لماذا نترك موطن الأجداد؟

مصطفى ملا هذال

2019-12-18 07:58

سلكوا طرقا ملتوية بعضها عبر المياه وآخر عبر البر يبحثون عن مستقر لهم وينشدون وطنا يسوده السلام والراحة الذاتية، حيث تعرضوا للكثير من المخاطر، وتجاوزوا بصبرهم وإرادتهم العقبات والموانع، انهم من ضاقت بهم السبل في بلدانهم واختاروا العيش في غير أراض اجدادهم، المهاجرون ومن مختلف الأديان والمذاهب اصبح لهم يوما دوليا يستذكر هذا التحول في حياتهم.

لو نطرح في بداية الحديث عن ظاهرة الهجرة السؤال الآتي، لماذا يهاجر الإنسان تاركا أهلا يشتاقون اليه ومجتمع تربى فيه، وأناس يأنسون بالحديث معه وهو يشعر بالطمأنينة عند مجالستهم؟.

الإجابة على هذا التسؤال ليس نحن المعنيون بها اكثر من الأفراد الذين قرروا الهجرة إلى ما تسمى بلاد المهجر، لكن لنتقمص هذا الدور ونحاول الإجابة على بعض يسير منها، فقد يكون من وراء الأسباب هو عدم الإحساس بأنه شخص ذا قيمة في المجتمع الذي يعيش فيه وراح يبحث عن ذاته في مجتمع آخر.

بعض الأشخاص لم يكونوا موفقين في الذوبان داخل المجتمعات التي ولدوا فيها وأصبح ينتابهم شعور الغريب الذي قدم من جزيرة ما في أقصى الكرة الأرضية، فلم يتركوا وسيلة ولا طريقة الا وسلكوها للتخلص من هذا الشعور.

والبعض الآخر لم يكن راضيا عن مولده بهذه الأجواء والمجتمعات التي يراها مقيدة لحركته ومكبلته بالقيود من جميع الجهات، قد تكون قيود دينية أو اجتماعية أو حتى سياسية واقتصادية، فالنتيجة واحدة ولا راحة بالعيش في ظل ذلك الجو المشحون حسب ما يظنون.

منذ القدم وظاهرة الهجرة موجودة وأخذت بالتزايد يوما بعد آخر، فقد يكون احد البلدان فقيرا مقارنة بغيره، وتغيب فيه فرص العمل المحترم الذي يوفر حياة حركة كريمة لابناءه، فماذا ينتظر الفرد من ذلك البلد الذي لم يوفر له قوت يومه، فالهجرة خير سبيل للخلاص ما دام هنالك بلاد تفتح أذرعها لتحتويه وتشعره بأنسانيته.

ويأتي أيضا من أسباب الهجرة هو فقدان الاهتمام في بعض الدول بالطاقات البشرية الموجودة فيها، فترى الطبيب يعمل بمرتب بسيط وتلاحظ المهندس يعمل في غير مجاله، والمدرس يلهث وراء فرصة العمل ولم يظفر بها، وفي المقابل حصل على اشبه بالضوء الأخضر للعمل في بلد آخر وأصبحت هذه الفرصة بمثابة جواز العبور أو المبرر الأكثر إقناعاً للجمهور من حوله بسبب اتخاذه مثل هذا القرار.

من سافروا للكثير من الدول لغرض العلاج أو الدراسة أو النزعة، لا حظوا نسبة العمالة غير الوطنية، والسبب يعود للأسباب أعلاه، ولا تقتصر الهجرة على مستويات اجتماعية معينة، اذ نجد الطبيب إلى جانب الأستاذ الجامعي والمحامي والأمي يسكنون في بلدة واحدة ويحصلون على مرتبات كل حسب عمله الذي يؤديه.

لكل خطوة يخطوها الانسان ارتدادات ايجابية واخرى سلبية ومن هذه الانعكاسات السلبية هو تخلي بعض المهاجرين عن القليل من قيمهم وعاداتهم التي ورثوها من مجتمعاتهم في وطنهم الام، هذا التخلي قد يكون خطوة من اجل الاندماج في المجتمعات الجديدة وبالنتيجة يضمنون عدم تميزهم بشكل كبير، فمن بين هذه الاساليب كأن يكون اتباع انماط حياتية جديدة والعيش بأساليب مخالفة للعادات والتقاليد في المجتمعات التي انحدروا منها سواء الاسلامية او غيرها.

وتشير التقديرات الحالية إلى أن هناك 272 مليون مهاجر دولي على مستوى العالم (أو 3.5% من سكان العالم).. في حين أن الغالبية العظمى من الأشخاص في العالم تعيش البلد الذي ولدوا فيه، فإن المزيد من الناس يهاجرون إلى بلدان أخرى، خاصة تلك الموجودة في منطقتهم.. بينما تهاجر أعداد كبيرة إلى البلدان ذات الدخل المرتفع التي هي أبعد من ذلك.

في ظل هذا الازدياد المستمر بأعداد المهاجرين فانهم سيواجهون مشكلة عدم تقبلهم من قبل البلدان التي تشهد اقابلا ملوحظا مقارنة بغيرها مثل الولايات المتحدة والمانيا والمملكة العربية السعودية، فالنتيجة تؤدي الى تقليل فرص العمل في البلد المقصود مما يجبرها على اتباع انظمة من شانها ايقاف السيل الهادر من المهاجرين، ذلك لما يحلقه من اضرار في البنى التحتية والاقتصادية لتلك البلدان.

جراء التخمة في بعض الدول بالمهاجرين ظهرت للسطح بعض الممارسات غير المرغوبة والتي لا تتماشى مع القوانين الانسانية، فمثلا الكثير ممن يعملون في دولة ما تم تسريحهم دون ضمانات تذكر وقد يكون دون اعطائهم مستحقاتهم، وهذا بالتأكيد يكون لغياب القوانين التي تلزم الاشخاص او الشركات بأعطاء هؤلاء حقوقهم، كل هذه التصرفات تفضي الى نوع من عدم الوضوح في الموقف الذي سيكون عليه المهاجرين فيما بعد.

الثروة البشرية لا يمكن ان تفرط بها اي دولة كانت تسعى لان ترتقي سلم المجد والازدهار بمختلف الاتجاهات، وعدم استغلال هذه الطاقات يقود الى مهاجرتها وتكبيد البلاد خسائر لا تعوض، ومن هنا على المتنفذين فتح آفاق جديدة لاستيعاب هذه الطاقات الجبارة في تعمير الاوطان، فلا يبنى وطن دون ابناءه ولا يمكن لعجلة التقدم تتحرك عن مكانها ما لم تتشارك السواعد.

فمن اخطر الآفات التي تعصف بالمجتمعات الانسانية هي ظاهرة الهجرة وافراغ البلد من الفئات العمرية التي بهمتها يبنى الوطن، ولم يكن هذا ضرب من ضروب الخيال، فما حصل في العراق منذ سنوات خير مصداق على ذلك اذ لا حضنا بعض الدول والاوربية تحديدا فتحت المجال امام المهاجرين دون قيد او شرط والغاية ليس انسانية بحتة بقدر ما هي لعبة شيطانية لاستقدام الشباب والتأثير في البنية المجتمعية لبعض البلدان الاسلامية.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي