حرية التظاهر وحرية نقد التظاهر
مسلم عباس
2020-07-15 08:49
شهدت المدن الجنوبية تظاهرات لذوي الشهداء والسجناء السياسيين تعبيرا عن رفض قرار رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بإنهاء ازدواجية رواتبهم، كونهم يتقاضون منحة مالية من الدولة على شكل راتب تقاعدي بالإضافة الى رواتبهم الجارية من مؤسساتهم الحكومية.
وقبلها بأشهر انطلقت تظاهرات شعبية حاشدة في جنوب العراق أيضا، وتعرضت لكم هائل من المديح والثناء، ووصفت بانها الثورة الأولى في العراق بعد حكم ديمقراطي يتسم بالفساد دام لمدة سبعة عشر عاما، وتوقع البعض انها ستقتلع الفساد من جذوره، وبنفس المقدار تعرضت الى كم من التخوين والاوصاف التي تحط من شأن المتظاهرين وتعتبرهم اما أصحاب حق لا يعرفون التحديات التي تواجه العراق، او انهم يقودون مشروعا خارجيا لتدمير الدولة العراقية.
ومع الفارق الشاسع في المقارنة، الا ان ما يجمع كل تحرك احتجاجي عراقي هو اثارته للجدل والنقاش الاجتماعي الحاد، فمهما كان الاحتجاج شعبيا ومبررا يتعرض للتخوين ومهما كان مستغلا لقانون حق التظاهر ولا يملك أي حق منطقي يجد من يبرر له وبشدة، وهذه هي صفة النظام الديمقراطي، فهناك نقاش دائم وهذه حالة صحية علينا ان لا نستغيث منها، ولا يمكن ان نعتبرها علامة على عدم الاستقرار بل علامة على حيوية المجتمع، وقدرته على الفعل السياسي او على الأقل الفعل الاحتجاجي ولو على نطاق محدود.
التظاهر الاحتجاجي هو ممارسة فعلية لحق كفله الدستور ونظمه القانون، وهو تعبير عن جوهر النظام الديمقراطي في العراق، فالتظاهر هو التطبيق العملي لحرية التعبير، ولا يمكن ان نمنعه على احد لأنه مختلف معنا ولا يمكن ان نقدس تظاهرة معينة، فالتظاهرة بحد ذاتها ضد تقديس التواريخ السياسية، وضد تقديس القادة السياسيين، وعلى وفق ما ذكر ففي النظام الديمقراطي العراقي حقوق وممنوعات:
حقوق التظاهر
1- حق الدعوة القبلية والترويج البعدي للتظاهر، والمقصود هنا من حق المواطن ان يدعو لتظاهرة معينة ويحشد الناس لها مع الالتزام بالقانون، كما من حقه الترويج لها، بعد انتهائها والدفاع عمن شاركوا فيها مع احترام القانون أيضا.
2- حق المشاركة في التظاهر، ونقصد هنا من حق المواطن المشاركة في أي تظاهرة لكونها تعبر عن قناعاته السياسية، ونظرته للنظام السياسي والحكومة.
3- حق النقد للتظاهر، فكما من حق المواطن التظاهر، من حق غيره نقد التظاهرة وبما يصب في تصحيح المسارات الخاطئة، فكل ممارسة سياسية تحدث فيها بعض الإخفاقات، ونقدها يسهم في تصحيحها.
4- حق التفاعل الحكومي مع التظاهر، النقاط الثلاث انفة الذكر عديمة الفائدة إذا لم يفعل بند خاص وهو حق المواطن في تفاعل الحكومة معه، أي ان ترد على مطالبه وعدم اهمالها، على سبيل المثال لدينا التظاهرات التي ينظمها الخريجون امام الوزارات والهيئات الخاصة بهم دون ان تستجيب لهم الحكومة لعدة أشهر، وهذا غير صحيح، لان حق التظاهر مقرون بحق الاستجابة له من قبل الحكومة.
محظورات التظاهر
1- عدم التظاهر في أماكن غير مرخصة من الحكومة، اذ ليس من المعقول ان تقوم التظاهرة بإغلاق شوارع تؤثر على اعمال وحياة كل المواطنين، لكن هذا الشرط مقرون باستجابة الحكومة للتظاهرات المرخصة، ففي بعض الأحيان توافق الحكومة على تظاهرات في أماكن غير مؤثرة، وتجعل المتظاهرين يجلسون لعدة أشهر دون استجابة لأنهم لا يؤثرون على اعمالها ولا اعمال المواطنين، ما يضطر المتظاهرين الى استخدام أساليب عنيفة تتمثل بغلق الشوارع او حرق الإطارات لشد انتباه الحكومة والرأي العام لمعاناتهم.
2- عدم استخدام الحرق الا في الأماكن المحددة، وهذا له علاقة بالاستجابة الحكومة، فالتظاهرة في الأساس محاولة لتركيز الانتباه الحكومي والشعبي لظاهرة معينة، وإذا لم يحدث هذا يضطر المتظاهرون الى استخدام أساليب عنيفة.
3- عدم التجاوز على المؤسسات الحكومية، لا نجد أي مبرر للتجاوز على المؤسسات الحكومية، ولا ننظر اليه الا بكونه أحد ترسبات الحقب السياسية السابقة التي علمت الناس ان المؤسسات الحكومية هي ملك للرئيس والزعيم والاوحد، حتى بات المواطن يشعر ان التجاوز عليها يمثل إهانة للزعيم، وهذا غير صحيح.
4- عدم غلق الشوارع ما عدا عمليات الغلق التي تتم بالتنسيق مع الجهات الرسمية، وهي مقرونة أيضا باستجابة الجهات الحكومية، لان من واجب الحكومة الاستجابة لاي تظاهرة والتفاعل معها لمنع حدوث عمليات الاغلاق والحرق التي يجبر المتظاهرون على اللجوء اليها لكونهم لا يجدون من يستجيب لهم.
قد نختلف او نتفق مع تظاهرة معينة، لكن من غير الصحيح ان ندعو لمنع أحد من التظاهر، فالتظاهر السلمي حق من الحقوق الاساسية وعندما يقوم غيرنا بممارسة هذا الحق الدستوري فلا نتهمه او نخونه، نسمح له بالتظاهر، وندعمه، وان الغاء حق التظاهر بحجة ان من يختلف معنا قام بهذا الفعل، فإننا سوف نحتاج للتظاهر وعندما نلغيه من غيرنا بالطبع سنفقده ايضا.
السلطة جائرة دائما، وعلينا السماح للناس جميعا ان يتظاهروا ضدها، فلا تعرف حجم الظلم الذي وقع عليهم من سلطة ظلمنا او ستظلمنا في يوم ما، فالوطن يتسع للجميع، وعلينا ان ندافع عن المبادئ التي أسست لها التظاهرات العظيمة التي انطلقت منذ عام 2013 وحتى الان، فلندعم حق التظاهر وندعم حق النقد، فتنوع الآراء يسهم في بناء الدولة.