الكساسبة.. شرارة قد تحرق الملك والمملكة
عبد الامير رويح
2015-02-05 01:23
انتهى مسلسل التكهنات والتوقعات الخاص بمصير الطيار الاردني معاذ الكساسبة الذي وقع بيد عصابات داعش الارهابية بعد اسقاط طائرته في محافظة الرقة السورية، حيث نشر ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في3 فبراير/شباط تسجيلا مصورا على صفحات التواصل الاجتماعي التابعة له تظهر عملية حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة حيا، وهو ما اكده التلفزيون الأردني الذي أعلن من جانبه أن إعدام الطيار تم قبل شهر تماما، أي في 3 يناير/كانون الثاني الماضي، هذه الحادثة وكما يقول المراقبين ربما ستكون لها الكثير من العواقب والتداعيات الخطيرة التي قد تؤثر على امن والاستقرار في المملكة التي تعيش اليوم في وضع حساس وخطير، بسبب تردي الاوضاع الامنية في سورية والعراق وباقي دول المنطقة.
هذه العملية التي اثارت ردود افعال شعبية كبيرة اعتبرها بعض المراقبين تحدي جديد لحكومة الاردن وملكها عبد الله الثاني المشارك في الائتلاف الدولي للقضاء على داعش، والذي اصبح اليوم في موقف محرج بسبب فشله في ايجاد حلول فورية لقضية الطيار الكساسبة التي تحولت الى قضية رأي عام، خصوصا وان البعض قد اتهم الملك بالرضوخ الى الضغوط الامريكية المطالبة بعدم الاتفاق مع داعش، هذه القضية قد تشعل الشارع الاردني من جديد خصوصا مع وجود بعض التيارات المعارضة التي ستسعى الى الاستفادة من هذه الاحداث، يضاف الى ذلك وجود الكثير من الخلايا النائمة و التيارات الاسلامية المتشددة المناصرة لتنظيم داعش في الاردن والتي ستسعى ايضا الى ارباك الحكومة الاردنية واجبارها على تغير خططها الحالية وابعادها عن تحالف الدولي.
وفي هذا الشأن فقد قالت صحيفة التايمز البريطانية، إن النظام الأردني يواجه خطر الانقسام، وإن الملك عبد الثاني يستنفذ رصيده من دعم الأردنيين له. وأشارت الصحيفة أن الاستقرار الذي شهده الأردن منذ بدء ثورات الربيع العربي يبدو معجزة، إلا أنه لا يمكن الجزم ببقاء الأمور على ما هي عليه فالملك عبد الله الذي طالما اعتمد صفقة ضمنية مع أبناء شعبة، ألا وهي الولاء مقابل الامن، هذه الصفقة تبدو على شفير الهاوية اليوم.
وأوضحت الصحيفة أن الأردن يعد حليفًا مهمًا في جهد التحالف الدولي لدحر تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أن أبناء الأردن غير راضين عن دور بلادهم في هذا الجهد، فعائلة الكساسبة وعشيرته انتقدت وبصورة علنية فشل الحكومة بحماية أبنائها.
حرق الكساسبة حيا
وفي هذا الشأن فقد اعلن تنظيم "داعش" في شريط فيديو تناقلته مواقع مقرّبة من جماعة داعش الارهابية على شبكة الانترنت انه أحرق حيا الطيار الاردني معاذ الكساسبة الذي يحتجزه منذ 24 كانون الاول/ديسمبر. وتضمن الشريط الذي حمل عنوان "شفاء الصدور"، مشاهد مروعة للرجل الذي البس لباسا برتقاليا وقدم على انه الطيار، وهو محتجز في قفص كبير اسود، قبل ان يقدم رجل ملثم بلباس عسكري قدِّم على انه "امير احد القواطع التي قصفها التحالف الصليبي"، على غمس مشعل في مادة سائلة هي وقود على الارجح، قبل ان يضرم النار فيها.
وتنتقل النار بسرعة نحو القفص حيث يشتعل الرجل في ثوان، يتخبط أولا، ثم يسقط ارضا على ركبتيه، قبل ان يهوى متفحما وسط كتلة من اللهيب. وفي لقطات لاحقة، يمكن رؤية جرافة ضخمة ترمي كمية من الحجارة والتراب على القفص، فتنطفئ النار ويتحطم، ولا يشاهد اي اثر لجثة الرجل. وتم التقاط المشاهد وسط ركام انتشر بينه عدد من المسلحين الملثمين بلباس عسكري واحد. كما التقطت صور للطيار معاذ الكساسبة باللباس البرتقالي اياه وهو يجول بين الركام، قبل صور الحرق.
وقال صوت مسجل في الشريط في بدايته بعد بث صور للملك الاردني عبدالله الثاني، ان اعدام الطيار وكما نقل موقع العالم الاخباري، جاء ردا على مشاركة الاردن في "التحالف الدولي" بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش، ووصف التسجيل الملك الاردني بـ"طاغوت الاردن". وجاء في الشريط ان "داعش" خصص "مكافأة مالية قدرها مئة دينار ذهبي لمن يقتل طيارا صليبيا". واضاف ان "ديوان الامن العام اصدر قائمة بأسماء الطيارين الاردنيين المشاركين في الحملة".
وينتهي الشريط بنشر صور واسماء يقول انها لطيارين اردنيين، مع عناوين سكنهم، بحسب ما يدعي، وتحديد هذه العناوين على صور عبر الاقمار الصناعية. وفوق كل صورة كتبت عبارة "مطلوب للقتل"، قبل بث لائحة طويلة من الاسماء والرتب العسكرية التي لا يمكن التحقق من صحتها. وهدّدت عشيرة الكساسبة باحتجاجات واعمال عنف في جنوبي الاردن اذا أقدمت داعش على قتل الطيار الاسير. وكانت طائرة الكساسبة اسقطت فوق الرقة شمالي سوريا.
قتل قبل شهر
من جانب اخر ذكرت صحيفة لاستامبا الإيطالية قبل شهر تقريبا وكما نقلت بعض المصادر الاعلامية، ان تنظيم داعش قد سعى الى تصفية الطيار الاردني بعد عملية انقاذ فاشلة، وهو امر قد يزيد في تعقيد الامور بالنسبة للحكومة الاردنية والملك، الذي قد تعمد وبحسب بعض المراقبين اخفاء هذا الامر واستخدام اسلوب المماطلة بعد الاتفاق مع بعض الاطراف والحكومات التي دخلت كوسيط في هذا الامر، من اجل اطالة امد المفاوضات بهدف امتصاص غضب الشعب والقبائل الاردنية بما فيها عشيرة الطيار الكساسبة، لكن تنظيم داعش قد سعى الى بث هذا الشريط بهدف خلق حالة من الارباك في الاردن وبتالي ابعادها عن صفوف قوات التحالف، او انه قد يسعى الى اشغال الرأي العام العالمي من اجل تنفيذ خطط اخرى قد تكون اكثر خطورة وتأثير خصوصا وانه قد اعتمد اسلوب جديد في اعدام الطيار الاردني.
وقد ذكرت لاستامبا الإيطالية انه وبعد فشل الغارة الأمريكية على الرقة في سوريا في تحرير الطيار الأردني معاذ الكساسبة، رد داعش على العملية بإعدام الطيار الشاب. وذكرت الصحيفة بأن غارتين مشتركتين بين أمريكا والأردن، حاولتا تحرير الطيار الأسير، بعد تحديد البيت الذي كان محبوساً فيه على بعد 20 كيلومتراً من وسط مدينة الرقة، معقل داعش. واوردت الصحيفة الايطالية إن الطيار كان موجوداً بالفعل في مبنى يستعمله التنظيم لسجن رهائن غربيين أيضاً، وإن المعلومات الاستخباراتية أكدت وجود الأسير في المبنى المستهدف ما فتح المجال لتنظيم عملية إنقاذ عسكرية معقدة بمشاركة قوات نخبة أمريكية وأردنية، مع تغطية جوية كبرى.
وفي نفس سياق الخبر أكدت الصحيفة أن أحد أسباب فشل العملية ربما يعود لوجود البغدادي شخصياً في الرقة بعد عودته من الموصل في العراق، ما جعل التنظيم يكثف من حضوره الميداني وينشر قوات إضافية ومدفعية متنوعة في محيط المدينة.
ووفقا لشهود العيان فان عملية الإنزال تمت بعد قصف لمحيط للمجمع الشبابي قرب شارع الساقية في الرقة ، بعد أن قام تنظيم داعش بنقل الطيار الأسير إلى أحد مقراته بمنطقة السكن الشبابي، منوهين الى أن طائرات التحالف نفذت عدة غارات، استهدفت فيها الفرقة 17 شمالي الرقة ومنطقة الفروسية شمال غرب المدينة، قبل أن تبدأ عملية الإنزال، والتي تمت ما بين الساعة الثانية والثانية والنصف فجرًا، حيث قامت مروحيتان بمحاولة إنزال مظلي لجنود تابعين للتحالف بريف الرقة الشرقي، ولكن باءتا بالفشل، بعد أن واجهتا إطلاقًا كثيفًا للنيران باتجاههما، من جانب عناصر داعش ، والذي قام بنشر عدد من الحواجز الثابتة والمتنقلة داخل وعلى أطراف مدينة الرقة، ونشر خلالها مضادات الطيران .
الرد الأردني
على صعيد متصل وفي تحرك سريع من اجل امتصاص الغضب الشعبي فقد قالت الحكومة الاردنية ان الرد الاردني على تنظيم "داعش" حازما ومزلزلا وقويا. وقال وزير الدولة الاردني لشؤون الاعلام محمد المومني للتلفزيون الاردني الرسمي "ان من كان يشكك بان رد الاردن سيكون حازما ومزلزلا وقويا فلسوف يأتيهم البرهان وسيعلمون ان غضب الاردنيين سيزلزل صفوفهم".
واضاف ان "من كان يشكك بوحشية تنظيم داعش الارهابي فهذا هو البرهان ومن كان يعتقد انهم يمثلون الاسلام السمح فهذا هو البرهان، ومن كان يشكك بوحدة الاردنيين في وجه هذا الشر فسنريهم البرهان". واكد المومني ان "الطيار معاذ الكساسبة لا ينتمي لعشيرة بعينها ولا هو أبن محافظة بعينها بل هو أبن الاردنيين جميعا متماسكين متعاضدين كما كانوا على مدى تاريخهم قدموا التضحيات وقدموا الشهداء، شهداء الجيش وسلاح الجو ونسوره".
كما قررت السلطات الأردنية إعدام ساجدة الريشاوي وزياد الكربولي و4 آخرين، خلال ساعات رداً على حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة حياً. ونقلت وكالة فرانس برس عن مصدر أمني اردني قوله: ان حكم الاعدام سينفذ بالانتحارية ساجدة الريشاوي التي كان تنظيم "داعش" الارهابي طالب بالإفراج عنها مقابل اطلاق سراح الطيار الاردني الاسير معاذ الكساسبة. واضاف المصدر، "تنفيذ حكم الاعدام سيتم بالريشاوي المحكومة على خلفية تفجيرات عمان عام 2005.
الى جانب ذلك رجحت بعض المصادر ان تقوم الحكومة الاردنية بتحركات امنية استباقية، من خلال عمليات اعتقال واسعة في صوف الاسلاميين والمناصرين لتنظيم داعش وخصوصا بعض العناصر ممن شاركوا بالقتل ضمن صفوف التنظيم في العراق وسوريا. وقد هددت القوات المسلحة الأردنية بالقصاص من قتلة طيارها معاذ الكساسبة، في حين قطع الملك عبد الله الثاني زيارته للولايات المتحدة الأميركية وقال الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة العقيد ممدوح العامري إن "القوات المسلحة تؤكد أن دم الشهيد الطاهر لن يذهب هدرا وأن قصاصها من طواغيت الأرض الذين اغتالوا الشهيد معاذ الكساسبة ومن يشد على أياديهم سيكون انتقاما بحجم مصيبة الأردنيين جميعا".
وأضاف في بيان تلاه على التلفزيون الرسمي أنه "منذ اللحظة الأولى لأسر الطيار الملازم أول معاذ الكساسبة، والقوات المسلحة تساندها أجهزة الدولة كافة تعمل من أجله، غير أن هذه العصابة المجرمة أبت إلا أن تقتله". بدوره، قال الناطق باسم الحكومة محمد المومني إن تنظيم الدولة "الإرهابي" كان يتلاعب بالمفاوضات "ويسوف قضية الشهيد الكساسبة" خلال الفترة الماضية "لذلك كنا حريصين على أي دليل يظهر سلامة الطيار الكساسبة".
في السياق ذاته اعلن الرئيس الاميركي باراك اوباما انه اذا ثبتت صحة الشريط المسجل الذي يظهر قيام تنظيم داعش بحرق الطيار الاردني حيا، فان هذا الامر يظهر "وحشية" هذا التنظيم، وقال اوباما "في حال ثبتت صحة هذا التسجيل، فانه مؤشر آخر الى شراسة ووحشية هذا التنظيم"، مضيفا انه "سيضاعف يقظة وتصميم التحالف الدولي لضمان (...) الهزيمة الكاملة" لتنظيم داعش.
من جهة أخرى دان الجنرال لويد اوستن قائد القيادة الاميركية الوسطى الذي يقود الحرب على تنظيم داعش الاعدام "الوحشي" للطيار الاردني حرقا وهي حي بحسب ما اظهر تسجيل فيديو بثه التنظيم. وقال الجنرال اوستن ان "القيادة الاميركية الوسطى تدين بشدة جريمة القتل الوحشية التي ارتكبها تنظيم داعش" بحق الطيار الاردني معاذ الكساسبة، مضيفا "سنقاتل هذا العدو الهمجي حتى هزيمته".
مظاهرات وشغب
في السياق ذاته اندلعت مظاهرات احتجاجية وأخرى تهتف للملك إلى جانب أعمال عنف في كل من عمّان والكرك بعدما أعلن رسمياً عن استشهاد الملازم أول الطيار البطل معاذ الكساسبة على يد تنظيم داعش. وأحرق مجموعة من الشبان وكما نقل موقع خبرني متصرفية في بمحافظة الكرك جنوبي الأردن، وفقا لشهود عيان . وقال الشهود لـ خبرني إن مجموعة من الشبان تمكنت من حرق مبنى متصرفية عي، المدينة التي ينتمي إليها الشهيد الطيار معاذ الكساسبة. وأضافوا أن مجموعة أخرى من الشبان تتجمهر أمام محافظة الكرك، وأن قوات الدرك تنتشر في جميع المناطق هناك .
وفي العاصمة عمان احتشد العشرات قرب دوار الداخلية ورددوا هتافات للمك وعبارات ضد تنظيم الدولة داعش وطالبوا برد مزلزل. وأمام ديوان أبناء الكرك في دابوق غربي عمّان هتف المئات لا الا الا الله والشهيد حبيب الله. وشهد محيط هذا الديوان توتراً شديداً في صفوف المتضامنين. وطالب المئات من الاردنيين بإعدام كل من له صلة مع التنظيم الارهابي والمحسوب على فكرهم المتطرف والبعيد كل البعد عن أخلاق والمبادئ الاسلامية وقد طالب البعض برأس البغدادي كرد على هذه الجريمة. هذا وقد اكدت مصادر من التيار السلفي بان الاجهزة المعنية قامت بنقل عدة سجناء لم تسمهم من تنظيم القاعدة الى سجن سواقة المعروف بتنفيذ أحكام الاعدام فيه.
من جهة اخرى طالب البعض بضرورة اقفال الحدود مع سوريا والعراق واجراء عمليات امنية واسعة ضد خلايا التنظيم والجماعات السلفية المتشددة التي تدعوا الى اثارة الفتن والخلافات، خصوصا وان العديد من التقارير تشير الى ان الحكومة الاردنية، قد ساعدت على انتشار وتبني الافكار المتطرفة من اجل تحقيق مصالح خاصة في المنطقة وهو ما انعكس سلبا على امن واستقرار المملكة.