نظام الصوت الواحد غير المتحول بين النكوص والفرص المتاحة
د. علي مهدي
2020-10-21 07:06
صوت مجلس النواب العراقي يوم السبت 10/10/2020 على تحديد عدد الدوائر الانتخابية، الذي سيكون 83 دائرة، لضمان التقيد بالنص الدستوري الذي منح النساء ربع عدد مقاعد السلطة التشريعية، وهو أحد الحلول لإنهاء إشكالية عدد الدوائر الانتخابية والتي طالت لما يقارب العشرة أشهر.
من الجدير بالذكر وفي ظل أوج عنفوان الانتفاضة التشرينية الباسلة، صوت مجلس النواب عند نهاية السنة الماضية على مسودة القانون الجديد لمجلس النواب باستثناء الملحق الخاص بالدوائر الانتخابية، وقد جاء في المادة 15
أولا- تقسم الدوائر الانتخابية المتعددة في المحافظة الواحدة.
ثانيا- إن يكون الترشيح فرديا ضمن الدائرة الانتخابية.
وبالنسبة لطريقة اختيار الفائز نصت الفقرة
ثالثا- (... يعد فائزاً من حصل على أعلى الأصوات على وفق نظام الفائز الأول وهكذا بالنسبة للمرشحين المتبقين).
نظام الصوت الواحد غير المتحول
إنه نظام قائم على فكرة الأغلبية في الدوائر الانتخابية متعددة المقاعد، وفيه يدلي الناخب بصوت واحد لمرشح واحد، والمرشًحون الذين يجمعون أكثر عدد من الأصوات يفوزون بالمقاعد في جولة تصويتية واحدة، ففي حالة وجود دائرة مخصص لها ثلاثة مقاعد، فإن المرشحين الثلاثة ممن يحصلون على أكبر عدد من الأصوات يفوزون بالمقاعد الثلاثة. ويلاحظ أن معيار احتساب الأصوات هو للمرشح وليس لحزب أو لقائمة حزبية، برغم أن الأحزاب قد تدفع بأكثر من مرشح لشغل مقاعد أكثر للدائرة. ويقترع الناخبون بموجبه لصالح المرشحين الأفراد وليس لصالح الأحزاب السياسية.
تم تبني نظام الصوت غير المتحول في اليابان (1948-1993) وكذلك عند انتخاب 80% أعضاء مجلس الشيوخ في اندونيسيا، 80% من الهيئة التشريعية في تايلند، 78% من الهيئة التشريعية في تايوان، الأردن (1993-2016)، الكويت، لبنان، أفغانستان.
المزايا الايجابية:
- يساهم بشكل أفضل من النظم الانتخابية القائمة على الأغلبية الأخرى، في تمكين الأحزاب الصغيرة ومرشحي الأقليات والمستقلين في الفوز بمقاعد نيابية، وترتفع نسبة التأهيل للفوز كلما زاد عدد المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية، أن هذا النظام ساهم في فوز عدد من المرشحين المستقلين في مواجهة مرشحي الإخوان المسلمين في الأردن، ويعتبر ذلك ميزة ايجابية في بلد نظامه الحزبي في طور التشكيل.
- يلعب هذا النظام الدور الكبير في دفع الأحزاب لتنظيم نفسها داخليا بشكل أفضل من خلال توجيه ناخبيها لتوزيع أصواتهم على مرشحيهم بشكل يضمن فوزهم بأكبر عدد من المقاعد. وكذلك إمكانية الاختيار من بين مرشحي الحزب الواحد، وبهذا استطاع الحزب الليبرالي الديمقراطي في اليابان من البقاء لفترة طويلة في الحكم من خلال قدرته على تهيئة عدد من المرشحين لجميع الدوائر الانتخابية وتوزيع ناخبي الحزب عليهم بشكل متوازن، مما ضمن له البقاء لفترة طويلة.
- إن هذا النظام يعتبر من النظم الانتخابية سهلة الفهم والتطبيق معا، وهو مهم بالنسبة لبعض البلدان التي تتسم بضعف الوعي السياسي والثقافي بشكل عام.
العيوب
- يمكن أن ينتج عن هذا النظام عدم فوز الأحزاب الصغيرة بأي تمثيل، في حال تقديم مرشحين بأعداد كبيرة مما يؤدي إلى تشتيت الأصوات بين مرشحيها. مما يتيح للأحزاب الكبيرة بكسب أعداد إضافية من المقاعد، ومن الجدير بالذكر كلما زاد عدد تمثيل الدائرة ارتفعت إمكانية حصول الأحزاب الصغيرة على مقاعد، لكن هذا يضعف الصلة ما بين النائب والناخبين، ولهذا حدد القانون في تايلاند ألا يتجاوز عدد المقاعد المخصصة لكل دائرة عن 18 مقعدا.
- إن تنافس المرشحين من الحزب الواحد في الدائرة الانتخابية سيساهم في تعميق الانقسامات الداخلية داخل الأحزاب السياسية، إذا لم تنظم إدارة توزيع أصوات ناخبي الحزب بشكل سليم، وبغيره تنشأ الزبائنية داخل الحزب الواحد من خلاله تقديم الوعود والإغراءات لمجموعة محددة من الناخبين.
- يتطلب وضع سياسات معقدة، بخصوص تسمية المرشحين وإدارة الأصوات للناخبين، فعند تسمية أعداد كبيرة من المرشحين يشكل أحيانا ذات الضرر عند تسمية أعداد قليلة، ولذلك الحاجة إلى إدارة وتوزيع أصوات ناخبي الحزب بشكل متساو على المرشحين.
- لا يحفز هذا النظام الأحزاب السياسية للعمل على توسيع قواعدها، لأن النظام لا يعطي الناخب سوى صوت واحد فقط، فطالما الحزب يضمن فوز مرشحيه في الدائرة الانتخابية لا يتحمس للبحث عن مؤيدين آخرين.
- يعمل هذا النظام إلى ضياع أعداد من الأصوات التي تذهب هباء في ظل العدد الكبير للمرشحين من خلال التسهيلات بالتقدم للترشيح، حيث وصل الأمر في الانتخابات الأردنية لسنة 2010، أن النواب الفائزين يمثلون اقل من 15 % من المواطنين.
الفرص المتاحة للنظام الجديد
يتفق الباحثون أنه لا يوجد نظام انتخابي واحد في العالم متكامل، فلكل نظام ايجابياته وسلبياته، وعادةً ما تشرع القوى المهيمنة، القوانين والنظم الانتخابية التي تسخر من المزايا الايجابية بما يزيد من فرصها للوصول بأعداد أكبر إلى مجلس النواب، وقد كان تغيير النظام الانتخابي للمثول أمام مطالب المنتفضين وبعض القوى السياسية بتعديل قانون الانتخاب والدعوة للترشيح الفردي لتحفيز المستقلين التقدم لخوض الانتخابات بقوة أكبر وان اختيار نظام الصوت الواحد غير المتحول لا يبتعد كثيرا عن هذا السياق.
إن هذا القانون يشكل نكوصا في مسار التشريعات الانتخابية التي تم اعتمادها منذ أول انتخابات، حيث يحتل مكانة متدنية جدا في الدول التي تتبنى هذا النظام، حيث هجرته بعض الدول التي هي في الأصل قليلة جدا، كالأردن سنة 2016، واليابان منذ سنة 1993.
إن الاتجاه العام السائد في دول العالم هو التزاوج ما بين النظامين النسبي والأغلبية وهو ما يسمى بالمختلط وكذلك المتوازي، اللذين يجمعان خصائص كلا النظامين، مما يخلق حالة من التوازن حيث تُحدد نسبة من المقاعد لنظام النسبية وأخرى لنظام الأغلبية للاستفادة من مزايا كليهما وللحد من سلبيات كل منهما.
• نظام الصوت الواحد غير المتحول انه مفيد للدول التي أحزابها السياسية في طور التكوين والنشوء، يتناسب مع أوضاع العراق الذي معظم كياناته السياسية ذات تكوين ديني أو عائلي أو شخصي والتي تخضع بشكل أو بأخر إلى مرجع ديني أو الشخص الأول في العائلة أو الشخص المؤسس، ولا ينطبق عليها ما ورد في قانون الأحزاب السياسية، فعند فوز المرشحين بدوائرهم الانتخابية من خلال إمكانياتهم الذاتية وقربهم من ناخبيهم في الدائرة الانتخابية، يحررهم إلى حد ما من سطوة القيادات التقليدية، ويخلق على المستوى البعيد قيادات تتسم بالكفاءة والجدارة، وبنفس الوقت تكون بحاجة إلى إطار تنظيمي حزبي متماسك ومنتشر على مستوى الدولة يستوعب تطلعاتها، وهذا مفيد جدا لاستمرارية التجربة الديمقراطية في العراق.
• يتيح هذا النظام للقوى المدنية والديمقراطية فرصاً أفضل من خلال تنظيم نفسها في اطر وإشكال من التعاون والتنسيق في أعداد المرشحين على عموم الدوائر الانتخابية وعدم الاعتماد على مرشح واحد أو اثنين كما في السابق، مما يولد الحافز لمرشحي التنظيمات الأخرى للعمل المشترك، من خلال وجود أحد مرشحيها في الدوائر الانتخابية والحاجة إلى دعم أصوات بقية القوى المدنية، مع أهمية الحذر والحسابات الدقيقة عند تقديم أكثر من مرشح في كل دائرة في الوقت الحاضر على الأقل، بما يضمن الإدارة السليمة لتوزيع الأصوات وعدم تشتتها وضياعها.
• يعطي هذا النظام الإمكانيات لبروز قيادات محلية على مستوى البقعة الجغرافية للدائرة الانتخابية، وهذا عكس ما كان معمول به، حيث التركيز على شخص واحد في كل محافظة وهذا ينتج كوادر وقيادات مستقبلية لاحقا.
• يتيح هذا القانون فرصاً متكافئة أفضل لفوز المرأة، مما كان سائدا في النظام الانتخابي السابق، حيث كانت النساء في الغالب يحصلن على المقاعد النيابية، من خلال الأصوات التي تحصل عليها القائمة وليس لمكانتهن الذاتية.
• يخلق هذا النظام نوعا من التكافؤ المحدود ما بين المرشحين الفائزين، حيث في السابق يفوز الكثير من المرشحين بأصوات محدودة، والفضل في ذلك يعود للأصوات التي تحصل عليها القائمة من خلال أصوات الشخص الأول فيها، وعادة ما تكون له مكانة وظيفية مميزة في الدولة أو المحافظة، أما في هذا النظام فالفرص تكاد تكون متقاربة إلى حد ما.