حقوق المرأة العاملة.. بين سلطة التقاليد والهيمنة الذكورية

عبد الامير رويح

2015-08-03 11:33

لا زالت المرأة في ميادين العمل، وعلى الرغم من المطالبات المستمرة والشعارات المطالبة بالمساواة، تعاني الكثير من المشكلات والمضايقات والانتهاكات، بسبب الفوارق التي أثرت سلبا على حقوقها القانونية، فهي وكما يقول بعض الخبراء لا تزال تعاني من التميز والإقصاء الإداري فيما يخص الأجور او الحماية او الترقيات التي يحصل عليها الذكور.

وتشير دراسة خاصة بمنظمة العمل الدولية حول المرأة العاملة الى "أن الفوارق التي تعاني منها المرأة العاملة، سواء بالنسبة للمسؤوليات التي تتولاها او التكوين الذي تحصل عليه او الأجور التي تتقاضاها او التأمين الذي تحصل عليه ضد البطالة، تشجع على تزايد ظاهرة العاملات الفقيرات". ويكفي الاشارة الى أن 60% من مجموع عمال وعاملات العالم الذين يتقاضون اقل من دولارين في اليوم، والبالغ عددهم 1،37 مليار عامل وعاملة، هن من النساء.

يضاف الى ذلك أن النساء هن اللواتي يعانين اكثر من الذكور من مشكلة البطالة، بحيث تبلغ النسبة عالميا 6،6%، بينما لا تتعدى لدى الذكور 6،1%، وهو ما يشكل حوالي 81،8 مليون عاطلة عن العمل من بين مجموع 195 مليون عاطل في العالم. كما أن دراسة منظمة العمل الدولية تشير الى أن النساء يزج بهن في الأشغال غير المربحة او ذات الدخل الضعيف، مثل الزراعة والخدمات، بحيث نجد 40،4% منهن في القطاع الأول و42،4% في القطاع الثاني. وبحكم الزيادة السكانية العالمية فان عدد النساء العاملات قد سجل، ، ارتفاعا ملموسا بنسبة 40 % فقد ارتفاع من مليار عاملة في عام 1996 الى 1،2 مليار في عام 2006. وتتقاضى النساء أجورا لا تتجاوز 90% من أجور الذكور في العديد من القطاعات.

وفي هذا الشأن فقد بلغ الفارق في الأجور بين النساء والرجال 16,4 % سنة 2013 في الاتحاد الأوروبي وليست بلدان أوروبا الشمالية بمنأى عن هذه المشكلة، بحسب ما بينت أرقام المكتب الأوروبي للإحصاءات "يوروستات". وسجل أكبر فارق في أجور النساء والرجال في إستونيا حيث بلغ 29,9 % سنة 2013. وتلتها النمسا مع 23,0 % ثم الجمهورية التشيكية مع 22,1 % وألمانيا (21,6 %).

وفي المقابل، تراجع هذا الفارق إلى أدنى مستوياته في سلوفينيا (3,2 %) ومالطا (5,1 %) وبولندا (6,4 %)، فضلا عن إيطاليا (7,3 %) وكرواتيا (7,4 %). وبالمقارنة مع العام 2008، تقلصت هذه الفجوة في غالبية بلدان الاتحاد الأوروبي، لكنها اتسعت في حوالى 10 بلدان، مثل البرتغال. ولفت مكتب "يوروستات" الذي نشر هذه الإحصاءات إلى أن الفروقات في سوق العمل بين الرجال والنساء لا تقتصر على الأجور. فثلثا المدراء والكوادر والمسؤولين هم من الرجال، في حين أن موظفين اثنين من أصل ثلاثة موظفي مكاتب هم من النساء.

التمييز على أساس الجنس

الى جانب ذلك قضت محكمة بريطانية بإمكانية سعي موظفة سابقة للحصول على تعويضات تأديبية من شركة كانت تعمل بها في وادي السيليكون بسبب تعرضها لتمييز على أساس الجنس. وقالت إلين باو، التي ترأس حاليا موقع "ريديت"، بأنها استبعدت من الترقية أثناء فترة عملها في شركة كلينر بيركنس على أساس الجنس. وأضافت أنها فصلت من عملها لاحقا بعد أن تقدمت بشكوى. ونفت الشركة التهم وقالت إن قراراتها تتخذ على أساس الأداء.

كما يواجه موقعا التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر دعوتين قضائيتن منفصلتين رفعتهما موظفتان سابقتان بزعم أنهما تعرضتا خلال عملهن لتمييز على أساس الجنس، وتنفي الشركتان ذلك الاتهام. وعقدت جلسات القضية مثار الجدل بين باو وكلينر بيركنز كاولفيلد والمستثمر البارز بايرز خلال الأسابيع الماضية. كما تسعى باو، بالاضافة إلى التعويضات التأديبية، إلى الحصول على مبلغ 16 مليون دولار تعويضا عن رواتب لم تحصل عليها. وكانت المحكمة قد علمت بالفعل بأن باو أرسلت مذكرة إلى إدارة كلينر بيركنز في يناير/كانون الثاني 2012 تعبر من خلالها عن قلقها بشأن معاملة النساء في الشركة بعد أن علمت بترقية ثلاثة من الزملاء الذكور في الشركة في حين استبعدت نظرائهن من النساء. وإلين باو ستكون قادرة على مطالبة شركتها السابقة بتعويضات تأديبية.

لكن المستثمرة ماري ميكر، وهي شريكة في كلينر بيركنز، قالت للمحكمة :"إذا نظرت إلى شركات الأعمال الاستثمارية ونظرت إلى القوى اللاعبة في السوق، ستجد أن كلينر بيركنز هي الأفضل." وأضافت "عندما يكون لديك أناس من كافة الطوائف والأعراق، فذلك يساعد الناس على اتخاذ قرارات أفضل لتوافر وجهات نظر مختلفة." كما علمت المحكمة بأن باو كانت على علاقة بأحد الزملاء في الشركة فصل من عمله بعد ذلك بسبب واقعة تحرش جنسي منفصلة.

وحكم القاضي هارولد كان بـ "كفاية الأدلة" التي تؤيد شكوى باو. وقال "هناك أدلة كافية تبرر على نحو معقول للقاضي شكوى باو بحدوث تمييز على أساس الجنس وأن كلينر بيركنز تصرفت بطريقة تتسم بالمكر أو الاحتيال أو القمع." وأضاف "هناك أدلة كافية تبرر على نحو معقول للقاضي استنتاج أن كلينر بيركنز تورطت عن عمد في تمييز على أساس الجنس بتقاعسها عن ترقية باو وحرمانها من وظيفتها، وأن كلينر بيركنز سعت إلى التستر على سلوكها غير القانوني من خلال تقديم تفسيرات غير حقيقية عن علم كذريعة لقرار عدم ترقية باو وإقصائها عن وظيفتها."

هيمنة ذكورية

كما رفعت تينا هوانغ، مهندسة برمجيات سابقة في تويتر، دعوى قضائية ضد الشركة قالت فيها إن الترقيات تقوم على أساس "أحكام شخصية" من جانب لجنة "يهيمن عليها الذكور". واستقالت هوانغ من وظيفتها العام الماضي بعد أن أرسلت رسالة إلكترونية إلى المدير التنفيذي لتويتر بشأن مخاوفها. وقال متحدث باسم تويتر لموقع "ماشابل" إن هوانغ :"استقالت طواعية من تويتر بعد أن سعت الإدارة إلى إقناعها بالبقاء في مهام منصبها." وأضاف :"تويتر ملتزمة التزاما عميقا ببيئة عمل تقوم على الاختلاف والدعم، ونعتقد أن الحقائق ستثبت معاملة هوانغ بطريقة عادلة."

كما رفعت مديرة البرمجة، شيا هونغ، دعوى قضائية على فيسبوك التي كانت تعمل بها. ووفقا للشكوى التي رفعتها أمام محكمة سان ماتيو تقول إنها أعطيت أوامر بتنظيم حفلات وتقديم مشروبات لزملاءها الذكور، كما طلب منها تخصيص وقت لزيارة مدرسة طفلها وسُئلت عن سبب عدم بقاءها في المنزل لرعاية أطفالها. وقالت فيسبوك في بيان "نحن نعمل بجد بشأن القضايا التي تتعلق بالتنوع والمساواة بين الجنسين، ونعتقد أننا أحرزنا التقدم." وأضافت الشركة "في هذه القضية، لدينا خلافات جوهرية بشأن الحقائق، ونعتقد أن سجل العمل يبين معاملة الموظفة بنزاهة."

وقال المستثمر ورجل الأعمال إريك رايز من كاليفورنيا إن قضية التمييز على أساس النوع في وادي السيليكون موثقة لكنها عن غير عمد. وأضاف "عملنا يعتمد على معرفة الأنماط. وهم ينظرون إلى ما نجح من هذه الأنماط في الماضي ويسعون إلى تحديد مثلها في المستقبل." وقال "وادي السيليكون يتطلع كي تصبح الجدارة منهجا له، لذا لدينا ثقافة لتقييم البيئة الخارجية من الأفراد والمنظور الذي يأتون به، وهناك فكرة تقول إن الأفكار الجيدة يمكن أن تأتي من أي مكان، وهذا هو طموحنا لكن الواقع يفرض تقصيرا في كثير من الأحيان."

ويقول خبراء إن قضية التنوع مازالت تمثل تحديا قطاع التكنولوجيا وقالت سو بلاك، التي أسست شبكات نسائية لعلوم الكمبيوتر، إنها سعيدة بأنها ترى نساء يرفعن دعاوى قضائية ضد المعاملة غير المنصفة في قطاع التكنولوجيا. وقالت "بالتأكيد تعد هذه القضايا صادمة، لكنه من الرائع اتخاذ مثل هذه المواقف." وأضافت "أعداد النساء اللائي يعملن في قطاع التكنولوجيا مازال كما هو منذ 20 عاما." بحسب بي بي سي.

وقالت "لا نستطيع في بعض الأحيان تغيير أي شئ، لكن في حالات أخرى، لاسيما في مجال التواصل الاجتماعي، تخرج العديد من الأشياء من عباءة الجمود، وتعطي الناس مصداقية لحقيقة احتياجنا للتنوع عموما في بيئة العمل." وأضافت :"سمعنا الكثير من أصوات النساء يروين ما يحدث لهن، ولدينا الكثير من الرجال يوافقون على وجود مشكلة." وقال بلاك هناك أيضا المزيد من الدعم، مضيفا "شعرت خلال العامين أو الثلاثة الماضية بموجة ظهرت للتغلب على هذه المشكلة." وأضاف "أصبحت السيدات يتحدثن علنا وبثقة أكبر، وأصبح هناك الكثير من الداعمين لهن."

قطر وايران

على صعيد متصل دانت منظمة العمل الدولية التابعة للامم المتحدة شركة الخطوط الجوية القطرية لصرفها تلقائيا المضيفات الجويات العاملات لديها بعد حملهن وذلك تنفيذا لبند في عقد عملهن، مطالبة الشركة بالغاء هذا البند. وصدرت هذه الادانة في جنيف عن لجنة كانت المنظمة شكلتها للنظر في هذه القضية بعد مراجعة تقدمت بها خصوصا الكونفدرالية الدولية لموظفي النقل.

وقالت اللجنة في خلاصة قرارها ان حجة حماية صحة المضيفات الجويات الحوامل ليست مقبولة وتشكل اجراء "تمييزيا" يتعارض مع معاهدة العمل الدولية التي اقرت قبل 57 عاما وصادقت عليها 179 دولة. وجاء في قرار اللجنة ان "اجراءات الحماية يجب ان تتضمن اجراء يضمن عدم فقدان الموظفة عملها او وظيفتها خلال فترة حملها".

وطالبت اللجنة الخطوط الجوية القطرية بالغاء هذا البند من عقد العمل الذي توقعه مضيفاتها الجويات والذي ينص على الغاء العقد بشكل تلقائي اذا حملن. كما طالبت اللجنة الحكومة القطرية بأن "تتخذ اجراءات لتشجيع الشركة على بذل كل الجهود لكي تجد وظيفة بديلة موقتة لكل افراد الطاقم الذين لا يعود بامكانهم الطيران او ان تعرض عليهم اخذ عطلة".

وطلبت اللجنة من الحكومة القطرية ايضا ان "تتخذ دون تأخير اجراءات تضمن لكل افراد الطاقم الذين سيستفيدون من هذا العقد المعدل ان يتمكنوا من الزواج او تبديل وضعهم الاجتماعي من دون طلب اذن الشركة". وهذا الشرط منصوص عليه ايضا في احد بنود عقد العمل، لكن الخطوط الجوية القطرية اكدت انها الغته. واعلنت اللجنة انها كلفت هيئة خبراء متابعة تنفيذ توصياتها هذه.

من جانبها اعلن مسؤول ان حوالى 47 الف امرأة عاملة في ايران سرحن مؤخرا من وظائفهن بعد عودتهن من اجازة الامومة كون اصحاب العمل يفضلون توظيف عاملين اقل كلفة، علما بان القانون الجديد الذي يمدد اجازة الامومة لا يزال ينتظر التمويل اللازم لتطبيقه. وتواجه الاسر والحكومة في ايران صعوبات مالية رغم الاتفاق حول النووي المبرم في 14 تموز/يوليو بين الدول الكبرى وايران والذي سيفسح المجال لنهوض الاقتصاد الايراني.

وتجد الوزارات الاساسية وخصوصا التعليم والنفط صعوبة في دفع رواتب الموظفين بسبب موازنة تقشف تم تبنيها في اذار/مارس بعد تراجع كبير في اسعار النفط. والقانون الجديد يفرض اجازة امومة مدفوعة من تسعة اشهر لكن الاموال اللازمة لتطبيقه -- حوالى 3200 مليار ريال (985 مليون دولار) -- غير متوافرة بعد وفقا لمسؤولين في الضمان الاجتماعي.

وقال محمد حسن زاده المسؤول في هيئة الضمان الاجتماعي الايراني في حديث لوكالة الانباء الطلابية الايرانية "حتى الان لم يتم تخصيص ولا ريال واحد". وذكر ان دراسات اظهرت انه تم طرد 47 الف امراة من بين النساء ال145 الفا اللواتي اخذن اجازة امومة من ستة اشهر خلال الاشهر ال18 الاخيرة، وذلك عندما عدن الى العمل. واضاف زاده ان "كثيرين من حملة الشهادات على استعداد للعمل برواتب اقل بكثير". واوضح انه "اذا تم رفع اجازة الامومة الى تسعة اشهر فان عدد النساء اللواتي سيخسرن وظائفهن لدى عودتهن الى العمل سيزداد الى حد كبير".

ووفقا لمركز الاحصاءات الايراني فان نسبة البطالة كانت ب10,8% في 2014 في حين قدرت مصادر غير رسمية هذه النسبة ب20%. كما ان البطالة المقنعة منتشرة جدا في ايران بحسب البنك الدولي. وسوق العمل ضعيفة وفقط 36,7% من السكان يعملون. وقال زاده انه فور تأمين الحكومة الاموال اللازمة سيبدأ تطبيق اجازة الامومة لتسعة اشهر. وستكون حوالى 160 الف امرأة في سوق العمل معنية بالقانون الجديد. بحسب فرانس برس.

وبعد انكماش كبير عادت ايران تسجل نموا العام الماضي خصوصا بسبب الرفع الجزئي للعقوبات الدولية الذي كان نص عليه الاتفاق المرحلي الذي وقع بين طهران والدول الكبرى. والاتفاق النهائي الذي تم التوصل اليه في 14 تموز/يوليو في فيينا سيفضي الى رفع العقوبات المفروضة من الامم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي ما يسمح بتحسين الاقتصاد وآفاق العمل.

الى جانب ذلك قالت كريستين لاجارد مديرة صندوق النقد الدولي إنه ينبغي على الدول أن تلغي القوانين التي تمنع المرأة من العمل كي تعزز اقتصادها. وقالت لاجارد في تدوينة "توجد في دول كثيرة جدا قيود كثيرة جدا تتآمر على المرأة حتى لا تصبح نشطة اقتصاديا." وأضافت "في عالم يبحث عن النمو ستلعب المرأة دورا في العثور عليه إن هي وجدت أمامها ساحة مستوية لا مؤامرة خبيثة."

ولاجارد أول إمرأة ترأس صندوق النقد الدولي وقد جددت جهود الصندوق لتعزيز دور المرأة في الاقتصاد العالمي قائلة إن ذلك يمكن أن يزيد إمكانات النمو ويحسن التطور. وربما تكون هذه التصريحات أكثر إقناعا مع تباطوء النمو العالمي وفي دول يزداد فيها عدد كبار السن مثل اليابان حيث يقل معدل مشاركة النساء في قوة العمل عن مستويات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

لكن يتعين على صندوق النقد الدولي التحرك بحذر في هذه القضية لتجنب الانتقاد الصريح لقوانين سارية في دول أعضاء مثل مالي واليمن اللذين يصنفان على أنهما من أسوأ الدول في مؤشرات المساواة بين الجنسين. وسعى صندوق النقد الدولي إلى التعبير عن رؤيته من خلال منظور اقتصادي وقال في دراسة سابقة إن تشغيل عدد من النساء مساو لعدد الرجال يمكن أن يعزز النمو الاقتصادي بنسبة خمسة في المئة في الولايات المتحدة وتسعة في المئة باليابان و34 في المئة في مصر.

عاملات المناجم

من جانب اخر وعلى عمق مئتي متر تحت سطح الارض، تخوض عاملة المناجم برنيس ثورة نسائية صغيرة بوجه العقلية الذكورية والعنيفة السائدة في قطاع المناجم في جنوب افريقيا. وتشرف هذه الأم لولدين على فريق يضم 22 شخصا غالبيتهم من الرجال في منجم للبلاتين في باتوبيلي (شمال)، وهي واحدة من الاف النساء العاملات في المناجم في قطاع لا يزال يسيطر عليه الرجال.

وفي حين لم يرفع الحظر على عمل النساء في المناجم سوى في العام 1996، تبلغ نسبة النساء في المناجم 15 % من اجمالي العاملين في القطاع، وهو معدل اعلى من ذلك المحدد من جانب الحكومة عند 10 %. وتضم شركة "انغلو اميريكن بلاتينوم"، اكبر شركة خاصة في جنوب افريقيا لناحية عدد الموظفين والمشغلة لمنجم باتوبيلي، 3081 امراة في صفوفها.

ومع أن برنيس موتسييلوا تؤكد عدم تعرضها لأي عنف جسدي منذ نزولها للمرة الأولى الى قعر منجم للذهب قبل 13 عاما، لكنها تستذكر في المقابل تلقيها سيلا من الشتائم والاهانات. وتروي "كان الأمر قاسيا. كنا نتعرض لاهانات علنية من جانب زملائنا الرجال الذين كانوا يقولون لنا إننا لسنا في مكاننا". وتضيف "في البداية كنت ارغب في الاستقالة. كان يتعين علينا الدفاع عن انفسنا في وجه رجال ما كانوا معتادين على العمل مع نساء".

وكثيرا ما تمهد الاهانات الموجهة للنساء الطريق لحصول حالات تحرش أو ما هو أسوأ. فقد اظهرت دراسة اجرتها جامعة فيتفاترسراند سنة 2009 أن النساء يتعرضن باستمرار لاعتداءات جنسية في قطاع المناجم، وهو مجال صناعي رئيسي للاقتصاد في جنوب افريقيا يعمل فيه حوالى مليون شخص. وتوضح الدراسة أن "الرجال لا يزالون يرون النساء كأغراض جنسية كما أن الاعمال الجنسية في مقابل مساعدة النساء على انجاز اعمالهن تسجل ازديادا".

وفي العام 2012، على بعد بضعة كيلومترات من موقع باتوبيلي في داخل منجم آخر تشغله ايضا شركة "انغلو اميريكن"، تعرضت عاملة للاغتصاب والقتل بضربها بالحجارة. وقبل ثلاثة اشهر، جرى اغتصاب امرأة في غرفة الملابس داخل منجم آخر تابع للشركة نفسها لكنها نجحت بالفرار. وتستذكر برنيس موتسييلوا معاناتها قائلة "اصبت بالصدمة وفقدت ثقتي بالكامل في هذا المجال". وباتت هذه المرأة في تواصل مستمر مع غرفة التحكم عندما تكون في مهماتها تحت الارض. وتوضح برنيس أن "هذا الامر كان له اثر حقيقي علي. كنت اتساءل ماذا لو صادفت احدا ليعتدي علي؟.

ويؤكد عامل المناجم المتقاعد الياس مخونزا أنه عندما كان يعمل في قعر المنجم كان رجال يطلبون "خدمات" من النساء في مقابل مساعدتهن على انجاز المهام الاكثر صعوبة. ويقول هذا العامل الذي اشتغل على مدى 22 عاما في مجال استخراج الذهب "الأمور كانت تحصل على قاعدة اذا قمت بعمل ما نيابة عنك فعليك اعطائي امرا ما في المقابل". ويعتبر مخونزا أنه "ما كان يجب ابدا القبول بعمل النساء تحت الارض".

وفي مواجهة هذا العنف، انشأت شركة "انغلو اميريكن" نظاما يسمح للنساء بتفادي العمل لوحدهن وبالتواجد الدائم مع نساء اخريات او رجال موثوقين. كما تم تخصيص خط ساخن للابلاغ عن حالات التحرش الجنسي اضافة الى كاميرات مراقبة ونظام تعرف على البصمات عند مدخل ملابس الملابس الخاصة بالنساء.

ويؤكد المدير العام لشركة "انغلو اميريكن بلاتينوم" كريس غريفيث أن "نساء اتين للتحدث معنا وطلبن منا اتخاذ بعض التدابير. وثمة عملية جارية حاليا كي يشعرن بالأمان في مناجمنا". وينزل عمال المناجم الى عمق يصل حتى 350 مترا حيث يصبح مستوى النور ضئيلا جدا. وفي هذه الظروف القاسية، تؤكد نوزوكو اوغيلي إحدى النساء الثلاث في فريق برنيس موتسييلوا أن عليها العمل بجد اكبر مقارنة مع الرجال كي يؤخذ عملها على محمل الجد. وتقول "العمل مضن جسديا وعلينا كنساء أن نظهر قدرتنا على اتمامه". بحسب فرانس برس.

لكن على الرغم من العوائق الكثيرة، نجحت برنيس في فرض نفسها كمشرفة على فريق من عمال المناجم بعد سنوات من العمل اليدوي. وهي حاليا تتمتع بسلطة حتمية على رأس فريقها ولا تفكر للحظة في تغيير مهنتها. وتوضح برنيس "تعلمت أن لا شيء غير قابل للتحقيق. إذا كان الرجال قادرون على فعل امر ما فالنساء يستطعن انجازه بشكل افضل".

بنات الأمهات العاملات

على صعيد متصل كشفت دراسة أجرتها جامعة هارفارد الأمريكية أن بنات الأمهات العاملات يشغلن وظائف أفضل لاحقا في حياتهن، وأن أبناءهن الصبيان "ينخرطون أكثر" في أعمال المنزل. ووجدت الدراسة أن بنات الأمهات العاملات هن أكثر قابلية للحصول على وظائف أفضل، ومرتبات أكبر، وعلاقات أكثر اتزانا، مقارنة ببنات الأمهات غير العاملات. وتقول الدراسة، التي شملت أكثر من 24 بلدا، أن تأثير عمل الأم من عدمه على البنات كان أكثر وضوحا في المملكة المتحدة والولايات المتحدة.

وتضيف الدراسة أن على الأمهات لا يشعرن بأنهن "يتخلين عن أطفالهن" في حال اتخذن قرارا بالعمل. وتظهر أرقام البرنامج الدولي للإحصائيات الاجتماعية بين عامي 2002 و2012 أن رواتب بنات الأمهات العاملات أكبر بنسبة 4 بالمئة، مقارنة ببنات غير العاملات. ووجدت الدراسة أيضا أن نحو ثلث البنات لأمهات عاملات يشغلن وظائف إدارية، مقارنة بربع بنات الأمهات غير العاملات. بحسب بي بي سي.

وتوصلت الدراسة في ملخصها إلى أن: "عدد النساء اللاتي يدخلن السلك الوظيفي في تزايد حول العالم، ولكن عددهن لا يوازي عدد الرجال الذين يقومون بأعمال منزلية غير مدفوعة الأجر. مسؤوليات النساء المنزلية تحد من خياراتهن في الدائرة الاجتماعية". وتستطرد الدراسة: "يعاني الرجال أيضا من عدم المساواة في تقسيم الأعمال المنزلية بينهم وبين النساء، ونظرا لطبيعة بعض الوظائف والتقاليد الإجتماعية فأنه يصعب على الرجال القيام بدور أكبر في أعمال المنزل."

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا