لاجئو سوريا: عالقون على حدود التهميش، الموقف الدولي.. ماذا قدم لهم؟
عبد الامير رويح
2017-12-23 04:30
تفاقمت معاناة اللاجئين السوريين في العديد من دول العالم ومنها لبنان في الفترة الاخيرة ولأسباب مختلفة، حيث يعاني لبنان اليوم وكما نقلت بعض المصادر اضافة الى ازماته ومشكلاته الداخلية الكبيرة، من أزمة لجوء في ظل انكفاء ملحوظ للمساعدات الدولية وشبه جفاف في موارد الإغاثة. ومنذ العام ٢٠١١ لم تلجأ الدولة اللبنانية إلى اعتماد خطة لمعالجة هذا الملف. يضم لبنان حاليا مئات المخيمات العشوائية التي تتوزع على عدة مناطق أبرزها عكار وطرابلس والبقاع.
ويعاني اللاجئون السوريون في لبنان العديد من سوء الأوضاع الاقتصادية. كما انهم محرومون من حق العمل بقرار من الحكومة اللبنانية التي سعت مؤخرا وبضغط شعبي الى اعادة النظر في بقاء هذه الاعداد الكبيرة خصوصا بعد ان تم تحرير العديد من المناطق السورية. وهو ما اثار قلق ومخاوف بعض المنظمات والجهات الانسانية، ويعيش أكثر من نصف اللاجئين السوريين في لبنان في فقر مدقع وهم حالياً "أكثر ضعفاً من أي وقت مضى"، وفق ما أعلنت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وأظهرت دراسة أجرتها الأمم المتحدة للعام 2017 أن "58 في المئة من الأسر تعيش في فقر مدقع" أي بأقل من 2,87 دولارا أميركياً للشخص الواحد في اليوم "في زيادة قدرها 5% مقارنة بالعام الماضي". ولا تتمكن تلك الأسر من تلبية احتياجاتها الأساسية.
وبلغت نسبة الأسر التي تعيش تحت خط الفقر 76 في المئة، أي "بأقل من 3,84 دولارا أميركيا للشخص الواحد في اليوم". ويأوي لبنان، البلد الصغير ذو الامكانات الضعيفة، نحو مليون ومئتي ألف لاجئ سوري يعيشون ظروفاً انسانية صعبة بمعظمهم. ويُرتب وجودهم أعباء اجتماعية واقتصادية. لكن منظمات دولية وغير حكومية تؤكد أن وجود اللاجئين يساهم في تنشيط الحركة الاقتصادية، مشيرة الى ان هؤلاء يصرفون المساعدات المالية التي يتلقونها في الأسواق المحلية.
وقالت ممثلة المفوضية في لبنان ميراي جيرار أن "اللاجئين السوريين في لبنان بالكاد يتمكنون من الصمود والبقاء على قيد الحياة"، مضيفة ان "معظم الأسر ضعيفة وتعتمد على المساعدات التي يقدمها المجتمع الدولي". وأكدت أن "من دون تزويدهم بالدعم بشكل مستمر، ستكون حالتهم أكثر بؤساً، خاصة في فصل الشتاء مع تفاقم الصعوبات جراء قساوة أحوال الطقس".
ومقابل ذلك، شهد العام 2017 تحسناً كبيراً على مستوى التعليم، وبلغت نسبة التحاق الاطفال بين الست سنوات و14 عاماً بالمدارس 70 في المئة مقارنة بـ52 في المئة العام الماضي. لكن التحدي لا يزال مستمراً بالنسبة للمراهقين، إذ أن 12 في المئة منهم أكملوا تعليمهم حتى الصف التاسع فقط.
وقالت ممثلة منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في لبنان تانيا شابويزا "غني عن القول أننا سعداء بإنجازاتنا وارتفاع نسب الالتحاق بالمدارس. غير أن ما يثير قلقنا هو تزايد الفقر لما لذلك من تأثير مباشر على إمكانية ممارسة الأطفال لحقهم الأساسي في التعليم". وتشهد سوريا نزاعاً دامياً تسبب منذ اندلاعه في العام 2011 بمقتل اكثر من 340 ألف شخص وبدمار كبير في البنى التحتية وفرار وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.
مطالب شعبية
وفي هذا الشأن تظاهر عشرات الاشخاص شمال بيروت للمطالبة بمغادرة اللاجئين السوريين الذين يتجاوز عددهم المليون، لبنان، معتبرين انهم يشكلون عبئا اقتصاديا كبيرا على اللبنانيين. وشهد لبنان خلال السنوات الماضية حملات تحريضية عدة على اللاجئين أملتها الانقسامات السياسية وتردي الوضع الاقتصادي، وكذلك قلة الموارد في بلد صغير يبلغ عدد سكانه أربعة ملايين.
ورفع العشرات في بلدة زوق مصبح لافتات كتب عليها "كي لا نخسر لبنان، فاوضوا الحكومة السورية" لعودة النازحين و"لننقذ لبنان قبل فوات الاوان" و"لن ننتظر (...) ان نصبح أقلية في مدننا وقرانا". وانعكس اللجوء السوري في لبنان منذ بدء النزاع في البلد المجاور قبل ست سنوات توترات سياسة وامنية واجتماعية. وقالت أمل حبيب (56 سنة) خلال مشاركتها في التظاهرة "انا لست مع الطرد العشوائي للسوريين، نريد أن يذهبوا عبر تسوية أوضاعهم. لدينا شباب وصبايا من دون شغل. هل نعلم أولادنا ليسافروا ويأتي غيرهم الى هنا؟". وأضافت "المساعدات التي كانت تأتي الى لبنان باتت تأتي الى النازحين في المخيمات".
ورفعت لافتات ضخمة في منطقة كسروان ذات الغالبية المسيحية تدعو الى المشاركة في التظاهرة للمطالبة بإعادة النازحين السوريين. وقال فرنسيس يعقوب القاعي (52 عاما) إن "الوجود السوري في لبنان أصبح نوعاً من الاحتلال الاجتماعي والاقتصادي وسيصبح سياسيا"، مضيفا "لن ننسى حتى الآن الاحتلال السوري، خرج 30 الف عسكري وأتى مليونا مواطن". وتابع "اللبناني الذي يمنح عملاً لسوري بدلاً من اللبناني يعُتبر شريكا في الجريمة".
وتعمل الحكومة اللبنانية على بلورة خطة لاعادة السوريين، لكن بعض القوى المناهضة لسوريا، وعلى رأسها رئيس الحكومة سعد الحريري، تطالب بأن يتم ذلك عبر الامم المتحدة، فيما يصر آخرون وبينهم حزب الله، حليف النظام السوري المشارك في الحكومة والمتحالف مع التيار الوطني الحر، حزب رئيس الجمهورية ميشال عون، بوجوب التنسيق مباشرة مع الحكومة السورية. بحسب فرانس برس.
ويرى مدير معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية ناصر ياسين ان هناك "خطابا عاما سلبيا تجاه السوريين في لبنان لاسباب عدة"، معددا التنافس على فرص العمل "التي هي اصلا قليلة" خصوصا في المناطق الفقيرة التي يلجأ اليها غالبية النازحين السوريين. ويضيف "الضغط الديموغرافي يولد ضغطا على البنى التحتية (...) هذه هي الاسباب المنطقية، المجتمعات تعبت من العدد الكبير". ويشير أيضا الى ان "السياسيين في لبنان يغذون خطاب الكراهية، خصوصا أن بعض السياسيين والأحزاب يستخدمون الموضوع السوري سلاحاً للانتخابات المقبلة". وكتب وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل على "تويتر" قبل ايام "أمام المواطن السوري الشقيق طريق واحدة هي طريق العودة الى وطنه" و"كل اجنبي قابع على ارضنا من غير ارادتنا هو محتل من أي جهة أتى".
إعادة اللاجئين
في السياق ذاته قال الرئيس اللبناني ميشال عون إن لبنان لم يعد قادرا على تحمل عدد اللاجئين السوريين على أراضيه ودعا القوى العالمية للمساعدة في إعادتهم إلى المناطق التي يسودها الهدوء ببلادهم. وقال عون لعدد من السفراء الأجانب وممثلي منظمات إقليمية ودولية إنه يريد إيجاد سبل لمساعدة اللاجئين على العودة بأمان إلى سوريا وإنه لا ينوي إجبارهم على العودة لأماكن يمكن أن يتعرضوا فيها للاضطهاد.
وذكر المكتب الإعلامي للرئاسة اللبنانية إن عون أبلغ ممثلي الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية وسفراء الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن خلال اجتماع في بيروت ”وطني لم يعد قادرا على تحمل المزيد“. وبعد أكثر من ست سنوات من الحرب في سوريا يعيش 1.5 مليون سوري في لبنان وهو ما يعادل ربع عدد سكان البلاد. وبدأ الصبر ينفد بسبب وجودهم والضغط الذي يشكلونه على الموارد المحلية.
ويمثل وجود اللاجئين منذ فترة طويلة مسألة لها حساسية خاصة في لبنان إذ يقول سياسيون إن تدفق السوريين وغالبيتهم من السنة ربما يزعزع استقرار التوازن الطائفي الدقيق مع المسيحيين والشيعة وغيرهما. ومع استعادة الحكومة السورية سيطرتها على المزيد من الأراضي تصاعدت الدعوات في لبنان لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم. وقال متحدث باسم المكتب الإعلامي إن عون قال للسفراء إن هناك مناطق في سوريا الآن خارج إطار الحرب ومناطق عاد إليها الهدوء.
لكن جماعات حقوقية حذرت من إجبار الناس على العودة إلى بلد لا يزال يخوض حربا. وقالت مفوضية الأمم المتحدة للاجئين إنها لا تعتبر الظروف في سوريا ملائمة لعودة آمنة للاجئين. وقال رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إنه لا يمكن إجبار اللاجئين على العودة. وجاء في تغريدة على حساب الرئيس بموقع تويتر ”عودة النازحين إلى المناطق المستقرة والمنخفضة التوتر يجب أن تتم من دون ربطها بالوصول إلى الحل السياسي“. بحسب فرانس برس.
وقال عون إن من مصلحة المجتمع الدولي معالجة قضية اللاجئين تلافيا لخروج المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في لبنان عن السيطرة. ووجه المسؤولون المشاركون في الاجتماع الشكر إلى لبنان على كرم استضافة اللاجئين. وقال بيان للسفراء ”عبروا عن تفهمهم الكامل للمخاوف التي يجري التعبير عنها“. وأضاف البيان ”عودة اللاجئين إلى مسقط رأسهم يجب أن تتم بأمان وكرامة وطوعا بما يتماشى مع مبادئ القانون الدولي“.
مخاوف امنية
الى جانب ذلك عاش أبو خالد في بلدة مزيارة اللبنانية لمدة 20 عاما تقريبا حتى طرد منها مع عدة مئات آخرين من السوريين بعد الاشتباه في مقتل امرأة على أيدي لاجئ سوري. وقال أبو خالد وهو يقف خارج مبنى في قرية قريبة مع بعض من أفراد أسرته المؤلفة من 13 فردا بعد إجبارهم على مغادرة مزيارة بناء على أمر من السلطات المحلية ”أنذروني الساعة اتنين بالليل بالإخلاء“. وأضاف ”كيف طلعنا ما بعرف؟ طلعنا وحطينا أغراضنا ع الطرقات حتى لقينا ها المستودع هدا وحطينا فيه ها الولاد“.
وفي السابق نفذ الجيش اللبناني عمليات إجلاء للاجئين سوريين بسبب مخاوف أمنية. وعلى الصعيد المحلي ظهرت المشاعر السيئة على فترات متقطعة خلال السنوات القليلة الماضية إذ فرضت بعض المجالس البلدية حظرا للتجول وطلبت من اللبنانيين عدم تأجير منازل لسوريين أو طلبت من السوريين صراحة مغادرة منطقة ما. وقال جورج غالي مدير البرامج في منظمة (ألِف) اللبنانية المعنية بحقوق الإنسان إن مجلس بلدية مزيارة ذهب إلى ما هو أبعد بعد استخدامه لشاحنات لطرد السوريين خارج البلدة.
وصدر هذا القرار بعد إلقاء القبض على رجل سوري بتهمة قتل الشابة ريا الشدياق في مزيارة وهي بلدة مسيحية غنية في شمال لبنان. وقالت مصادر أمنية إن جثة ريا عُثر عليها في منزل أقارب لها وعليها علامات لكدمات وخنق واعتداء جنسي. واعترف لاجئ سوري في العشرينيات وكان يعمل حارسا للمبنى بقتلها.
وصدمت الجريمة اللبنانيين والسوريين على السواء لكن السكان المحليين قالوا إن عليهم حماية أنفسهم ولا يمكنهم بعد الآن المخاطرة بالعيش إلى جوار السوريين. وقال القس يوسف فضول ”عم نطعميهم وبياكلونا. ما بقى فيه مجال لأنا نستقبلهم“. وأضاف ”ممنوع يقعدوا بمزيارة كليا. يعني يعملوا لهم خيام محل ما بدهم“. في المقابل يقول السوريون إنهم يتعرضون لعقاب جماعي بسبب جريمة ارتكبها شخص واحد.
وقال صبحي رزوق وهو سوري من محافظة إدلب وعاش في مزيارة لنحو 15 عاما قبل طرده ”إذا ما رجعت ع شغلي شو بده يصير في. وبلدي هلا ليك الحرب، من يومين ضربت ضيعتي بسوريا. من يومين بالضبط نزل صاروخ حد بيتي. وين بدي أروح أنا بحالي؟“ ورزوق شأنه شان أبو خالد، فقد انضمت له أسرته في لبنان بعد اندلاع الحرب في سوريا. وقال أيضا ”نحنا بنستنكر استنكارا كاملا على ها العملية هاي البشعة اللي صارت. وهدول جماعة أهل مزيارة من أرقى ناس وأرقى شعب... بس الطريقة اللي تهرجنا منها والله ما كنا متوقعينها تصير هيك“.
ونشرت بلدية مزيارة على صفحتها على فيسبوك قرارات اتخذها مجلس البلدية بالسماح للسوريين بالعمل في البلدة خلال ساعات النهار فقط إذا كانت لديهم أوراق إثبات وكفالة قانونية. وتضمنت القرارات منع المالكين من التأجير إلا للذين يحملون تصاريح إقامة. وفي منشور آخر حثت البلدية الملاك في مزيارة أو الذين يكفلون سوريين على طردهم أو إلغاء كفالتهم. وقال مارون دينا رئيس مجلس بلدية مزيارة ”نحنا مع إخلاء السوريين بالطرق القانونية ومع إخلاء كل مخالف ومع إخلاء كل شخص ما له وجود (علاقة) بمزيارة“. وأضاف ”باتمنى على الدولة هي تاخذ القرار المناسب. هيدي مشكلة ما هي بمزيارة هاي مشكلة بلبنان كله. إذا الدولة ما أخذت القرار المناسب، الشعب عم يأخد القرار المناسب. وأنا ما فيني أضبط الشعب“. بحسب رويترز.
والكثير من السوريين في لبنان يعيشون في وضع قانوني غير مستقر نظرا لغلو تكاليف الحصول على سكن ملائم وتصاريح عمل وصعوبة الحصول عليها. وقاوم لبنان إقامة مخيمات منظمة للاجئين السوريين خوفا من تكرار تجربته مع نحو نصف مليون لاجئ فلسطيني لا يزال اغلبهم يعيشون في مخيمات أنشأت بعد قيام إسرائيل قبل 70 عاما تقريبا. وتسبب ذلك في تشتت السوريين في أنحاء لبنان في مستوطنات خيام أو مناطق حضرية دون أي تعريف واضح لحقوقهم وتحت رحمة السلطات المحلية.