في تركيا: مستقبل الحريات في حالة الطوارئ
عبد الامير رويح
2018-05-10 07:11
قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تمديد حالة الطوارئ للمرة السابعة منذ محاولة الانقلاب في يوليو 2016، اثارت غضب واستياء العديد من المنظمات والمؤسسات الحقوقية العالمية، التي أكدت السلطات التركية تستخدم قانون الطوارئ من اجل اقصاء القوى المعارضة وإسكات صوت الاعلام من خلال ستهداف الصحفيين ومنتقدي الحكومة. واعتقلت تركيا أكثر من 50 ألف شخص، في إطار حملة واسعة النطاق منذ محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها البلاد عام 2016، وعزلت 150 ألف شخص أو أوقفتهم عن العمل.
وسمح قانون الطوارئ لأردوغان والحكومة بتجاوز البرلمان في إقرار قوانين جديدة تمكنهم من تعليق الحقوق والحريات، حيث شهدت تركيا حملة إغلاق أكثر من 2200 مؤسسة تعليمية خاصة و19 اتحادا عماليا و15 جامعة ونحو 150 وسيلة إعلام. وقالت منظمة العفو الدولية إن انتهاكات حقوق الإنسان والحملة على الحرية التعبير في تركيا ستستمر على الأرجح ما دامت البلاد تحت حالة الطوارئ. ووجهت المنظمة الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان في تقريرها السنوي انتقادات لاذعة لتركيا العضو في حلف شمال الأطلسي والمرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي. ويقول منتقدون إن الرئيس رجب طيب إردوغان يستخدم حالة الطوارئ لسحق معارضيه. وكانت السلطات أعلنتها بعد محاولة الانقلاب وجددتها بشكل متالي. وتقول الحكومة إن إجراءاتها الأمنية ضرورية نظرا لخطورة التهديدات التي تواجهها.
وبحسب بعض المصادر فإن الرئيس، رجب طيب أردوغان، أسكت جميع فصائل المعارضة من أجل ضمان البقاء في السلطة. ويرى البعض إن أدروغان يصور نفسه أنه حامي تركيا من أعدائها سواء كانوا من الانفصاليين في حزب العمال الكردستاني أو في الاتحاد الأوروبي، أو من العلمانيين الذين يتطاولون على عقيدة الأتراك وتاريخهم. وأنه شرع شيئا فشيئا في التخلص من تركة كمال أتاتورك العلمانية ذات التوجه الغربي، ويتبنى التاريخ العثماني والالتزام بالمبادئ الإسلامية، ومن ثم الابتعاد عن الناتو والاتحاد الأوروبي.
الطوارئ لصالح الاقتصاد
وفي هذا الشأن قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن على الشركات الترحيب بحالة الطوارئ المفروضة في تركيا لأنها تتصدى للإرهاب وتمنع العمال من الإضراب. ومدد البرلمان قبل أيام حالة الطوارئ، التي فُرضت بعد محاولة انقلاب وقعت في يوليو تموز 2016، لمدة ثلاثة أشهر أخرى. وهذه هي المرة السابعة التي يتم فيها تمديد حالة الطوارئ التي تسمح لإردوغان وحكومته بتجاوز البرلمان في إصدار القوانين وتعليق الحقوق والحريات.
وقال إردوغان في كلمة أمام رابطة (دي.إي.آي.كيه) للأعمال، والتي تمثل شركات القطاع الخاص التركية في الخارج، ”حالة الطوارئ لا تؤثر إلا على الإرهابيين. هي تمنع حاليا إضرابات العمال، مثلما حدث مع إضراب البورصة الذي أوقفناه على الفور. إنها حرب على الإرهاب“. وأضاف ”إنه لأمر محبط لنا عندما يقول رجال الأعمال الأتراك إنه يجب إنهاء حالة الطوارئ ... سنواصل مد حالة الطوارئ من أجل السلام في بلدنا. سنفعل ذلك ما دام ضروريا ولو حتى كان ذلك للمرة العاشرة“. بحسب روترز.
وقالت الولايات المتحدة إن لديها مخاوف بشأن قدرة تركيا على إجراء انتخابات حرة ونزيهة في ظل حالة الطوارئ وهو الأمر الذي رفضته أنقرة. كما دعت الأمم المتحدة في وقت سابق إلى إنهاء حالة الطوارئ في تركيا قائلة إنها أدت إلى انتهاكات ”ضخمة وخطيرة“ لحقوق الإنسان في جنوب شرق البلاد الذي تقطنه غالبية من الأكراد وإن الانتهاكات تضمنت عمليات قتل وتعذيب. وانتقدت تركيا هذا التقرير قائلة إنه يزخر بمزاعم لا أساس لها من الصحة. وقالت أنقرة إن الإجراءات التي اتخذتها ضرورية في ظل التهديدات الأمنية الكبرى التي تواجهها.
مراقبة الإنترنت والإعلام
على صعيد متصل أقر البرلمان التركي مشروع قانون يمنح هيئة الرقابة على الإذاعة والتلفزيون سلطة تنظيم محتوى الإنترنت مما أثار مخاوف من فرض مزيد من القيود على الإعلام. وتغلق الخطوة ثغرة استغلتها بعض وسائل الإعلام في تركيا للهرب من الرقابة والقواعد التنظيمية الصارمة المفروضة على وسائل الإعلام بالانتقال إلى منصات البث على الإنترنت. ويأتي ذلك بعد انتقادات شديدة من جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان وحلفاء تركيا الغربيين للقيود المفروضة على الإعلام بعد محاولة انقلاب فاشلة في 2016 ضد الرئيس طيب إردوغان. ويطالب مشروع القانون الذي أقره البرلمان الإذاعات الراغبة في بث محتوى على الإنترنت بالحصول على ترخيص من الهيئة الرقابية ويخضعها لنفس معايير البث التلفزيوني.ةوسيكون بوسع الهيئة الرقابية إبلاغ محكمة جنائية عن البرامج التي يتم بثها دون ترخيص من أجل حظرها.
الى جانب ذلك قال رئيس تحرير صحيفة جمهوريت التركية المعارضة إن الحملة التي تشنها الحكومة لن تثنيه ولن يتخلى عن مهنة الصحافة بعد يوم من إصدار محكمة حكما بحقه هو وأكثر من 12 من زملائه بالسجن بعد إدانتهم بتهم تتعلق بالإرهاب. وكان رئيس التحرير مراد سابونجو واحدا من بين 14 موظفا في جمهوريت صدرت بحقهم أحكام بالسجن تتراوح بين عامين ونصف وسبعة أعوام ونصف لإدانتهم باتهامات تتعلق بدعم شبكة رجل دين تتهمه أنقرة بتدبير محاولة انقلاب في 2016. وبرأت المحكمة ثلاثة موظفين آخرين من الجريدة.
وقال ممثلو الادعاء إن الصحفيين استخدموا ”سبل حرب متباينة“ ضد الرئيس رجب طيب إردوغان. ونفي الصحفيون الاتهامات وأفرجت السلطات عنهم بكفالة لحين استئناف الحكم. وقال سابونجو لأنصار في تجمع خارج محكمة في اسطنبول شهدت المراحل الأولى من محاكمته ”كصحفيين سنواصل أداء أدوارنا والكفاح وسنستمر في كتابة الحقيقة“. وتلقى سابونجو والصحفي البارز أحمد سيك أقصى عقوبات صدرت في الحكم الأخير. وقال سابونجو ”السجن سبع سنوات ونصف لا معنى له بالنسبة لي“.
وينظر إلى صحيفة جمهوريت منذ فترة طويلة على أنها شوكة في خاصرة إردوغان وواحدة من الأصوات القليلة الباقية التي تنتقد الحكومة. وأعطت مراسلون بلا حدود المعنية بالدفاع عن حرية التعبير تركيا المركز 157 من بين 180 دولة في تصنيفها السنوي لحرية الصحافة في العالم وهو موقع متأخر بمركزين عن العام الماضي. وقالت منظمة العفو الدولية إن أكثر من 120 صحفيا اعتقلوا وأكثر من 180 وسيلة إعلامية أغلقت في ظل حالة الطوارئ المفروضة في تركيا منذ محاولة الانقلاب. بحسب روترز.
وقال أكين أتالاي رئيس جمهوريت الذي صدر بحقه حكم بالسجن لسبع سنوات وثلاثة أشهر للتجمع بعد ساعات من الإفراج عنه ”للأسف ليس هناك عدل أو نظام قضائي حاليا في تركيا“. وجاء العنوان الرئيسي للصحيفة ”عار العدالة“ فيما تجاهلت الصحف الموالية للحكومة أنباء الأحكام الصادرة بحق موظفي جمهوريت. وافرج عنه مع ابقائه قيد المراقبة القضائية في انتظار نتيجة الاستئناف.
وبعد ساعات من خروجه من السجن شارك آتلي في تظاهرة باسطنبول تطالب بالعدالة وحرية الصحافة. وقال "حاليا انا حر لكن الامر لم ينته" مضيفا "سيزيد عددنا شيئا فشيئا واعتقد ان العدالة المفقودة حاليا، ستعود قريبا". واضاف آتلي "يقول البعض انه اصابهم الياس لكن على العكس انا سعيد (...) نحن نمثل الاخيار ولهذا يجب ان نكون فرحين (...) الخير سيهزم الشر".
قانون مثير للجدل
في السياق ذاته وافق البرلمان التركي على قانون يعيد تنظيم قواعد الانتخابات وهو تشريع قالت عنه المعارضة من قبل إنه قد يفتح المجال للتزوير ويهدد نزاهة الانتخابات المقررة العام المقبل. وبعدما أعلنت عائشة نور بهجة كابيلي نائبة رئيس البرلمان نتيجة التصويت نشب شجار بين النواب القوميين والمنتمين للمعارضة الرئيسية. وتبادل عدة أعضاء اللكمات ودفعوا ولاحقوا بعضهم بعضا داخل القاعة.
ويتيح القانون رسميا تشكيل تحالفات انتخابية مما يمهد الطريق لشراكة بين حزب العدالة والتنمية الحاكم والمعارضة القومية. وكان من المتوقع على نطاق واسع تمرير القانون نظرا لدعم حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الحركة القومية اليميني له. غير أن منتقدي الحكومة عبروا عن القلق بشأن القانون. ويمنح القانون المجلس الأعلى للانتخابات سلطة دمج دوائر انتخابية ونقل صناديق اقتراع من دائرة لأخرى. كما سيتسنى تقديم بطاقات اقتراع لا تحمل أختاما من لجان الانتخاب المحلية، مما يضفي الصبغة الرسمية على قرار اتخذ خلال استفتاء أجري العام الماضي وأثار غضبا واسعا بين منتقدي الحكومة وقلق مراقبي الانتخابات. بحسب روترز.
ويسمح مشروع القانون أيضا لأفراد الأمن بالدخول إلى مراكز الاقتراع إذا طلب منهم ناخب ذلك. وتقول الحكومة إن هذا إجراء مطلوب للقضاء على الترهيب الذي قد يمارسه حزب العمال الكردستاني المحظور على الناخبين في جنوب شرق البلاد ذي الأغلبية الكردية. وقال برلمانيون من المعارضة ومنهم حزب الشعب الجمهوري، وهو حزب المعارضة الرئيسي، إن وجود قوات الأمن في مراكز الاقتراع قد يستغل للحد من شفافية فرز الأصوات. وقال حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد إن هذه الإجراءات قد تؤدي لنقل صناديق الاقتراع خارج الدوائر التي يحظى فيها بدعم قوي.