مسلمو الروهينغا: من النبذ الاجتماعي الى التهجير القسري
عبد الامير رويح
2017-08-16 04:40
ما تزال أقلية الروهينغا المسلمة في ولاية أراكان بميانمار وباقي الدول الاخرى. تعيش اوضاع صعبة بسبب الانتهاكات والجرائم المتواصلة، التي تقوم بها قوات الأمن وسط صمت اممي وسلامي كبير، حيث اكدت تقارير لمنظمات إنسانية دولية متعددة أن جيش ميانمار، يمارس انتهاكات منهجية بحق مسلمي الروهينغيا، الذين نزوحوا بالآلاف الى دول مجاورة سعت هي الاخرى الى تشديد اجراءاتها التعسفية ضد هذه الاقلية. الأمم المتحدة وبحسب بعض المصادر، التي تقف عاجزة مكتفية بالتنديد إزاء واحد من أكبر الانتهاكات التي تتعرض لها أحد أصغر الأقليات في العالم، اعتبرت أن بورما تنفذ إبادة جماعية بحق مسلمي الروهينغا، بينما تنفي حكومة ميانمار تلك الاتهامات على الرغم من كل الدلائل. ويعتبر الكثيرون في ميانمار ذات الأغلبية البوذية أن أفراد أقلية الروهينغا (المسلمة) التي يقدر عددها بنحو مليون شخص مهاجرون غير شرعيين من بنغلاديش. وترفض الحكومة منحهم المواطنة على الرغم من أن الكثيرين منهم يعيشون في البلاد منذ أجيال.
ويقول مسلمو أقلية الروهينغا في ولاية راخين المحاصرة من قبل قوات الأمن البورمية، التي ترزح تحت وطأة عمليات الخطف والقتل، إن الخوف أصبح خبزهم اليومي. وسمحت السلطات البورمية، لوسائل الإعلام بالدخول إلى مناطق محددة من الولاية في شمال غربي البلاد، للمرة الأولى منذ إطلاق قوات الأمن عملية مستمرة منذ أشهر، من أجل مطاردة مسلحين من الروهينغا شنوا هجمات دامية على مواقع للشرطة.
ويشتبه محققو الأمم المتحدة بأن العملية قد ترقى إلى مصافّ "التطهير العرقي"، بعد أن أفاد فارّون، من بين أكثر من 75 ألفاً من أقلية الروهينغا لجأوا إلى بنغلاديش هرباً من الحملة الأمنية، بحصول عمليات اغتصاب جماعي وأعمال قتل وحرائق مفتعلة. ويقول القرويون للصحفيين تحت أنظار حرس الحدود البورميين الذين نظموا الزيارة في قرى فرّ منها العديد من أهلها، إن العنف وانعدام الأمن في تصاعد مستمر.
وينظر إلى أقلية الروهينغا المسلمة أنها مجموعة من المهاجرين غير الشرعيين القادمين من بنغلاديش، علماً أن العديد من عائلات الروهينغا يقولون إن أجدادهم قد عاشوا في المنطقة على مدى أجيال. واليوم يضاف إلى المأساة تعرض عدد من رجال المنطقة للخطف والقتل على يد عصابات غير معروفة تستخدم السكاكين، وتقول وسائل الإعلام إنهم يرتدون ملابس سوداء، وغالباً ما يضعون أقنعة. وتقول السلطات إن القتلة يستهدفون قادة الأقلية المسلمة، وكل من يشتبه في أنه يتعامل مع الدولة. وهم يحمّلون مقاتلي الروهينغا مسؤولية الجرائم.
وتتهم الحكومة البورمية مجموعة تطلق على نفسها اسم "جيش خلاص روهينغا أراكان" بأعمال القتل. في المقابل تنفي المجموعة أي علاقة لها بالجرائم وتتهم السلطات البورمية بمحاولة ضرب صدقيتها، عبر بيانات نشرت على حساب غير رسمي على تويتر يدعي تمثيل مقاتليها. إلا أن المجموعة تتبنى الهجمات ضد مراكز شرطة الحدود، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وشن الجيش حملة اعتقالات قمعية ضد مسلمي الروهينغا في شمالي البلاد، رداً على تلك الهجمات، ما أدى إلى لجوء أكثر من 70 ألفاً من سكان المنطقة إلى بنغلاديش.
التحريض على العنف
وفي هذا الشأن اتهمت منظمة حقوقية في ميانمار، حكومة البلاد بـ”التحريض على استخدام العنف” ضد مسلمي الروهينغا، عقب صدور تقرير حكومي يبرئ قوات الأمن من تهم بممارسة العنف بحقهم. وكانت لجنة تحقيق عينتها الحكومة أصدرت تقريرًا، خلصت فيه إلى تبرئة عناصر الجيش والشرطة من مزاعم تتعلق بممارسة الاغتصاب المنهجي، والقتل، والحرق المتعمد، ضد الأقلية المسلمة، في منطقة مونغداو، بولاية أراكان (راخين)، منذ أكتوبر/تشرين أول الماضى. وقالت الهيئة الاستشارية للروهينغا (منظمة حقوقية)، إن إنكار اللجنة (الحكومية) لانتهاكات حقوق الانسان الموثقة على نطاق واسع، ضد الروهينغا، كان متوقعًا، لأن الحكومة نفت بالفعل هذه الادعاءات.
وقالت المنظمة في بيان إن تقرير التبرئة هذا لن يحمل أي مصداقية، ويضر بالسمعة الدولية لحكومة ميانمار. وأضافت أنها تشعر بخيبة أمل، ولا يعتبر هذا الأمر مفاجئًا. وعبر البيان عن القلق من أن تؤدي التبرئة إلى استمرار تلك الممارسات بولاية أراكان، غربي البلاد. وأضاف أن إنكار الحكومة للحقائق باستمرار له آثار أكثر خطورة بكثير، وسيغرس في القوات العسكرية وقوات الأمن شعورًا بالإفلات من العقاب.
من جانبها، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية، إن تقرير الحكومة الميانمارية فشل في التأثير على أي شخص في المجتمع الدولي. وقال نائب مدير شؤون آسيا في المنظمة، فيل روبرتسون، للأناضول: من الواضح أن هذا التقرير ليس نزيهًا أو حياديًا إلى حد كبير. وأضاف أن اللجنة برأت أساسًا قوات الأمن الحكومية من الجرائم التي ارتكبت خلال عملية التطهير، بينما أدين مسلحون من الروهينغا بسبب أعمال عنف ارتكبوها.
وطالبت الهيئة الاستشارية للروهينغا، حكومة ميانمار، بإتاحة المجال أمام بعثة دولية يشكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد، لاسيما اتهامات بـ ارتكاب فظائع ضد مدنيين من الروهينغا أثناء عمليات عسكرية جرت في راخين. يذكر أنه في 8 أكتوبر/ تشرين أول الماضي، أطلق جيش ميانمار حملة عسكرية، شملت اعتقالات وملاحقات أمنية واسعة بصفوف السكان في أراكان. ومنذ عام 2012، يشهد إقليم أراكان (غرب)، أعمال عنف بين البوذيين والمسلمين، ما تسبب بمقتل مئات الأشخاص، وتشريد مئات الآلاف، وفق تقارير حقوقية دولية.
نساء الروهينغا
في المنطقة النائية شمال ولاية راخين غرب بورما، بدأت تتضح فصول من المعاناة التي عاشها أهالي المنطقة خلال الحملة العسكرية التي شنها الجيش البورمي على مسلمي أقلية الروهينغا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. العشرات من نساء الروهينغا أكدن تعرضهن للاغتصاب من قبل أفراد الأمن البورمي، يروين تفاصيل معاناتهن مرتين ، على أيدي مغتصبيهن ثم بسبب تعرضهن للنبذ من المجتمع.
وللمرة الأولى منذ الحملة التي شنها الجيش البورمي على أقلية الروهينغا المسلمة في غرب البلاد، تمكنت وسائل الإعلام الدولية من دخول المنطقة النائية في شمال ولاية راخين ضمن زيارة نظمتها السلطات. أيامار باغون، شابة مسلمة من أقلية الروهينغا في بورما، هي واحدة من عشرات اللواتي أكدن التعرض لاعتداءات جنسية نفذها عناصر الأمن البورمي أثناء عملية عسكرية واسعة النطاق بدأت في تشرين الأول/أكتوبر في غرب البلاد ردا على هجمات دامية على مواقع حدودية.
وقالت باغون إنه لم يعد أمامها أي خيار لإطعام طفلها إلا التسول، بعد تخلي زوجها عنهما عندما علم أن أربعة جنود بورميين اغتصبوها أثناء حملها. وبعيدا عن مسامع العناصر الحكومية، روت باغون فيما ضمت طفلتها إلى صدرها في قرية غاونغ تاونغ "كنت على وشك الولادة عند اغتصابي، في الشهر التاسع لحملي. رأوا بوضوح أني حامل لكنهم لم يبالوا بذلك". وأَضافت الشابة البالغة 20 عاما "اتهمني زوجي بأنني لم أمنعهم. لذلك تزوج امرأة أخرى ويقيم في قرية أخرى حاليا"، موضحة أنها تعتمد على مساعدات غذائية من جيرانها للبقاء.
الأمر سيان بالنسبة لوالدة الطفلين هاسينار بايغون البالغة 20 عاما التي تخلى زوجها عنها بعدما اغتصبها ثلاثة جنود في كانون الأول/ديسمبر. أضافت أنهم اغتصبوها تباعا في كوخها فيما قام آخرون بالحراسة خارجا، وعلمت لاحقا أنهم جنود من سلاحهم وملبسهم. أما الرجال فسبق أن لاذوا بالفرار خوفا من التصفية وتركوا النساء والأطفال والمتقدمين في السن في القرية. وأضافت بايغون بأسى "اعتبر زوجي أنني مذنبة لأنني لم أهرب".
وتتوافق أقوالهن مع شهادات كثيرة جمعها محققو الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية في صفوف 74 ألفا من المجموعة فروا إلى بنغلادش المجاورة. وتندد منظمات حقوق الإنسان منذ سنوات باستخدام الجيش البورمي الاغتصاب كسلاح حرب في مختلف النزاعات التي تمزق البلاد. واليوم تبدو حتى فكرة مقاضاة المرتكبين ضربا من الخيال بالنسبة لنساء الروهينغا. قالت باغون "أجهل من يكونون، فكيف يسعني الإبلاغ عنهم؟" وأكد السكان من الروهينغا في قرية كيار غاونغ تاونغ رفع شكوى بشأن ثلاث حالات اغتصاب بين 15 أفيد عنها، مضيفين أنها لم تلق أي متابعة. وأضاف أحد السكان رافضا الكشف عن اسمه أن "عددا من النساء يرفضن التقدم بشكوى" خشية نبذهن.
إضافة إلى الاغتصاب تعرض الفارون إلى بنغلادش للتعذيب والقتل وإحراق قراهم على ما رووا. ويتهم الجيش، والحكومة التي ترأسها المنشقة السابقة وحاملة نوبل للسلام أونغ سان سو تشي هذه الاتهامات بقوة. كما رفضت السلطة عرض الأمم المتحدة إرسال لجنة للتحقيق في أعمال العنف. وأكد قائد حرس الحدود في مقاطعة ماونغداو سان لوين "تم فتح تحقيقات في اتهامات القتل. كما أدت مزاعم الاغتصاب أيضا إلى فتح تحقيقات". بحسب فرانس برس.
وأدت عملية الجيش التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها تندرج ضمن "سياسة ترهيب" إلى فرار عشرات الآلاف من مجموعة الروهينغا المسلمة إلى بنغلادش المجاورة. وقدرت الأمم المتحدة مقتل المئات في غضون أشهر قد تعتبر المرحلة الأكثر دموية في قمع الروهينغا المسلمين في بورما المستمر منذ فترة طويلة. فعناصر هذه الأقلية يعاملون كغرباء في بورما البوذية بنسبة 90%، وهم محرومون من الجنسية رغم إقامة الكثير منهم في هذا البلد منذ أجيال.
ترحيل الروهينغا
الى جانب ذلك قال كيرن ريجيجو وزير الدولة للشؤون الداخلية الهندية في كلمة ألقاها أمام البرلمان، إن الحكومة تعتزم ترحيل حوالي 40 ألفا من أقلية الروهينغا البورمية المسلمة المتواجدين على أراضيها. وأضاف ريجيجو أن الهند تعتبرهم لاجئين غير شرعيين، وذلك بالرغم من تسجيل أكثر من 15 ألف منهم لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وقال كيرن ريجيجو وزير الدولة للشؤون الداخلية إن الحكومة الهندية تهدف إلى ترحيل حوالي 40 ألفا من الروهينغا البورميين المسلمين في البلاد باعتبارهم لاجئين غير شرعيين، ومن بينهم المسجلون لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وأضاف ريجيجو إن الحكومة المركزية أعطت توجيهاتها لسلطات الولايات لتحديد اللاجئين غير الشرعيين وترحيلهم، ومن بينهم الروهينغا الذين يتعرضون للاضطهاد في بورما ذات الأغلبية البوذية. وأصدرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بطاقات هوية لحوالي 16500 من الروهينغا في الهند لحمايتهم من "المضايقات والاعتقال التعسفي والتوقيف والترحيل". لكن ريجيجو قال إن تسجيل اللاجئين لدى المفوضية لا علاقة له بالموضوع. وأضاف "يقومون بالتسجيل ولا يمكننا منعهم. لكننا لسنا من الدول الموقعة على اتفاقية اللاجئين". وتابع "هم جميعا من وجهة نظرنا لاجئون غير شرعيين، ولا يوجد أي مسوغ لهم للعيش هنا، وأي مهاجر غير شرعي يجب ترحيله". بحسب فرانس برس.
من جانبه، قال مكتب المفوضية في الهند إن مبدأ عدم إرسال اللاجئين إلى مكان قد يواجهون فيه الخطر هو جزء من الأعراف الدولية، وملزم لجميع الدول سواء وقعت على اتفاقية اللاجئين أم لم توقع. وأشار المكتب إلى أنه لم يتلق أي بلاغ رسمي بشأن خطة لترحيل اللاجئين الروهينغا، ولا أي تقارير عن تنفيذ عمليات ترحيل. ولا تمنح بورما الجنسية للروهينغا الذين يقولون إن جذورهم تمتد لقرون في البلاد. وهرب مئات الآلاف من أقلية الروهينغا المسلمة من بورما، ولجأ الكثير منهم إلى بنغلادش قبل أن يعبر البعض الحدود إلى الهند ذات الأغلبية الهندوسية.