أنسنة كرة القدم في عصر العنصرية

عبد الامير رويح

2016-06-06 12:30

تعد لعبة كرة القدم واحدة من اهم الالعاب العالمية، فهي العبة الوحيدة التي استطاعت وبحسب بعض الخبراء كسر الحواجز والحدود وتحقيق الكثير من المنجزات، التي عجزت عن تحقيقها القوى العظمى بكل ما تمتلك من امكانات وقدرات، حيث اثبتت الاحداث الاخيرة التي شهدها العالم من عنف واعمال ارهابية طالت عشاق ومحبي كرة القدم ان هذه اللعبة الانسانية التي اصبحت الاساس الذي يوحد الجميع في الشرق والغرب، في وقت يسعى فيه بعض الساسة والاعلاميين ومن خلال خطابهم التحريضي الى بث سموم التفرقة والطائفية من اجل تحقيق منافع ومكتسبات خاصة، وعلى الرغم مما تقدم فان هذه وكما يرى بعض المراقبين تعاني ايضا مشكلات كثيرة وازمات مستمرة، وفيما يخص بعض اخبار كرة القدم فقد اتهم اللاعب الدولي الفرنسي السابق إريك كانتونا، مدرب منتخب فرنسا لكرة القدم حاليا ديدييه ديشان بالعنصرية في اختيار اللاعبين للمشاركة في كأس أوروبا 2016 التي تستضيفها فرنسا من 10 حزيران/يونيو حتى 10 تموز/يوليو، لاستبعاده اللاعبين كريم بنزيمة وحاتم بن عرفة "بسبب أصولهما الأفريقية". وجاء اتهام كانتونا لديشان لعدم استدعاء الأخير اللاعبين كريم بنزيمة وحاتم بن عرفة "بسبب أصولهما الأفريقية".

وقال كانتونا في تصريح لصحيفة "ذي غارديان" البريطانية "أمر واحد مؤكد، بنزيمة وبن عرفة هما من أفضل اللاعبين في فرنسا ولن يشاركا في كأس أوروبا، وبالتأكيد هما من شمال أفريقيا، لذلك، فإن النقاش مفتوح". وتابع "بنزيمة وبن عرفة لاعبان رائعان". وأضاف كانتونا (50 عاما) أسطورة مانشستر يونايتد سابقا "لست مندهشا من أن ديشان استغل حالة بنزيمة لعدم ضمه، خصوصا بعد أن قال فالس (مانويل فالس رئيس الحكومة الفرنسية) أنه يجب عدم استدعائه إلى التشكيلة. وبن عرفة هو ربما يكون أفضل لاعب في فرنسا حاليا، ولكنهما من أصول معينة، وأسمح لنفسي بالتفكير بذلك".

وخاض كانتونا 45 مباراة مع منتخب فرنسا بين 1987 و1995، واعتزل في 1997، وتزوج في 2007 من الممثلة الفرنسية-الجزائرية رشيدة براكني، ولم تكن علاقته جيدة مع ديشان. وكان مدرب منتخب فرنسا لكرة القدم ديدييه ديشان قد أعلن قائمة من 23 لاعبا لخوض كأس أوروبا 2016. واستبعد ديشان من القائمة الأولية لاعبي نيس حاتم بن عرفة وليون ماتيو فالبوينا. ويغيب عن قائمة ديشان، الذي تستضيف بلاده البطولة الأوروبية، اثنين من الأعمدة هما مهاجم ريال مدريد الإسباني كريم بنزيمة لاتهامه بابتزاز فالبوينا في شريط جنسي، ومدافع ليفربول الإنكليزي مامادو ساخو لمخالفته قانون الكشف عن المنشطات. وأعلن ديشان تشكيلة أساسية من 23 لاعبا مع 8 احتياطيين كما فعل في مونديال 2014 في البرازيل (7 احتياطيين يومها).

مشجعو الريال في العراق

الى جانب ذلك وعلى وقع نهائي دوري ابطال اوروبا، استذكر المئات من انصار واعضاء رابطة ريال مدريد في ليلة حزينة زملاءهم واصدقاءهم الذين سقطوا بهجوم مسلح قامت به مجموعة ارهابية استهدفت فيه مقهى تتخذ منه رابطة انصار الفريق الملكي مقرا لها في الثالث عشر من ايار/مايو. وما بين مشاعر الحزن والاسى ومشاعر الترقب بفوز فريقهم الملكي، تجمع المئات من انصار ريال مدريد لإقامة حفل تأبيني في مدينة بلد (80 كلم شمال بغداد) جاء متزامنا مع اقامة المباراة النهائية لدوري الابطال مع اتلتيكو مدريد حيث تابع هذه المواجهة ما يقارب من اربعمئة مشجع للريال.

على واجهة المقهى علقت صورة كبيرة للفريق الملكي كتب عليها "سنحكي لأولادنا .. سنخبرهم انكم وقفتم حزنا على شهداء مدينة بلد"، والى جانب هذه الصورة وضعت صور الضحايا من عشاق وانصار الريال الذين سقطوا اثناء الهجوم على المقهى بعد ما كانوا يتابعون مباراة ريال مدريد وبرشلونة ضمن الدوري الاسباني. في داخل المقهى حيث نصبت خمس شاشات كبيرة لمتابعة المباراة، علقت على الجدران صورتان كبيرتان لنجم الريال السابق ومدربه الحالي زين الدين زيدان، وكذلك صور تجسد شعار النادي الملكي توسطتها عبارة "فخامة الاسم تكفي".

واثناء حفل التأبين، تحدث نائب محافظ صلاح الدين عمار حكمت قائلا "في هذه اللحظات الحزينة نستذكر ثلة من الشباب كانوا يبحثون في هذا المكان عن وقت للراحة لكن يد الغدر كانت حاضرة، هذا الحادث سيدفعنا لمواجهة الارهاب. رئيس رابطة مشجعي ريال مدريد في مدينة بلد قاسم زناد قال "هذا المكان يجتمع فيه الشباب من مختلف الاطياف لكن هذا لا يروق للإرهابيين واعداء الانسانية، سنبقى نتذكر اصدقاءنا الذين فقدناهم بسبب الحادث الارهابي، واليوم نجتمع ثانية وهذه رسالة تتحدث عن استمرارية الحياة ولن يتمكن الارهابيون ايقافها".

واضاف "في هذه اللحظات القاسية لا بد ان نتذكر ايضا الوقفة التضامنية التاريخية لإدارة النادي الملكي ورابطة الدوري الاسباني عندما عبروا عن حزنهم وتضامنهم مع اسر الضحايا واصدقائهم وهذا خفف كثيرا من معاناة عوائلهم". يذكر ان مجموعة مسلحة كانت ترتدي زيا عسكريا حسب شهود كانوا في المقهى قامت بفتح نيران اسلحة رشاشة على رواده واقعوا 18 قتيلا وعددا من الجرحى. وما تزال اثار الطلقات النارية على بعض اماكن جدار المقهى الذي حاول عدد من الشباب اجتيازه هربا لكن فوهات اسلحة الارهابيين لاحقتهم اثناء تسلقهم الجدار.

رئيس المجلس المحلي لمدينة بلد فاضل جعفر تحدث أثناء حفل التأبين ايضا قائلا "انها لحظات مريرة وقاسية نعيشها الان، لكن تعودنا أن يستهدفنا الارهاب وهذه المرة يستهدف مكانا يجتمع فيها الشباب، إذن من قام بهذا العمل لا دين له ولا إنسانية، ريال مدريد هذا النادي العالمي وقف معنا لكن من يدعي الإسلام يقوم بقتل الناس ويفجر كل شيئ، ويبدو ان من هو غير المسلم يطبق مناهج الإسلام ومن يدعون الإسلام يستبيحون إراقة الدماء، إنهم ضد الإنسانية".

تذكر مرتجى حيدر اصغر الناجين من الحادث في تلك الليلة الرهيبة بعض التفاصيل حيث كان حاضرا مع بعض من افراد عائلته وقال "عندما سمعت اطلاقات العيارات النارية شاهدت من بعيد احد المسلحين يرتدي زيا عسكريا يدخل بهدوء وهو يطلق النار صوب الجالسين وكنت قريبا من غرفة صغيرة مخصصة لتوزيع العصائر والمشروبات الغازية واختبأت خلف بابها". واضاف حيدر الذي يبلغ من العمر 13 سنة وهو يرتدي ملابس سوداء حزنا على خاله "ومن فتحة صغيرة، دفعني الفضول لمتابعة المشهد المخيف وانا اسمع ازيز الرصاص، ولحسن حظي لم يتنبه لي احد من الارهابيين .. كنت اشاهد البعض يقفز من على سياج المقهى وهو مصاب، واستمر هذا المشهد ما يقارب عشر دقائق ثم خرجت بعد ان تأكدت من انسحاب المسلحين من المكان".

وتابع "كما شاهدت احد الاشخاص من الجالسين واسمه رابح كان مصابا ونهض متحاملا على نفسه للامساك بأحد المسلحين لكنه سقط بعد ان تزحلقت قدماه ببركة دم فاجهز عليه المسلح ". وحسب شهود نجوا من الحادث "قفز بعض المصابين من نوافذ زجاجية داخل المقهى الى الخارج مستغلين كثافة الدخان في المكان ثم احتموا ببيوت قريبة من المقهى".

ويقول صاحب المقهى الذي فقد ستة من افراد عائلته واقاربه من بينهم ولده واخوه "كل يوم كنت اغادر المقهى متأخرا الا في يوم الحادث فقد غادرت قبل دقائق معدودة ثم سمعت ان ارهابيين اقتحموا المقهى وبدأوا يقتلون الشباب". واضاف هاتف القيسي الذي تخطى الستين من عمره وهو يرتدي قميصا اسود حزنا على أفراد أسرته "بعد الحادث اقفلت المقهى، لكن اليوم وبحضور المئات من مشجعي ريال مدريد شعرت بأن الحياة عادت مجددا، وستفتح ابوابه مرة ثانية". بحسب فرانس برس.

ومع استذكار تلك اللحظات العصيبة التي رواها البعض ممن عاشوا تفاصيلها الرهيبة وهم يتابعون نهائي دوري الابطال، كانت تسمع صيحات المشجعين مع كل محاولة للتسجيل لريال مدريد، ثم الهب احرازه اللقب حماس المئات من الحضور وبعضهم تمنى وجود اصدقاء فقدوهم اثناء الحادث. وفرضت اجراءات احترازية مشددة على محيط المقهى عشية المباراة تحسبا لأي طارئ اذ ضرب رجال الشرطة طوقا امنيا حول المكان.

الاموال لا تصنع الابطال

على صعيد متصل وفي الوقت الذي تتحضر فيه الاندية الكبرى في انكلترا الى تعزيز ميزانياتها الضخمة بفضل التوزيع الجديد لعائدات النقل التلفزيوني، غير ليستر سيتي المعادلة التقليدية واكد ان الاموال لا تصنع الابطال. وتوج ليستر بطلا للدوري الممتاز للمرة الاولى في تاريخه رغم ان فريقه لم يكلفه اكثر من 50 مليون جنيه استرليني، في حين ان مانشستر يونايتد سيغيب عن دوري ابطال اوروبا الموسم المقبل وجاره اللدود مانشستر سيتي سيضطر لخوض الملحق من اجل الوصول الى دور المجموعات مع ان تكلفة فريقيهما وصلت معا الى حوالي 800 مليون جنيه استرليني.

"لقد ترعرعت وانا مقتنع بان الاندية الكبرى، التي تملك اكبر ميزانية، هي التي تفوز دائما"، هذا ما قاله لاعب وسط ليفربول السابق جايمي ريدناب الذي يعمل الان محللا كرويا، مضيفا: "حتى بلاكبيرن، عندما فاز باللقب (عام 1995)، انفق الكثير من الاموال وكان يملك افضل اللاعبين. ما حصل (فوز ليستر) مختلف عما اختبرناه في السابق". وواقع ان لاعبين مثل جايمي فاردي (مليون جنيه) والجزائري رياض محرز (400 الف جنيه) والفرنسي نغولو كانتي (6ر5 ملايين جنيه) لم يكلفوا ما تنفقه الاندية الكبرى على لاعبي الفرق الرديفة، يؤكد ان ما حققه ليستر ليس بالشيء البسيط على الاطلاق بل انه انجاز كبير اظهر فيه فريق المدرب الايطالي كلاوديو رانييري ان هناك سبيلا اخر للفوز ولا يتمحور حول الاموال.

وفي عصر تبحث فيه الفرق عن اسلوب يقربها من برشلونة الاسباني وطريقة الـ"تي كي تاكا" التي تعتمد على الاستحواذ والتمرير، غرد فريق رانييري خارج السرب واعتمد الواقعية كمبدأ والحماس كسلاح من اجل التفوق على الاخرين دون اي مبالاة بالاحصائيات والارقام التي يمكن ان تصلح لفريق ينافس على الارجح لتجنب الهبوط الى الدرجة الثانية وليس لفريق يتربع على الصدارة.

ليستر توج بطلا رغم انه كان ثالث اسوأ فريق في الدوري من حيث نسبة الاستحواذ على الكرة (8ر44 بالمئة)، وثاني اسوأ فريق من حيث نسبة التمريرات الناجحة (5ر70 بالمئة)، لكن التاريخ لن يذكر هذه الارقام بل سيسطر بالحرف العريض ان فريق رانييري توج بطلا على حساب عمالقة بميزانيات هائلة مثل قطبي مانشستر واقطاب لندن الثلاثة ارسنال وتوتنهام وتشلسي بطل الموسم الماضي الذي خاض موسم للنسيان بعد ان اكتفى بالمركز العاشر رغم الاموال الطائلة التي انفقها مالكه الروسي رومان ابراموفيتش.

وليستر ليس الفريق الوحيد الذي اثبت هذا الموسم ان المال والانفاق غير الموجه لا يصنعان الابطال، اذ ان توتنهام، الفريق الذي كان الاقرب لحرمانه من اللقب التاريخي، ليس بالفريق الغني الذي يهدر الاموال صعودا ونزولا ورغم ذلك كان منافسا شرسا قبل ان يسقط في المطبات خلال الامتار الاخيرة ما تسبب بتنازله عن الوصافة لمصلحة جاره ارسنال في المرحلة الختامية. وفريق العام الذي اختارته رابطة اللاعبين المحترفين يحكي القصة بأكملها اذ يضم اربعة لاعبين من ليستر واربعة من توتنهام.

وباستثناء هاري كاين، هداف الدوري الذي شق طريقه من الفرق العمرية لتوتنهام، فان اللاعبين الثلاثة الاخرين في تشكيلة العام لم يكلفوا جميعهم فريق المدرب الارجنتيني ماوريسيو بوكيتينو ما دفعه مانشستر سيتي الصيف الماضي للتعاقد مع رحيم ستيرلينغ من ليفربول (49 مليون جنيه). وتضم تشكيلة العام لاعبا اخر لم يكلف فريقه سوى 7ر10 ملايين جنيه بشخص الفرنسي ديميتري باييه الذي الهم فريقه وست هام وساهم في قيادته الى المركز السابع.

وفي المقابل، لم تكن الاموال الطائلة التي انفقها مانشستر يونايتد على اللاعبين الجدد منذ قدوم المدرب الهولندي لويس فان غال (250 مليون جنيه) في صيف 2014، كافية لكي ينافس "الشياطين الحمر" على اللقب بل انهم لم يتمكنوا حتى من حجز بطاقتهم الى الدور الفاصل من دوري ابطال اوروبا، وهم متواجدون حاليا في المركز السادس خلف ساوثمبتون وفي ظل هذا التقهقر وخيبة الغياب عن دوري الابطال للمرة الثانية في المواسم الثلاثة الاخيرة، سيكون من الصعب على فان غال الاحتفاظ بمنصبه حتى لو تمكن من قيادة الفريق الى الفوز.

ويبدو المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو الاوفر حظا لخلافة فان غال والانتقال الى "العدو اللدود" لفريقه السابق تشلسي الذي ودع مدربه الموقت الهولندي غوس هيدينك على امل بدء حقبة جديدة بقيادة مدرب يوفنتوس السابق والمنتخب الايطالي حاليا انتونيو كونتي الذي سيستلم منصبه بعد نهائيات كأس اوروبا 2016. واذا كان التغيير في مانشستر يونايتد غير محسوم، فان الجار اللدود سيتي حسم امره منذ فترة وقرر الاستعانة بالمدرب الاسباني جوسيب غوارديولا الذي سينهي مغامرته الناجحة مع بايرن ميونيخ الالماني من اجل استلام الدفة في "استاد الاتحاد" حيث سيخلف التشيلي مانويل بيليغريني الذي ودع الفريق بطريقة مقبولة بعد ان حسم بطاقة الدور الفاصل من مسابقة دوري ابطال اوروبا على حساب يونايتد.

اما بالنسبة للكبير الاخر ليفربول، فقد "جدد نفسه" منذ منتصف الموسم بالتعاقد مع المدرب الالماني يورغن كلوب الذي يأمل تعويض خيبة الاكتفاء بالمركز الثامن في الدوري المحلي من خلال الفوز بلقب الدوري الاوروبي "يوروبا ليغ" ما سيمنح "الحمر" بطاقة المشاركة في دوري الابطال الموسم المقبل. ومسابقة دوري الابطال هي الامر الوحيد الذي يشفع لمدرب ارسنال الفرنسي ارسين فينغر الذي ضمن مشاركة الفريق اللندني في المسابقة القارية الام للمرة التاسعة عشرة على التوالي، لكن ذلك لم يجنبه الانتقادات خصوصا ان الفرصة كانت قائمة هذا الموسم واكثر من اي وقت مضى امام "المدفعجية" للفوز بلقب الدوري الممتاز للمرة الاولى منذ 2004 في ظل تقهقر الكبار الاخرين، الا انه لم يغتنم الفرصة واكتفى بالوصافة التي انتزعها من توتنهام في المرحلة الختامية.

وفي ظل الاموال التي ستضخ من عائدات النقل التلفزيوني، من المتوقع ان يكون صيف 2016 حاميا جدا من حيث الانتقالات، ما دفع مدرب ليستر السابق الايرلندي الشمالي مارتن اونيل الى تحذير رجال رانييري بان الكبار سيعودون الموسم المقبل بشكل اقوى، مضيفا: "اعتقد ان الفرق الكبرى تشعر بان هذا الموسم كان بمثابة زلة وقد تعود اقوى بكثير الموسم المقبل مرة اخرى. المال له كلمته في هذه المهنة".

ومن المرجح ان يشهد موسم 2016-2017 سباقا حاميا في سوق الانتقالات من اجل محاولة تعويض خيبة هذا الموسم، وهذا الامر قد يتسبب في تجاوز ما حصل في موسم 2015-2016 الذي دون في السجلات بالنسبة للدوري الانكليزي الممتاز لان حجم الانفاق في فترتي الانتقالات الصيفية والشتوية تجاوز حدود المليار يورو للمرة الاولى على الاطلاق وذلك بسبب طمع الاندية بالاموال التي ستدرها عليها عائدات النقل التلفزيوني في الموسم المقبل. وكشفت شركة "ديلويت" للخدمات والاستشارات المالية ان الاندية الانكليزية العشرين المشاركة في الدوري الممتاز تجاوزت مجتمعة حاجز المليار يورو خلال فترتي الانتقالات.

وقال دان جونز من مجموعة الاعمال الرياضية في "ديلويت": "لقد رأينا ان اندية الدوري الانكليزي الممتاز تستغل مجددا سوق انتقالات شهر كانون الاول/يناير من اجل الاستثمار الكبير في المواهب"، مشيرا عشية اقفال باب الانتقالات الشتوية في كانون الثاني/يناير الماضي ان اجمالي الانفاق لهذا الموسم تجاوز مليار جنيه استرليني للمرة الاولى. وحققت الاندية الانكليزية رقما قياسيا خلال الصيف الماضي بعدما انفقت 870 مليون جنيه استرليني في سوق الانتقالات، اي بزيادة قدرها 4 بالمئة عن الرقم القياسي السابق الذي سجل في صيف 2014. بحسب فرانس برس.

وبحصول شبكتي "سكاي" و"بي تي سبورت" على حق النقل المحلي لمباريات الدوري الممتاز مقابل مبلغ خيالي بلغ 15ر5 مليار جنيه استرليني ومع توقيع عقد حق بث المباريات خارج بريطانيا، من المتوقع ان نشهد موسما قياسيا اخر من حيث الانفاق سينضم اليه بيرنلي وميدلزبره والفائز من الدور الفاصل في دوري الدرجة الاولى وذلك على حساب اندية نيوكاسل يونايتد واستون فيلا ونوريتش سيتي التي هبطت في نهاية الموسم.

خمسة أسباب

من جانب اخر تشهد البطولات الأوروبية لكرة القدم تفوقا إسبانيا ملحوظا منذ عدة سنوات. فلا يخلو نهائي من ناد إسباني خلال السنوات الماضية. فما السر وراء هيمنة الأندية الإسبانية على البطولات الأوروبية؟ في الواقع، باستثناء خسارة فياريال أمام ليفربول في نصف نهائي الدوري الأوروبي، فازت الأندية الإسبانية في 17 مواجهة ضمن الأدوار الإقصائية على فرق أجنبية هذا الموسم. ومن السهل فهم نجاحات برشلونة وريال مدريد. هما أغنى فريقين في العالم ويملكان قدرة الاستثمار والشراء والمحافظة على أبرز لاعبين في العالم، على غرار الأرجنتيني ليونيل ميسي والبرتغالي كريستياينو رونالدو.

وينعكس ذلك على مستوى الدوري، إذ تواجه باقي الأندية العملاقين الكبيرين أربع مرات على الأقل كل موسم. هذا يعني أن فريقا متوسطا في إسبانيا يشارك في البطولات الأوروبية بمواجهة أندية إيطالية أو ألمانية، لن يتعرض لضغوط مماثلة لرحلاته إلى ملعبي "كامب نو" و"سانتياغو برنابيو". أكثر من ذلك، فان عددا كبيرا من خريجي أكاديميتي برشلونة وريال مدريد لا يجدون أماكنهم في التشكيلة الأساسية، فينتقلون إلى أندية إسبانية أخرى.

وبني نجاح منتخب إسبانيا في كأسي أوروبا 2008 و2012 وكأس العالم 2010 على أسلوب "تيكي تاكا" المعتمد على التمرير القصير والذي جسده فريق برشلونة. ريال مدريد وإشبيلية وفياريال لا يمكن مقاومتهم في الهجمات المرتدة، فيما يعتبر أتلتيك بلباو بطل الكرات الثابتة. هذا التنوع يجعل من الفرق الإسبانية غير قابلة للتوقع، خلافا لخصوم أوروبيين آخرين.

وفي وقت يعتمد ريال مدريد وبرشلونة على أسطول من اللاعبين النجوم، تبيع باقي الأندية لاعبيها الموهوبين إلى الثنائي الكبير أو إلى الدوري الإنكليزي الثري. مع ذلك، فإن هيكلية المدراء الرياضيين الذين يمارسون مهامهم لوقت طويل، حتى بحال رحيل المدربين، جعلت أندية مثل أتلتيكو مدريد وإشبيلية في تألق مستمر. في معظم الأندية الإسبانية المتألقة في السنوات الماضية، برزت نواة من اللاعبين المحليين. بحسب فرانس برس.

إنتاج لاعبين من الداخل يوفر نفقات كثيرة على النادي لفترات طويلة، لكنه يجسد الوحدة وروحية الفريق أيضا، مقارنة مع تواجد أجنبي كثيف من مختلف زوايا العالم. مع إحراز الأندية الإسبانية 6 ألقاب في الدوري الأوروبي في آخر 10 سنوات، وخمسة ألقاب من أصل 10 في دوري الأبطال، باتت أندية الليغا تعرف كيف توازن بين مشاركاتها القارية والمحلية. في بحر خمس سنوات، خاض أتلتيكو مدريد 63 مباراة قارية، يليه ريال (62)، برشلونة (57)، إشبيلية (53)، أتلتيك بلباو (52) وفالنسيا (48).

كرة القدم الصينية

في السياق ذاته وخلال تسعينات القرن الماضي، لم تكن المدرسة المتداعية التي ارتادها كين تشاي تضم اي فريق او ملعب لكرة القدم وكان التلامذة يمارسون هذه الهواية عبر تقاذف ابريق بلاستيكي على الشوارع... لكن بعد عقدين، تخطو الصين خطوات سريعة لتنمية رياضة كرة القدم. ويستذكر كين تشاي "كنا نعيش في قرية صغيرة تفتقر للتنمية. كنا نحاول تنظيم دورات غير أن المدرسة لم تكن تملك الامكانات". أما اليوم فتنفق الصين مليارات الدولارات لتحقيق حلم الرئيس شي جينبينغ في استضافة البلاد دورة كأس العالم وصولا يوما ما الى الفوز بهذه الكأس.

غير أن هذا السيل من الاموال النقدية لا يستطيع شراء المكون الاساسي في هذا المجال: الشغف بهذه اللعبة. وهذا الشرط اساسي لاعداد برنامج تدريب رفيع المستوى على النطاق الوطني بحسب الخبراء. ويمارس كين تشاي البالغ 27 عاما مهنة التدريب الرياضي وهو جزء من مجموعة صغيرة من المدربين الساعين الى زرع الشغف بكرة القدم في نفوس الجيل الجديد من الصينيين.

ويعمل كين تشاي الحائز شهادة في التربية البدنية، مع منظمة "دريمز كام ترو" ("الاحلام تتحقق") غير الحكومية في منطقة غوانغجو (جنوب) التي تعد شبكة وطنية لدورات كرة القدم موجهة للاطفال. ويوضح رئيس المنظمة جو ويهاو "نقدم للتلامذة تدريبات خلال اوقات فراغهم". ويشير الى ان الهدف الرئيسي من هذا البرنامج يكمن في دفع الاطفال الى ممارسة الرياضة وجعلهم "مفيدين للمجتمع"، واذا ما ظهرت لديهم مواهب لافتة "عندها نزيد من مستوى تدريبنا لهم".

وبنت شركة "ايفرغراندي" الصينية العاملة في مجال الترويج العقاري وهي المساهمة الرئيسية في افضل نوادي غوانغجو لكرة القدم، على تخوم المدينة وبالتعاون مع نادي "ريـال مدريد" اكاديمية لكرة القدم يتدرب فيها حوالى الفي شاب يوميا يحلمون بالاحتراف. ويطمح المجمع الضخم الذي يضم 76 ملعبا لكرة القدم، وهو رقم قياسي عالمي، الى تعزيز رياضة كرة القدم الصينية و"صنع نجوم" في هذه اللعبة بحسب موقعه الالكتروني. غير أن مارك دراير المدون الرياضي في بكين يحذر من ان "الاساليب المستخدمة بنجاح في الصين للهيمنة على رياضات اخرى لا يمكن نقلها الى كرة القدم"، لافتا الى ان "ارغام الاطفال على اللعب لن يحل شيئا" ومشيرا الى ضرورة "اعادة تكوين النظام الاساسي بالكامل".

وتعكس استثمارات شركة "ايفرغراندي" النفقات الهائلة التي تتكبدها الشركات الصينية الحريصة على كسب رضا الرئيس شي جينبينغ. ويقر رؤساء الشركات الكبرى من دون مواربة بأن استثمارهم في كرة القدم ينطلق ايضا من حسابات سياسية. وتتمتع مجموعة "واندا" المملوكة للملياردير الصيني وانغ جيانلين بمساهمة نسبتها 20 % في نادي "اتليتيكو مدريد" (الذي ينافس في المباراة النهائية لمسابقة دوري ابطال اوروبا)، كما أنها باتت منذ فترة وجيزة احد الرعاة الرئيسيين للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا). وفي كتاب صادر حديثا، اوضح وانغ أن "الزعماء يقاربون موضوع كرة القدم باهتمام كبير (...) لذا امنح دعمي للكرة الصينية".

وبالفعل تحتاج كرة القدم الصينية الى هذا الدعم اذ ان المنتخب الوطني يحتل المرتبة الحادية والثمانين في التصنيف العالمي للفيفا. ويعود آخر ظهور للمنتخب الصيني في المونديال الى سنة 2002، كما انه تأهل بصعوبة الى المرحلة المقبلة من التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2018. ومطلع آذار/مارس، نشرت الحكومة خريطة طريق طموحة لوضع الصين "على قمة كرة القدم العالمية بحلول سنة 2050". بحسب فرانس برس.

وفي غضون السنوات الاربع المقبلة، من المتوقع تاسيس 20 الف اكاديمية تدريب فضلا عن تدريب حوالى 30 ملايين تلميذ في المدارس الابتدائية والمتوسطة على ممارسة كرة القدم بهدف بلوغ عتبة 50 مليون لاعب كرة قدم بحلول سنة 2020. ويتوافد المدربون من اميركا الجنوبية واوروبا الى الصين لهذه الغاية. غير أن الخبراء يشيرون الى نقص في "القاعدة الاساسية" لكرة القدم في الصين. فعلى مستوى البلاد، كان عدد اللاعبين الشباب في كرة القدم لا يتعدى حوالى مئة الف في 2015 بحسب صحيفة "تشاينا ديلي" الصينية الرسمية.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي