في سوريا.. صراع الكبار قبل خط النهاية
مسلم عباس
2016-06-23 04:26
تطرق الازمة السورية ابواب عامها السادس، ولم يطرق الحل ابواب دمشق حتى الان، وكل ما يتحدث عنه المتحاربون من هدنة بين فترة واخرى ما هو الا اعادة تموضع في خنادق الصراع العسكرية وحتى الايدلوجية، وبينما تخوض الاطراف الاقليمية ووكلائها حربا طاحنة تنتقل القضية السوية شيئا فشيئا الى اللاعبين الدوليين لتتحول الى صراع على النفوذ واثبات العظمة بين روسيا والولايات المتحدة الامريكية.
روسيا والولايات المتحدة اتفقتا على ضرورة تنسيق أفضل في سوريا بما يخدم تفادي وقوع حوادث عسكرية عرضية هناك. بحسب ما اعلنت وزارة الدفاع الروسية الأحد 19 يونيو/حزيران. وذكرت الوزارة، أن مسؤولين عسكريين من البلدين قد توصلوا إلى الاتفاق بهذا الصدد، خلال اجتماع عقدوه عبر جسر تلفزيوني.
اللواء إيغور كوناشينكوف المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية، وفي تعليق بهذا الصدد قال: "بطلب من الجانب الأمريكي، عقد الجانبان في الـ18 من حزيران/يونيو الجاري اجتماعا عبر الفيديو حضره لفيف من الخبراء التابعين لوزارتي الدفاع الروسية والأمريكية، بحثوا فيه سبل تنفيذ بنود مذكرة التعاون المبرمة بين موسكو وواشنطن في الـ20 تشرين من تشرين الأول/أكتوبر 2015 لتفادي الحوادث العرضية في سوريا وضمان تحليق آمن للطيران الحربي خلال العمليات الجوية هناك".
وزارة الدفاع الأمريكية من جهتها، كشفت السبت (16يونيو/حزيران 2016) عن أنها "بعثت للجانب الروسي بخطاب استفسرت فيه عن الضربات الجوية الروسية التي استهدفت قوات المعارضة السورية المدعومة من واشنطن الأسبوع الماضي"، مشيرة إلى أن خطاباها لم يلق آذانا صاغية لدى موسكو التي لم تستجب كذلك للنداءات الأمريكية بهذا الشأن.
أما وزارة الدفاع الروسية، فقد أعلنت في اليوم التالي لما كشف عنه البنتاغون، أن الأهداف التي طالها القصف الروسي في سوريا، إنما كانت تقع على مسافة تزيد عن 300 كم خارج نطاق نشاط فصائل المعارضة السورية المسلحة، وأكدت على لسان المتحدث الرسمي باسمها أن "الهدف الذي تعرض للقصف، كان على مسافة 300 كم عن الأراضي التي أدرجها الجانب الأمريكي في حيز نشاط المعارضة المنخرطة في نظام وقف إطلاق النار والهدنة".
كما أكدت وزارة الدفاع الروسية كذلك، أنها ما انفكت تناشد الجانب الأمريكي طيلة أشهر، صياغة خارطة مشتركة تشمل مناطق نشاط فصائل المعارضة السورية، دون أن تحرك واشنطن ساكنا على هذا الصعيد حتى الآن.
هل تتغير سياسة امريكا في سوريا؟
سعت الإدارة الأمريكية لاحتواء تداعيات مذكرة داخلية مسربة حملت انتقادات لسياستها حيال سوريا لكنها في الوقت نفسه لم تظهر أي استعداد لبحث فكرة غارات جوية ضد الجيش السوري طالب بشنها عشرات الدبلوماسيين الأمريكيين الذين وقعوا على المذكرة.
وبحسب وكالة رويترز قال عدد من المسؤولين الأمريكيين إنهم لا يتوقعون من إدارة الرئيس باراك أوباما تغييرا في السياسة الخاصة بسوريا خلال الأشهر السبعة المتبقية من رئاسته رغم تمسكها بالاستماع لوجهات نظر دبلوماسيين معارضين. وقال مسؤول بارز إن ما سيحسم إن كانت هذه المقترحات ستدرس على مستوى رفيع هو "اتساقها مع نوايانا بعدم وجود حل عسكري للصراع في سوريا."
وسلطت الوثيقة التي أرسلت عبر "قناة المعارضين" بوزارة الخارجية الأمريكية- وهي وسيلة للتعبير عن الآراء المعارضة على أن تبقى سرية- الأضواء على خلافات وخيبة أمل قائمة منذ وقت طويل بين مساعدي أوباما بسبب طريقته في التعامل مع الحرب الأهلية السورية.
واستندت سياسة أوباما حيال سوريا إلى الهدف المتمثل في تجنب مشاركة عسكرية أعمق في مناطق الفوضى بالشرق الأوسط وهي سياسة قوبلت بانتقادات تصفها بالتردد وتجنب المخاطر. واتهم أوباما بالتقصير في التدخل على التركيز على قتال تنظيم داعش الذي سيطر على مساحات واسعة من سوريا والعراق وألهم متعاطفين معه لتنفيذ هجمات داخل الولايات المتحدة.
وبحسب تقرير لوكالة رويترز تطالب مسودة من البرقية وعليها توقيع 51 من مسؤولي الخارجية الأمريكية "بشن غارات عسكرية موجهة" ضد حكومة الرئيس السوري بشار الأسد من أجل وقف انتهاكاتها المستمرة لاتفاق وقف إطلاق النار مع فصائل المعارضة المسلحة التي تدعمها الولايات المتحدة وهو اتفاق تتجاهله سوريا وحليفتها روسيا بدرجة كبيرة. وعارضت إدارة أوباما ذلك لفترة طويلة.
وقال إد رويس رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب المنتمي للحزب الجمهوري "حتى وزارة الخارجية في إدارة أوباما نفسها تعتقد أن سياسة الإدارة الأمريكية حيال سوريا تفشل." وأضاف "إيران وروسيا والأسد هم الذين يحركون الأوضاع في سوريا متجاهلين وقف إطلاق النار وسامحين للأسد بمواصلة جرائم الحرب ضد شعبه."
وفيما وصفها مسؤولون آخرون بأنها محاولة للحد من الأضرار التي سببتها سياسات الرئيس قال مسؤول أمريكي بارز إن من الطبيعي "في قضية معقدة كالأزمة السورية أن تكون لدينا آراء متعددة وهذا الخطاب يعكس ذلك." وقالت جين فريدمان المتحدثة باسم البيت الأبيض إن أوباما منفتح على إجراء "مناقشات حامية" بشأن سوريا لكنها أصرت على أن المداولات الخاصة بفريق أوباما للأمن القومي بحثت مجموعة من الخيارات بعمق بالفعل.
وقال مسؤول أمريكي بارز سابق إن الكشف غير المصرح به لبرقية سرية من هذا النوع "يضر بالثقة بين الرئيس ومن يساعدونه." لكن من سربوا المذكرة ربما كانوا ينظرون إلى ما بعد عهد أوباما. وعلى سبيل المثال فالمرشحة المحتملة للحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة هيلاري كلينتون كانت من مساعدي أوباما البارزين الذين حثوه على اتخاذ موقف عسكري أكثر صرامة ضد الأسد في مرحلة مبكرة من الصراع السوري.
خط احمر
في المقابل لفت مسؤولون أمريكيون آخرون الأنظار إلى خلو البرقية من توقيع أي مسؤول بارز بالخارجية الأمريكية كوكلاء الوزارة أو مساعديهم أو السفراء. ودائما بحسب وكالة رويترز وقال وزير الخارجية جون كيري الذي يزور الدنمرك للصحفيين "هذا بيان مهم وأحترم هذه العملية جدا جدا.. ستتاح لي فرصة للقاء هؤلاء الأشخاص حين أعود (إلى واشنطن)." وضغط كيري نفسه دون أن يحالفه التوفيق على أوباما لاتخاذ موقف أكثر صرامة ضد الأسد.
وقال مسؤول بارز طلب عدم نشر اسمه إن الخطاب موجه لكيري وبالتالي سيكون عليه التعامل معه وسيكون له القرار بشأن "رفعه" لأوباما ومستشاريه البارزين. ولم تتوقف المعارضة الداخلية على الأقل منذ فاجأ أوباما كيري في أغسطس آب 2013- وكذلك وزير الدفاع آنذاك تشاك هاجل ومساعدين بارزين آخرين- بالتراجع عن شن غارات جوية كان قد تعهد بها إذا تجاوزت قوات الأسد "خطا أحمر" ضد استخدام الأسلحة الكيميائية. وقبل ذلك بتسعة أيام قتل هجوم بغاز السارين ما يصل إلى 1400 سوري.
وقال مسؤول سابق بوزارة الدفاع شارك في وضع السياسة الخاصة بسوريا "ذلك القرار دمر أي مصداقية للإدارة لدى روسيا أو إيران أو الأسد نفسه." وقال مسؤول أمريكي لم يوقع على البرقية لكنه قرأها لرويترز إن البيت الأبيض لا يزال على معارضته لمشاركة أمريكية أعمق في سوريا. وأضاف المسؤول أن البرقية لن تغير ذلك الأرجح ولن تخرج أوباما عن تركيزه على التهديد الذي يمثله تنظيم داعش.
وأقر مساعدو أوباما في أحاديث خاصة بأنه حتى لو قرر الرئيس اتخاذ موقف أكثر حزما ضد الأسد فإنها ستصبح عملية أكثر خطورة الآن بالنظر لوجود القوات الروسية خاصة طائراتها الحربية التي تعمل الآن بشكل مباشر على دعم الأسد. ومن شأن مثل هذه الغارات أن تضع الولايات المتحدة في صدام مباشر مع روسيا. وفي الوقت الراهن فقد أصبح موقف الأسد أقوى.
رفض روسي
من جانبها روسيا بالدعوة التي وجهها نحو خمسين دبلوماسيا اميركيا "منشقين" من اجل شن ضربات عسكرية ضد النظام السوري، مشددة على ان مثل هذه الدعوة تتعارض مع قرارات مجلس الامن الدولي حول سوريا.
واعلن نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف "هناك قرارات صادرة عن مجلس الامن الدولي لا بد من احترامها"، بحسب ما نقلت عنه وكالة انترفاكس.وشدد بوغدانوف على ان هذه المبادرة "لا تتلاءم مع القرارات، علينا خوض مفاوضات والسعي نحو حل سياسي".
من جهتها، اعربت وزارة الدفاع الروسية عن "قلقها" ازاء دعوة الدبلوماسيين الاميركيين. وصرح المتحدث باسم الوزارة ايغور كوناشنكوف في بيان "لو كان هناك ذرة حقيقة واحدة في هذه المعلومات على الاقل، فان هذا الامر لا يمكن سوى ان يثير قلق اي شخص عاقل".
اتهامات امريكية
من جانب اخر قال مسؤول عسكري أمريكي كبير إن روسيا نفذت ضربات جوية في جنوب سوريا ضد معارضين يقاتلون تنظيم داعش منهم قوات تدعمها الولايات المتحدة، بحسب وكالة رويترز. ووجه المسؤول الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته انتقادات قوية للضربات الروسية قرب التنف موضحا أنه لم يكن هناك أي وجود لقوات برية روسية أو سورية في المنطقة وقت القصف مما يستبعد فعليا ذريعة الدفاع عن النفس.
وقال المسؤول "الأفعال الأخيرة لروسيا تثير قلقا كبيرا بشأن النوايا الروسية." وأضاف "سنطلب تفسيرا من روسيا عن السبب الذي دفعها للقيام بهذا الفعل وسنطلب تأكيدات بأن هذا الأمر لن يتكرر مرة أخرى."
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن طائرات حربية قصفت اجتماعا لقوات تدعمها الولايات المتحدة وتحارب داعش في قرية التنف قرب معبر التنف الحدودي مع العراق مما أدى إلى مقتل اثنين من المقاتلين وإصابة أربعة. وأضاف المرصد أنه لم يتضح جنسية الطائرات التي نفذت الهجوم.
ودأبت واشنطن على رفض التعاون مع روسيا في سوريا ضد تنظيم داعش منذ أن شنت موسكو حملتها الجوية في سبتمبر أيلول العام الماضي متهمة روسيا بالتصرف بشكل منفرد لدعم الرئيس السوري بشار الأسد.
مقترحات لا اساس لها
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال إنه يتفق مع مقترحات أمريكية بإشراك أطراف من المعارضة في الحكومة السورية الحالية قائلا إن الرئيس بشار الأسد يرى أن هناك حاجة لعملية سياسية. وتمثل هذه التصريحات تقدما في الموقف الروسي بشأن الأزمة السورية. كما تأتي بعد بيان من مبعوث الأمم المتحدة ستافان دي ميستورا الذي حذر في وقت سابق من هذا الشهر من أن إجراء جولة جديدة من محادثات السلام مشروط باتفاق المسؤولين من كل الأطراف على معايير اتفاق للانتقال السياسي قبل مهلة تنتهي في الأول من أغسطس آب.
وقال بوتين لمنتدى سان بطرسبرج الاقتصادي الدولي الذي يعقد سنويا "الاقتراح الأمريكي مقبول بكل تأكيد. يجب أن نبحث إمكانية إشراك ممثلين عن المعارضة في نظام الحكم... على سبيل المثال في الحكومة. ويجب أن نفكر في الحقوق التي ستكون مكفولة للحكومة. لكن في هذه النقطة يجب ألا نذهب بعيدا. يجب أن نتصرف وفقا للحقائق الموجودة اليوم."
وأضاف بوتين أن الأهم بالنسبة لسوريا ليس أن يبسط الأسد سيطرته على كل الأراضي كما تعهد وإنما استعادة الثقة في السلطات. وقال إن سوريا ستنهار لا محالة إذا استمرت الأمور على ما هي عليه مشيرا إلى أن هذا سيكون السيناريو الأسوأ.
في الطرف الاخر نفى مسؤول أمريكي ما صدر عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قائلا إن الولايات المتحدة لم تقترح ضم أفراد من المعارضة السورية في حكومة الرئيس بشار الأسد. وقال المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه "لا يوجد مثل هذا المقترح" مضيفا أن موقف الولايات المتحدة من رحيل الأسد لم يتغير. وأشار المسؤول إلى أن بيان جنيف 2012 يدعو لتشكيل "هيئة حكم انتقالية يتفق عليها الطرفان وبصلاحيات تنفيذية" وهو ما تفسره واشنطن بوجوب تنحي الأسد عن السلطة لأن المعارضة لن تقبل أبدا ببقائه.
وحتى الآن لا يوجد على ما يبدو حل للخلاف الأمريكي الروسي القائم بشأن بقاء الأسد في السلطة أو رحيله. وعلى مدى خمس سنوات تقول الولايات المتحدة إن الأسد فقد شرعيته لحكم سوريا بسبب ما سببته قواته من معاناة للمدنيين السوريين في حين تشكك روسيا فيمن قد يخلفه وتجادل بأن الفوضى قد تكون أسوأ.