تونس.. تخبط سياسي وأزمات مفتعلة
عبد الامير رويح
2016-05-29 01:12
القرار الذي اتخذته حركة النهضة الإسلامية في تونس بفصل الدين عن السياسة والابتعاد عما يسمى الإسلام السياسي، ما يزال محط اهتمام كبير داخل وخارج تونس صاحبة أول ربيع عربي، فهذا القرار وبحسب بعض المصادر ربما سيسهم بخلق توترات وازمات داخلية جديدة خصوصا انه سيؤثر على حركات اسلامية أخرى بحكم ريادة النهضة في الاجتهاد السياسي، يضاف الى ذلك تنامي الفكر السلفي والتيارات المتشددة التي تسعى الى خلق الأزمات اضافية من اجل تعزيز وجودها في الساحة التونسية، التي تعاني اصلا من مشكلات وازمات امنية وسياسية كبيرة.
وأعلن عن هذا القرار رئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي، قائلا حريصون على النأي بالدين عن المعارك السياسية وندعو إلى التحييد الكامل للمساجد عن خصومات السياسة والتوظيف الحزبي لتكون مجمعة لا مفرقة. وتتجلى أهمية إعلان راشد الغنوشي في كون حركة النهضة هي من الحركات التي اجتهدت طيلة العقدين الأخيرين للتكيف مع التطور السياسي، ولعبت دورا هاما في إنجاح الانتقال الديمقراطي في تونس بعد اندلاع الربيع العربي سنة 2011 بطرد الرئيس زين العابدين بنعلي. وفتحت حوارا مع الحركات اليسارية والليبرالية المنادية بالعلمانية، وقدمت تنازلات في أوقات حساسة للغاية.
وقال محللون إن التغييرات التي أعلنتها الحركة تمثل فيما يبدو محاولة لتمييز نفسها في منطقة مني فيها الإسلام السياسي بانتكاسات كما تهدف أيضا للاستعداد للانتخابات المحلية المقررة في العام القادم والانتخابات الرئاسية المقررة في 2019. وعلى عكس جماعة الإخوان المسلمين في مصر التي أطيح بحكمهم وتم الزج بالآلاف من أنصارها في السجون تمكنت حركة النهضة من الصمود بعد تنازلها عن السلطة في ٢٠١٣ إثر صراع مع العلمانيين عقب اغتيالات سياسية شملت رموزا من المعسكر العلماني. وعزل الجيش المصري الرئيس الإسلامي المنتخب محمد مرسي عقب احتجاجات واسعة ضد حكمه.
وعقب الإطاحة بالإسلاميين في مصر تخلت النهضة عن الحكم ودخلت في حوار مع خصومها العلمانيين انتهى بالتوافق حول دستور جديد وحكومة غير حزبية قادت لانتخابات في 2014. وفي انتخابات 2014 حلت النهضة ثانية خلف حزب نداء تونس. والنهضة الآن جزء رئيسي في الائتلاف الحاكم مع خصمها العلماني نداء تونس وهي أكبر قوة في البرلمان بسيطرتها على 69 مقعدا بعد أن استقال نواب من كتلة نداء تونس.
فصل السياسية عن الدين
وفي هذا الشأن أعلن زعيم حركة النهضة الإسلامية في تونس أن الحركة ستفصل نشاطها السياسي عن النشاط الديني في خطوة تسعى من خلالها فيما يبدو إلى النأي بنفسها عن الإسلام السياسي. والنهضة أول حركة إسلامية تصل للحكم بعد انتفاضات الربيع العربي في 2011 وكونت ائتلافا حكوميا عقب الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي.
ويُنظر إلى تونس على أنها نموذج للانتقال الديمقراطي في المنطقة المضطربة بعد صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات حرة وتوافق سياسي بين الإسلاميين والعلمانيين جنب البلاد الانزلاق في الفوضى التي اجتاحت بعض بلدان المنطقة. ووسط الآلاف من الحضور بصالة الرياضة في رادس قال راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الإسلامية في افتتاح المؤتمر العاشر للحركة "حريصون على النأي بالدين عن المعارك السياسية وندعو إلى التحييد الكامل للمساجد عن خصومات السياسة والتوظيف الحزبي لتكون مجمعة لا مفرقة."
وأضاف "تطورت الحركة من السبعينات إلى اليوم من حركة عقدية تخوض معركة من أجل الهوية إلى حركة احتجاجية شاملة في مواجهة نظام شمولي دكتاتوري إلى حزب ديمقراطي وطني متفرغ للعمل السياسي بمرجعية وطنية تنهل من قيم الإسلام." ورحب الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي بخطط النهضة للتخصص السياسي والفصل بين الجانب الديني والسياسي. وقال السبسي في كلمة أمام مؤتمر النهضة "لا يفوتني أن أنوه بالتطور الذي عرفته حركة النهضة بقيادة الغنوشي الذي تجلى في ضرورة القطع بين الدعوي والسياسي وكذلك القطع مع احتكار الدين." واعتبر السبسي أن النهضة لم تعد حزبا يمثل خطرا على الديمقراطية.
وقال الصحفي جمال العرفاوي معلقا على إعلان النهضة التحول إلى حزب سياسي مدني "النهضة استوعبت جيدا التغييرات الإقليمية وما حصل للإخوان في مصر .. وفهمت أنه لا مستقبل للإسلام السياسي.. وخطواتها نتيجة قراءة متزنة لما يحدث في المنطقة عموما للمحافظة على وجودها كلاعب رئيسي." واعتبر أن النهضة نجحت في رسم صورة جديدة للإسلاميين في الخارج ولكن يبقى السؤال "هل هي قادرة على إقناع الداخل بأنها تغيرت فعلا.. إن هناك اعتقادا في تونس بأن النهضة تواصل الرقص ولكن فقط غيرت الموسيقى". وقال العرفاوي إن الامتحان المقبل أمام النهضة سيكون الانتخابات البلدية في مارس آذار 2017.
الحرب على المتشددين
من جانب اخر وبعد أيام من قيام إسلاميين متشددين بقتل 21 سائحا بالرصاص في متحف باردو بتونس العام الماضي شنت الشرطة حملة اعتقالات شملت عشرات الأشخاص الذين يشتبه في صلاتهم بالمسلحين. أحد من القي القبض عليهم عامل أخذوه من بيته في تونس. وقال الرجل الذي نفى أي صلة له بالمتشددين إنه نقل إلى مركز احتجاز تابع للشرطة حيث ربطوه في قضيب من المعدن وأوسعوه ضربا على رأسه وقدميه بأنبوب.
وقال العامل الذي أفرج عنه "قلت لهم كل ما يريدون... لقد قلت لهم أنا فعلت كل شيء وأنا مذنب... فقط ليتوقفوا. وأضاف "لم يكن لدي أي اختيار آخر." وفي وقت تعترف فيه الحكومة التونسية بأن الانتهاكات تحدث أحيانا تشير بعض الانتهاكات التي حدثت في الآونة الأخيرة إلى صعوبة الطريق الذي تمضي فيه تونس لتحقق هدفين متزامنين هما تعزيز الديمقراطية الوليدة التي قامت بعد انتفاضة 2011 ومحاربة الإسلاميين المتشددين.
ومثل فرنسا وبلجيكا وغيرهما من الدول ضحايا التفجيرات والهجمات تحاول تونس أن تصل لطريقة تحمي بها الناس وفي نفس الوقت تحمي حقوقهم. وهذه العملية أصعب بكثير في دولة تحاول أجهزتها الأمنية أن تلقي وراء ظهرها بتاريخ من الانتهاكات. وبينما تحمل الشرطة على الإسلاميين توجد مخاطرة بأن تتسبب انتهاكاتها في تقويض العملية الديمقراطية في البلاد.
وتتحدث منظمات مدافعة عن حقوق الإنسان بينها منظمة العفو الدولية ومحامون عن ظهور انتهاكات في مراكز الاحتجاز الشرطية وكذلك عن اعتقالات تعسفية وتعذيب مما يقوض العملية الديمقراطية الجديدة. وقال المحامي أنور أولاد علي الذي يدافع عن إسلاميين متشددين "عندما يتعلق الأمر بالحرب على الإرهاب بعض الناس يقولون دع حقوق الإنسان جانبا."
وقالت الحكومة إن كثيرا من العمل مطلوب لوقف الانتهاكات. وفي أبريل نيسان قامت بتشكيل لجنة مستقلة لمنع التعذيب وغيره من الانتهاكات في مبادرة أشادت بها الأمم المتحدة. وقال عمر منصور وزير العدل عند زيارته لسجن للنساء كثير من المحتجزات فيه ألقي القبض عليهن بتهم تتصل بالإرهاب وشكون من تعرضهن للضرب "نعم هناك بعض حالات التعذيب وسوء المعاملة ولكنها ليست ممارسات ممنهجة ولا استراتيجية. هناك حالات فردية... ونحن نعمل مع منظمات المجتمع المدني لوقف مثل هذه الممارسات."
وقليل من الناس هم من يتهمون تونس بالعودة إلى أسوأ أيام الماضي عندما تصرفت الأجهزة الأمنية في ظل حكم زين العابدين بن علي دون خوف من حساب. ومنذ أنهت انتفاضة 2011 نظام بن علي القمعي باتت الدولة خاضعة لرقابة المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والصحافة الحرة بشكل لم يكن يخطر على البال أيام نظام بن علي. وفي نفس الوقت تسبب التهديد الذي يمثله الإسلاميون في مطالبة كثير من الناس بحملة أشد عليهم. ومنذ هجوم باردو شن الإسلاميون ثلاثة هجمات قتلوا في أحدها عددا من السائحين بأحد شواطئ منتجع سوسة ونفذوا في الثاني تفجيرا انتحاريا في تونس العاصمة وأغاروا في الثالث على مدينة حدودية.
وباستمرار يقول الرئيس التونسي باجي قائد السبسي للتونسيين إنهم في حرب مع المتشددين الذين يحاولون ضرب ديمقراطية بلادهم. وقال العامل الذي تعرض للضرب بأيدي رجال شرطة قالوا له إنهم يشتبهون به لأنه يقيم في نفس الحي الذي يقيم فيه أحد مسلحي باردو إن الوحشية التي عومل بها تركته في حالة خوف. وقال "سمعت دائما عن تعذيب أشخاص لكن لم يخطر ببالي أبدا أن أكون ضحية للتعذيب أنا نفسي."
لا ريب في أن تونس تواجه تهديدا من المتشددين. وغادر البلاد أكثر من 4000 مواطن للقتال في صفوف تنظيم داعش وغير ذلك من الجماعات في العراق وسوريا وليبيا. ومن شأن حالة الطوارئ التي مددت منذ الهجوم على فندق سوسة إعطاء جهاز أمن الدولة سلطات أوسع في مجال إلقاء القبض على الأشخاص واعتقال المشتبه بهم. ونص قانون جديد لمكافحة الإرهاب على جعل فترة الحبس الاحتياطي التي تسبق المحاكمة 15 يوما.
ولقد حقق الجيش التونسي تقدما في مكافحة الإرهاب. ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى تدريب من دول غربية شمل أساليب حماية الحدود. لكن الشرطة لم تحقق مثل هذا التقدم بل أعادت إلى الخدمة ضباطا عملوا في عهد بن علي لتعزز صفوف فرق المباحث بها. وعن ذلك قال مسؤول أمني تونسي كبير "هم يقدمون المساعدة والخبرة في مجال بسط الأمن ومكافحة الإرهاب." وأضاف "فعلا هناك تجاوزات وانتهاكات وسوء معاملة وتعذيب ولكنها حالات فردية معزولة.. كل الحالات التي يتم إثباتها يعاقب مرتكبوها." وقال كمال الجندوبي الوزير المكلف بحقوق الإنسان إن بلاده تحاول إقامة توازن بين الأمن وحقوق الإنسان. لكنه أقر بوجود صعوبات. وقال "كيف يمكن محاربة مجموعات إرهابية تبحث عن الموت؟ وكيف عليك أن تفعل ذلك في احترام لحقوق الإنسان؟ حين نعتقل أحدا فإننا نتعامل معه وفقا لمبادئ حقوق الإنسان."
ويخشى النشطاء أن يكون من شأن الانتهاكات الأمنية -حتى إن كانت حالات معزولة- تعزيز دعاية المتشددين لاسيما أن تونس لا تزال تكابد للحد من البطالة بين الشباب والتغلب على الأزمة الاقتصادية التي كانت من أسباب انتفاضة 2011. ويكون الأثر سيئا عندما تكون الانتهاكات بارزة مثل حالة سفيان المليتي لاعب كرة القدم السابق الذي شارك في مباريات كأس العالم 2006 وفي عشرات المباريات الدولية. وفي أواخر مارس آذار داهمت قوات مكافحة الإرهاب منزل المليتي وألقته في سجن بتونس العاصمة قال إنه تعرض فيه لإهانات لفظية وأجبر على الركوع لساعات كما قيل له إنه متصل بالمتشددين الذين هاجموا بن قردان. وبعد خمسة أيام أفرج عن المليتي دون توجيه اتهام. وقال "إذا كان هذا قد حدث مع شخص مشهور فكيف سيكون التعامل مع أشخاص عاديين ليس لهم من يساعدهم." وأضاف "أين هي الحقوق وأين السلطات من كل ما يجري؟" وقال متحدث باسم الشرطة إنه لا تعليق لديه على حالة المليتي.
وبينما يخشى بعض النشطاء من أن تدفع حملة مكافحة الإرهاب جماعات معينة إلى صفوف المتشددين يخشى آخرون أن تتسبب في إحياء الجدل حول دور الإسلام في واحدة من أكثر الدول العربية علمانية هناك احتكاك شديد فيها بين الليبراليين والأصوليين المحافظين. وبعد هجوم باردو راح بعض الشبان التونسيين المحافظين من سكان الأحياء الفقيرة في العاصمة يحلقون لحاهم كما تجنبوا الصلاة في المساجد خشية اعتقالهم. وقال محمد الذي يعمل في ناد اجتماعي والذي يمثل شركة أوروبية إن الشرطة تزوره بعد كل هجوم لتفرض عليه قيودا إدارية تحد من تحركاته وذلك على الرغم من أنه لم توجه له تهمة ولم يسجن من قبل. وتساءل محمد "هل هكذا حقا هم يحاربون الإرهاب؟". بحسب رويترز.
وفي نفس الوقت يدعو سياسيون علمانيون مثل وليد جلاد إلى حظر النقاب في الأماكن العامة قائلين إن المتشددين يستخدمونه في الإفلات من الشرطة. وقال جلاد "لا يمكن لأحد أن يفكر أن التونسيين سيفرطون في الحقوق والحريات التي حصلوا عليها بعد الثورة. ولكن نحن في فترة حساسة ومرحلة دقيقة في الحرب على الإرهاب ويجب استعمال كل ما يجب استعماله لنربح الحرب."
الخلافات السياسية
الى جانب ذلك وعندما صوت البرلمان التونسي على قانون مهم ضمن حزمة إصلاحات اقتصادية.. أقر القانون الذي يدعم استقلالية البنك المركزي بصعوبة بفارق صوتين فقط بعد أن وافق عليه 73 نائبا من مجموع حوالي 150 نائبا ينتمون للائتلاف الحكومي. الخطوة تعزز المخاوف من قدرة تونس على المضي قدما في مسار الإصلاحات مع تعمق الخلافات في صفوف الائتلاف الحاكم.
وكاد قانون البنك المركزي أن يذهب مع الريح لو كان عدد الموافقين عليه أقل باثنين فقط وهو ما أثار خيبة أمل وغضب رئيس الوزراء الحبيب الصيد الذي شعر بغياب السند السياسي لإرساء إصلاحات تحتاج توافقا سياسيا واسعا قد يجنب البلاد مزيدا من الاحتجاجات الاجتماعية بينما تشن حربا مكلفة ضد المتشددين الإسلاميين.
وحث صندوق النقد الدولي تونس على الإسراع بوضع إصلاحات جديدة لإنعاش اقتصادها المنهار وأعلن توصله إلى اتفاق مبدئي على إقراضها 2.8 مليار دولار مقابل حزمة إصلاحات. وسيكون هذا أكبر قرض في تاريخ البلاد. وقال أمين ماتي رئيس بعثة صندوق النقد إلى تونس إن هذه الإصلاحات تحتاج توافقا سياسيا واسعا. وواجه قانون استقلالية البنك المركزي جبهة رفض واسعة من حزب آفاق تونس أحد مكونات الائتلاف الحاكم وهو ما مثل صدمة لرئيس الوزراء.
وخلال اجتماع برؤساء تحرير الصحافة المحلية قال رئيس الوزراء إنه مستاء من التصويت وإن اجتماعا انعقد مع أحزاب الائتلاف لتفادي تكرار هذا السيناريو. ولكن لا يبدو واضحا إن كانت المواقف ستكون موحدة خلال عرض مشاريع القوانين الجديدة خصوصا أن ملامح الانقسام تبدو مستمرة وسط الائتلاف الحاكم. ودعا ياسين إبراهيم وزير الاستثمار ورئيس حزب آفاق تونس إلى تكوين كتلة نيابية جديدة تضم الليبراليين وتستبعد حركة النهضة وهو ما قد يمثل صفعة لاستمرار الحكومة الهشة أصلا بفعل الاحتجاجات المتواترة. وقال إبراهيم إن مقترح إنشاء جبهة برلمانية جديدة لا يهدف لزعزعة عمل الحكومة مضيفا أن الانشقاق في حركة نداء تونس أضعف الائتلاف بالفعل.
لكن النائب عن نداء تونس عبد العزيز القطي قال "لن يكون هناك جبهة بديلة في البرلمان وهو غير ممكن. اليوم طوينا الصفحة ونحن متمسكون بالاتئلاف." وأضاف أن الخلاف كان نتيجة التصويت على قانون البنك المركزي وأيضا دعوات لإنشاء جبهة برلمانية جديدة مضيفا أنه يجري التنسيق أكثر بين رباعي الائتلاف. ويضم الائتلاف حزب نداء تونس العلماني وحركة النهضة الإسلامية إضافة إلى حزبي آفاق تونس والحزب الوطني الحر.
وقال العجمي الوريمي القيادي بحركة النهضة إنه يتعين على الحلفاء في الائتلاف الحكومي أن يكونوا صفا واحدا في التصويت "لأنه لا يعقل أن يفكر البعض بمنطق أنه يضع قدما في الحكم وأخرى في المعارضة" في إشارة للتصويت ضد قانون البنك المركزي. ويقول الكاتب الصحفي جمال العرفاوي في تقرير بصحيفة تونس تلغراف "رئيس الحكومة بلا سند حزبي وهو يخوض حروبه الصغيرة والكبيرة وحده.. التصويت على قانون البنك المركزي كاد يسقط في الماء. لولا صوتان من أصوات المعارضة ربما كنا نتحدث الآن عن انتخابات مبكرة." وأضاف "هذا ما حصل مع إصلاحات صغرى فما بالك بالإصلاحات الكبرى التي ينتظرها الداخل والخارج." بحسب رويترز.
ويتوقع خبراء أن تثير القوانين جدلا واسعا عند عرضها ومن بينها مشروع قانون البنوك. وانتقد مختصون في القطاع المالي مشروع القانون الجديد لأنه يضم فصلا لتخصص البنوك الإسلامية وتحديد سقف قدره 50 مليون دينار (24.94 مليون دولار) لتأسيس بنوك. وسعيا لتفادي صعوبات متوقعة في قانون البنوك نظم البرلمان اجتماعا ضم خبراء للحديث عن المشروع الجديد قبل مناقشته. كما أحدث مشروع رفع سن التقاعد بخمس سنوات صدى كبيرا لدى الاتحاد العام التونسي للشغل ذي التأثير القوي. والحكومة التي ترغب في إقرار بعض الإصلاحات الجديدة لم تبدأ حتى الآن في تنفيذ قوانين أخرى أقرتها بالفعل ضمن قانون المالية عام 2015. ويرفض الأطباء والمحامون مثلا تطبيق قانون جديد أقر العام الماضي يجبرهم على الكشف عن دخلهم بدقة.
كما وقع الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي قانون إحداث "المجلس الأعلى للقضاء" (هيئة دستورية) الذي صادق عليه البرلمان وعارضته كل نقابات القضاة التي رأت انه لا يضمن استقلالية القضاء عن السلطة التنفيذية. وأعلنت رئاسة الجمهورية في بيان ان قائد السبسي "ختم اليوم القانون الأساسي المتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء" ليدخل القانون بذلك حيز النفاذ.
وفي وقت سابق صادق مجلس نواب الشعب (البرلمان) الذي يحظى فيه حزبا "حركة النهضة" الاسلامية و"نداء تونس" العلماني (شريكان في ائتلاف حكومي رباعي) بأغلبية المقاعد، على قانون إحداث المجلس الاعلى للقضاء. وحظي القانون بمصادقة 132 نائبا هم كل من حضروا جلسة المصادقة من إجمالي 217 نائبا يعدهم البرلمان. وقد أحال الرئيس التونسي هذا القانون الى "الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين" للبت في دستوريته من عدمها.
ودعت "جمعية القضاة التونسيين" وهي أقدم نقابة للقضاة في تونس، الرئيس الباجي قائد السبسي الى إرجاع القانون الى البرلمان "لاعادة التداول فيه" و"لدفع شبهة عدم الدستورية التي ستظل عالقة بهذا القانون والتي يتوجّب استبعادها لأثره الحاسم في سلامة التمشي من عدمه نحو المؤسسات المستقلة لاحدى سلطات الدولة الثلاث".
وكانت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين أسقطت في 2015 نسختيْن من قانون المجلس الاعلى للقضاء صادق عليهما البرلمان، مبررة ذلك بعدم تطابقهما مع الدستور التونسي الجديد الذي ينص على استقلالية القضاء. وقال القاضي احمد الرحموني رئيس "المرصد التونسي لاستقلالية القضاء" (منظمة حقوقية غير حكومية) ان القانون الذي وقعه الرئيس التونسي "أبقى على الامتيازات نفسها التي كانت تتمتع بها وزارة العدل في عهد (الرئيس المخلوع زين العابدين) بن علي في انتداب القضاة وتكوينهم وتفقّدهم (مراقبتهم)، وأسس لمجلس محدود الصلاحيات وفاقد للسلطات".
وكانت نقابات القضاة رفضت إبقاء المعهد الاعلى للقضاء (معهد لتكوين القضاة) ومركز الدراسات القانونية والقضائية (يقوم باعداد دراسات ومشاريع قوانين)، والتفقدية العامة للقضاة (تحقق في اخطاء وتجاوزات القضاة وتحيل نتائج التحقيق الى المجلس الاعلى للقضاء) تحت إشراف وزارة العدل وطالبت بإلحاقها بالمجلس الاعلى للقضاء.