمل على تعزيز الضمانات القضائية من خلال وجود قضاء يقوم على أساسيين هما: الاستقلال التام، والحرية الكاملة في عملية اتخاذ القرار. ويظهر هذا الدور واضحا جليا في حماية تلك الحقوق من خلال اعطاء المواطن حق التقاضي، وحماية الحقوق من تجاوزات السلطة التشريعية، وحماية الحقوق من تجاوزات السلطة التنفيذية.
رابعا/ العمل على تعزيز الضمانات السياسية؛ بمعنى وجود نظام سياسي يؤمن بتلك الحقوق ويقوم باحترامها. أي نظام يقوم على ثلاثة أسس هي:
أ – وجود دولة المؤسسات: أي توزيع الصلاحيات والأدوار ووظائف الدولة على عدة هيئات سياسية وأخرى اجتماعية تنظم الحياة العامة ضمن الدولة.
ب – إقرار الحقوق والحريات العامة للإنسان في الحرية والمساواة بين كل أفراد المجتمع السياسي.
ج – التداول السلمي ما بين السلطات بين القوى السياسية المتعددة في الدولة على أساس حكم الأغلبية مع الحفاظ على حقوق الأقليات.
خامسا: فسح المجال للأفراد في عرض آرائهم ومقترحاتهم ونقد أعمال الحكومة ونشر شكاوى المواطنين من تجاوزات السلطة التنفيذية على حقوقهم الدستورية والقانونية.
...................................................