العمالة في العالم: الوجه البشع لحقوق الانسان
دلال العكيلي
2020-02-23 06:46
إن مستقبل الحياة الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سوف يتحدد، بدرجة لا يستهان بها، من خلال مصير أسواق العمل فيها فالعوائق التي ينبغي تخطيها هائلة، وتعقيداتها مثبطة للهمة، إلا أن تكلفة التراخي عن القيام بعمل ما، مقابل الفوائد التي يحققها وجود أسواق عمل تتصف بالدينامية، ليؤكد على ضرورة التصرّف بسرعة وبعزم، إن الفعالية الاقتصادية والحياة الكريمة للعمال سوف تتضرر إن استمرت الاتجاهات الحالية بفعل ارتفاع البطالة وانخفاض الإنتاجية، ومن ناحية ثانية، فإنه إذا تحسنت نتائج أسواق العمل، سوف يزداد النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ويتسارع رافعاً معه المستويات المعيشية للسكان عبر هذه المنطقة.
ثغرات في الأنظمة القطرية لحماية أجور الوافدين
ذكرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير أصدرته ان الجهود القطرية لضمان انتظام تسديد أجور العمال كاملة في مواعيدها "لا تفي" بالمعايير الدولية، متحدثة عن ثغرات في أنظمة حماية العمال الوافدين، ويشكل الأجانب 90 بالمئة من عدد سكان قطر البالغ 2,75 مليون نسمة، وغالبيتهم من دول نامية يعملون في مشاريع مرتبطة باستضافة الإمارة لنهائيات كأس العالم 2022.
وكانت قطر وضعت في العام 2015 نظاما لحماية الأجور لضمان تقيّد أرباب العمل بالمواعيد المحددة لدفع أجور موظّفيهم كاملة، وذلك على خلفية انتقادات وجّهتها منظمتا العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش في هذا الاطار، وكشف تقرير هيومن راتيس ووتش أن رب عمل لم يتم ذكر اسمه تأخر في تسديد أجور مدرائه خمسة أشهر، وأجور عماله شهرين، ما يسلّط الضوء على ثغرات في مراقبة وزارة العمل لعدم التقيّد بدفع الأجور.
وفي تقرير ان مشاريع الشركة تشمل إنشاء ملعب لكأس العالم وطرقات وتوظف نحو 6 آلاف شخص، وقد دفعت أجور مستحقة للعمال فقط بعد قيام بعض المتضررين بعمل احتجاجي، ويحظر القانون القطري الاحتجاجات العامة بدون ترخيص والنشاطات النقابية، وقال نائب مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش مايكل بايج "أقرت قطر بعض القوانين لحماية العمال الوافدين، لكن يبدو أن السلطات مهتمة بالترويج لهذه الإصلاحات الطفيفة في وسائل الإعلام أكثر من إنجاحها".
وجاء في تقرير المنظّمة نقلا عن سبعة مديرين في الشركة أن 500 مدير لم يتلقوا اجورهم منذ سبتمبر/أيلول 2019، بينهم مجموعة من المهندسين والمساحين والمشرفين، وقد تلقى غالبية موظفي الشركة في 13 شباط/فبراير أجورهم المتأخرة، فيما يتوقّع أن يتلقى العدد المتبقي أجورهم في 16 شباط/فبراير، وكشفت المنظمة أن تقريرا مشتركا أصدرته وزارة العمل ومنظمة العمل الدولية في حزيران/يونيو 2019 ذكر ان "سلسلة من المشاكل في نظام حماية الأجور تعيق فعاليته، وتثقل كاهله في حالات عديدة".
وقال بايج إن "هذه الحالة لمئات الأجور المتأخرة تؤكد مجددا أن نظام حماية الأجور وإدارة حماية الأجور ليسا كافيين لضمان حصول العمال الوافدين في قطر على رواتبهم في الوقت المناسب وبالكامل"، وألغت قطر مؤخرا تأشيرات الخروج الإلزامية للعمال المنزليين في إطار جهود تقوم بها الإمارة الخليجية لتعزيز حقوق العمال الأجانب، في المقابل تقول هيومن رايتس ووتش إن السلطات القطرية وعلى الرغم من إدخال بعض الإصلاحات العمالية على مدار العامين الماضيين، لم تلغِ نظام الكفالة "يمنح أصحاب العمل سلطة مفرطة على موظفيهم".
هل استهدفت العمالة الأجنبية في لبنان؟
"من الطبيعي أن ندافع عن اليد العاملة اللبنانية بوجه أي يد عاملة أخرى أكانت سورية، فلسطينية، فرنسية، سعودية، إيرانية أو أميركية، فاللبناني قبل الكل" كانت هذه تغريدة وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل وراء اندلاع جدل على مواقع التواصل الاجتماعي، تداعياته لا تزال متواصلة، وأتت تغريدة الوزير اللبناني قبل أيام ضمن سلسلة تغريدات، تحمل خطابا قوميا، ركز فيه على الأولوية للمواطن اللبناني في الاستفادة من فرص العمل المتاحة، ما دعا بعض الصحف العربية بتشبيه خطابه بخطاب الشعبويين أو اليمين المتطرف في أوروبا.
وخلفت تغريدات الوزير موجة من الانتقادات في الداخل اللبناني على مواقع التواصل الاجتماعي، وصفتها بـ"العنصرية"، مشددة على أنها لا تمثل كل اللبنانيين كما جاء في عنوان لعريضة، أطلقها لبنانيون رفضوا من خلالها مواقف المسؤول الحكومي من الأجانب في البلاد، كما هزت هذه التغريدات الطبقة السياسية اللبنانية، حيث هاجم أمين سر "تكتل الجمهورية القوية"، النائب السابق فادي كرم، الوزير اللبناني في تغريدة، كتب فيها: "أين كانت عنصريتكم اللبنانية مع مرسوم التجنيس؟ أو بالأحرى أين كانت وطنيتكم اللبنانية؟"، في إحالة منه على المرسوم الذي صدر العام الماضي لتجنيس أجانب بينهم سوريون، قيل إنهم محسوبون على نظام الأسد.
ومن جهته انتقد رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط على تويتر جبران باسيل، وقال في تغريدة: "سمعنا أخبار دير الأحمر حول طرد السوريين ونسمع مجددا أخبار عرسال وهدم الخيم والبيوت، ومن قبل أتحفنا وزير بارز بالنظريات العنصرية تجاه الفلسطينيين والسوريين"، وكان رد الفعل أكثر حدة من قبل السعوديين، الذين كانوا من الجاليات المستهدفة في تغريدة الوزير، وجاء أقوى رد من قبل الأمير السعودي عبد الرحمن بن مساعد، حيث كتب في تغريدة ساخرا: "مشكلة العمالة السعودية السائبة في لبنان كبيرة ولا يلام معالي الوزير العبقري على تصريحه، ولا أرى فيه أي عنصرية بل هو تصريح حكيم وفي محله فالسعوديون زاحموا اللبنانيين على أعمالهم واللبنانيين أولى ببلادهم سيما أن عدد العمالة السعودية في لبنان يقارب الـ200 ألف".
ويحيل العدد الذي أثاره الأمير السعودي في حقيقة الأمر على مجموع العمالة اللبنانية في السعودية، تلفت صحف عربية، فيما كانت تغريدات سعوديين آخرين أكثر مباشرة، قالوا فيها إن السعوديين لا يذهبون إلى لبنان إلا لأجل السياحة، ويستثمرون أموالهم فيه، أما الكاتب السعودي سلطان بن بندر، فكتب على أعمدة صحيفة "عكاظ" السعودية، أن وزير الخارجية اللبناني "أقحم في تغريدة السعوديين دون أن يتذكر أن أكثر من 300 ألف مواطن لبناني تركوا وطنهم طمعا في العيش داخل السعودية، خلال دفاعه عن اليد العاملة اللبنانية في لبنان، تناسى أن السعودية احتضنت العديد من الأيدي العاملة اللبنانية ووفرت لهم أرضاً خصبة للعمل، عوضا عن المشاريع السعودية التي أقامتها في لبنان، لينطبق عليها المثل اللبناني"، قبل أن يختم ساخرا بلهجة عامية: "أكل البيضة وقشرتها وبيقول ما شفت شي".
ونفى رئيس الدبلوماسية اللبنانية أن يكون "عنصريا" "فعندما تدافع عن حق شعبك تكون وطنيا وليس عنصريا وهذا ما قلته وهذا ما قصدته ويحدث أن كثيرين من محترفي تخريب العلاقات وأصحاب النوايا السيئة يحرفون الكلام أو المعنى..."، يرد جبران باسيل في تغريدة، وفي نفس السياق، يتابع الوزير: "طبعا نريد أن نميز المواطن اللبناني عن غير اللبناني بالعمل والسكن والضريبة وأمور كثيرة وهذا ليس تمييزا عنصريا بل سيادة الدولة على أرضها البعض يتهمني أني عنصري وأنا أفهم، لأن الانتماء اللبناني لدى هؤلاء ليس قويا كفاية، ليشعروا بما نشعر به، ولأنهم يعتبرون أن هناك انتماء ثانيا قد يكون أهم بالنسبة لهم".
وفي رد منه على الانتقادات السعودية حول العمالة اللبنانية بدول أجنبية بينها المملكة، كتب الوزير: "اللبنانيون يعملون بالخارج وفقا لحاجات الدول وهم يحترمون قوانين هذه الدول وكل من يخالف نحن ندعو إلى تطبيق القانون بحقه وعلى رأس هذه الدول المملكة العربية السعودية، حيث لدينا جالية من الواجب الحفاظ على مصالحها لكن واجب الجالية وواجبنا أن نحترم الدولة التي نعمل فيها ونحترم قوانينها".
اتهام شركات كبرى بعمالة الأطفال في الكونغو
اتهمت مجموعة دولية للدفاع عن حقوق الانسان شركات آبل، وغوغل، ومايكروسوفت، وديل، وتسلا بـ"الاستفادة عن عمد" من استغلال الأطفال الصغار لاستخراج الكوبالت في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ورفعت مجموعة "المدافعون عن الحقوق الدولية" دعوى فدرالية ضد الشركات الـ5 في واشنطن العاصمة يوم الأحد، حيث تتخذ المجموعة مقراً لها، وتدعي الشكوى أن الشركات "تستفيد عن عمد وتساعد وتحرض على الاستغلال القاسي والوحشي للأطفال الصغار" لاستخراج الكوبالت في ظروف بالغة الخطورة.
كما أفادت الشكوى بأن المتهمين يعلمون منذ "فترة طويلة من الزمن" أن قطاع التعدين في الكونغو "يعتمد على الأطفال"، مضيفة بأن الكوبالت الذي يستخرج في تلك المنطقة، مدرج "سلعة تنتجها عمالة الأطفال أو العمل القسري" من قبل وزارة العمل الأمريكية، وقالت الشكوى نقلاً عن تقارير عن خط أنابيب الكوبالت الذي نشرته صحيفة واشنطن بوست والغارديان ومنصات أخرى، إنه "علاوة على ذلك، أعلن عن أحوال هؤلاء الأطفال المخيفة على نطاق واسع في وسائل الإعلام سابقاً".
ويعد الكوبالت مكوناً رئيسياً في بطاريات الليثيوم أيون التي تتواجد في كل جهاز إلكتروني قابل للشحن تقريباً، ويستخرج ثلثي الكوبالت المستخدم حول العالم من الكونغو، ورفعت الدعوى الجديدة نيابة عن أكثر من 10 مدعين مجهولين، وصفوا بأنهم "حماة الأطفال الذين قتلوا في انهيارات الأنفاق أو الجدران" أثناء التعدين، أو "الأطفال الذين شوّهوا في مثل هذه الحوادث"، وتتضمن الشكوى تفاصيل العديد من حالات أطفال تدعي أنهم أصيبوا، من بينهم صبي وقع أثناء العمل في المنجم وأصيب بشلل كامل من صدره حتى أسفل جسده".
ورفضت آبل التعليق على الادعاءات المحددة في الدعوة، حيث قالت لـCNN إنها لا تزال "ملتزمة بشدة في الاعتماد على مصادر مسؤولة للمواد التي تدخل في منتجاتنا"، بينما قالت ديل في بيان إنها "ملتزمة بتوفير المصادر المسؤولة للمعادن" و"دعم حقوق العمال في أي فئة من سلسلة التوريد لدينا ومعاملتهم بكرامة واحترام".
وقالت غوغل، التي أدرجت شركتها الأم "ألفابيت" كمدعى عليه، إنها تعمل مع الموردين ومجموعات الصناعة لمعالجة المشكلة داخل وخارج البلاد، مضيفة أن "عمالة الأطفال وتعريضهم للخطر هو أمر غير مقبول"، وأن قواعد سلوك موردين غوغل "تحظر هذا النشاط بشكل صارم، نحن ملتزمون بتوفير جميع المواد أخلاقياً والقضاء على تعدين الأطفال في سلاسل التوريد العالمية"، ولم تستجب مايكروسوفت وتسلا على طلبات التعليق من CNN، إلّا أن جميع هذه الشركات لديها قواعد سلوك لمورديها تحظر استغلال عمالة الأطفال
فرنسا متهمة بممارسات خادعة في مجال حقوق الإنسان
ذكرت مصادر متطابقة أن القضاء الفرنسي اتهم في نيسان/ابريل الماضي فرع مجموعة "سامسونغ الكترونيكس فرنسا" بالقيام "بممارسات تجارية خادعة" في إطار تحقيق حول انتهاكات محتملة للحقوق الإنسانية في مصانع المجموعة وخصوصا في الصين، وصدر هذا الاتهام بعد استجواب ممثل للفرع الفرنسي لأكبر مجموعة للهواتف الذكية في العالم، في 17 نيسان/ابريل من قبل قاض فرنسي على أثر دعوى مدنية رفعتها المنظمتان غير الحكوميتين "شيربا" و"اكسيونايد-بوبل سوليدير".
وتهدف هذه الشكوى الجديدة التي رفعت بعد إسقاط إجراءات كثيرة أخرى، إلى الالتفاف على رفض النيابة مواصلة التحقيقات، عبر الطلب من قاض للتحقيق مباشرة تولي الملف، وقالت المنظمتان غير الحكوميتين في بيان "إنها المرة الأولى في فرنسا التي يتم الاعتراف فيها بأن التعهدات الأخلاقية التي تقطعها شركة ما يمكن أن تشكل ممارسات تجارية ملزمة لمن يعتمدها"، وفي الدعوى التي رفعت في حزيران/يونيو 2018، تتهم المنظمتان مجموعة الصناعات الالكترونية بعدم احترام تعهداتها الأخلاقية مع أنها مدرجة على موقعها الالكتروني.
وكتب على الموقع الالكتروني، تؤكد "سامسونغ" في 2012 أنها تحترم "بدقة" القوانين والمعايير الأخلاقية وتضيف "نحترم الحقوق الأساسية للجمي. نحظر بشكل صارم العمل القسري والاستغلال المتعلق بالأجور واستعباد الأطفال".
ومن أجل تأكيد شرعية الإجراءات في فرنسا، رأت المنظمتان أنه يكفي أن تكون الرسالة المعنية مفتوحة للاطلاع عليها في فرنسا وبالتالي من قبل المستهلكين الفرنسيين، لتتمتع المؤسسات الفرنسية بأهلية النظر فيها، واستندت المنظمتان غير الحكوميتين على تقارير عديدة لمنظمات حقوقية تمكنت من زيارة مصانع المجموعة في الصين وكوريا الجنوبية وفيتنام، لإدانة "استخدام أطفال تقل أعمارهم عن 16 عاما" و"الاستغلال في ساعات العمل" و"شروط العمل والإيواء المنافية للكرامة الإنسانية" و"تعريض العمال للخطر".