قانون الجنسية العراقية: ضرورة حتمية ام صفقة سياسية؟
مصطفى ملا هذال
2019-04-06 04:30
موجة عارمة اثارتها مناقشة بعض القوانين من قبل الجهات التشريعية في البلاد كان من تسبب بها طرح قانون منح الجنسية العراقية على طاولة النقاش في البرلمان العراقي.
الكثير من البلدان وليس العراق فحسب تضع جملة من المقومات والاجراءات لمنح الوثيقة التي بموجبها يصبح للفرد الحائز عليها التمتع بالحقوق وتأدية الواجبات التي يتمتع بها ابن البلد الاصيل.
اعتراضات نشبت في الاوساط الشعبية العراقية جراء مناقشة مسودة القانون التي تفيد بأعطاء الجنسية العراقية للاشخاص الساكنين على الارض لمدة خمس سنوات متواصلة، ويحق لوزير الداخلية ان يمنحها لمن يريد بمجرد مكوثه عام واحد بصورة كاملة.
انقسام الشارع الى كفتين غير متكافئتين حيال ذلك فهناك من يرى ضرورة تشريع مثل هذه القوانين التي ترجع الحق للافراد الذين حالت بينهم الظروف دون امتلاكها من بينهم ما عمل النظام المقبور على ابعادهم قصرا من البلاد ابان فترة حكمه، حيث اصبحت لديهم الكثير من الولادات في بلدان مختلفة ما يحتم على الجهات المعنية النظر في امرهم واعطاهم الحق كغيرهم من المواطنين.
يأتي بضمن الفئات المشمولة بالقانون هي فئة الولادات غير الشرعية في المناطق التي تم اغتصابها من قبل المجاميع الارهابية، حيث استبيحت الحرمات وعمت الفوضى وكثرت الانتهاكات، خُصبت الارحام وجاءت بولادات عملت جهات متعددة على شمولها بقانون الجنسية وهو ما يستوجب وضع العديد من علامات الاستفهام.
هل الجيل الذي جاء بطريقة غير شرعية مخالفة للمفاهيم السماوية والقوانين الشرعية يُضمن ولاءه لتراب الوطن والدفاع عن حياضه بنفس الغيرة والشهامة التي يحملها من اشتد عضده وقوى ساعده وامتزجت طينته بتراب موطن آبادءه واجداده؟.
البعض يرى ان تشريع مثل هذه القوانين يحمل صبغة سياسية اكثرمنها ضرورة حتمية كون الكثير ممن ينتظرون التشريع يسهمون بشكل كبير في تغيير الطبيعة الديموغرافية لبعض المناطق وسلخ هويتها الاصلية، وهذا ما عملت عليه العديد من الاجندات سواء الداخلية او الخارجية.
اعطاء وزير الداخلية حق منح الجنسية لمن يقيم في البلاد لعام واحد بصورة متواصلة امر بحد ذاته يثير القلق ويبعث على عدم الطمأنينة، ذلك لعدم وضوح المعاييرالتي بموجبها يتم المنح، ولم يعلم ما اذا كان يسري وفق معايير متبعة في البلدان الاخرى ام لا، في ظل غياب الرؤية الواضحة يبقى الامر مرهون بالاجتهادات الشخصية ونظرة المرجعية السياسية لذلك الوزير.
العراق مصنف ضمن قائمة البلدان الشابة بنسبة تصل الى 60% وهذا ما يؤكد عدم حاجة العراق للايدي العاملة بجميع الاختصاصات وبكافة الميادين، البلاد فيها الكم الهائل من الطاقات ولا حاجة لتجنيس البعض بدافع ندرة اختصاصه او انعدامه في ظل الانفتاح الذي يعيشه العراق على المجتمع الدولي، ومن السهولة ان تتلاحق الثقافات وان تكتسب الخبرات بالاطلاع على التجارب الناجحة في البلدان المجاورة وغيرها ونقلها والاستفادة منها بشكل ايجابي وتدريب الطواقم عليها بما يضمن التعلم والتطور والابداع فيها من قبل ابناء البلد.
لو رجعنا الى الوراء قليلا وتحديدا في تسعينيات القرن المنصرم لوجدنا شريحة من ابناء الشعب العراقي اختاروا العيش في الكويت وغيرها من الدول، امتنعت سلطات تلك البلدان عن منحهم الجنسية واطلق عليهم آنذاك بــــ( البدون)، اي لا يزالون بدون هذه الوثيقة، وهذا ما يوضح مدى حرص الحكومات على هويتها الوطنية، فضلا عن تعلق ذلك الامر بمكانة الشعوب ذاتها، ذلك كون الدول التي تمنح الجنسية دون قيود صارمة تعتبر من الدول البائسة والمبتذلة.
السلطة التشريعية في العراق قالت كلمتها وقطعت الطريق على من يتحينون الفرصة في النيل من سيادة البلاد والتقليل من شأنها في المحافل الدولية واثبثت قدرتها على الخروج برؤية وطنية موحدة ونبذ الاصوات النشاز التي تحاول ايجاد فجوة بين مكونات الشعب.
في لمحة بسيطة حول بعض القوانين التي تضعها الدول من اجل الحصول الاجانب على جنسيتها من بينها دولة قطر التي وضعت جملة من الضوابط اهمها ان يكون قد أمضى المقيم عشرين عاما داخل قطر اذا كان قد ولد خارجها، وعشرة أعوام اذا كان من مواليد الدولة، ومن الطبيعي هذا يدلل على مدى اهمية اعطاء الجنسية التي تعتبر هوية وطن بأسره.
ونذهب بعيدا حيث امريكا التي وضعت هي الاخرى شروط يراها البعض قاسية امام من يستحق ان تمنحه جنسيتها كان في مقدمتها هو الزواج من مواطن امريكي او الفوز بجائزة اليانصيب التي تمنحها الحكومة الامريكية الى جانب شرط الاستثمار والاقامة الطويلة وغيرها من الاجراءات التي يصعب على الكثير استيفاءها وتبقى بذلك الجنسية الامريكية صعبة المنال وغير متاحة لمن هب ودب، وبالتأكيد تعزز هذه الاجراءات مكانة امريكا وعظمتها الى جانب ما تتمتع به من هيمنة ونفوذ كبيرين.
وتبقى الايام القادمة حبلى بالكثير من المفاجئات فربما تمت يد التوافقات الى مسودة القانون وتعيد تحريكه في اروقة البرلمان، واضعين الارادة الشعبية خلف ظهورهم، وربما يبقى النهج الوطني فارض سطوته على عقلية الطبقة الحاكمة.