كاميرون.. من سيخلف الرئيس الذي قاد بريطانيا إلى الخروج من الاتحاد؟

عبد الامير رويح

2016-07-03 06:37

يتعين على بريطانيا التي تعيش اليوم حالة من عدم الاستقرار السياسي بعد تصويت الناخبين لصالح خروج المملكة من الاتحاد الاوربي، اختيار شخص جديد بدلا من رئيس الوزراء الحالي ديفيد كاميرون الذي مني بهزيمة قاسية اعلن بعدها عن استقالة من منصبه، وسيتحمل رئيس جديد للوزراء وكما تشير بعض المصادر، مسؤولية تنفيذ آلية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هذه القضية التي أثارت حالةً من الذعر في الأوساط المالية والسياسية الأوروبية والعالمية، وهدّدت بتداعياتٍ سياسية واقتصادية ومالية كبيرة على بريطانيا ثاني اقتصاد في القارة الأوروبية وخامس اقتصاد في العالم، ويعتبر ديفيد كاميرون (49 عاما) الخاسر الأكبر في استفتاء دعا إليه بنفسه وخاض من أجله حملة نشطة للدعوة إلى البقاء في الاتحاد الأوروبي، وقد أعلن استقالته موضحا أنه سيبقى في منصبه إلى حين تعيين خلف يترك له مهمة تنظيم الخروج من الاتحاد الأوروبي. وكان سقوط هذا السياسي البارع قاسيا بعدما فاز مرتين في الإنتخابات التشريعية في 2010 و2015.

ومهمة رئيس الوزراء المقبل ستكون صعبة ومعقدة حيث سيتحتم عليه أن يقود آلية الخروج من الاتحاد الأوروبي، عملا في مرحلة أولى بـ"بند الانسحاب" المنصوص عليه في معاهدة لشبونة، التي ترسي شروط انسحاب طوعي وآحادي من الاتحاد الأوروبي. وتبدأ عندها مرحلة من المفاوضات تفضي إلى اتفاق انسحاب، ويتحتم على بريطانيا والاتحاد الأوروبي تحديد شروط وكيفيات علاقاتهما الجديدة. وسيكون رئيس الوزراء مسؤولا بصورة عامة عن قيادة بلد يعاني انقساما عميقا حيال مسألة الخروج من الاتحاد الأوروبي، ويواجه بلبلة اقتصادية ومخاطر التفكك.

ويرى المراقبون ان قرار الانسحاب من الاتحاد الأوروبي ستعقبه تبعات سياسية قد تؤدي إلى تفكك وزوال المملكة المتحدة بشكلها الحالي، فقد طالب الحزب القومي الاسكتلندي عبر رئيسة الوزراء نيكولا ستيرجون، بإجراء استفتاء جديد حول استقلال اسكتلندا عن المملكة المتحدة في حال خروجها من الاتحاد الأوروبي، علما ان الغالبية العظمى في مدن اسكتلندا كانت قد صوتت لصالح تيار البقاء في الاتحاد، كما ان ويلز وايرلندا الشمالية قد تتبع اسكتلندا في هذه الخطوة مطالبة باستفتاء حول بقائها ضمن المملكة المتحدة أو استقلالها عنها.

كاميرون في آخر قمة

وفي هذا الشأن فقد صفت بأنها أشد مؤتمرات القمة إحراجا لديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني حين أجبر على ذكر الأخطاء التي دفعت بريطانيا للتصويت بالخروج من الاتحاد الأوروبي. لكن في بروكسل و أمام عدسات الكاميرات بدا كاميرون مطمئنا وأبدى مع غيره من الزعماء الأسف على ما حدث وظهر كشخص أجبر على الاستقالة ليقدم النصح من على الهامش بشأن سبل إصلاح العلاقة المنهارة.

وبالنسبة لغيره على مأدبة العشاء ضمن بروتوكول القمة أدبا رسميا ولم يشعر أي شخص بحاجة بتوجيه ركلة للرجل الذي كان منهزما بشكل واضح وقدم اعتذاراته. وقال أحد المشاركين إنها ربما كانت "مهذبة" أكثر من اللازم بالنظر إلى مدى الغضب الذي يجيش في صدور قادة الأعضاء السبع والعشرين الآخرين من مقامرته بالاستفتاء الذي أغرق أوروبا في اضطرابات دون أن يكون أمامها طريق واضح إلى الأمام. وقال دبلوماسي آخر "نال المديح حتى القبر". وقال دبلوماسي آخر باقتضاب إنه لم يتعرض للسباب لكن لم يحصل على هدية وداع مضيفا انه "تناول العشاء."

واعتذر كاميرون عن فشله في تحقيق الفوز الذي تمناه غيره من القادة بعدما غيروا ملامح معاهدات الاتحاد الأوروبي لمنحه اتفاقا بشأن كبح الهجرة إلى بريطانيا وهو اتفاق نادرا ما أشار إليه في حملة الاستفتاء. وبعدما تنازل عن منصبه عقب التصويت بخروج بريطانيا من الاتحاد جاء كاميرون إلى بروكسل بصفته زعيما انتقاليا في مسعى لمساعدة خلفه في المنصب في تحديد "شكل" مستقبل العلاقات البريطانية مع الاتحاد الأوروبي.

وقال دبلوماسيون إنه طمأن زعماء الاتحاد بأن رئيس الوزراء المقبل سيبدأ على وجه السرعة إجراءات الخروج رغم أن البعض فهم منه أنه لا يزال غير متأكد مما ستؤول إليه الأمور إذا فاز بوريس جونسون المؤيد للخروج بزعامة حزب المحافظين. وقال جونسون الذي يعي أن تفعيل المادة 50 من معاهدة الاتحاد الأوروبي تحدد عامين كحد أقصى للخروج إنه لا داع للتعجل في بدء العملية. بحسب رويترز.

وخلال قيام كاميرون بمصافحة المستشارة الألمانية انجيلا ميركل ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك وغيرهم بدا عليه الإحراج لبعض الوقت لكن مساعديه قالوا إنه كان مسرورا بحصوله على بعض "التفهم" بشأن استقالته.

السباق على الخلافة

الى جانب ذلك و بعد أيام على تصويت البريطانيين بغالبيتهم مع الخروج من الاتحاد الأوروبي، سينطلق رسميا السباق داخل حزب المحافظين لخلافة ديفيد كاميرون، بينما تتسع دائرة المعارضة لزعيم حزب العمال جيريمي كوربن ما يؤشر بأزمة حادة داخل الحزب. وأعلن وزير العمل ستيفن كراب ترشيحه رسميا. وينوي كراب المتحدر من أصول متواضعة والذي يؤيد البقاء في الاتحاد الأوروبي، "تلبية توقعات 17 مليون بريطاني صوتوا لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي"، كما جاء في مقالة نشرتها صحيفة "ديلي تلغراف".

لكن المرشحين الأوفر حظا هما وزيرة الداخلية تيريزا ماي التي تبدو مرشحة توافقية حتى لو أنها تلتزم الصمت حتى الآن، وزعيم فريق مؤيدي الخروج من الاتحاد الأوروبي بوريس جونسون (52 عاما)، الرئيس السابق لبلدية لندن. وقد فاجأت تيريزا ماي (59 عاما) التي تشكك في الاتحاد الأوروبي، البريطانيين بالإعلان عن انضمامها إلى الفريق المؤيد للبقاء في الاتحاد الأوروبي، عملا بقاعدة الانضباط الحكومي. لكنها حرصت على ألا تكون في الخطوط الأولى للحملة. ويقول عدد كبير من المحافظين أنها تشكل تسوية تتيح توحيد حزب شهد انقساما عميقا بين مؤيدي الخروج من الاتحاد الأوروبي ومؤيدي البقاء فيه. وجاء في استفتاء للرأي أعدته مؤسسة "يوغوف" أن تيريزا ماي تبدو الأوفر حظا (31%) أمام بوريس جونسون (24%) لدى المحافظين. وبعد إقفال باب الترشيحات، تتاح للنواب ثلاثة أسابيع لاختيار اسمين سيتقاسمان أصوات 150 ألف عضو في الحزب خلال الصيف. بحسب فرانس برس.

من جانب اخر أعلن جيريمي هانت وزير الصحة البريطاني أنّه يبحث بجدية احتمال ترشيح نفسه لخلافة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون في منصبه. وقال هانت الذي دعم حملة بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي لبرنامج (جود مورننج بريتن) على محطة (آي. تي. في) إنّه يدرس ما إذا كان سيسجل اسمه كمرشح لزعامة حزب المحافظين. وقال "أنا أدرس الأمر بجدية. ما أريد فعله هو أن أنقل الجدل إلى شكل بريطانيا التي نريدها خارج الاتحاد الأوروبي. هذا تغيير كبير للغاية وإذا أدرناه بالطريقة الصحيحة يمكننا أن ننجح."

وقال هانت إن بريطانيا يجب أن تظل جزءا من السوق الموحدة وكتب في مقال لصحيفة (دايلي تليجراف) البريطانية إن بريطانيا قد تجري استفتاء ثانيا على عضويتها في الاتحاد الأوروبي إذا تمكنت من إبرام اتفاق مع الاتحاد الأوروبي يسمح لها بالسيطرة الكاملة على حدودها. وقال هانت "لا أقول إننا يجب أن نجري استفتاء ثانيا بخصوص البقاء في الاتحاد الأوروبي. نحن سنخرج من الاتحاد ... ولكن بعد التفاوض على شروط الخروج اعتقد أنه يجب أن يكون للشعب رأي في هذه الشروط."

وقال هانت إنّه يجب منح رئيس الوزراء الذي سيخلف كاميرون فرصة للتفاوض مع بروكسل قبل بدء مهلة العامين منذ إبلاغ بريطانيا الاتحاد بخروجها رسميا حتى يتمكن من طرح أي اتفاقية بشأن الهجرة للاستفتاء على البريطانيين. وقال هانت "قبل أن تبدأ الساعة بالعد يجب أن نتفاوض على اتفاقية ونعرضها على البريطانيين سواء في استفتاء أو عبر انتخابات عامة جديدة وتفويض جديد للمحافظين."

اسماء اخرى

على صعيد متصل قال وزير العدل البريطاني مايكل جوف أحد أبرز من نادوا بانفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي إنه سيرشح نفسه لرئاسة الوزراء ليدخل بذلك السباق ويؤثر على فرص فوز حليفه بوريس جونسون رئيس بلدية لندن السابق. وكان جوف الصديق المقرب من كاميرون قد قال من قبل إنه سيؤيد جونسون لكنه قال في تعليق نشر بمجلة سبكتيتور إنه توصل رغما عنه إلى استنتاج أنه ليس بوسع بوريس أن يتولى دور القيادة أو يعمل على بناء الفريق استعدادا للمهمة التالية.

وسيضر التحول الكبير في موقفه بفرص جونسون الذي نجح في توسيع نطاق شعبيته بين أعضاء حزب المحافظين بصفته رئيسا لبلدية لندن وإن كان كثيرون من النواب والحزب الحاكم ينظرون إليه بقلق. وكتب جوف يقول "إذا كان لنا أن نستفيد من أغلب الفرص فنحن بحاجة للانفصال الجريء عن الماضي." وينضم جوف إلى ماي وعضو آخر على الأقل من حزب المحافظين في السباق على شغل مكان رئيس الوزراء كاميرون الذي استقال بعد إعلان نتيجة الاستفتاء الأمر الذي كشف عن صدوع عميقة في البلاد.

كما يواجه حزب العمال المعارض معركة محتملة على مقعد القيادة وذلك بعد أن وافق نوابه على سحب الثقة من زعيمه اليساري جيريمي كوربين. ولم يفعل فراغ السلطة شيئا يذكر لطمأنة الأسواق المتوترة والناخبين الذين يتزايد غضبهم من إمكانية ازدهار البلاد خارج الاتحاد الأوروبي دون الاعتماد على أحد. وقال حزب المحافظين الحاكم إنه سيختار زعيما جديدا ليتولى رئاسة الوزراء بحلول التاسع من يوليو تموز وإنه يتحرك بأسرع ما يمكن. وسيقلص أعضاء البرلمان من المحافظين المتسابقين إلى اثنين فقط ثم يختار أعضاء الحزب واحدا منهما من خلال التصويت. بحسب رويترز.

وقد أطلقت بعض وسائل الإعلام على ماي عبارة "أي مرشح إلا بوريس". وفي مقال بصحيفة التايمز توجهت ماي إلى الطبقات العاملة التي صوت عدد كبير من أفرادها لصالح الانفصال عن الاتحاد الأوروبي احتجاجا على النخبة السياسية التي يقولون إنها فشلت في حمايتهم من تزايد المنافسة. كما قالت إن قرار الناخبين له أهميته. وأضافت في مؤتمر صحفي "الخروج يعني الخروج." كما أعلن ستيفن كراب وزير شؤون مجلس الوزراء المسؤول عن معاشات التقاعد والرعاية الاجتماعية ترشيح نفسه ووصف نفسه بأنه من طبقة العمال. وقال ليام فوكس وزير الدفاع السابق الذي أيد انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي إنه سيرشح نفسه أيضا.

الى جانب ذلك اعلن بوريس جونسون رئيس بلدية لندن السابق الذي قاد حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي تخليه عن خوض السباق لخلافة رئيس الوزراء المحافظ ديفيد كاميرون. وبعد ان عدد المهام التي تنتظر الرئيس المقبل للحكومة البريطانية، قال جونسون في تصريحات لصحافيين في لندن "بعدما شاورت زملائي ونظرا للظروف في البرلمان، توصلت الى ان هذا الشخص لا يمكن ان يكون انا".

وقبل ذلك، عدد المهام التي تنتظر رئيس الوزراء المقبل بما فيها التقريب بين المعسكرين المؤيد والمعارض للانسحاب من الاتحاد الاوروبي. واضاف "دوري سيكون تقديم كل الدعم الممكن الى الادارة المحافظة المقبلة". وبقيادته حملة مؤيدي الخروج من الاتحاد الاوروبي، كسب جونسون رهانا كبيرا وبدا الى جانب وزيرة الداخلية تيريزا ماي، المرشح الاوفر حظا لخلافة كاميرون في رئاسة الحكومة، وان كان يواجه اتهامات بسوء الاعداد لهذه الخطوة منذ الاعلان عن نتيجة الاستفتاء. وقدمت خمس شخصيات ترشيحها لمنصب رئيس الحكومة بينها تيريزا ماي ووزير العدل مايكل غوف الذي خاض الحملة المؤيدة لمغادرة الاتحاد، وبدا ترشحه بمثابة صفعة لجونسون.

من جهة اخرى استبعد وزير المالية البريطاني جورج أوزبورن نفسه من المنافسة على خلافة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون متعللا بدعوته القوية للبقاء في الاتحاد الأوروبي. وتتعرض الحكومة لضغوط لملء الفراغ الذي تركه إعلان كاميرون أنه سيستقيل بحلول أكتوبر تشرين الأول بعد أن تجاهلت بريطانيا نصائحه وصوتت لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. وكتب أوزبورن في صحيفة تايمز يقول "ليس من طبيعتي أن أفعل أشياء بغير حسم. بذلت كل ما بوسعي في حملة الاستفتاء. آمنت بهذه القضية وسعيت جهدا من أجل ذلك." وأضاف "في حين أقبل تماما نتيجة ذلك فإنني لست الشخص الذي يوفر الوحدة التي يحتاج إليها حزبي في هذا الوقت."

قصة كاميرون

مهما أنجز ديفيد كاميرون خلال السنوات الست التي قضاها في السلطة، إلا أن ذكره سيقترن أبدا بوصفه رئيس الوزراء الذي قاد بريطانيا إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي. إنها سمة غريبة على زعيم سياسي تعهد مرة بوقف حزبه عن "التساؤل المستمر بشأن أوروبا"، كما إنها ليست الطريقة التي كان يرغب أن يغادر (مسرح) التاريخ فيها. لقد قاد كاميرون حزب المحافظين نحو 11 عاما، وأعادهم إلى السلطة بعد أكثر من عقد من الجدب السياسي. (ستانلي بالدوين، والليدي تاتشر والسير وينستون تشرشل هم فقط من قضوا فترة اطول في هذا الموقع في الأزمنة الحديثة).

عندما اندفع إلى مقدمة المشهد في عام 2005، بازا منافسين مشهورين في الوصول إلى قيادة الحزب، أراد كاميرون أن ينظر إليه بوصفه نوعا جديدا من السياسي المحافظ، الشاب، الليبرالي الذهن والمهتم بالشأن الاجتماعي، وفوق كل ذلك الحديث (في توجهه). ولن يكون ثمة مكان في حزب كاميرون المحافظ لمناقشات تسمم الاجواء بشأن الاتحاد الأوروبي كتلك التي وضعت الحزب على شفا التفكك تحت قيادة زعماء سابقين.

وكان كاميرون، بوصفه براغماتيا بطريقته الخاصة، يزعم أنه يشك في الأيديولوجيا، قادرا دائما على تشذيب موقفه ليناسب الأزمنة المختلفة. وقد أهلته تلك المرونة للتحالف مع خصومه السياسيين، وبشكل خاص مع زعيم حزب الديمقراطيين الليبراليين نك كليغ، في أول تحالف حكومي منذ الحرب، كما تشارك لاحقا في الوقوف على منصات مع شخصيات عمالية خلال حملة الاستفتاء.

بيد أن هذه الخاصية هي ما ولدت شكا، وعدوانية صريحة، في النهاية، بين زملائه من المحافظين الخالصين أيديولوجيا، الذين تساءلوا عما يدافع عنه، إن كان ثمة ما يدافع عنه. كما أصبحت خلفيته الثرية (وجاهته) مصدرا آخر للضغينة لدى البعض في حزبه، ممن يفضلون أن يكون قادتهم قد تعلموا في مدارس القواعد (مدارس حكومية للمتميزين)، ومن العصاميين الذين بنوا أنفسهم من أمثال تاتشر وميجور.

وكان كاميرون أول زعيم محافظ منذ مطلع الستينيات درس في مدرسة إيتون، أحدى أغلى المدارس الخاصة في بريطانيا أجورا، ويمكن تتبع تحدر أسلافه الى وليم الرابع، ما يجعله قريبا عن بعد للملكة. ولم يخف كاميرون خلفية وجاهته قائلا إنه يتمنى أن يتمتع كل فرد في بريطانيا بالفوائد التي حظي بها في حياته. وقد وصف كاميرون نفسه في ديسمبر/كانون الاول 2005 قائلا "أنا رجل عملي وبراغماتي، أعرف أين أريد الوصول، ولكنني لا ألتزم ايديولوجيا بمنهج واحد محدد ". وقال أيضا في آب/أغسطس 2008، "سأكون مصلحا اجتماعا جذريا كما كانت تاتشر مصلحة اقتصادية".

وقبل أن يلتحق بجامعة اوكسفورد لدراسة الفلسفة والسياسة والاقتصاد، أخذ كاميرون إجازة عام، عمل فيها أوليا في مكتب النائب المحافظ عن سيسكس تيم راثبون، قبل أن يقضي ثلاثة شهور في هونغ كونغ يعمل فيها وكيلا للنقل البحري، ثم عاد من هناك بالقطار عبر الاتحاد السوفياتي السابق وأوروبا الشرقية. وفي أوكسفورد، تجنب كاميرون الانخراط في العمل السياسي الطلابي لأنه بحسب أحد اصدقائه في هذه المرحلة ، ستيف راثبون، "أراد أن يقضي وقتا ممتعا".

وقد كان يتهرب باستمرار من الإجابة عن سؤال: هل تعاطى المخدرات في الجامعة خلال تلك المرحلة، بيد أنه لم يترك أبدا انشطته (اللاصفية) الخارجية تؤثر على دراسته. ووصفه مرشده في أوكسفورد، البروفسور فيرنون بوغدانور بأنه "واحد من أبرع الطلبة " الذين درسهم، وأن افكاره السياسية كانت افكارا "محافظة معتدلة ومعقولة". وبعد حصوله على شهادته بامتياز، فكر لبرهة في العمل الصحافة أو القطاع المصرفي، قبل أن يرى إعلانا عن عمل في دائرة البحوث التابعة لحزب المحافظين.

وتفيد تقارير أن مكتب إدارة حزب المحافظين تلقى اتصالا هاتفيا في صباح اليوم الذي أجرى فيه مقابلة التقدم للعمل في يونيو/حزيران 1988، من شخص لم يذكر اسمه من قصر بكنغهام، قال "فهمت أنكم تقابلون ديفيد كاميرون". وأضاف المتحدث "حاولت كل ما باستطاعتي لثنيه عن تضييع وقته في السياسة لكنني فشلت. أتصل بكم لأقول لكم إنكم ستقابلون شابا مميزا فعلا".

وكباحث، بدا كاميرون مجتهدا ولامعا. وعمل مع من سيصبح في المستقبل وزير الداخلية في حكومة الظل، ديفيد ديفز، في فريق تقديم المعلومات لجون ميجور عن الأسئلة التي توجه لرئيس الوزراء في البرلمان، كما ترافق مع جورج اوزبورن، الذي سيصبح لاحقا وزير ماليته وأقرب حليف سياسي له.

وقد اختاره لاحقا وزير المالية نورمان لامونت مستشارا سياسيا له، وكان إلى جانبه عندما حدث ما عرف بيوم الأربعاء الأسود، الذي انهار فيه سعر صرف الجنيه الاسترليني بسبب آليات معدلات الصيرفة الأوروبية. وبحلول مطلع التسعينيات، قرر كاميرون السعي لنيل منصب رئيس الوزراء بنفسه، لكنه كان عارفا أن من الضروري له أن يحصل على خبرة خارج السياسة ايضا.

لذا انتقل إلى العمل في العلاقات العامة مع شركة كارلتون في تلفزيون (آي تي في)، بعد فترة قصيرة من العمل مستشارا لوزير الداخلية لاحقا مايكل هوارد.

وفي عام 1996 تزوج كاميرون من سامنثا، ابنة السير ريجنالد شيفيلد، البارون الثامن، وكانت تعمل مديرة فنية في شركة القرطاسية الراقية، سميثسون، في بوند ستريت. وقدم عرّفته عليها شقيقته كلير، التي كانت صديقتها المقربة في حفلة في بيت عائلة كاميرون. وخلف الزوجان ثلاثة اطفال، هم نانسي وآرثر وفلورانس، التي ولدت بعد فترة قصيرة من انتقال العائلة إلى داوننغ ستريت. بحسب بي بي سي.

وعند دخوله البرلمان في عام 2001 ، تدرج كاميرون بسرعة بالرتب البرلمانية، وعمل في البداية في لجنة الشؤون الداخلية، التي اوصت بتخفيف القوانين بشأن المواد المخدرة. ولكن قلة منحته الفرصة في البداية عند دخوله في سباق التنافس لخلافة مايكل هوارد في زعامة الحزب في عام 2005 . وجاء تسلسله حينها رابعا بعد كين كلارك ووليام فوكس والمرشح المتقدم ديفيد ديفز.

وفي موسم حملة الانتخابات العامة في 2010 ، لاحظ كاميرون أن العديد من الأصوات المؤيدة له قد تبخر إثر ارتفاع نجم زعيم الديمقراطيين الليبراليين نك كليغ، وهو رجل من خلفية مشابهة وله ذات السلوك الحسن والجذاب. وفي سن 43، بات كاميرون أصغر رئيس وزراء منذ روبرت بانكس جينكينسون، ايرل ليفربول الثاني في عام 1812، وكان أصغر بستة أشهر من توني بلير عند دخوله داوننغ ستريت في عام 1997.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا