متشدد أم لاجئ يميل للانتحار.. وجوه متعددة للسوري منفذ هجوم بافاريا

وكالات

2016-08-02 09:06

(رويترز) - قبل ثلاث سنوات فر اللاجئ السوري محمد دليل من سوريا إلى أوروبا في رحلة شابها الكثير من الصعاب والغموض.. إذ اعتقل في بلغاريا وفيها أخذت بصماته قبل أن يمنحه فاعل خير مجهول تذكرة طائرة دون مقابل ساعدته في الوصول إلى ألمانيا، ونفذ دليل (27 عاما) هجوما انتحاريا غير متقن في مدينة أنسباخ بولاية بافاريا الألمانية يوم الأحد الماضي قبل أيام من ترحيله إلى بلغاريا، وحين فشل في الدخول إلى مكان حفل يقام في الهواء الطلق بحضور 2500 من عشاق الموسيقى أشعل جهاز التفجير وليس القنبلة نفسها، وقتل دليل وحده في الهجوم الذي نفذه باسم تنظيم الدولة الإسلامية وتسبب في إصابة 15 شخصا في حانة مكتظة بالرواد قرب مدخل موقع الحفل الموسيقي لكن حقيبة الظهر الثقيلة التي كان يحملها كانت ممتلئة بمتفجرات لم تنفجر.

وتسبب الانفجار المحدود في تدمير الطاولة والمقعد حيث كان يجلس وأصاب عددا كبيرا من الرواد حوله بجروح. لكن معظم الأكواب الموجودة على الطاولات المحيطة به لم تتحطم ولم تتعرض نوافذ المنطقة المحيطة لأي أضرار،وقال رالف ميلسابس وهو ضابط متقاعد من الجيش الأمريكي كان يحتسي كأسا من النبيذ على طاولة تبعد ستة أمتار عن دليل في الحانة "لم تنفجر القنبلة.. لم ينطلق سوى جهاز التفجير"، وأصيب ميلسابس بجروح في جانبه الأيسر ناجمة عن تطاير شظايا خشبية، وأضاف ميلسابس لرويترز متحدثا بلهجة أبناء ولاية ساوث كارولاينا الأمريكية "حالفنا حظ كبير بعدم انفجار شحنة المتفجرات الأساسية، كان هناك 25 شخصا في الحانة و30 آخرون أمامها، لو كانت القنبلة انفجرت ما بقينا أحياء".

وأثار الهجوم انتقادات ومخاوف جديدة تتعلق بسياسة الباب المفتوح للاجئين التي تنتهجها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والتي دخل من خلالها أكثر من مليون مهاجر إلى ألمانيا العام الماضي أكثرهم فروا من الصراعات في سوريا والعراق وأفغانستان، ويقول خصومها السياسيون إن هذه السياسة زادت من خطر التشدد الإسلامي في البلاد مع تزايد الخوف بين أبناء الشعب، ومن خلال مقابلات أجريت مع أشخاص تعاملوا معه خلال فترة إقامته في أنسباخ المدينة الهادئة التي يسكنها 41 ألف نسمة تكونت عن دليل ملامح صورة تحتوي على تناقضات صارخة يلفها كثير من الغموض، ويتعلق هذا الغموض في جزء منه باحتمال أن يكون الشاب السوري قد دخل أوروبا بنية شن هجوم أو أنه تحول للتشدد أثناء وجوده في الغرب أو أن تصرفاته تمت بدافع عقائدي أو بسبب اضطراب عقلي أو خليط من الاثنين.

وفي مركز لإيواء اللاجئين يتألف من ثلاثة طوابق كان يقيم به دليل قال كثير ممن عرفوه بشعره الأسود الطويل إنه شخص هادئ وودود لكن يميل للعزلة. وأضافوا أن لغته الإنجليزية كانت جيدة إلى حد كبير وكان يتطلع بشدة للحصول على عمل وبدء حياة جديدة في ألمانيا، غير أن جانبا آخر من شخصيته تجلى للعيان في صورة شخص ماكر نجح في الإفلات من محاولات سابقة للسلطات الألمانية لترحيله إلى بلغاريا التي كانت مدخله إلى الاتحاد الأوروبي وذلك من خلال استغلال ثغرات قانونية.

لكن ما الذي دفع دليل لارتكاب جريمة قتل جماعي؟ هذا أمر ما زال غير واضح، فقد عثر المحققون على مقطع فيديو على هاتف دليل وهو يبايع تنظيم الدولة الإسلامية وما زالوا يتحرون إن كان الشاب أرسل لألمانيا ضمن "خلية نائمة"، لكن من عرفوه في مركز الإيواء قالوا إنه لم يكن يميل إلى التدين وهو ما أكدته معالجته النفسية جيسلا فون مالتيتز المقيمة في مدينة لينداو التي تفصلها رحلة ساعتين بالقطار عن أنسباخ، وقالت إن دليل عانى من اضطراب ذهني وكان يميل للانتحار بعد وفاة زوجته وابنه في سوريا وتعرضه للتعذيب.

وقال محمود مبارتز الذي يسكن نفس مركز إيواء اللاجئين "كنا نطلق عليه وصف رامبو لطول شعره وعضلاته" مضيفا أنه كان يشبه الممثل الأمريكي سيلفستر ستالون، وأضاف "كانت ذراعاه قويتان للغاية وكان يحب ارتداء القمصان الضيقة بلا أكمام. كان يرغب في أن يرينا مدى قوته"، وقال مبارتز الذي حضر لألمانيا قبل أربع سنوات من باكستان إنه يعجز عن تصور كيف تحول الرجل الهادئ الذي كان يعرفه إلى شخص قادر على شن مثل هذه الهجوم. وعاش مبارتز مع دليل و26 آخرين على مدى العام المنقضي في فندق منخفض التكلفة قبل تحويله إلى مركز إيواء لاستيعاب تدفق اللاجئين، والاسم الحقيقي لمركز الإيواء هو "فندق كرايستل" لكن حرف "آي" في الاسم باللغة الألمانية كسر وبات الاسم في اللافتة العملاقة فوق المبنى يقرأ "هوتيل كرايست "أو "فندق المسيح".

وفي موجة هجمات تعرضت لها ألمانيا منذ 18 يوليو تموز الجاري قتل 15 شخصا وأصيب عشرات، وفي الأسبوع الماضي طعن لاجئ عمره 17 عاما من باكستان أو أفغانستان أربعة سياح من هونج كونج على متن قطار قرب مدينة فورسبورج بولاية بافاريا على بعد 80 كيلومترا تقريبا من أنسباخ، وتبين أن للمهاجم صلات بمتشددين، ويحاول محققون يتولون تفجير أنسباخ تحديد الوقت الذي يحتمل أن تكون الدولة الإسلامية نجحت خلاله في تجنيد دليل ومن قدم له الدعم في ألمانيا وأصدر له الأمر بشن الهجوم، وبتفتيش غرفته في فندق كريستل عثرت السلطات على وقود الديزل وحمض هيدروكلوريك وخمر وبطاريات ومخفف طلاء وحصى وهي نفس المواد المستخدمة لصنع قنبلة بخلاف صور ومقاطع فيديو على كمبيوتر على صلة بالتنظيم المتشدد ومبلغ من المال يزيد كثيرا عما يحصل عليه اللاجئون من الحكومة الألمانية.

وقال محققون إنه تبادل عددا كبيرا من الرسائل الهاتفية مع شخص في الشرق الأوسط قبل الانفجار، وقال يواخيم هيرمان وزير الداخلية بولاية بافاريا "الرسائل المتبادلة توقفت على ما يبدو قبل وقوع الهجوم مباشرة"، وتراجع السلطات كذلك رحلة دليل إلى ألمانيا وهي رحلة وثقت خلال جلساته مع المعالجة النفسية فون مالتيتز مديرة جماعة إكزيليو التي توفر خدمات صحية للمهاجرين، وقال دليل لفون مالتيتز إن فاعل خير دفع له ثمن رحلته من بلغاريا إلى النمسا ومنها سافر عبر الحدود إلى ألمانيا. وقال "لحسن حظي وجدت رجلا سوريا قدم لي تذكرة طائرة إلى النمسا"، وسيسعى المحققون على الأرجح لتسليط الضوء على من يكون فاعل الخير المذكور وجوانب أخرى يلفها الغموض بينها سبب اعتقال دليل في بلغاريا ثم إطلاق سراحه.

ورغم اعتراف دليل بمبايعة الدولة الإسلامية قالت فون مالتيتز إنه لا شيء يدل على صلته بالتنظيم وعقيدته المتشددة ولا بالتدين بشكل عام، وقالت "ارتباطه بالإسلام لا يتوافق مع الصورة التي رسمتها له على الإطلاق" مضيفة أنها أجرت مع دليل 40 جلسة بين مايو أيار 2015 ويناير كانون الثاني من العام الجاري، وتابعت "لم يصدر عنه قط أي تعليق في ذلك السياق.. ولا عن الإسلام أو أي دين آخر"، وأضافت "تعرض لتعذيب قاس في سوريا. قتلت زوجته وابنه في سوريا حين انهار مبنى فوق رؤوسهم بعد تفجير. في بلغاريا أودع السجن وتعرض لمعاملة سيئة. نحن على يقين من أن المعلومات التي قدمها كانت حقيقية".

وخططت فون مالتيتز التي قالت إن وفاة دليل حررتها من الالتزام بسرية المعلومات الخاصة بالمرضى لجلسات أخرى معه هذا الأسبوع لكنه طلب تأجيلها حتى أول أغسطس آب، وتابعت أنها تدخلت مرارا لدى السلطات للحيلولة دون ترحيله. وقالت "كانت لديه ميول للانتحار" مضيفة أن احتمال الترحيل إلى بلغاريا "كان مرعبا بالنسبة له"، وقال مباريتز زميل دليل في مركز الإيواء إنه لم يظهر أي دلائل على التدين. وأضاف "لم أره يصلي قط. بكل تأكيد لم يكن مسلما متعصبا"، وقال أيضا إنه تحدث مع دليل عن طريقة العثور على عمل في ألمانيا وشجعه على التقدم للعمل في مطعم مكدونالدز بالمدينة حيث عمل في الطهي والحسابات، وأضاف أنهما تحدثا أحيانا في مطبخ مركز الإيواء أو في الشرفة أمامه حيث كان دليل يساعد دائما في إصلاح دراجات لاجئين آخرين، وأضاف مباريتز "كان دائم الابتسام وبدا سعيدا على الدوام رغم وحدته غالبية الوقت وميله للبقاء في غرفته. أعتقد أنه كان يتوق للحصول على عمل في ألمانيا والبقاء هنا".

قال لاجئي إثيوبي عمره 21 عاما قدم نفسه باسم جمال حسن إنه يذكر دليل كشخصية منطوية في مركز الإيواء، وأضاف حسن الذي قدم لألمانيا قبل ستة أشهر بعد أن عبر البحر المتوسط من ليبيا إلى إيطاليا "بدا شخصا جادا ومنطويا. لم أر ابتسامة على وجهه قط"، وقال فتى ألماني يعيش قريبا من مركز الإيواء إن دليل كان معروفا في الحي بأنه رجل ودود كان يحب أن يتطلع للعالم من شقته على السطح، وأضاف الفتى واسمه نيك جاير وعمره 14 عاما "أعتقد أنه كان شخصا لطيفا. كان يبتسم ويلقي التحية. لم يبد بالتأكيد شخصا قد يفعل شيئا كهذا. أنا الآن أشعر بخوف شديد".

وقال ألكسندر والد الفتى "صدمنا حين سمعنا بأنه من فعل ذلك"، واستعان دليل بمحام ساعده في مسعاه الذي كلل بالنجاح للنجاة من محاولتين لترحيله إلى بلغاريا قامت بهما السلطات الألمانية حيث تعلل باضطرابه الذهني وفقا لما قالته المعالجة النفسية، لكن محاولته للبقاء آلت للفشل هذا الشهر وصدر في 13 يوليو تموز إخطار بترحيله، وبعد 11 يوما من ذلك التاريخ نفذ هجومه، وتوفي دليل جراء إصابات داخلية تعرض لها في الانفجار رغم أن ممرضة ألمانية لم تكن في وقت العمل هرعت في محاولة لإنقاذ حياته، وبعد ثلاثة أيام كانت الممرضة تصارع أحاسيس عديدة جراء الهجوم.

وقالت الممرضة التي طلبت أن تعرف باسم سابينه "ركض كل من في الحانة لكني رأيت رجلا ملقى على الأرض، لم أكن أعرف أنه منفذ الهجوم، ظننت فقط أنه شخص لم يلتفت إليه أحد بسبب الفوضى، لم يكن هناك أي نبض في رسغه لكني شعرت بنبض في عنقه"، وأضافت أنها حاولت إنقاذ حياته لحين وصول المسعفين بعدها بلحظات رغم أن جهودها فشلت، وتابعت "أي شخص غيري كان سيمد له يد العون، في الواقع لا أفهم من يقولون إنه لم يكن سوى إرهابي وإنه كان ينبغي أن أتركه يموت، بالنسبة لي.. كان إنسانا".

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا