ضم الضفة الغربية: ما الخيارات المتاحة لإفشال الخطة الإسرائيلية؟
عبد الامير رويح
2020-07-09 08:05
خطط إسرائيل وأطماعهم التوسعية الجديدة في الاراضي الفلسطينية المحتلة، والتي ازدادت بشكل كبير في السنوات الاخيرة بسبب الدعم الامريكي، يمكن ان يسهم وبحسب بعض المراقبين بخلق صراع جديد في المنطقة التي تعيش واقع امني صعب، ولعل تحركات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاخيرة الخاصة بضم الضفة الغربية وفرض السيادة عليها، والتي تأتي وبحسب بعض المصادر، بعد سلسلة خطوات بدأتها الإدارة الأمريكية بالاتفاق مع الاحتلال الإسرائيلي، منها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة واعتبار المدينة المقدسة عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، هي المقدمة لهذا الصراع الذي قد تدعمه دول وجهات معادية لإسرائيل، التي تحاول اليوم الاستفادة من انشغال العالم بجائحة كورونا.
وقد أعلن السفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان، استعداد بلاده للاعتراف بسيادة الاحتلال على مستوطنات الضفة الغربية. هذا الاعتراف جاء في إطار اتفاق جرى توقيعه بين بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، وخصمه السابق بيني جانتس على أن يتم اتخاذ قرار الضم مطلع يوليو، وهو الأمر الذي لم يحدث بسبب الخلافات الداخلية في إسرائيل. حيث أكد أحد مساعدي نتنياهو أن الحكومة لازالت في إطار إجراء مشاورات مع الإدارة الامريكية لتقدير العواقب والتبعات.
وفي تقرير خاص لصحيفة الإندبنت أونلاين لمراسلتها بيل ترو بعنوان "خطط ضم الضفة: نتنياهو يفوت موعد بدء خطوته المثيرة للجدل". اكدت أن نتنياهو يمكنه تقديم خطة الضم الرسمية إلى الكنيست والحكومة الائتلافية التي يقودها مع زعيم تحالف أبيض أزرق بيني غانتس، مشيرة إلى أن قرار نتنياهو بسط السيادة على أراض بالضفة قوبل بموجة معارضة وغضب على مستوى المجتمع الدولي لدى إعلانه. وتقول المراسلة "بالرغم من خطب نتنياهو النارية والتعهد بالبدء في إجراءات الضم تماهيا مع خطة السلام التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في يناير/ كانون ثاني الماضي، فإن الوزير بالحكومة الإسرائيلية أوفير أكونيس أكد أن المسؤولين في الحكومة يعملون مع المسؤولين في الإدارة الأمريكية، معبرا عن اعتقاده أن خطوات الضم قد تبدأ في وقت لاحق وهو ما يلقي الشكوك حول ما إذا كانت إسرائيل ستمضي قدما في تنفيذ الخطة المثيرة للانتقادات".
وتوضح ترو أن "الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والعديد من الدول علاوة على أغلب الدول العربية ومنها دولة الجوار الأردن يحذرون جميعا من أن الخطوة الإسرائيلية ستؤدي إلى موجة من العنف علاوة على الإعلان عن موت خطة السلام القائمة على حل الدولتين والتي تم التفاوض بخصوصها لعدة عقود." وتضيف أن الفلسطينيين الذين انخرطوا في المفاوضات لعقود وبنوا آمالهم على قيام دولة مستقلة في المستقبل على أراض يقع قسم كبير منها في الضفة ستصبح مجرد خيال كما أنه بالنسبة للإدارة الأمريكية، أصبحت خطط الضم الوشيكة أكثر صعوبة بعد المعارضة الدولية الواسعة، كما قام المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون بالتباحث على مدار الأشهر الماضية لتحديد المناطق التي سيتم ضمها ورسم الخرائط التي توضحها.
واشارت إلى أن بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية ترجح أن تبدأ العملية بضم أكبر ثلاث مستوطنات في الضفة كخطوة أولية. وتضيف أن المفاوضين الأمريكيين يطالبون إسرائيل بتسليم السيادة للسلطة الفلسطينية على مساحات من الضفة تماثل المساحات التي ستعلن ضمها حيث تسيطر إسرائيل حاليا على 60 في المئة من إجمالي أراضي الضفة الغربية المحتلة.
الموعد المقرر
وفي هذا الشأن قال وزير إسرائيلي، إن الخطوة قد لا تنفذ قبل أسابيع بعد عدم الحصول على الضوء الأخضر من واشنطن. وفي إظهار لوحدة الموقف الفلسطيني، خرج نحو ثلاثة آلاف شخص في قطاع غزة منهم أعضاء في حركة فتح وأعضاء في حركة حماس التي تدير القطاع للاحتجاج على الضم. وقرر زعماء إسرائيل في مايو أيار أن مشاورات الحكومة والبرلمان بشأن بسط السيادة الإسرائيلية على المستوطنات اليهودية وغور الأردن في الضفة الغربية بالتنسيق مع واشنطن يمكن أن تبدأ في الأول من يوليو تموز.
لكن مع عدم التوصل بعد لاتفاق مع واشنطن على كيفية تنفيذ الخطوة بموجب اقتراح سلام أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في يناير كانون الثاني، وفي حين ما زالت المحادثات مع البيت الأبيض جارية. وقال وزير الطاقة يوفال شتاينتز، عضو حزب ليكود اليميني الذي ينتمي له رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لراديو إسرائيل عن مسألة الضم ”أعتقد ان ذلك سيحدث في غضون الأسابيع أو الأشهر المقبلة لكنني لست على علم كامل بالتفاصيل“. بحسب رويترز.
وقال مساعد لنتنياهو إن المحادثات مع واشنطن مستمرة وإن رئيس الوزراء تشاور مع مسؤولي الدفاع الإسرائيليين وستجرى المزيد من المشاورات ”في الأيام القادمة“. وتعتبر أغلب القوى العالمية المستوطنات الإسرائيلية غير شرعية. وتدحض إسرائيل ذلك مشيرة إلى صلات تاريخية وتوراتية وسياسية تربطها بالأرض. اعتبر نتنياهو الضم نقطة أساسية في برنامج فترة ولايته الخامسة فيما يعتبره بعض منتقديه محاولة من جانب الزعيم اليميني لتحويل الانتباه عن محاكمته في قضايا فساد التي بدأت في مايو أيار وتعزيز تركته السياسية. وينفي نتنياهو اتهامات بالرشا والاحتيال وخيانة الأمانة.
خلافات داخلية
على صعيد متصل لمح بيني جانتس، الشريك الرئيسي في حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الائتلافية إلى معارضته المضي قدما في خطة لضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، حيث يريد الفلسطينيون إقامة دولة. لكن متحدثا باسم نتنياهو نقل عنه قوله للمشرعين من حزبه ليكود اليميني إن خطوات الضم المقرر أن تبحثها الحكومة لا تعتمد على دعم جانتس. ويلتقي كل من الشريكين غير المتناغمين في ائتلاف تشكل بمسؤولين زائرين من واشنطن، التي تريد أن ترى توافقا داخل الحكومة الإسرائيلية قبل أن تعطي الضوء الأخضر لخطط نتنياهو.
ونقل مصدر في حزب أزرق أبيض عن زعيمه جانتس قوله للسفير الأمريكي ديفيد فريدمان ومستشار البيت الأبيض آفي بيركوفيتش إن الموعد المستهدف ”ليس مقدسا“. وأبلغ جانتس أعضاء حزبه الوسطي في تصريحات بُثت لاحقا بأنه ”ما ليس متعلقا بكورونا فسينتظر لما بعد القضاء على الفيروس“. وقدر أن الجائحة قد تستمر 18 شهرا آخر. وقال نتنياهو إنه يعتزم بسط السيادة الإسرائيلية على المستوطنات اليهودية وغور الأردن، مثلما ينص مقترح سلام أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وستسيطر إسرائيل بموجبه على 30 في المئة من الضفة الغربية.
وتصاعدت المعارضة الدولية في الأسابيع القليلة الماضية، إذ ندد الزعماء الفلسطينيون والأمم المتحدة والقوى الأوروبية والدول العربية المتحالفة مع إسرائيل بأي ضم لأراض احتلتها إسرائيل في حرب 1967. وحثت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه إسرائيل على التخلي عن خططها تماما، قائلة ”الضم غير قانوني. قُضي الأمر“. بحسب رويترز.
واتهمت وزارة الخارجية الإسرائيلية باشليه بالتحيز وقالت في بيان إنه ليس مفاجئا أن تدلي بتصريحاتها قبل ”أي قرار يُتخذ“. ويتصور مقترح ترامب، الذي رفضه الزعماء الفلسطينيون رفضا قاطعا، إقامة دولة فلسطينية بشروط صارمة. وفي كلمته أمام مشرعي ليكود، قال نتنياهو، وفق ما نقله المتحدث باسمه، إن حزب أزرق أبيض ”ليس العامل الحاسم بطريقة أو بأخرى“. ويلمح نتنياهو بذلك على ما يبدو إلى دعم المشرعين المتشددين واليمينيين المتطرفين لعملية الضم.
انتهاك القانون الدولي
في السياق ذاته قال وزير الخارجية الفرنسي إن ضم إسرائيل لأي أراض في الضفة الغربية المحتلة سيكون انتهاكا للقانون الدولي وستكون له عواقب. وقال جان إيف لو دريان في جلسة برلمانية ”ضم أراض فلسطينية، مهما كانت مساحتها، من شأنه أن يلقي بظلال من الشك على أطر حل الصراع“. وأضاف ”لا يمكن أن يمر قرار الضم دون عواقب ونحن ندرس خيارات مختلفة على المستوى الوطني وكذلك بالتنسيق مع شركائنا الأوروبيين الرئيسيين“.
من جانب اخر قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إنه يتعين على إسرائيل ألا تضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، محذرا من أن لندن لن تعترف بأي تغييرات على حدود 1967. وكتب جونسون في مقال لصحيفة يديعوت أحرونوت أوسع الصحف الإسرائيلية انتشارا ”الضم سيشكل انتهاكا للقانون الدولي... سيكون أيضا هدية لأولئك الذين يريدون ترسيخ القصص القديمة عن إسرائيل“. وقال ”آمل بشدة ألا يتم الضم... إذا حدث، فإن المملكة المتحدة لن تعترف بأي تغييرات على حدود 1967، باستثناء تلك المتفق عليها بين الطرفين“.
وقال جونسون ”الضم من شأنه تهديد التقدم الذي أحرزته إسرائيل في تحسين العلاقات مع العالمين العربي والإسلامي“ ودعا إلى ”حل يحقق العدل والأمن لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين“. وقال جونسون إنه رحب بالتزام ترامب بإيجاد سبيل للمضي قدما لكنه أضاف ”تابعت بحزن مقترحات ضم أراضي فلسطينية“. وتابع أنه يخشى ”أن تفشل هذه المقترحات في تحقيق الهدف منها وهو تأمين الحدود الإسرائيلية وأن تتعارض مع مصالح إسرائيل طويلة الأمد“. بحسب رويترز.
الى جانب ذلك قال أكثر من ألف مشرع من مختلف أرجاء أوروبا في رسالة للحكومات الأوروبية إن أي خطوة إسرائيلية لضم أجزاء من الضفة الغربية ستكون ”قاتلة“ لآمال عملية السلام في الشرق الأوسط ويتعين منعها بإجراءات مضادة إذا تطلب الأمر. وتثير الرسالة التي وقع عليها 1080 مشرعا من 25 دولة أوروبية مخاوف برلمانية بشأن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلام الإسرائيلي الفلسطيني. وقال المشرعون إن الضم يمثل انتهاكا للقانون الدولي.
وجاء في الرسالة أن ”مثل هذه الخطوة (الضم) ستكون قاتلة لآفاق السلام الإسرائيلي الفلسطيني وستتحدى المفاهيم الأساسية التي تحكم العلاقات الدولية“. وقال المشرعون ومنهم أعضاء من برلمانات المجر وجمهورية التشيك وهما دولتان تتعاطفان مع إسرائيل ومع خطة ترامب المعلنة يوم 28 يناير كانون الثاني ”الاستيلاء على الأراضي بالقوة لا مكان له في 2020“.
ودعا البرلمانيون الأوروبيون إلى ”عواقب متناسبة“ إذا مضت إسرائيل قدما في خطط الضم، في إشارة إلى عقوبات اقتصادية وتجارية محتملة. ولإسرائيل أكثر من 400 ألف مستوطن في الضفة الغربية. وقال الرسالة ”عدم توجيه رد مناسب سيشجع دولا أخرى لديها مطالبات بأراض“. ورفض نتنياهو الانتقادات الموجهة لخطط الضم. ويقول إن مد السيادة الإسرائيلية على المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية سيقرب السلام عندما يدرك المنتقدون للخطوة أن مئات الآلاف من المستوطنين سيبقون في المنطقة في ظل أي اتفاق سلام مستقبلي.
كما حث محقق حقوقي بالأمم المتحدة الاتحاد الأوروبي على النظر في إجراءات لمنع إسرائيل من ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، أو معاقبتها، وقال بيان أصدره مايكل لينك، مقرر الأمم المتحدة الخاص بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، إن على الاتحاد الأوروبي أن يشدد تحذيراته من الخطط الإسرائيلية ”بقائمة صارمة من الإجراءات المضادة“. وقال لينك ”لقد وصلنا إلى نقطة لا يمكن عندها للقرارات غير المقترنة بالعزم والتصميم أن تسهم في إدراك السلام العادل والدائم وتحقيق الأمن الإنساني الذي يستحقه الفلسطينيون والإسرائيليون“.
من جانبه حذر الملك عبد الله عاهل الأردن من أن تحرك إسرائيل المزمع لضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة سيهدد الاستقرار في الشرق الأوسط. وقال بيان صادر عن القصر الملكي إن ”أي إجراء إسرائيلي أحادي لضم أراض في الضفة الغربية هو أمر مرفوض ويقوض فرص السلام والاستقرار في المنطقة“. وأبلغ العاهل الأردني المشرعين الأمريكيين بأن السلام لن يتحقق إلا بإقامة ”الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة والقابلة للحياة على خطوط الرابع من يونيو عام 1967“ وعاصمتها القدس الشرقية. وأضاف أن إسرائيل يجب أن تنسحب من الأراضي التي ضمتها خلال حرب 1967.