كيف يؤثر قانون الانتخابات الجديد على نتائج الانتخابات القادمة؟

د. علاء إبراهيم محمود الحسيني

2021-09-19 05:00

يعد القانون الأخير لانتخابات مجلس النواب مختلفاً عن القوانين السابقة من جهات عدة وتضمن العديد من الإيجابيات التي يمكن البناء عليها لتحقيق التغيير المنشود وتعزيزها بالمستقبل لبناء نظام انتخابي متماسك يعزز من فرص بناء نظام ديمقراطي في العراق، لاسيما وأنه جاء نتيجة مطالبات شعبية بالإصلاح كان على رأس مطالبها سن قانون انتخابي عادل يسمح للمستقلين والأحزاب الصغيرة من الدخول إلى مجلس النواب ومنافسة الأحزاب والكتل المتسلطة على المشهد السياسي في العراق منذ العام 2003 لغاية الآن.

ولا شك أن أي قانون يعد عملاً إنسانياً لايمكن أن يخلو من الثغرات والنقص والغموض ولكن ينبغي ان تتضافر الجهود دوماً لبناء نظام قانوني متماسك يحمل من الإيجابيات ما يفوق السلبيات، ومن الحقائق التي لا يمكن إنكارها ان القانون نسبي في أثره الإيجابي أو السلبي فما كان يصلح لزمان ومكان معين فقد لا يصلح لتحقيق الأهداف ذاتها عند تبدل الزمان أو تغير الأحوال والظروف العامة للبلاد.

وبما ان العراق يمر بمرحلة التغيير التراكمي منذ التغيير السياسي العام 2003 ولم يصل بعد إلى مرحلة الاستقرار فهو بحاجة لسن قوانين تؤسس لنظام ديمقراطي، ويعد قانون الانتخابات النيابية أو المحلة أهم أسس بناء النظام الديمقراطي المنشود، وعند صدور القانون الخاص بانتخاب مجلس النواب العراقي رقم (9) لسنة 2020 في أواخر العام الماضي أثار الكثير من الجدل الفقهي بخصوص طبيعة النظام الانتخابي الذي تبناه المشرع.

ونحن إذ نقترب من الاستحقاق الانتخابي نود ان نسلط الضوء في ورقتنا هذه على أهم الإيجابيات التي ينبغي إبرازها للرأي العام لحث المواطنين على المبادرة وانتخاب الأكفأ والأفضل وتبيان بعض السلبيات التي يمكن إثارتها لتكون محلاً للنقاش ومشروعاً للتعديل أو لتجاوز سلبياتها خلال الاستحقاق الانتخابي القادم.

أولاً: السمات العامة للقانون:

1- تبنى القانون نظام الأغلبية في اختيار المرشحين الفائزين في الانتخابات بدل من نظام التمثيل النسبي.

2- ثم يقسم القانون العراق إلى (83) دائرة انتخابية وهو الرقم المماثل لرقم كوتا النساء التي فرضها الدستور العراقي في المادة (49) بان قانون الانتخابات يستهدف تحقيق نسبة تمثيل للنساء لا تقل عن الربع وبما ان عدد مقاعد مجلس النواب (329) فيكون العدد الكلي للدوائر هو الرقم المذكور أعلاه.

3- انهى هذا القانون السلبيات التي رافقت القوانين السابقة ومنها القانون رقم (96) لسنة 2004 والقانون رقم (9) لسنة 2005 والقانون (45) لسنة 2013، وبالخصوص الدائرة الانتخابية الواحدة على مستوى العراق أو الدائرة الواحدة على مستوى المحافظة ونظام سانت ليغو المعدل (1.6) أو (1.9) ووضع قاسم انتخابي أو ما كان يعرف بالعتبة الانتخابية، والقوائم المغلقة أو شبه المفتوحة لننتقل إلى الدوائر الصغيرة والترشح الفردي أو بقوائم مفتوحة.

4- حقق القانون امتيازا على مستوى شروط المرشح إذ حددت المسودة التي أعدتها رئاسة الجمهورية عمر المرشح للانتخابات بإكمال الـ(25) بينما حدد القانون هذا السن بتمام الـ(28) وهذا الأمر يمنع نسبياً من ولوج الشبان الطامحين للتغيير من دخول البرلمان والواقع ان غالبية الشعب العراقي من الفئة الشابة هذا بحسب الإحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة التخطيط العراقية.

5- سجل القانون تراجعاً بخصوص شرط الشهادة: إذ اشترطت المادة (الثامنة البند الرابع ان يكون المرشح حاصلاً على الشهادة الإعدادية على الأقل أو ما يعادلها، وهو نكوص على ما تضمنه قانون الانتخابات السابق حيث حدد الشهادة بالبكالوريوس على أقل تقدير أو ما يعادلها ومنح القوائم نسبة 20% من مرشحيها يمكن أن يكونوا من حملة شهادة الإعدادية، ولعل الحكمة من مطالبتنا برفع مستوى الشهادة لغرض ضمان الحصول على مرشحين أكفاء قادرين على إدارة الشأن العام التشريعي بشكل أفضل.

6- تضمن القانون ثغرة خطيرة بخصوص شرط محل السكن: إذ تنص المادة الثامنة "ان يكون المرشح من أبناء المحافظة أو مقيما فيها" ولعل هذا البند هو طوق نجاة لبعض المرشحين ممن اطمأن باضمحلال فرصته بالفوز في محافظاتهم ومدنهم الأصلية ليكون هنالك نوع من التحايل بالترشح في محافظة أو مدينة أخرى بحجة السكن فيها وكان بالإمكان تقييد الثغرة المتقدمة باشتراط السكن الفعلي في المدينة التي يروم الترشح فيها مدة (10) سنوات متصلة، أضف إلى ذلك ان الدوائر شبه الصغيرة التي تم تبنيها أحييت المناطقية أو القومية أو الطائفية لاسيما في محافظات مثل كركوك وصلاح الدين وغيرها حيث سيكون هنالك تسابق في إثارة النعرات لكسب الأصوات، يضاف إلى كل ما تقدم ان المادة (8) بينت ان من شروط المرشح ان يكون "من أبناء المحافظة أو مقيما فيها" والنص المتقدم سمح أيضاً بالتحايل لكون كل محافظة تم تقسيمها إلى ثلاثة دوائر كحد أدنى ما يعني ان المرشح حر في اختيار أي دائرة يشاء والصواب الزامه بالترشح في الدائرة التي يسكن فيها وليس أي دائرة يختار.

كما يؤخذ على القانون أن المشرع العراقي (مجلس النواب) لما أقر القانون في كانون الأول العام 2019 أجّل موضوع تقسيم الدوائر الانتخابية والتي لم يصوت عليها لقرابة العشرة أشهر لحين الاتفاق على تقسيمها بعدد مقاعد كوتا النساء معللين ذلك بسهولة التقسيم بيد ان الواقع يقول ان هذا التقسيم مشوه وتعوزه الدقة والموضوعية كونه لم يستند لمعيار علمي دقيق فلم يراع الحدود الإدارية للمدن والقرى والقصبات والصواب جعل العراق مقسما إلى (329) دائرة بعدد مقاعد مجلس النواب العراقي وان كان هذا التقسيم سيصعب عملياً تحقيق الكوتا النسائية بيد ان حلولاً يمكن ان تطرح في هذا الخصوص تتمثل في تخصيص بعض المقاعد للتنافس عليها بين النساء فحسب عبر مستوى دوائر أكبر.

7- لم يمنع القانون بشكل مطلق بعض الوسائل غير الديمقراطية التي اعتادت بعض الكتل والأحزاب والشخصيات استخدامها للحصول على أصوات بشكل غير مشروع وبالخصوص ما يتعلق بالاقتراع الخاص لمنتسبي القوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي والنازحين والنزلاء وعراقيي الخارج، نعم تم الحد من ذلك في المادة (39) باشتراط الاقتراع باستخدام البطاقات البايومترية حصراً ثم صدر قرار من المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بإلغاء انتخابات الخارج بسبب وباء كورونا وضيق الوقت، بيد ان الأولى كان منع تأثير البعض على أفراد القوات المسلحة بنقل سجل هؤلاء إلى الدوائر القريبة على محل عملهم وإلزامهم بالانتخاب مع بقية العراقيين في يوم الاقتراع العام بشكل وجبات متناوبة لكي لا تؤثر على الأمن والنظام العام يوم الاستحقاق الانتخابي وبما يضيق من فرصة التأثير السلبي على إرادتهم.

8- لم يحدد المشرع في الفصل السابع من القانون المعنون بـ(الدعاية الانتخابية) سقفاً أعلى للإنفاق على الدعاية الانتخابية ولا بتقديم المرشح كشفاً عن ذمته المالية إلى الجهات ذات العلاقة لمنع الدعاية غير العادلة.

9- لم يحدد المشرع في الفصل الثامن المعنون بـ(الأحكام الجزائية) عقوبات حقيقية توقع على من يحاول التأثير على الإرادة العامة فعلى سبيل المثال حددت المادة (31) عقوبة الحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر لمن يرتكب جريمة التزوير في سجل الناخبين أو يدرج أسمه أو اسم غيره في السجل خلافاً للقانون وهذه سياسة تشريعية أقل ما يقال عنها إنها بائسة حيث يعاقب المشرع العراقي في قانون العقوبات المدان بجريمة التزوير بعقوبات تصل إلى السجن خمسة عشرة عاماً والأمر ذاته بجريمة الرشوة الانتخابية المجرمة بالمادة (32) والتي تعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة لمن أعطى أو عرض أو وعد بان يعطي ناخباً فائدة لنفسه أو لغيره ليحمله على التصويت على وجه معين وبمقارنة ما تقدم بقانون العقوبات الذي يعاقب الراشي والمرتشي بعقوبة تصل إلى السجن لسبع سنوات على الأقل أو أكثر.

على الجانب الآخر تضمن القانون العديد من الالتفاتات الدقيقة والإيجابية التي ينبغي التركيز عليها لتعزيزها بآليات تضمن التمثيل العادل والمتكافئ للإرادة الشعبية منها:

أ‌- يتحدد الفائز بأعلى الأصوات مما يمكن ان يمهد الطريق إلى دخول المستقلين إلى مجلس النواب، والترشح الفردي من شأنه ان يحرج بعض القيادات السياسية ويمنعهم من الترشح المباشر وانتظار نتيجة الانتخابات لتبدأ رحلة توزيع المناصب التنفيذية فيبحثوا لهم عن موطأ قدم، فالأصوات تذهب مباشرة إلى المرشح في الدائرة الانتخابية وليس للقائمة ولا تذهب بعضها إلى مرشحين أخرين ما سهل سابقاً فوز العديد من النواب يمثلون أحزاباً وقوائم وليس المناطق الانتخابية.

ب‌- وعن آلية احتساب الأصوات نجد ان المادة (15) تنص على الآتي "يعاد ترتيب تسلسل المرشحين في الدائرة الانتخابية وفقاً لعدد الأصوات التي يحصل عليها كل منهم ويعد فائزاً من حصل على أعلى الأصوات على وفق نظام الفائز الأول وهكذا بالنسبة للمرشحين المتبقين" وفي حال تساوي الأصوات بين البند (رابعاً) ان الحل في هذه الحالة هو " في حالة تساوي أصوات المرشحين لنيل المقعد الأخير يتم اللجوء إلى القرعة بين المرشحين".

ت‌- الترشح الأصل فيه ان يكون فرديا أو قائمة مفتوحة.

ث‌- ضمن القانون كوتا المكونات المادة (13) وهم كل من المكون المسيحي (5) مقاعد توزع على محافظات بغداد ونينوى وكركروك ودهوك وأربيل، المكون الايزيدي مقعد واحد في محافظة نينوى، المكون الصابئي مقعد واحد في محافظة بغداد المكون الشبكي مقعد في محافظة نينوى ومكون (الكردي الفيليين) مقعد واحد في محافظة واسط، والنص المتقدم رغم انه خطوة إلى الأمام في الحفاظ على التمثيل المتوازن للمكونات العراقية كافة إلا أنه يحمل في طياته الغبن لكوننا لا نملك قاعدة معلومات دقيقة عن أعداد مواطني المكونات المذكورة ما سيشكل انعداماً لتكافؤ الفرص بينهم وبين بقية مواطني المحافظات المذكورة فلو افترضنا ان عددهم أكثر من (100) الف مواطن سيكون استحقاقهم الدستوري أكثر من مقعد، أضف إلى ذلك الصابئة المندائيين ينتشرون في محافظات أخرى خارج بغداد مثلاً هم موجودون في ميسان ولم يمنحوا هنالك مقعد أو تمثيل متكافئ مع الأغلبية المسلمة، مثلهم مثل المكون المسيحي الذي يتواجد العديد من أتباعهم في محافظات مثل البصرة وبابل وغيرها لذا الأفضل لو كان هنالك إحصاء دقيق لأعدادهم وأماكن سكناهم ويمثلوا على مستوى العراق أي بجعل العراق دائرة انتخابية واحدة بالنسبة للمكونات.

ج‌- في حال توفي أحد النواب أو استقال أو قام به أي مانع يمنعه من الاستمرار في النيابة والتمثيل في مجلس النواب فقد بينت المادة (15) البند (خامساً) أنه "اذا شغر أي مقعد في مجلس النواب يحل محله المرشح الحائز على أعلى الأصوات في الدائرة الانتخابية" الأمر الذي من شأنه ان يمنع التحايل أو بيع وشراء المقاعد البرلمانية خلافاً لإرادة الناخبين.

ح‌- السرعة والدقة والشفافية في إعلان النتائج إذ الزمت المادة (38/أولاً) بأن "تعتمد المفوضية أجهزة تسريع النتائج الإليكترونية وتلتزم بإعلان النتائج الأولية خلال (24) ساعة من انتهاء الاقتراع وتجري عملية العد والفرز اليدوي لغرض المطابقة بواقع محطة واحدة من كل مركز انتخابي وفي حال عدم تطابق نتائج العد والفرز اليدوي بنسبة (5%) من أصوات تلك المحطة فيصار إلى إعادة العد والفرز اليدوي لجميع محطات المركز الانتخابي.

خ‌- اعتماد النظام البايومتري في إعداد سجل الناخبين وإجراء الانتخابات وإعلان النتائج حيث الزمت المادة (38/سادساً) بأن "تحمل نسخة من نتائج الانتخابات على مستوى المحطات على وحدات الخزن (عصا الذاكرة) على ان يتم برمجة أجهزة تسريع إعلان النتائج بطريقة تضمن نسخ نتائج المحطة قبل تشغيل أجهزة الوسط الناقل مع شبكة القمر الاصطناعي" وأكد البند (سابعاً) بأن "تجري عملية الفرز والعد باستخدام جهاز تسريع النتائج الإليكتروني".

د‌- منع القانون في المادة (45)انتقال النائب الفائز أو أي حزب أو كتلة مسجلة في قائمة مفتوحة فائزة بالانتخابات الانتقال إلى ائتلاف أو حزب أو كتلة أو قائمة أخرى إلا بعد تشكيل الحكومة بعد الانتخابات مباشرة دون ان يخل ذلك بحق القوائم المفتوحة أو المنفردة المسجلة قبل إجراء الانتخابات من الائتلاف مع قوائم أخرى بعد اجراء الانتخابات.

ذ‌- الزم المشرع في المادة (46) النائب الفائز بأداء اليمين الدستوري خلال مدة أقصاها شهر واحد وبخلافه يستبدل بالمرشح الحاصل على أعلى الأصوات في دائرته الانتخابية.

* نص الورقة المقدمة الى الملتقى الفكري الذي عقده مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات في 18/9/2021

...........................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2021
هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
ademrights@gmail.com
https://twitter.com/ademrights

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي