الشرطة الامريكية وانكشاف نظام العدالة والمساواة
عبد الامير رويح
2015-05-07 04:39
تواجه الولايات المتحدة الأمريكية انتقادات حادة من قبل العديد من المنظمات الحقوقية والإنسانية بسبب استمرار أعمال تمييز عنصري والانتهاكات المتواصلة لملف حقوق الإنسان والأقليات وخاصة انتهاكات وبطش الشرطة الأمريكية ضد المواطنين السود كما يقول بعض الخبراء، الذين أكدوا على ان الوقائع الحالية تشير الى تفاقم وازدياد الأعمال العنصرية في هذا البلد، الذي نادى بشعارات حقوق الإنسان والحريات ووجهت انتقادات عنيفة للعديد من الدول والحكومات التي سارعت اليوم الى كشف زيف وكذب الإدارة الأمريكية خصوصا بعد ان سعت الأجهزة الأمنية الى استخدام القوة المفرطة في قمع المظاهرات الشعبية المطالبة بمحاسبة رجال الشرطة الذين تسببوا بمقتل العديد من السود، الذين لايزالون وبالرغم من اعتلاء السود منصب رئيس الجمهورية في الولايات المتحدة، بدخول الرئيس باراك أوباما للبيت الأبيض في عام 2008 وكما تشير بعض المصادر يعاملون على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، ولا يتوقف التمييز ضد السود عند حد تعامل قوات الشرطة معهم بعنف، فقد امتدت العنصرية إلى الوظائف والإسكان وغيرها من الامور الأخرى. وتشهد أمريكا هذه الأيام احتجاجات عنيفة على خلفية مقتل شاب أسود لقي حتفه بعد تعرضه للإصابة أثناء احتجازه لدى الشرطة. وهو ما اسهم بخلق حالة من الفوضى الداخلية.
تظاهرات شعبية
وفي هذا الشأن فقد نزل الالاف الى الشارع في بالتيمور ونيويورك وعدد من المدن في شرق الولايات المتحدة للتظاهر سلميا مطالبين بإنزال العدالة ومنددين بأعمال العنف التي ترتكبها الشرطة اثر مقتل الشاب الاسود فريدي غراي اثناء اعتقاله. واوضحت شرطة بالتيمور ان المتظاهرين ساروا "بدون صدامات ولا حوادث هامة" مشيرة رغم ذلك الى اعتقال 18 شخصا. وقال قائد الشرطة انتوني باتس خلال مؤتمر صحافي انه تم اعتقال "16 بالغا" خلال النهار اضافة الى توقيف "قاصرين" اثنين.
وعند بدء حظر التجول المفروض على المدينة لم يكن هناك سوى بضع عشرات الاشخاص يتظاهرون في وسط بالتيمور. وهتف المتظاهرون وبينهم طلاب وتلاميذ "لا عدالة لا سلام" مرددين "ارسلوا الشرطيين القتلة الى السجن، النظام الفاسد برمته مذنب". ورفعت لافتات كتب عليها "الشرطيون القتلة يستحقون السجن".
وقال جوناثان براون وهو طالب في ال19 من العمر "اننا نتظاهر ضد الظلم الذي تمارسه الشرطة بحق السود. الشرطيون يتسرعون في اطلاق النار. كفى". ووصل المتظاهرون الى مقر بلدية بالتيمور حيث كانت الشرطة تنتشر بكثافة وقد اقامت حواجز. كما تجمع مئات المتظاهرين في نيويورك للمطالبة بالعدالة بعد مقتل فريدي غراي (25 عاما) في ظروف لم تتضح بعد اثناء اعتقاله لدى الشرطة.
وتوفي فريدي غراي اثر كسر في الفقرات الرقبية بعد اسبوع على توقيفه في بالتيمور ما اجج التوتر العرقي المنتشر بعد سلسلة من الاخطاء التي ارتكبتها الشرطة بحق الاميركيين السود. وبدا المتظاهرون بالتجمع في نيويورك في ساحة يونيون سكوير في جنوب مانهاتن استجابة لنداء اطلق على صفحة "نيويورك تتحرك وتدعم بالتيمور" على موقع فيسبوك. واوقفت الشرطة عددا من المتظاهرين من غير ان تحدد عدد الذين ما زالوا معتقلين لديها.
كما تظاهر حوالى الف شخص معظمهم من الشبان في نيويورك وساروا الى البيت الابيض وهم يرددون "ليرحل الشرطيون العنصريون"، وقال وليام بارشاي (27 عاما) "انظروا كم من السود قتلوا بايدي شرطيين هذا الشهر، الكثير". واحتج مياه كوك (17 عاما) على قيام الشرطة "بمواكبتهم حرفيا" خلال هذه التظاهرة معتبرا ان "هذا لا يساعدنا كثيرا". كما جرت تظاهرة صغيرة في بوسطن (شمال شرق) بحسب وسائل اعلام اميركية.
واطلقت عدة تحقيقات داخلية ومستقلة لتوضيح ملابسات اصابة فريدي غراي والاسباب خلف مقتله من دون ان تؤدي الى نتيجة. غير ان شرطة بالتيمور اقرت بان الشاب كان يفترض ان يتلقى مساعدة طبية بعد اعتقاله وتم وقف ستة شرطيين عن ممارسة مهامهم. ويشير العديد من سكان بالتيمور تحديدا ومن الاميركيين عموما الى ان هذا الحادث ليس سوى المثال الاخير على وحشية ممارسات الشرطة.
ونشرت صحيفة واشنطن بوست مقالا نقلت فيه افادة سجين كان في عربة الشرطة التي نقل فيها فريدي غراي. وقال المعتقل بحسب وثيقة للشرطة اطلعت عليها الصحيفة ان غراي "كان يضرب على هيكل" الآلية وقد ظن انه "يريد أن يجرح نفسه عمدا". وهي اول مرة تكشف عناصر حول ما يمكن ان يكون حصل في الية الشرطة، واشارت الصحيفة الى انه لم يكن بوسع المعتقل الذي نقلها رؤية فريدي غراي.
ووقعت اعمال عنف متفرقة حين اوقفت الشرطة 35 شخصا اثر صدامات وقعت بعد فرض حظر التجول الذي سيبقى ساريا لمدة اسبوع في بالتيمور. غير ان هذه الاحداث بعيدة عن مستوى الاضطرابات التي هزت المدينة بعد مراسم تكريم ذكرى فريدي غراي، والتي قامت خلالها مجموعات من الشبان باحراق مبان وسيارات ونهب وتخريب محلات، واصيب خلالها عشرون شرطيا بجروح.
واقر باراك اوباما اول رئيس اسود للولايات المتحدة بان اعمال العنف في المدينة التي تعد 620 الف نسمة تكشف عن شرخ كامن بين الشبان السود والشرطة. وقال "شهدنا العديد من الامثلة على ما يبدو انه تعامل ضباط الشرطة مع افراد وخصوصا اميركيين افارقة غالبا فقراء، بطرق تثير تساؤلات مقلقة". وحصلت عدة حوادث في الاشهر الماضية قتل فيها مواطنون سود برصاص شرطيين من البيض ما اثار تظاهرات ترافقت احيانا باعمال شغب، ولا سيما في فرغسون بولاية ميزوري (وسط)، مما اثار الجدل حول العنصرية في صفوف الشرطة الاميركية. بحسب فرانس برس.
وأضاف اوباما "أعتقد أن على بعض أقسام الشرطة مراجعة نفسها. وأعتقد أن على بعض المجتمعات مراجعة نفسها. وأعتقد أن علينا كبلد مراجعة نفسنا". وقال أوباما "هذه أزمة تتكشف ببطء ومستمرة منذ فترة طويلة. هذا ليس أمرا جديدا. ويجب ألا نتظاهر بأنه جديد"، في إشارة إلى التوترات في المجتمعات الأمريكية بسبب سلوك الشرطة. وشدد على أنه إذا أرادت البلاد حل المشكلة، فعليها ألا تستثمر فقط في تدريب الشرطة بل كذلك في التعليم المبكر وإصلاح القضاء الجنائي.
وأعلن حاكم ولاية ميريلاند الأمريكية حالة الطوارئ كي يتمكن من نشر الحرس الوطني ردا على المصادمات التي اندلعت في قسم من مدينة بالتيمور، حسب ما جاء في بيان. وقال لاري هوغان في بيان "لن نتهاون مع أعمال النهب وأعمال العنف. ردا على هذه المصادمات أعلنت حالة التعبئة في صفوف الحرس الوطني كي يكون قادرا على الانتشار سريعا إذا اقتضى الأمر ذلك".
ودان كثيرون في بالتيمور اعمال العنف، مؤكدين ارتيابهم من عناصر الشرطة. وقالت اريثا ويليامز الموظفة في متجر كبير بالمدينة، امام مجموعة من عناصر الشرطة الذين شكل البيض عددا كبيرا منهم "اعتقد ان كثيرين عنصريون في الشرطة"، و"يحصلون على الحق في القتل عندما يدخلون الشرطة". وذكرت كلارينس المتقاعدة التي تبلغ الثامنة والستين من العمر، ان بالتيمور لم تشهد هذا التوتر منذ اضطرابات 1968 التي قتل خلالها ستة اشخاص واصيب 700 آخرون. واضافت ان "هذا العنف الذي تمارسه الشرطة محزن. مهمتك تقضي بتكبيل يدي الرجل لا ضربه". وخلصت الى القول "يبدو ان هذا الامر يزداد سوءا". وامر الحاكم هوغان بفرض حالة الطوارىء في هذه المدينة التي تبعد ستين كلم عن واشنطن. واستعادت بالتيمور التي كانت واحدة من اعنف المدن في الولايات المتحدة في مستهل التسعينات، بعض الهدوء منذ بضع سنوات واعيد تأهيل عدد كبير من احيائها، لكن جيوبا للفقر المدقع ما زالت قائمة.
تحقيقات وادانة
من جانبها أعلنت وزارة العدل الاميركية انها فتحت تحقيقا حول الحقوق المدنية في مقتل رجل اميركي من اصل افريقي وقالت متحدث باسم وزارة العدل ان "الوزارة تابعت التطورات في بالتيمور بعد مقتل فريدي غراي"، مضيفا "بناء على معطيات اولية، فتحت الوزارة تحقيقا رسميا في الموضوع وتجمع المعلومات والادلة لتقرر ما إذا كانت ستقوم بتوجيه اتهامات تتعلق بالمساس بالحقوق المدنية".
على صعيد متصل قالت السلطات المحلية إن شرطيا أبيض في ولاية ساوث كارولاينا الأمريكية سيواجه تهمة القتل بعدما أطلق النار على رجل أسود بدا أنه يهرب منه مما أسفر عن مقتله. وقال كيث سومي رئيس بلدية نورث تشارلستون في مؤتمر صحفي إن المحققين اطلعوا على تسجيل مصور للواقعة التي حدثت ويظهر فيه ضابط الشرطة مايكل سلاجر وهو يطلق النار على والتر سكوت (50 عاما) وإن قرارا اتخذ بتوجيه تهمة القتل للضابط.
وأضاف للصحفيين "عندما تكون على خطأ فأنت على خطأ... إذا اتخذت قرارا سيئا فلا يهمني إن كنت تنعم بحصانة أو كنت مواطنا في الشارع... عليك أن تتحمل مسؤولية هذا القرار." يأتي الحادث في وقت يشهد توترا بشأن استخدام الشرطة الأمريكية للقوة وخاصة من قبل رجال الشرطة البيض ضد السود.
في السياق ذاته دعت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب الولايات المتحدة للتحقيق بشكل كامل واتخاذ إجراءات قانونية ضد بطش الشرطة وإطلاق النار على شبان سود عزل وعدم استخدام مسدسات الصعق الكهربائي إلا في المواقف التي تمثل خطرا على الحياة. وهذا أول تقرير تعده لجنة مناهضة التعذيب لسجل الولايات المتحدة في منع التعذيب منذ عام 2006 ويجيء في أعقاب اضطرابات ذات صبغة عنصرية في مدن أمريكية.
ونددت اللجنة بما وصفته "بالألم الشديد والمعاناة الطويلة" اللتين يتحملهما السجناء خلال عمليات "إعدام فاشلة" والاعتداء الجنسي المتكرر لسجناء وتقييد وثاق نساء حوامل في بعض السجون والاستخدام المفرط للحبس الانفرادي. وقال التقرير إن هناك قلقا عميقا من "تقارير عديدة" عن بطش الشرطة والاستخدام المفرط للقوة مع أشخاص ينتمون لأقليات ومع مهاجرين ومثليين بالإضافة للتوصيف العنصري وعسكرة العمل الشرطي. وأشار إلى "تكرار وقائع إطلاق النار من جانب الشرطة أو الملاحقات المميتة لأفراد سود عزل." بحسب رويترز.
وأبلغ الوفد الأمريكي عشرة خبراء مستقلين في اللجنة انه تم فتح 20 تحقيقا منذ عام 2009 بشان انتهاكات منهجية للشرطة واتخاذ إجراءات قانونية مع أكثر من 330 ضابط شرطة بسبب البطش. وذكرت اللجنة أن المعلومات المتاحة بشأن نتائج هذه التحقيقات غير كافية. وتحدثت عن "تقارير عديدة متسقة" بأن الشرطة الأمريكية استخدمت مسدسات الصعق مع مواطنين عزل أثناء مقاومة الاعتقال وأدانت حالتي وفاة وقعتا في الأونة الأخيرة في فلوريدا وإيلينوي. وقالت اللجنة إنه ينبغي عدم استخدام مسدسات الصعق إلا في الحالات الخطيرة لتفادي الموت أو الإصابة البالغة.
كاميرات الهواتف الذكية
من جهة اخرى ينقسم الأمريكيون إلى فريقين متساويين تقريبا بشأن ما إذا كان الانتشار واسع النطاق لكاميرات الهواتف الذكية سيحسن سلوك الشرطة ويعتقدون أن ذلك لم يسهم كثيرا في تغيير أدائها حتى الآن. وقالت نسبة 42 في المئة من الأمريكيين إن سلوك الشرطة سيتحسن فيما رأت نسبة متساوية أن ذلك لن يحدث. وأجري الاستطلاع بعد بث لقطات لضابط شرطة أبيض في ساوث كارولاينا وهو يقتل بالرصاص رجلا أسود في وقت سابق.
وقالت نسبة 56 في المئة من المشاركين في الاستطلاع إن الشرطة إلى الآن لم تحسن من تصرفاتها بسبب إمكانية تصويرها بالفيديو. وكانت سلسلة من حوادث قتل مواطنين سود عزل برصاص ضباط شرطة بيض قد أدت إلى تنظيم احتجاجات في عدة مدن وأثارت جدلا بشأن سلوك الشرطة تجاه السود والأقليات الأخرى. وتم تصوير بعض هذه الحوادث بالفيديو. بحسب رويترز.
وأظهر الاستطلاع الالكتروني الذي شارك فيه 2446 أمريكيا أن الأمريكيين مازالوا منقسمين بشأن تأثير الكاميرات على سلوكهم. واتفقت نسبة 59 في المئة مع جملة تقول "يعجبني أن كاميرات الهواتف تجعل الناس مسؤولين بشكل أكبر عن تصرفاتهم." وفي نفس الوقت قالت نسبة 47 في المئة إن الأمر يمثل تعديا على خصوصية الناس لأن هناك من يصورهم بهواتفهم طوال الوقت. وقال المشاركون في الاستطلاع إن سلوك السياسيين أيضا لم يتغير للأحسن بسبب كاميرات الهواتف المحمولة ومن غير المنتظر أن يحدث ذلك.