حق التمتع بالعمل وتفادي البطالة
جميل عودة ابراهيم
2017-05-02 07:48
يحتفل العمال كبقية شرائح المجتمع بـ "يوم العمال" أو "يوم التضامن العمالي العالمي" أو "يوم العمل" ويًعد يوم الأول من أيار، يوم إجازة رسمية في نحو مائة دولة، وتعتبره الحركات والنقابات العمالية فرصة لتدارس أحوال الطبقة العاملة وتقييم إنجازاتها، ورفع مطالبها في مسيرات وتظاهرات عامة، ولا يخلو هذا اليوم من السياسة بالاحتجاج على الحكومات وسياستها الاجتماعية والاقتصادية، خاصة في الدول التي تكون النقابات فيها درعا من أدرع الأحزاب السياسية.
إن العمل من سيرة النبيين والمصلحين، ويكفي العامل فخرا وشرفاً أنه ما بُعث نبي إلا كان عاملاً كادحاً، فقد روى الإمام الصادق عليه السلام عن جده أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «إن اللّه أوحى إلى داود (ع) يا داود إنك نعم العبد لولا أنك تأكل من بيت المال، ولا تعمل بيدك شيئاً، قال: فبكى داود أربعين صباحاً فأوحى اللّه إلى الحديد أن لِنْ لعبدي داود فلان له الحديد فكان يعمل في كل يوم درعاً» لقد كره اللّه لعبده ونبيه داود أن يكون عاطلاً ويأكل من بيت المال من دون أن يكدح ويأكل من ثمرة أتعابه، فألانَ له الحديد فكان يعمل فيه ويقتات من عمله، وكان سيد النبيين محمد (ص)، قبل البعثة يرعى الأغنام ويتجر في أموال خديجة، وبعد البعثة كان يعمل مع أصحابه ويشاركهم في أتعابهم وأعمالهم.
ما هو العمل؟ وما هو حق العمل؟ وهي القوانين الدولية والوطنية التي ترعى حقوق العمل وتحافظ عليها؟ وهل تعد البطالة انتهاكا لحقوق العمل؟ وما هي التزامات الدولة إزاء الحق في العمل؟
يرى النقابيون المختصون أن "العمل هو أداء وظيفةٍ أو مهنةٍ أو بذل جهدٍ عضلي أو عقلي مقابل الحصول على عائدٍ مادي خلال فترةٍ زمنيةٍ أتفق عليها مسبقاً" والعمل يوفر احتياجات الشخص كما يوفر له العيش الكريم، وينهض كل مجتمعٍ من خلال الأدوار المختلفة والمتكاملة التي يؤديها أفراده، فلكلٍ وظيفته التي تتعلق بمجالٍ معين، وبالتالي يتقدم ويتطور هذا المجتمع من خلالها، فلا مهنة أكثر أهميةً من مهنةٍ أخرى، كما يعتقد كثيرون خطأً.
والحق في العمل، هو حق أساسي للإنسان، يقضي بعدم إقصاء أي شخص عن المساهمة في الحياة الاقتصادية، وتمكينه من ممارسة الحق في المشاركة في إنتاج وخدمة أنشطة المجتمع الإنساني بالفوائد العائدة جراء هذه الأنشطة المشتركة، بما يكفل للإنسان مستوى معيشياً لائقاً.
وتأتي ضرورة وأهمية الاعتراف بالحق في العمل، نظراً لدوره في تمكين الفرد من تحقيق احتياجاته الاقتصادية والاجتماعية الحيوية. ولا يقتصر حق العمل على كسب الأشخاص لأجرهم بكرامة، بل هو حق التمتع بالعمل وتفادي البطالة. وهناك من يرى بأن حق العمل أشبه بحق التملك؛ على اعتبار أن دور العمل لا يقتصر على توفير الأجر للعاملين، بل يشمل ارتقاءهم وتطوير مهارتهم.
يُعد الحق في العمل مكوناً أساسياً من حقوق الإنسان المكفولة في المواثيق والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، إذ ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (مادة 23) على أنه لكل شخص "الحق في العمل، وفي حرية اختيار عمله، وفي شروط عمل عادلة ومرضية، وفي الحماية من البطالة".
ويندرج حق العمل في مقدمة الحقوق التي يقرها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966 والذي يعرف مركبات حق الإنسان في العمل على النحو الآتي: حق الإنسان في تقاضي أجر للعيش بكرامة مقابل العمل الذي سيختاره أو سيتلقاه بصورة حرة؛ الحق في ظروف عمل عادلة (في الأجر، في الشروط الاجتماعية، وفي الأمان) وذلك دون تمييز من أي نوع كان؛ حق العاملين في التنظيم وإجراء مفاوضات وفي الإضراب؛ واجب الدولة في ضمان التطوير الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الدائم والعمل الكامل؛
تنص المادة 6(1) على "الحق في العمل الذي يشمل ما لكل شخص من حق في أن تتاح له إمكانية كسب رزقه بعمل". ومصطلح "الكسب" له رنة معنوية وأخلاقية خاصة، فمعنى اكتسابك النقود هو أنك تحصل على مكافأة عادلة عن خدمة ما قُمْتَ بها للمساهمة في رفاهية الآخرين وإسعادهم. أي أن العمل متصل هنا بعلاقتك ومساهمتك في أنشطة مجتمعك أو أسرتك لضمان البقاء في قيد الحياة وتحقيق الرفاهية؛ ومن ثم فهو يتضمن إحساسك بقبول المجتمع لك ورضاه عنك.
كما تنص المادة 6/2 على أن تتضمن "الممارسة الكاملة لهذا الحق توفير برامج التوجيه والتدريب التقنيين والمهنيين". وتنص المادة 1/2 من اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 122 لسنة 1964 بشأن سياسة العمالة على واجب الدول الأطراف على العمل على "توفير فرص عمل لجميع المحتاجين للعمل والباحثين عنه".
وتنص المادة الأولى من الميثاق الاجتماعي الأوروبي على ما يلي: "تتعهد الدول الأطراف بقصد ضمان ممارسة فعلية للحق في العمل:1. بالإقرار بأن أحد أهدافهم ومسؤوليتهم الأساسية هو تحقيق واستمرار أعلى مستوى للعمل وأفضله استقرارا بهدف تأمين الشغل للجميع.2. بتوفير حماية فعالة لحق العامل، في كسب معيشته من عمل يختاره بحرية.3. بإنشاء خدمات عمل مجانية لكل العمال أو بدعم استمرارها.4. بتأمين أو بتشجيع التوجيه والتعليم والتأهيل المهني المناسب.
إن الإسلام قد دعا الناس إلى العمل، وحثهم عليه، وحتم عليهم أن يكونوا ايجابيين في حياتهم يتمتعون بالجد والنشاط ليفيدوا ويستفيدوا، وكره لهم الحياة السلبية، والانكماش والبطالة. لقد أعلن القرآن الكريم دعوته الأكيدة على ضرورة العمل، وعلى الكسب، وبذل الجهد، قال اللّه تعالى: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض، وابتغوا من فضل اللّه، واذكروا اللّه كثيراً لعلكم تفلحون).
إن الإسلام يعتبر العمل جهاداً في سبيل اللّه، ويعتبر الجهد الذي يبذله المسلم في سبيل إعاشة عائلته من أفضل الطاعات والقربات، فقد روى زكريا بن آدم عن الإمام أبي الحسن الرضا (ع) انه قال: (الذي يطلب من فضل اللّه ما يكف به عياله أعظم أجراً من المجاهد في سبيل اللّه) واجتاز النبي (ص) ومعه جماعة من أصحابه برجل، فرأى الصحابة من جده ونشاطه ما أعجبهم فالتفتوا إلى النبي (ص) فقالوا له: يا رسول اللّه، لو كان هذا في سبيل اللّه؟ فأجابهم (ص): "إن كان خرج يسعى على ولده فهو في سبيل اللّه، وان كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل اللّه".
يقول المرجع السيد صادق الحسيني الشيرازي إن "لكل فرد من أفراد الأمة أن يختار لنفسه أي مهنة أو حرفة أو عمل شاء للتكسّب بها، فله أن يختار التكسب بالصيد، أو إخراج المعادن والكنوز، أو حيازة المباحات أو غير ذلك من الكسب الحلال، كما إن للتاجر أن يستورد ما شاء بضاعة أو يصدرها، أو يشتري أو يبيع فلا مانع له إطلاقاً فلا جمارك في الإسلام ولا رسوم ولا شروط، نعم يشترط أن تكون البضاعة غير محرمة ـ كالخمر ـ وألا يكون التعامل ربوياً أو حراماً وألا يحتكر التاجر وألا يكون في ذلك ضرر على الناس وعلى اقتصادهم".
نخلص مما تقدم أن للإنسان حق في الحصول على العمل اللائق الذي يكسبه رزقه ويحفظ له كرامته. وهذا الحق يتضمن عدة سمات كانت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، قد أشارت إليها، وهي:
• التوافر: يتعين على الدول أن تكفل توافر الخدمات المتخصصة لمساعدة الأفراد في تحديد فرص العمل وإيجاد الوظائف.
• إمكانية الوصول: تنطوي إمكانية الوصول إلى العمل على ثلاثة عناصر أساسية هي: عدم التمييز والوصول المادي والوصول إلى المعلومات. تحظر ممارسة أي تمييز في إمكانية الحصول على عمل والاستمرار فيه. وينبغي للدول أن تكفل الترتيبات التيسيرية المعقولة التي تسهل الوصول المادي إلى أماكن العمل لا سيما وصول الأشخاص ذوي الإعاقة الجسدية. كذلك يحق لكل فرد التماس المعلومات المتعلقة بفرص العمل والحصول عليها ونقلها.
• المقبولية والجودة: يتألف الحق في العمل من عدة مقومات مترابطة، نذكر منها الحق في اختيار العمل والقبول به بحرية، والحق في التمتع بشروط عمل عادلة ومؤاتية، لا سيما شروط العمل التي تكفل السلامة، والحق تكوين النقابات.
ويعني ذلك، على سبيل المثال، أن الدولة يجب ألا تدمر الفرص المتاحة أمام الفرد لكسب رزقه (التزام الاحترام)، ويجب أن تحول الدولة دون تعرض تلك الفرص للدمار على أيدي الغير (التزام الحماية). ويجب أن توفر الدولة فرصة كسب الرزق لكل فرد لا يتمتع حالياً بمثل هذه الفرصة (التزام بالأداء). كما ينبغي إلى جانب ذلك محاولة العمل على تلبية اختيارات الأفراد لأنواع الأعمال التي يفضلونها، قدر المستطاع.
.....................................