الحقوق والحريات في العالم العربي: عدالة من ورق

عبد الامير رويح

2019-02-16 04:42

رغم التحولات الكبرى التي شهدتها بعض الدول العربية بعد ثورات الربيع العربي، ماتزال شعوب تلك الدول وغيرها انخفاض في مستوى الحرية والديمقراطية بسبب القوانين والانظمة والقيود التي فرضتها الحكومات من اجل اقصاء الخصوم وتأمين مصالحها، وكشف تقرير الحرية العالمي الذي تنشره منظمة "فريدوم هاوس" في وثت سابق، أن الحرية في العالم سجلت انخفاضاً عالمياً في الحقوق السياسية والحريات المدنية لمدة 13 سنة متتالية، من عام 2005 إلى عام 2018.

وبحسب التقرير، فقد استمرت الدول السلطوية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في قمع المعارضة خلال عام 2018، وحتى الديمقراطيات القليلة في المنطقة عانت من جروح ذاتية. ومع ذلك، يمكن للانتخابات التي تُجرى في بعض البلدان أن تؤدي إلى استقرار هذه البلدان وأن تفتح الطريق أمام تقدم متواضع".

وبيّن التقرير أنّ "القمع السياسي تفاقم في مصر، حيث أعيد انتخاب الرئيس، عبد الفتاح السيسي، بنسبة 97 في المائة من الأصوات بعد أن سجنت قوات الأمن بشكل تعسفي المنافسين المحتملين". كما استمرت السودان حسب التقرير في خنق المعارضة عبر استهداف قوات الأمن على نحو متزايد أعضاء الأحزاب السياسية المعارضة ونقابات العمال والمدافعين عن حقوق الإنسان والطلبة وتعرض هؤلاء إلى التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، بالإضافة إلى استخدام الإجراءات القانونية والإدارية وغيرها من التدابير لفرض قيود على الاحتجاجات السلمية وحظرها بصورة غير قانونية. كما تطرّق التقرير إلى الأوضاع الأمنية والإنسانية في ولايات دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان واصفاً إيّاها بالمزرية.

وفي المملكة العربية السعودية، "بعد أن استمدت الحكومة الثناء على تخفيف الحظر الصارم على قيادة النساء، ألقت السلطات القبض على ناشطات حقوق المرأة البارزات، وشددت حتى على أشكال معتدلة من المعارضة". وعن قبضة ولي العهد السعودي، أضاف التقرير: "شددت الأدلة على أن ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، قد أمر شخصياً باغتيال الكاتب الصحافي بـ"واشنطن بوست"، جمال خاشقجي، في إسطنبول، ما بدّد أية آمال متبقية بأن الأمير الشاب قد يظهر كمُصلِح". و"فريدوم هاوس" منظمة مراقبة تجمع تقريراً سنوياً عن حالة الديمقراطية وحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم. ويُعتبر تقرير "الحرية في العالم" مرجعاً لواضعي السياسات والأكاديميين الذين يدرسون الديمقراطية.

السودان

وفي هذا الشأن قال تجمع المهنيين السودانيين المعارض إن ثلاثة أشخاص قتلوا جراء تعرضهم للتعذيب على أيدي عناصر الأجهزة الأمنية. وأضاف في بيان له أن شخصين اعتقلا في ولاية جنوب كردفان ثم لقيا حتفهما "جراء التعذيب"، وأن مدرسا توفي في منطقة خشم القربة شرق البلاد بنفس الطريقة. وذكر البيان أن "نظام القتل والاستبداد، لم يكتف بإطلاق الرصاص على المواطنين العزل، ولم يشف غليل قياداته تقنين التعذيب البدني والنفسي للمعتقلين، بل لاحقهم داخل أقبية المعتقلات وزنازين الدم ليقضي على حياتهم بكل روح انتقام وبربرية".

وأكد أفراد من عائلة المدرس، 36 عاما، أن الأجهزة الأمنية اعتقلته من منزله بعد عودته من مسيرة احتجاجية كانت تطالب بإسقاط حكومة الرئيس عمر البشير. وأضافوا أن مسؤولين أمنيين أبلغوهم أن سبب الوفاة هو التسمم، إلا أن أقرباؤه أكدوا وجود آثار تعذيب على جسده ورجحوا أنه تعرض للضرب وسُمم. من جانبها قالت لجنة أمن ولاية كسلا في بيان إن المدرس توفي جراء إصابته بمرض أثناء التحقيق معه.

وأضافت أنه توفي لاحقا بعد وصوله إلى المستشفى. وقد شيع الآلاف من أبناء المنطقة جثمان المدرس ورددوا شعارات "تطالب بالقصاص" ممن تسببوا بوفاته. ونظم حوالي 300 أستاذ ومحاضر جامعي في جامعة السودان مظاهرة احتجاجا على نظام البشير بحسب ما أكد متحدث باسمهم. وقد وقعوا عريضة أطلقوا عليها "مبادرة جامعة الخرطوم"، تضمنت مجموعة من المطالب أهمها تشكيل حكومة انتقالية في السودان.

وكانت المظاهرات التي اندلعت في التاسع عشر من شهر ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي انطلقت أساسا احتجاجا على رفع سعر الخبز ثلاثة أضعاف، لكنها تحولت إلى احتجاجات للمطالبة بإنهاء حكم البشير، الذي تولى السلطة قبل 30 عاما. ويواجه السودانيون، منذ سنوات، صعوبات اقتصادية متزايدة. إذ تعاني البلاد من نسبة تضخم عالية، ويواجه عدد كبير من المدن نقصا في الخبز والوقود. بحسب بي بي سي.

وصرحت السلطات السودانية أن عدد من قتلوا في الاشتباكات بلغ 30 قتيلا منذ بداية الإحتجاجات. لكن منظمات حقوق الإنسان تقول أن العدد تخطى الـ 40 قتيلا. وقد أمر رئيس جهاز الأمن والمخابرات الوطني، بالإفراج عن جميع الموقوفين منذ بداية الاحتجاج. وتقول منظمات غير حكومية للدفاع عن حقوق الإنسان، إن جهاز الأمن والمخابرات الوطني الذي يمارس القمع منذ بداية المتظاهرات، يعتقل أكثر من 1000 متظاهر وقادة للمعارضة وناشطين وصحافيين.

الإمارات

من جانب اخر قال مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إنه يتعين على الإمارات العربية المتحدة أن تطلق سراح الناشط المؤيد للديمقراطية أحمد منصور الذي أيدت محكمة حكما بسجنه عشر سنوات لانتقاده الحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي. وقالت وكالة أنباء الإمارات إن محكمة أمن الدولة الإماراتية أيدت الحكم بسجن منصور الذي كان حتى ما قبل سجنه واحدا من عدد قليل من المدافعين علنا عن حقوق الإنسان في الإمارات.

وقالت رافينا شامداساني المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان للصحفيين في جنيف ”نخشى أن تكون لإدانة منصور والحكم القاسي الذي صدر عليه صلة بممارسته لحقه في حرية الرأي والتعبير“. وأضافت ”نحث حكومة الإمارات العربية المتحدة على الإفراج الفوري وغير المشروط عن منصور وضمان عدم معاقبة أفراد على التعبير عن وجهات نظر منتقدة للحكومة أو حلفائها“.

وأيدت المحكمة الحكم على منصور في مايو أيار عام 2018 ليصبح نهائيا. وتضمن الحكم غرامة قدرها مليون درهم (270 ألف دولار). والإمارات مركز تجاري وسياحي وتتبع نظام الحكم المطلق الذي لا يتساهل مع الانتقادات العلنية. وقالت شامداساني ”من المؤكد أن هذه ليست حالة وحيدة في الإمارات العربية المتحدة“. وأضافت أن الناشط البارز ناصر بن غيث صدر عليه حكم بالسجن عشر سنوات في مارس آذار 2017 بعد أن انتقد على تويتر انتهاكات حقوق الإنسان في مصر وتسييس القضاء في الإمارات.

وكان منصور، وهو مهندس كهربائي وشاعر عمره 49 عاما، من بين خمسة نشطاء أدينوا بإهانة حكام الإمارات عام 2011 لكنهم حصلوا على عفو في العام نفسه. وألقي القبض عليه مجددا في مارس آذار 2017 لاتهامه بنشر ”معلومات كاذبة وشائعات ونشر أفكار مغرضة تعمل على بث الفتنة والطائفية والكراهية“. بحسب فرانس برس.

كما وجهت إليه تهمة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من أجل ”الإضرار بالوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي وسمعة الدولة“. في عام 2015، حصل منصور على جائزة مارتن إينالز للمدافعين عن حقوق الإنسان، وهي جائزة سنوية تمنحها لجنة من المنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان، وذلك لعمله في توثيق وضع حقوق الإنسان في الإمارات.

الى جانب ذلك قال الأكاديمي البريطاني ماثيو هيدجز إنه ”لم يكن أمامه خيار سوى الاعتراف“ بتهم تتعلق بالتجسس، خلال فترة احتجازه في الإمارات على مدى ما يقرب من سبعة أشهر. وأصدرت الإمارات عفوا عن هيدجز من حكم في نوفمبر تشرين الثاني بسجنه مدى الحياة بعد نشر تسجيل مصور يعترف فيه بأنه عضو في جهاز المخابرات البريطانية (إم.آي6) وبأنه كان يُجري بحثا عن الأنظمة العسكرية التي تشتريها الإمارات.

وظهر هيدجز في التسجيل، الذي كان الصوت فيه غير واضح في بعض الأجزاء ولم يتسن بشكل مستقل التحقق من صحة الترجمة المصاحبة له، وهو يقول إنه تواصل مع مصادر بوصفه طالب دكتوراه. ونفت بريطانيا أنه جاسوس ورحبت بالعفو عنه. وقال هيدجز ”شريط الاعتراف، حسبما أفهم لأنني لم أطلع عليه، مدمج أو جرى اجتزاؤه أو أنه مكون من أجزاء (من لقطات لي) على مدى شهور حبسي كما أنه يتضمن مشاهد من المحكمة وكنت خاضعا لإكراه ولتهديدات بالتعذيب ولضغوط نفسية“. وأضاف ”لم يكن هناك خيار آخر سوى الاعتراف“.

ولدى سؤاله عن اتهامات هيدجز، قال مسؤول إماراتي إن الأكاديمي لم يتعرض لأي إساءة معاملة بدنية أو نفسية خلال فترة احتجازه ونفى أن يكون الاعتراف المسجل جرى إدخال تعديلات عليه. وقال جابر اللمكي المدير التنفيذي لقطاع الاتصال الإعلامي والاستراتيجي في المجلس الوطني للإعلام بالإمارات إن الحقيقة الثابتة تتمثل في أن هيدجز كان يعمل لبعض الوقت أكاديميا ولبعض الوقت رجل أعمال لكنه كان طوال الوقت جاسوسا.

وقال هيدجز إن السلطات الإماراتية طلبت منه ”سرقة وثائق ومعلومات من وزارة الخارجية البريطانية“ وإن ذلك أصابه بالصدمة. لكن اللمكي نفى أن تكون السلطات الإماراتية طلبت مثل هذا الطلب، واصفا هذا الادعاء بأنه هراء. وركز بحث هيدجز على موضوعات حساسة في الإمارات مثل الهياكل الإدارية لأجهزة الأمن والنظام القبلي وتوطيد السلطة السياسية في أبوظبي.

البحرين

في السياق ذاته قالت وكالة أنباء البحرين وجماعة حقوقية إن محكمة التمييز أيدت حكما بالسجن المؤبد على ثلاثة من قيادات المعارضة بتهمة التخابر مع قطر. وكانت محكمة بحرينية قد حكمت في نوفمبر تشرين الثاني بالسجن المؤبد على الأمين العام لجمعية الوفاق المعارضة الشيخ علي سلمان واثنين آخرين من قيادات الوفاق وهما الشيخ حسن سلطان وعلي الأسود لتلغي بذلك حكما سابقا بتبرئتهم.

وصدر الحكم عن محكمة التمييز أعلى محكمة استئناف في البلاد. وتناصر جمعية الوفاق التي تربطها صلات قوية بالأغلبية الشيعية في البحرين قضايا الإصلاح الاجتماعي والسياسي في البلاد التي تحكمها عائلة مالكة سنية. وقالت الجمعية في بيان إن الحكم ”جاء لأسباب سياسية“. وقالت سماح حديد مديرة الحملات ببرنامج الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية ”حكم اليوم مسمار آخر في نعش حرية التعبير في البحرين ويكشف أن النظام القضائي في البلاد مهزلة كاملة“. بحسب رويترز.

وأدان معهد البحرين للحقوق والديمقراطية، ومقره لندن، القرار وقال إنه يمثل نهاية محاكمة طويلة شابها عوار. ويشتبك متظاهرون من حين لآخر مع قوات الأمن منذ أن سحقت السلطات احتجاجات في الشوارع عام 2011. وتعرضت قوات الأمن لعدد من التفجيرات. وتقول المنامة إن قطر تدعم الاضطرابات وهو ما تنفيه الدوحة. وجرت محاكمة سلطان والأسود غيابيا. وسلمان مسجون بالفعل لمدة أربع سنوات بتهمة التحريض على البغض وإهانة وزارة الداخلية وذلك بعد اعتقاله عام 2015.

الى جانب ذلك دعا مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان البحرين إلى إطلاق سراح النشط نبيل رجب وقال إن تأييد أعلى محكمة بحرينية للحكم بسجنه خمس سنوات يظهر ”استمرار قمع منتقدي الحكومة“. وأدين رجب، المعروف بانتقاداته الحادة للحكومة والذي لعب دورا قياديا في الاحتجاجات المنادية بالديمقراطية عام 2011، في فبراير شباط بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تتهم سلطات السجون بالتعذيب وتنتقد الغارات الجوية السعودية في اليمن. وقالت رافينا شامداساني المتحدثة باسم مكتب حقوق الإنسان في إفادة صحفية في جنيف ”قرار المحكمة يلقي الضوء على استمرار قمع معارضي الحكومة في البحرين من خلال الاعتقال التعسفي وحظر السفر والمضايقات والتهديدات وسحب الجنسية وغيرها من الأساليب“.

السعودية

من جانب اخر ذكرت أسرة رجل الدين السعودي البارز أحمد العماري أنه توفي بعد مرور خمسة أشهر على احتجازه، وسط انتقادات متزايدة لسجل الرياض في مجال حقوق الإنسان في أعقاب مقتل الصحفي جمال خاشقجي. وقالت جماعة قسط الحقوقية ومقرها لندن ونشطاء إن العماري، الذي سبق له العمل عميدا بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، نقل إلى مستشفى حكومي بعد إصابته بنزيف في الدماغ. وأكد عبد الله نجل العماري وفاته على تويتر.

ويقول النشطاء إن قوات الأمن كانت قد ألقت القبض على العماري في أغسطس آب عندما داهمت منزله ثم احتجزته في حبس انفرادي. ومن المعتقد بأنه وآخرين احتجزتهم السلطات في نفس التوقيت على صلة وثيقة بالعالم الديني البارز سفر الحوالي الذي ألقي القبض عليه في يوليو تموز 2018 بعد نشره كتابا ينتقد الأسرة السعودية الحاكمة. وتشهد السعودية حملة على المعارضة شملت اعتقال ناشطات، وردت أنباء عن تعرضهن للتعذيب، ومفكرين ليبراليين ونشطاء إسلاميين، حتى مع إدخال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بعض الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية البارزة. بحسب رويترز.

وتقول السعودية، التي تحظر الاحتجاجات العامة والأحزاب السياسية، إنه ليس لديها سجناء سياسيون وتنفي مزاعم التعذيب. ويقول المسؤولون إن مراقبة النشطاء لازمة لضمان الاستقرار الاجتماعي. وأثار مقتل خاشقجي داخل قنصلية المملكة في اسطنبول في أكتوبر تشرين الأول الماضي غضبا عالميا وشوه صورة ولي العهد وركز الانتباه العالمي على معاملة النشطاء والحرب في اليمن. وكان خاشقجي لفترة طويلة مطلعا على ما يدور في البلاط الملكي قبل أن يتحول إلى انتقاد الأمير محمد.

ذات صلة

الاكتفاء الذاتي والبساطة في العيشالدفاع عن حقوق المرأة في منهج الصديقة الزهراءانسحاب قطر من جهود الوساطة لإنهاء الحرب في غزة وفشل المفاوضاتإمكان إزالة الغضب وطرق علاجهمرة أخرى، كان الاقتصاد هو السبب يا غبي