امريكا في عهد ترامب: الشعار حقوق الانسان والقانون عنصرية
عبد الامير رويح
2020-06-07 07:15
تعيش الولايات المتحدة الامريكية حالة من عدم الاستقرار الامني، بسبب استمرار الاحتجاجات التي خرجت في عدة مدن بعد مقتل مواطن أسود البشرة، يُدعى جورج فلويد، على يد شرطي في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا، هذه الجريمة الجديدة وكما يرى بعض المراقبين ربما ستكون ثورة ضد العنصرية متغلغلة في المجتمع الأمريكي، ضد ذوي البشرة السوداء وغيرهم من الاقليات الدينية والعرقية، والتي تفاقمت بشكل كبير بعد تولي الرئيس الامريكي دونالد ترامب احد اكبر القادة العنصريين، الذي بدأ حملته الانتخابية بتهجمه على الرئيس باراك أوباما والمهاجرين والنساء، وعمد لترسيخ الكراهية في الولايات المتحدة وخارجها من خلال تصريحاته وخطاباته العنصرية ضد أصحاب البشرة السوداء وذوي الأصول المهاجرة وغيرهم.
وقد اكدت العديد من الدراسات ان الفترة التي أعقبت انتخابات الرئاسة الأمريكية في تشرين الثاني عام 2016، أظهرت أن الاعتداءات التي تأخذ طابع الكراهية والعنصرية بالإضافة إلى حالات التحريض سجلت ارتفاعا في معظم الولايات الأمريكية، كما ان أن وصول ترامب إلى البيت الأبيض عزز قدرات الجماعات المتطرفة التي تقوم على مبدأ (تفوق العرق الأبيض)، كما ان حادثة مقتل (جورج فلويد) وما اعقبها من تطورات واعمال عنف وتصريحات من قبل ترامب، الذي هدد باستدعاء الجيش لمواجهة المتظاهرين، اثارت ايضاً جملة من المشكلات والازمات السياسية الداخلية، فقد شن وزير الدفاع الأمريكي السابق جيمس ماتيس هجوما لاذعا على الرئيس دونالد ترامب بسبب موقفه من المظاهرات التي تشهدها البلاد بعد مقتل جورج فلويد.
وفي تعليقات نادرة منذ خروجه من منصبه قبل عامين، اتهم ماتيس ترامب "بنشر الفرقة في البلاد وإساءة استخدام سلطاته". وقال ماتيس إنه صدم من تعامل ترامب مع الأزمة، محذرا من أنه يسعى إلى "تقسيم الشعب الأمريكي، وفشل في قيادة البلاد بشكل حكيم". وكان ماتيس أول وزير دفاع في إدارة ترامب، لكنه استقال من منصبه عام 2018 بسبب قرار ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا دون استشارته.
وكان وزير الدفاع مارك إسبر قد أكد ايضاً معارضته لتوجه ترامب لاستدعاء الجيش لمواجهة أعمال العنف. كما نفى علمه بالكثير من قرارات ترامب بخصوص الأزمة. ولا تملك حكومة ترامب وكما نقلت بعض المصادر سلطة إرسال القوات إلى أي ولاية امريكية بدون إذن من سلطات تلك الولاية. كما يحدد قانون أمريكي صدر في القرن التاسع عشر الظروف التي يمكن فيها للحكومة في واشنطن العاصمة التدخل دون إذن من الولايات. وينص هذا القانون، المعروف باسم "قانون التمرد"، على أن موافقة حكام الولايات ليست مطلوبة لنشر قوات الجيش إذا ما رأى الرئيس الأمريكي أنه من المستحيل تطبيق القانون في ولاية، أو عندما تكون حقوق المواطنين مهددة ومنذ نهاية الستينات من القرن الماضي، كان استخدام هذا القانون نادرا.
تقييم أمني
وفي هذا الشأن يتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جماعات يسارية متطرفة بالتحريض على النهب والعنف الذي تشهده مدن أمريكية ليلا، لكن تقييما استخباراتيا لا يقدم أدلة تذكر على أن متطرفين منظمين هم المسؤولون عن الاضطرابات. ففي جزء من تقييم استخباراتي داخلي للاحتجاجات بتاريخ الأول من يونيو حزيران، قال مسؤولون في وزارة الأمن الداخلي الأمريكية إن معظم أحداث العنف قادها انتهازيون استغلوا الحدث.
وقال التقييم، الذي أعدته وحدة الاستخبارات والتحليل بالوزارة، إن هناك أدلة تستند إلى مصدر مفتوح وإلى تقارير وزارة الأمن الداخلي تشير إلى أن حركة أنتيفا الفوضوية ربما تكون مشاركة في العنف، وهي وجهة نظر عبرت عنها أيضا بعض مراكز الشرطة المحلية في تصريحات علنية ومقابلات. ولم يقدم الجزء دليلا محددا على عنف يقوده المتطرفون، لكنه أشار إلى أن أنصار فكرة تميّز البيض يعملون على الإنترنت لتأجيج التوتر بين المحتجين وأجهزة إنفاذ القانون عن طريق الدعوة إلى ارتكاب أعمال عنف ضد كل من الطرفين. ومع ذلك، قالت الوثيقة إنه لا توجد أدلة على أن أنصار فكرة تميز البيض كانوا يثيرون العنف في أي من الاحتجاجات.
وخرج المتظاهرون إلى الشوارع للاحتجاج على وفاة رجل أسود هو جورج فلويد الذي لفظ أنفاسه بعدما ظل شرطي أبيض جاثما بركبته على رقبته لما يقرب من تسع دقائق يوم 25 مايو أيار في مدينة منيابوليس. وشهدت الاحتجاجات التي خرجت في عدة مدن أمريكية خلال الأيام التالية أعمال نهب واشتباكات مع الشرطة. ومع تصاعد الاحتجاجات، قال وزير العدل وليام بار إن العنف في منيابوليس وغيرها تحركه ”جماعات يسارية متطرفة“، مرددا فحوى تصريحات سبق وأن أدلى بها ترامب. وقال بار إن الذين يسببون العنف ينتقلون من خارج الولايات إلى بؤر الأحداث الساخنة، ولم يخض في التفاصيل.
وقال مسؤولان في وزارة العدل مشترطين عدم الإفصاح عن هويتهما، إنهما لم يجدا أدلة تذكر تدعم هذا الزعم. ومع ذلك، ذكر مسؤولون محليون واتحاديون أن هناك مؤشرات واضحة على وجود تنظيم خلف الاشتباكات. وقال مسؤول في شرطة مدينة نيويورك إن المحتجين هناك استعدوا لمواجهة مع الشرطة بالاستعانة بمرشدين وباستخدام وسائل اتصال مشفرة وتنظيم فرق طبية مقدما. بحسب رويترز.
كما قال مسؤول في وزارة الأمن الداخلي إن هناك ”مؤشرات قوية للغاية“ على أن العنف منظم في بعض المدن، وأشار إلى مزاعم في مدينة نيويورك عن محاولة المتظاهرين إحضار إمدادات من الحجارة والزجاجات والسوائل القابلة للاشتعال إلى مناطق الاحتجاج وإن المحتجين في مدينتين على الأقل حاولوا التشويش على الاتصالات اللاسلكية للشرطة. وقالت الشرطة في مناطق أخرى إنها رأت مؤشرات على أن بعض الهجمات التي تستهدف أفرادها وبعض أعمال النهب كانت أكثر تنظيما، لكنها لم تتهم جماعات بعينها.
ارهاب المحلي
على صعيد متصل أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعليمات صريحة، اعتبرها البعض مثيرة للقلق، ب"السيطرة" لحكام الولايات الذين يواجهون احتجاجات في الشوارع في جميع أرجاء البلاد ضد العنف الذي تمارسه الشرطة. وأبلغ ترامب حكام الولايات "إذا كنتم لا تسيطرون، فأنتم تضيعون وقتكم". لكن ماذا إذا حاول الحكام السيطرة على زمام الأمور وفشلوا. وقال قطب العقارات الثري "حينها سأقوم بنشر الجيش الأميركي وحل المشكلة لهم بسرعة".
وعمد ترامب الى كسر المعايير الدبلوماسية الأميركية من خلال تعبيره عن الإعجاب بالقادة الديكتاتوريين والأقوياء، بدءا من زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. ومع تبقي خمسة أشهر فقط حتى الاستحقاق الانتخابي، يخشى نقاد أن يكون ترامب يستخدم أزمة وطنية في معرض نزعته الاستبدادية.
وبعد أن أعلن ترامب نفسه رئيسا في زمن الحرب في مواجهة جائحة كوفيد-19، ينخرط الآن في وضع عسكري فعلي في شوارع الولايات المتحدة. وحذّر حكام الولايات من أن الضعف في مواجهة الاحتجاجات التي شابتها عمليات النهب والحرق العمد سيجعلهم "يبدون وكأنهم مجموعة من الحمقى". ثم هدد باللجوء الى "قانون التمرد" الذي نادرا ما يستخدم، والذي يسمح للرئيس بنشر الجيش على الأراضي الأميركية بدلا من قوات الحرس الوطني المنتشرة حاليا في مدن عدة، حتى خلافا لإرادة حكام الولايات.
وعوضا عن التركيز على ما يقول المحتجون أنه أصل الاضطرابات، عقود من العنصرية والعنف ضد الأميركيين من أصل إفريقي، صوّب ترامب على أعمال الشغب التي تقوم بها أقلية، واصفة ذلك ب"الإرهاب المحلي". وردّد وزير دفاعه مارك إسبر هذا النهج المرتبط بعرض القوة، طالبا من حكام الولايات "السيطرة على ساحة المعركة". وظهر رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي في البيت الأبيض مرتديا زيا عسكريا مموها.
وفي واشنطن، حلّقت المروحيات العسكرية على ارتفاع منخفض فوق المتظاهرين، فيما انتشرت مجموعة من وحدات الأمن المختلفة في شوارع العاصمة الفدرالية. وأخيرا وفي بادرة قوة، ضربت الشرطة في الغالب المتظاهرين السلميين خارج ساحة لافاييت قرب البيت الأبيض، حتى يتمكن ترامب من السير بأمان إلى كنيسة متضررة جراء الأحداث ويلوّح بالكتاب المقدس أمام كاميرات الأخبار. واعتبر البعض سيره صوب الكنيسة مجرد تجول، لكن بالنسبة لترامب، فقد كانت حقا لحظة تبجح باستخدام القوة.
ولا يزال ترامب متأخرا في استطلاعات الرأي قبل انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر. ويعتقد محللون أنه يأمل أن ينقذه شعاره الجديد "القانون والنظام"، الذي سبق واستخدمه الرئيس ريتشارد نيكسون في العام 1968 المضطرب وساعده على الفوز بعد أن شجع قاعدته على التصويت بكثافة. وشبهت المتحدثة باسم البيت الأبيض كايلي ماكناني صورة ترامب خارج الكنيسة برئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل في حقبة الحرب العالمية الثانية أثناء جولته في حطام لندن خلال القصف النازي. بحسب فرانس برس.
وأوضحت أنه "عبر العصور رأينا رؤساء وقادة شهدوا لحظات قيادة ورموزا قوية جدا كانت مهمة لبلد ما (...) مثل تشرشل الذي ذهب لتفقد الأضرار الناجمة عن القنابل" في لندن خلال الحرب العالمية الثانية". لكن كثيرين لا يزالون تحت وقع الصدمة. واتهمت النائبة الديموقراطية أبيجيل سبانبرغر التي كانت تعمل في أجهزة الاستخبارات ترامب "بخيانة أسس حكم القانون". وقالت "بصفتي ضابطة سابقة في وكالة الاستخبارات المركزية أعرف هذه الاستراتيجية".
ترامب والمؤسسة العسكرية
في السياق ذاته يخيّم توتر خطير على علاقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالمؤسسة العسكرية بعدما رفض وزير الدفاع مارك إسبر دعوة سيد البيت الأبيض لنشر الجيش للسيطرة على الاحتجاجات بينما انتقدت شخصيات بارزة سابقة في البنتاغون بينها جيم ماتيس طريقة تعاطي ترامب مع التظاهرات. وشكّل إعلان إسبر معارضته نشر جنود في الخدمة للسيطرة على الاحتجاجات المناهضة لاستخدام الشرطة القوة، مواجهة استثنائية مع القائد الأعلى للقوات المسلحة في البلاد.
وقال إسبر "لا أؤيد اللجوء إلى قانون الانتفاضة"، في إشارة إلى القانون العائد إلى العام 1807 والذي سعى ترامب لتفعيله بهدف نشر عناصر مسلحين من الجيش للسيطرة على المدن التي تشهد احتجاجات. وبعد ساعات، شن جيم ماتيس، سلف إسبر، هجوما على ترامب. وكتب "عندما التحقت بالجيش قبل حوالى 50 عاما، أقسمت على تأييد الدستور والدفاع عنه... لم أتخيل يوما أن الجنود الذين يؤدون اليمين نفسه، يمكن أن يتلقوا الأمر، مهما كانت الظروف، لانتهاك الحقوق الدستورية لمواطنيهم"، في إشارة إلى حق التظاهر.
وأشار ماتيس الذي شغل منصب وزير الدفاع في عهد ترامب لعامين قبل أن يستقيل إثر خلافات مع الرئيس، إلى أن النازيين في ألمانيا آمنوا بشعار "فرق تسد". وقال "دونالد ترامب هو أول رئيس في حياتي لا يحاول توحيد الأميركيين، بل إنه حتّى لا يدّعي بأنّه يحاول فعل ذلك". وأضاف "بدلاً من ذلك، فإنه يحاول تقسيمنا". ودخل رئيسان سابقان لهيئة الأركان المشتركة تشغل شخصيات عملت تحت أمرتهما أعلى المناصب في البنتاغون حاليا على خط السجالات. وقال الجنرال المتقاعد مارتن ديمبسي، الذي كان رئيس هيئة الأركان العامة من العام 2011 حتى 2015 "أميركا ليست ساحة معركة. مواطنونا ليسوا الأعداء". بدوره، كتب سلفه الأميرال المتقاعد مايك مولن "أشعر بقلق عميق من أن يتم إعادة توظيف عناصر جيشنا بينما يطبّقون الأوامر الصادرة إليهم لأهداف سياسية".
وعززت المعارضة الواضحة للرئيس من قبل شخصيات غير سياسية خطر حدوث شقاق في العلاقات المدنية والعسكرية. وقد يعني ذلك أيضا أن منصب إسبر على المحك. ورفضت الناطقة باسم البيت الأبيض كايلي ماكيناني الرد على مسألة إن كان لا يزال يحظى بثقة ترامب كاملة. وتهز هذه التطورات فعليا الصورة التي أصر ترامب عليها مرارا بشأن تحالفه مع عناصر الجيش، وهو أمر يروّج له في دعاياته السياسية كمؤشر على صلابته.
وظهرت بوادر المقاومة ضد ترامب عندما هدد بإرسال قوات نظامية مسلّحة، بدلا من الاكتفاء بجنود الاحتياط من عناصر الحرس الوطني، لوقف الاحتجاجات التي أعقبت وفاة شخص من أصول إفريقية يدعى جورج فلويد أثناء توقيفه. وبدا إسبر متفقا مع الرئيس عندما أمر بإرسال 1600 عنصر من الشرطة العسكرية إلى منطقة واشنطن للتأهّب في حال ازدادت أعمال الشغب، قبل أن يدعو حكام الولايات "للسيطرة على ساحة المعركة".
وعندما ظهر إسبر ورئيس هيئة الأركان المشتركة مارك ميلي إلى جانب ترامب لالتقاط صور تذكارية في كنيسة قرب البيت الأبيض، بعد دقائق على إخلاء قوات الأمن المنطقة من المتظاهرين، بدا أنهما متفقان مع رغبة ترامب نشر الجنود. لكن وزير الدفاع الأميركي تراجع عن موقفه على وقع الاتهامات بأنه يحوّل الجيش إلى أداة سياسية في أيدي ترامب.
وأكّد إسبر بحزم معارضته استخدام جنود في الخدمة للتعامل مع المحتجين. وقال للصحافيين في البنتاغون إن "على خيار استخدام جنود في الخدمة ألّا يكون سوى الملاذ الأخير وفقط في الحالات الأكثر خطورة". وأضاف "لسنا في وضع كهذا في الوقت الراهن". وفي مسعى لتوضيح مواقفهم، أكد إسبر وميلي وغيرهما من كبار مسؤولي البنتاغون للجنود أنهم أقسموا للدفاع عن الدستور الأميركي وخصوصا الحق في حرية التعبير. بحسب فرانس برس.
وقال المتحدث السابق باسم البنتاغون ديفيد لابان إنه لم يشهد قط موقفا معارضا على هذا القدر لسيد البيت الأبيض خصوصا من قبل شخصية بمقام ماتيس. وقال لابان من "معهد سياسة الحزبين" إن "الرئيس سيّس الجيش بطرق غير مسبوقة". وأضاف أن إسبر وميلي "تأخّرا كثيرا وسمحا بتفاقم الوضع". وتابع " خسرا بعض الثقة من القوات ومن الشعب الأميركي" معا. وشدد على أن ماتيس وديمبسي ومولن لم يحاولوا تغذية تمرّد ضمن صفوف الجيش، لكنهم ارتأوا أن سمعة المؤسسة العسكرية في أوساط الشعب الأميركي على المحك مشيرا إلى أن الوضع "كان يتفاقم".