مصر وسراب الانتقال الديمقراطي
مسلم عباس
2016-07-05 09:09
بعد ثلاث سنوات من التظاهرات التي ملأت شوارع القاهرة ومناطق مصرية أخرى في 30 حزيران/يونيو 2013، واستند إليها الجيش للإطاحة بالرئيس الإسلامي محمد مرسي، يتسع نطاق خيبة الأمل في تحقيق تحول ديمقراطي في مصر مع تزايد وطأة القيود على الحريات.
وخلال السنوات الماضية، شهدت مصر حملة قمع دامية ضد جماعة الإخوان المسلمين، امتدت بعد ذلك لتشمل الناشطين الشباب الذين أطلقوا الثورة على حسني مبارك في 2011، ونزلوا إلى الشارع مع مئات الآلاف من المصريين للمطالبة برحيل مرسي وجماعة الإخوان المسلمين عن السلطة، والذين صار العديد من رموزهم يقبعون الآن في السجون.
وتصاعدت المخاوف خلال الأشهر الأخيرة من فرض مزيد من القيود على الحريات العامة وحرية التعبير، خصوصا عقب إحالة نقيب الصحافيين يحي قلاش واثنين من أعضاء مجلس النقابة إلى المحاكمة بتهمة التستر على مطلوبين للعدالة، في سابقة منذ تأسيس النقابة قبل 75 عاما.
وجاءت هذه المحاكمة على خلفية اعتصام اثنين من الصحافيين الشباب بمقر نقابتهما عقب صدور قرار بتوقيفهما لمشاركتهما في نيسان/أبريل الماضي في تظاهرات مناهضة لاتفاقية تمنح السعودية السيادة على جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر، عند المدخل الجنوبي لخليج العقبة.
وقال الناشط الحقوقي جمال عيد في تصريح لفرانس برس "اليوم ومن دون مبالغة، وضع حقوق الإنسان هو الأسوأ في تاريخ مصر الحديث"، مضيفا "وفقا لتقديرات المنظمات الحقوقية، يبلغ عدد السجناء السياسيين قرابة 60 ألفا" غالبيتهم من الإسلاميين. وأوضح عيد الذي شارك في الثورة على مبارك وفي التظاهرات المناهضة لمرسي أنه "عندما أتذكر 30 يونيو 2013، أشعر أنه تم خداعنا وتم توظيفنا من جناح في الدولة ليس للإطاحة بالإخوان وبدء تأسيس نظام ديمقراطي، وإنما لصالح استيلاء الجيش، وهو جزء من نظام مبارك، على السلطة".
ويتابع رئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، الملاحق هو نفسه قضائيا بتهمة تلقي تمويل أجنبي بشكل غير قانوني، "تم استغلال الكراهية الشعبية للإخوان من أجل الاستيلاء على السلطة. فعندما نزلنا إلى الشارع، كنا نشعر أن الإخوان خانوا الثورة ولم يعد يعنيهم تحقيق أهدافها في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وكنا نريد انتخابات رئاسية مبكرة يتاح لمرسي نفسه خوضها من جديد".
تقلص شعبية السيسي
وأطلق عبد الفتاح السيسي، الذي كان قائدا للجيش في عهد مرسي، اسم "ثورة 30 يونيو" على التظاهرات، واتكأ عليها وعلى شعبيته الطاغية آنذاك كمصدر لشرعية قراره بعزل الرئيس الإسلامي واعتقاله بعدها بثلاثة أيام، ثم تولى فعليا زمام الأمور في البلاد إلى أن تم انتخابه رئيسا في أيار/مايو 2014.
ولكن شعبية الرئيس المصري الذي كان ينظر إليه آنذاك باعتباره "المنقذ"، تقلصت بعض الشيء، بحسب المحلل السياسي مصطفى كامل السيد. ويقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في القاهرة لفرانس برس "هناك ضيق من السياسات الاقتصادية لدى غالبية المواطنين"، في إشارة إلى الغلاء المضطرد الذي أدى إلى ارتفاع معدل التضخم الشهري بنسبة 3،15% خلال شهر أيار/مايو الماضي مقارنة بـ1،24% بالشهر السابق، ليصل المعدل السنوي في أيار/مايو 2016 إلى 12،23% مقابل معدل سنوي نسبته 9،51% في الشهر السابق، وفق بيانات البنك المركزي المصري,
ويتابع السيد "كما أن هناك ضيقا من تعاظم دور القوات المسلحة في الاقتصاد لدى رجال الأعمال، وضيق من التضييق على الحريات خصوصا بعد أزمة نقابة الصحافيين، وضيق من التنازلات للسعودية، وهي كلها مؤشرات على انخفاض شعبية السيسي".
في المقابل، يرى أنصار السيسي أن مصر تتحرك إلى الأمام بالاتجاه الصحيح. ويؤكد محمود بدر، مؤسس "حركة تمرد" التي أطلقت الدعوة لتظاهرات 30 حزيران/يونيو، أن أهدافها تمثلت في "تحقيق الاستقلال الوطني والخروج من التبعية الأمريكية وتحسين الأحوال الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين. وأعتقد أننا نسير بخطى ثابتة نحو تحقيقها وأننا على الطريق الصحيح".
ويضيف بدر الذي انتخب في نهاية العام الماضي عضوا في البرلمان ضمن قائمة "في حب مصر" المؤيدة للسيسي، أن التظاهرات كانت ضد الإخوان المسلمين "لأنهم جزء من المشروع الأمريكي لمحاولة الهيمنة على المنطقة واحتواء ثورات الربيع العربي".
تراجع اقتصادي
وحتى بعد أن قتلت قوات الأمن مئات من أنصار الإخوان في الشوارع وألقت القبض على آلاف نفدت من المتاجر كعكات مزينة بصور للسيسي. بعد مرور عام انتخب السيسي رئيسا بنسبة 97 في المئة من الأصوات. لكن نجم السيسي خفت حين خبت الآمال في حدوث نهضة اقتصادية ووصل التضخم إلى أعلى مستوياته في سبعة أعوام بالإضافة إلى نقص العملة الصعبة بينما يتعرض الجنيه للضغط ويتباطأ النمو الاقتصادي بحسب وكالة رويترز.
وقال محمد محمود وهو خباز في حي فقير بالقاهرة "قل للسيسي... قل للرئيس... لا يمكن أن نعيش هكذا." ويقول إن زبائنه خفضوا إنفاقهم وإنه يربح الآن نحو 50 جنيها يوميا وهو مبلغ لا يكفي لأسرة من سبعة أفراد. وانتقد اقتصاديون ما يعتبرونها مشاريع عملاقة بدأها السيسي لم تتم دراستها جيدا على رأسها مشروع توسعة قناة السويس الذي تم الانتهاء منه على عجل تحت إشراف الجيش.
وقال السيسي في مقابلة تلفزيونية إن هناك حاجة إلى هذه المشروعات بسبب قلة الاستثمارات في البنية التحتية فيما مضى. لكن في حين أنها أظهرت نتائج سريعة فإنها فشلت في توفير فرص عمل للسكان الذين يتزايدون بمعدل سريع.
وقال تيموثي قلدس الباحث بمعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط "ماذا كانت الركائز الثلاث الرئيسية التي وعد بها؟ الاستقرار والنمو الاقتصادي والأمن وقد فشل في الثلاث." وأضاف "وبالتالي فإنهم يخاطرون أكثر... إذا كان بوسعهم المضي بتوسيع قمعهم لأهداف عليا والإبقاء على الناس تحت السيطرة فلماذا لا يفعلون؟".
مواجهة الصحافة
آلاف الصحفيين المصريين طالبوا رئاسة الجمهورية في الرابع من مايو ايار بإقالة وزير الداخلية والاعتذار عن مداهمة الشرطة لمقر نقابتهم واعتقال اثنين من الصحفيين. وفي تحد لوجود أمني مكثف أمام مقر النقابة حضر نحو ثلاثة آلاف صحفي اجتماعا طارئا للاحتجاج على اعتقال الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا- اللذين يعملان في بوابة يناير الإخبارية المعارضة- يوم الأحد الماضي.
واعتقل الاثنان بينما تحاول السلطات التصدي للمعارضة المتزايدة للرئيس عبد الفتاح السيسي. ونشر المئات من أفراد الأمن في وسط القاهرة بعد احتجاجات على قرار بنقل تبعية جزيرتين في البحر الأحمر إلى السعودية.
وطالب آلاف المتظاهرين في 15 أبريل نيسان الماضي "بإسقاط النظام" وهو شعار برز في احتجاجات الربيع العربي في 2011. وفرقت الشرطة احتجاجات أصغر بعدها بأسبوعين. وقال مسؤولون بالنقابة إن اقتحام الشرطة لمقرها يمثل سابقة لم تحدث منذ أن تأسست قبل 75 عاما. وتلا كارم محمود عضو مجلس نقابة الصحفيين قرارات الجمعية العمومية قائلا "تطالب (النقابة) بتقديم رئاسة الجمهورية اعتذارا واضحا للصحفيين عن جريمة اقتحام النقابة وما أعقبها من ملاحقة وحصار لمقرها." وأضاف أن الجمعية قررت "الإصرار على مطلب إقالة وزير الداخلية باعتباره المسؤول الأول عن الأزمة."
وهتف الصحفيون "الصحافة مش (ليست) جريمة" وصوتوا لصالح مطالبة الصحف بتسويد صفحاتها الأولى والتوقف عن استخدام اسم وزير الداخلية اللواء مجدي عبد الغفار. وقال مسؤولون بالنقابة إنهم قرروا أيضا عقد اجتماع في الأسبوع المقبل لمناقشة تنظيم إضراب إذا لم تتم الاستجابة لمطالبهم.
وقالت النيابة العامة في بيان صدر إن بدر والسقا رهن التحقيق لاستجوابهما بشأن تهم منها "نشر الأخبار والإشاعات الكاذبة" وحيازة أسلحة نارية. ونفت وزارة الداخلية أن يكون أفرادها اقتحموا مقر النقابة لكنها أكدت اعتقال الصحفيين الاثنين داخله.
وأفاد شهود من رويترز أن عشرات المتظاهرين المؤيدين للحكومة تجمعوا أمام النقابة في وسط القاهرة وهتفوا مطالبين السيسي "بذبح" الصحفيين. وجاءت احتجاجات الصحفيين في وقت يواجه فيه السيسي انتقادات بسبب صعوبة الأوضاع الاقتصادية ويشكك كثيرون في احتفاظه بالشعبية الكبيرة التي سمحت له باعتقال آلاف المعارضين بعد توليه السلطة.
انتهاكات حقوق الانسان
وفي مجال حقوق الانسان ايضا ورد في التقرير السنوي للمجلس القومي لحقوق الإنسان بمصر، المنظمة الحقوقية الرسمية في البلاد، أن "وضع حقوق الإنسان في البلاد يراوح مكانه، رغم مرور عامين على إقرار الدستور الجديد".وأضاف المجلس أن مكتب الشكاوى التابع له تبلغ بحصول 266 حالة اختفاء قسري خلال عام 2015، بينها 27 حالة قالت وزارة الداخلية إنها أفرجت عن أصحابها عقب تأكدها من عدم تورطهم في أعمال مخالفة للقانون، فيما بقي 143 آخرون محبوسين احتياطيا على ذمة التحقيق.
ونقل بيان المجلس عن وزارة الداخلية قولها إنها ليست مسؤولة عن اعتقال 44 شخصا تم الإبلاغ عن فقدانهم، مرجحة أن يكونوا قد اختفوا لأسباب أخرى. وتم توثيق تلك الحالات بين نيسان/ابريل 2015 ونهاية آذار/مارس 2016. وجاء في تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان، أنه "لا يمكن القول إن قضايا حقوق الإنسان تشكل أولوية في اهتمامات الدولة حتى الآن".
وانتقد التقرير أيضا عجز الدولة عن تمرير تشريعات فعالة للحد من التعذيب، رغم اعترافه بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي حاول وضع حد للانتهاكات. وكان السيسي تطرق إلى انتهاكات الشرطة، وتمت محاكمة عدد من عناصر الشرطة على خلفية مقتل معتقلين. وأشار تقرير المجلس إلى أن "الالتباس حول احتمالية مسؤولية جهات أمنية عن تعذيب الطالب الإيطالي جوليو ريجيني ومقتله، قد ساهم في استمرار ظاهرة التعذيب" في مصر.
من جانب آخر، قال المجلس إنه تلقى 296 شكوى عام 2015. وأكد التقرير أن "الكثير من الشكاوى ترتبط بانتهاكات يتم ارتكابها في السجون ومراكز الاحتجاز الأخرى، وأبرزها التعذيب والمعاملة القاسية (...)". ولفت إلى أن التعذيب "ما زال معتمدا إلى حد كبير"، ولا سيما في مراكز الاحتجاز الأولية، مشيرا إلى أن الاحتجاز الذي يسبق المحاكمة يشكل "عقوبة في حد ذاته". وأوضح التقرير أن مراكز الاعتقال ما قبل المحاكمة تستوعب أعدادا تفوق قدرتها بنحو 300 بالمائة، لافتا إلى أن المعتقلين "يتناوبون على النوم بسبب عدم وجود مساحة كافية".
لعنة ريجيني
وفي احدث فصول قضية الطالب الايطالي جوليو ريجيني تبنى مجلس الشيوخ الإيطالي نهاية حزيران يونيو قرارا بوقف تزويد مصر بقطع غيار لطائرات إف-16 الحربية احتجاجا على عدم تعاون السلطات المصرية في قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني الذي قتل في مصر مطلع العام الجاري ووجد على جثته آثار تعذيب.
وقد وافق مجلس الشيوخ الإيطالي اليوم الأربعاء على قرار بوقف تزويد مصر بقطع غيار لطائرات (إف-16) الحربية احتجاجا على مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني في وقت سابق هذا العام. واشتكت إيطاليا مرارا من عدم تعاون السلطات المصرية في البحث عمن وراء مقتل ريجيني (28 عاما) وسحبت روما في أبريل/نيسان الماضي سفيرها لدى مصر للتشاور.
لكن التصويت في مجلس الشيوخ الإيطالي يمثل أول خطوات تجارية ضد القاهرة. وصدر القرار بعد مناقشة حامية انتهت بتصويت 159 نائبا لصالح ما يعرف باسم "تعديل ريجيني" مقابل رفض 55.
ولم يشاهد ريجيني طالب الدراسات العليا الذي عكف على دراسة النقابات المهنية المصرية منذ 25 يناير/كانون الثاني الماضي. وعثر على جثته وبها آثار تعذيب على طريق سريع خارج القاهرة في الثالث من فبراير/شباط.
وقال نيكولا لاتوري عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء ماتيو رينزي إن التصويت كان يهدف لزيادة الضغط على مصر للمساعدة "على ظهور الحقيقة بسرعة أكبر" في قضية مقتل الطالب. وحذر النواب من أحزاب يمين الوسط من أن ذلك قد يضر بالعلاقات مع حليف في المعركة مع "الإرهاب".
وفي ردها على القرار قالت وزارة الخارجية المصرية إن مصر تابعت "بعدم ارتياح" قرار مجلس الشيوخ الإيطالي بوقف تزويدها بقطع غيار لطائرات حربية احتجاجا على مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني في وقت سابق هذا العام. وقالت الوزارة في بيان إن "مصر تابعت بعدم ارتياح القرار الصادر عن مجلس الشيوخ الإيطالي... وهو الأمر الذي لا يتسق مع حجم التعاون القائم بين سلطات التحقيق في البلدين منذ بداية الكشف عن الحادث والعلاقة الخاصة التي تجمع بين البلدين علي كافة المستويات."
وأضافت أنها كلفت السفير المصري في روما بنقل رسالة هامة إلى الجانب الإيطالي. وقال البيان إن "مصر سوف تراقب التطورات في هذا الشأن لاتخاذ القرار المناسب فيما يتعلق بأسلوب إدارة العلاقات المصرية/الإيطالية والذي تحرص علي استمرارها علي المستوي الذي يحقق مصالح الدولتين".