تركيا وامريكا.. مفترق طرق احدهما يؤدي الى تسليم غولن
عبد الامير رويح
2016-07-25 08:50
محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا وكما يرى بعض المراقبين، ربما ستكون لها تداعيات كبيرة على هذا البلد، خاصةً فيما يتعلق بعلاقة تركيا وباقي الدول الحليفة ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تشهد العلاقات التركية الأمريكية ازمة جديدة، قد تسهم بتنامي حدة التوتر وعدم الثقة بين الدولتين، خصوصا بعد أن ألمح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن الولايات المتحدة الأمريكية ربما تكون وراء الانقلاب العسكري الأخير على حكمه للبلاد، كما دعاها إلى تسليم فتح الله غولن أحد أشد خصوم الرئيس والذي تحتضنه الولايات المتحدة في ولاية بنسلفانيا منذ نحو 17 عامًا. وقال أردوغان على الولايات المتحدة أن تسلم هذا الشخص، في إشارة إلى غولن، وأضاف، ثمة لعبة مع الجيش، وهذا الأمر مرتبط بقوات خارجية، مذكرا بأنه سبق أن طالب مرارا نظيره الأمريكي باراك أوباما بتسليم غولن.
وقد تعوق محاولة الانقلاب العسكري في تركيا وكما تنقل بعض المصادر، جهود الولايات المتحدة في محاربة تنظيم داعش في سوريا وتقوض أهدافا أخرى للولايات المتحدة في الشرق الأوسط بإضعاف الديمقراطية وإثارة اضطرابات طويلة في البلد المسلم الوحيد بحلف شمال الأطلسي. وقد أعلنت الولايات المتحدة صراحة وقوفها بجانب حكومة الرئيس التركي طيب اردوغان. وكانت العلاقات بين حكومة إردوغان والإدارة الأمريكية متعثرة لكن الرئيس التركي ساعد على نطاق واسع في الحرب ضد تنظيم داعش.
وتستضيف تركيا منشآت عسكرية مهمة أمريكية وأخرى تابعة لحلف الأطلسي ومنها قاعدة إنجيرليك الجوية التي تنطلق منها مقاتلات وطائرات بدون طيار أمريكية لضرب تنظيم داعش في سوريا المجاورة وقاعدة تابعة للمخابرات الأمريكية تدعم منها الوكالة مقاتلي المعارضة السورية المعتدلين ومنظومة إنذار مبكر تخص منظومة الدفاع الصاروخي الأوروبية التابعة للحلف. وانتقد مسؤولون أمريكيون ازدياد تسلط إردوغان المتزايد ودعم تركيا لجماعات المعارضة الإسلامية التي تقاتل الرئيس السوري بشار الأسد والوتيرة البطيئة في غلق حدودها مع سوريا أمام المقاتلين الأجانب. من جانبه غضب إردوغان من الدعم الأمريكي للأكراد السوريين الذين يقاتلون تنظيم داعش والذين يعتبرهم الرئيس التركي حلفاء حزب العمال الكردستاني.
كما امرت القيادة العسكرية الاميركية في اوروبا، القوات الاميركية في تركيا باتخاذ اقصى التدابير الامنية بعد محاولة الانقلاب العسكري، كما اعلن مسؤول في الدفاع الاميركي. وتنشر الولايات المتحدة 2200 عسكري وموظف مدني في تركيا، البلد العضو في حلف شمال الاطلسي والشريك الاساسي لواشنطن في المنطقة. وقال المسؤول العسكري الاميركي ان حماية القوات رفعت الى مستوى "دلتا" الذي يطبق على سبيل المثال في حال حصول هجوم ارهابي صريح او اذا ما اعتبرت السلطات ان جهة ما على وشك ان تشن هجوما. واكد مسؤول في وزارة الدفاع الاميركية ان العمليات ضد تنظيم داعش ستستمر من قاعدة انجرليك على رغم محاولة الانقلاب.
العلاقات الأمريكية التركية
وفي هذا الشأن فقليلة هي الأوراق التي يمكن أن تلعب بها الولايات المتحدة الآن بخلاف الإعراب عن قلقها بعد أن استغل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان المحاولة الانقلابية لتطهير الآلاف من خصومه والمطالبة بتسليم رجل دين معارض يعيش في بنسلفانيا. فقد أدى قرار إردوغان السماح باستئناف انطلاق الطائرات من قاعدة انجرليك الجوية التي تمثل عنصرا مهما في حرب الولايات المتحدة على تنظيم داعش إلى تحاشي صدام مباشر بين البلدين الحليفين.
غير أن المسؤولين الأمريكيين فوجئوا بحجم الرد التركي على الانقلاب الفاشل ويقولون إن العلاقات بين الطرفين مستقبلا ستتوقف على مدى ملاحقة إردوغان لرجل الدين فتح الله كولن والمدى الذي ستصل إليه حملته على خصومه. ومع ذلك فتعاون تركيا في الحرب على داعش له أهمية بالغة بالنسبة إلى واشنطن ولذلك وكما هو الحال في التعاملات مع حكومات قمعية في مختلف أنحاء العالم تجد إدارة أوباما نفسها تعمل على موازنة المصالح الأمنية الأمريكية مقابل مبادئها الخاصة بحقوق الإنسان والديمقراطية.
وقال مسؤول أمريكي رفيع "ما سيحدث لعلاقتنا مع تركيا سيتوقف إلى حد كبير على المسار الذي ستسلكه تركيا نفسها خلال التحقيقات وما ستتخذه من قرارات في أعقاب هذه المحاولة الانقلابية." وقد اتهم إردوغان كولن بأنه وراء محاولة قلب نظام الحكم وقال إن حكومته ستطلب رسميا تسليمه لها خلال أيام. وينفي كولن نفيا قاطعا أي دور له في الانقلاب. ويعتقد البعض في الإدارة الأمريكية أن اعتقال الآلاف من ضباط الجيش والشرطة والقضاة وأعضاء النيابة في أعقاب الانقلاب الفاشل فيه قدر كبير من التمادي. وقال مسؤول ثان تحدث شريطة عدم نشر اسمه "نحن نعتقد أن تركيا تجاوزت ما كنا نريد أن نراه."
ويقول وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إن تركيا لها الحق في مقاضاة من شاركوا في الانقلاب لكنه حذرها من التمادي انطلاقا من مخاوفه على حقوق الإنسان والديمقراطية في دولة رئيسية من أعضاء حلف شمال الأطلسي. وقال "نحن نقف بالكامل إلى جانب القيادة المنتخبة في تركيا. لكننا نحث حكومة تركيا بكل حزم على الحفاظ على الهدوء والاستقرار في مختلف أنحاء البلاد." ودعت فيدريكا موجيريني مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي أنقرة إلى تجنب الخطوات التي من شأنها الإضرار بالنظام الدستوري.
ومن الأمور المعرضة للخطر ما تحمله تركيا من آمال منذ فترة طويلة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وقد أوضحت موجيريني أنه إذا أعادت تركيا العمل بعقوبة الإعدام فإن ذلك سيقضي على أي احتمال لدخول الاتحاد. ومع ذلك فمن الناحية العملية لا تملك الولايات المتحدة وحلفاؤها أي وسائل للضغط على تركيا في شؤونها الداخلية. وقال ماثيو بريزا وهو من كبار مستشاري البيت الأبيض سابقا في الشأن التركي "لا يوجد شيء يمكن للولايات المتحدة أن تفعله لإثناء الرئيس إردوغان عن تطهير الجيش والقضاء من الناس الذين يرى أنهم يشكلون خطرا." وأضاف "بكل بساطة سيفعل الرئيس إردوغان ذلك. فهو يرى في مثل هذه الإجراءات مسألة حياة أو موت وكذلك وسيلة لامتلاك قدر أكبر كثيرا من القوة."
وقال جوشوا ووكر الدبلوماسي الأمريكي السابق والخبير في شؤون تركيا في صندوق مارشال الألماني في واشنطن "أعتقد أن الرئيس إردوغان أوضح تماما أنهم سيبذلون كل ما هو مطلوب - وبنص كلماتهم - ‘تأمين تركيا‘ وإذا كان معنى ذلك استغلال انجرليك وغيرها من القواعد العسكرية فأنا مقتنع أنهم سيفعلون ذلك." وأضاف "فهم يقولون إنهم لن يناقشوا خطة بديلة لأن الولايات المتحدة حليفة ولكن من الواضح أن لديهم الاستطاعة لإغلاق انجرليك وأولويتهم الأمنية القصوى في الأجل القريب هي كولن لا تنظيم داعش."
ورغم أن تركيا انضمت للحملة التي تقودها الولايات المتحدة على التنظيم في سوريا فقد ظلت الحكومة التركية تشعر بعدم ارتياح للدعم الأمريكي لقوة من الأكراد السوريين تعتبرها قوة تابعة لحزب العمال الكردستاني الذي يقاتل من أجل استقلال الأكراد في تركيا. ومع ذلك فقد خفت حدة الخلافات حول هذه المسألة في الوقت الذي واجه فيه إردوغان موجة من الهجمات داخل تركيا يعتقد أن تنظيم داعش وراء تنفيذها. ونتيجة لذلك تزايد التعاون بين جماعات المعارضة السورية التي تدعمها تركيا والولايات المتحدة وتقاتل من أجل إنهاء سيطرة التنظيم على شريط حدودي طوله 100 كيلومتر تقريبا على الحدود مع تركيا.
وقال سونر جاغابتاي بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إن الانقلاب سيؤدي إلى اختلال كبير في الحملة على تنظيم داعش لأنه قسم الجيش التركي ولما تردد عن أن كثيرين من الضباط الضالعين في المؤامرة هم من سلاح الجو وقوات الدرك. بل لقد كان قائد قاعدة انجرليك الجوية الجنرال بكير إرجان فان نفسه من بين المعتقلين بسبب محاولة الانقلاب. بحسب رويترز.
ومن الممكن أن يهدد إردوغان بإغلاق قاعدة انجرليك أمام القوات الأمريكية في إطار سعيه لتسلم كولن من الولايات المتحدة لكن وزير الخارجية كيري أوضح أن على تركيا أن تقدم أدلة مقنعة على تورط كولن مع أي طلب لتسلمه. وقال جاغابتاي إن قاعدة "انجرليك لها أهميتها في الحرب على داعش لكنها ليست عنصرا لا يمكن الاستغناء عنه. وإذا شعرت واشنطن بأن هذا سيصبح شرطا لا بد منه في العلاقة (بين الطرفين) فربما تسحب تأييدها. وسيتطلب ذلك إعادة ترتيب القوات."
أمريكا ودعم الانقلاب
الى جانب ذلك قال سفير الولايات المتحدة لدى تركيا جون باس إن تقارير وسائل الإعلام والتعليقات الصادرة من شخصيات عامة بأن واشنطن ساندت محاولة الانقلاب "غير صحيحة بالمرة" وإن مثل هذه التكهنات تضر بصداقة البلدين العضوين بحلف شمال الأطلسي. وأنحى الرئيس رجب طيب إردوغان ومسؤولون أتراك آخرون باللوم على رجل الدين فتح الله كولن الذين يعيش في بنسلفانيا بالولايات المتحدة بتدبير انقلاب 15 يوليو تموز الذي تسبب في مقتل أكثر من 200 شخص.
وقال باس في بيان نشر على موقع السفارة على الإنترنت إن الولايات المتحدة مستعدة لتقديم المساعدة في التحقيقات التي تجريها تركيا في الانقلاب الفاشل وستبحث أي طلب تسليم إذا استوفى المتطلبات القانونية. وقال وزير العمل التركي وشخصيات أخرى بارزة إن الولايات المتحدة "دبرت" محاولة الانقلاب التي نفذتها مجموعة من داخل القوات المسلحة التركية.
من جانبه قال وزير الخارجية الاميركي جون كيري ان واشنطن لم يكن لديها اي فكرة عن تدبير محاولة انقلاب في تركيا قبل بدء المحاولة. واضاف ان المحاولة نفذت بطريقة غير مهنية على ما يبدو. وقال كيري للصحافيين الذين سألوه الى اي مدى فوجئت الاستخبارات الاميركية بما حصل، "اذا كنت تعد لمحاولة انقلاب فانك لا تقوم بابلاغ شركائك في حلف شمال الاطلسي بها". واضاف كيري الذي يزور لوكسمبورغ في اطار جولة اوروبية، "فاجأ الامر الجميع بمن فيهم الشعب التركي (...) دعوني اقول انه لم يكن على ما يبدو عملا جيد الاعداد والتنفيذ، ولكن فلنمتنع عن اصدار الاحكام إلى أن تتضح الامور". وترتبط واشنطن بعلاقات وثيقة مع انقرة التي سمحت لها باستخدام قاعدة انجرليك الجوية لشن هجمات على الجهاديين في سوريا.
اغلاق قاعدة انجرليك
في السياق ذاته ذكرت القنصلية الاميركية ان السلطات التركية فرضت طوقا امنيا على قاعدة انجرليك الجوية في محافظة اضنة الجنوبية حيث تتمركز طائرات اميركية ولدول اخرى من التحالف الدولي لمحاربة الجهاديين في سوريا. وقالت القنصلية الاميركية في اضنة في رسالة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا ان "السلطات المحلية ترفض السماح بالدخول والخروج من قاعدة انجرليك الجوية. تم كذلك قطع الكهرباء عنها". واضافت "يرجى تجنب القاعدة الجوية حتى تعود العمليات الى طبيعتها" بدون مزيد من التوضيح.
ولم يعرف سبب اغلاق القاعدة لكنه ياتي بعد توقيف الالاف من الجنود عبر البلاد لشبهة تورطهم في محاولة الانقلاب. بعد اشهر من المفاوضات، وافقت تركيا السنة الماضية على السماح للولايات المتحدة باستخدام انجرليك لشن غارات على الجهاديين في سوريا. وتستخدم الولايات المتحدة قاعدة "إنجرليك" الجوية في جنوب تركيا لشن ضربات جوية على تنظيم داعش وقد نشرت فيها خصوصا طائرات من دون طيار ومقاتلات من طراز "براولر" وطائرات مقاتلة من طراز "ايه 10"، كما تنشر الولايات المتحدة 2200 من الجنود والطواقم المدنية الدفاعية في تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي والشريك الحيوي لواشنطن في المنطقة. ويتمركز نحو 1500 من هؤلاء في قاعدة "إنجرليك". وتلقى العسكريون الأمريكيون في تركيا أمرا باتخاذ أقصى تدابير الحيطة وتعليق كل الأنشطة غير الأساسية.
من جانب اخر علقت السلطات الاميركية رحلات الشركات الجوية الاميركية الى اسطنبول وانقرة، ومنعت جميع الرحلات الآتية من تركيا، سواء المباشرة او غير المباشرة، وفق ما ذكرت الاجهزة الدبلوماسية الاميركية بعد الانقلاب الفاشل. وتقول السفارة الاميركية في انقرة التي تعمل منذ بداية محاولة الانقلاب على اطلاع الرعايا الاميركيين على التطورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ان السلطات الاميركية للطيران المدني "منعت جميع الرحلات من والى اسطنبول وانقرة". واضافت السفارة ان الامن في مطار اتاتورك "تراجع كثيرا"، ومنعت اي موظف اميركي من استخدامه. واوضحت السفارة ايضا ان "كل الشركات الجوية، ايا تكن جنسيتها، ممنوعة من السفر من تركيا الى الولايات سواء تخللت رحلتها محطة توقف ام لا".
من جانبه حض الرئيس الاميركي باراك اوباما جميع الاطراف في تركيا على "التصرف في اطار احترام دولة القانون" بعد احباط انقلاب عسكري ضد الرئيس رجب طيب اردوغان، بحسب ما اعلن البيت الابيض في بيان. واشار البيان الى ان "الرئيس وفريقه (...) شددوا على ضرورة ان يتصرف جميع الاطراف في تركيا في اطار احترام دولة القانون، وتجنب اي عمل يمكن ان يتسبب بمزيد من اعمال العنف او عدم الاستقرار". بحسب فرانس برس.
وجدد اوباما خلال اجتماعه مع فريقه للامن القومي "الدعم الاميركي غير المشروط للحكومة المدنية المنتخبة ديموقراطيا في تركيا". واشار اوباما الى "التحديات المشتركة (بين الولايات المتحدة وتركيا) التي تستلزم تعاونا مستمرا من جانب تركيا، ومن ضمنها الجهود المشتركة في المعركة ضد الارهاب". واضطر الجيش الاميركي الى تعليق المهمات الجوية الاميركية ضد تنظيم داعش من قاعدة انجرليك الجوية بسبب اغلاق المجال الجوي التركي امام كل المقاتلات الحربية، بحسب ما اعلن البنتاغون. لكن المتحدث باسم البنتاغون بيتر كوك قال ان الحكومة الاميركية "تعمل مع الاتراك من اجل استئناف العمليات في اسرع وقت ممكن".