حرب المعارضات في سوريا..

عودة جبهة النصرة تزيح المعارضة المدعومة من الغرب

عبد الامير رويح

2016-05-23 02:53

انهاء الحرب السورية المستمرة منذ خمس سنوات في هذا الوقت بذات وكما يرى بعض الخبراء، ربما يكون امرا مستحيلا خصوصا وان سوريا قد اصبحت اليوم ساحة للصراع على النفوذ بين القوى العالمية الكبرى، وموطن للعديد من التنظيمات والمجاميع الارهابية المسلحة المدعومة من جهات ودول اخرى تسعى لتحقيق مصالحها في المنطقة، لذا فالحديث عن تسوية او اتفاق سلام ينهي معاناة ابناء الشعب السوري، هو امر بعيد عن الواقع بسبب اختلاف وجهات النظر وتعدد اطراف الصراع في هذه الحرب، ففي الوقت الذي تستمر فيه التحركات والمساعي الدولية الرامية للوصول إلى ايجاد حلول لدعم عملية السلام في سوريا، تسعى اطراف ودول اخرى الى تصعيد الموقف وتحريك المجموعات المسلحة للقيام بعمليات عسكرية بهدف عرقلة تلك الجهود وتحقيق مكاسب جديدة، يضاف الى ذلك المعارك الاخرى والصراعات المستمرة المجموعات مسلحة نفسها.

حيث يعمل الجهاديون في سوريا بمن فيهم مقاتلو تنظيم القاعدة كما تنقل بعض المصادر، على حشد قواتهم من جديد لحرب شاملة على الرئيس بشار الأسد بالاستفادة من انهيار محادثات السلام للتفوق على المعارضة الوطنية المنافسة التي وافقت على هدنة متعثرة. ولم تشارك جبهة النصرة ذراع تنظيم القاعدة في سوريا في وقف إطلاق النار الذي أصبح ساري المفعول في فبراير شباط وفي محادثات السلام التي تبعته. وانهارت المحادثات الشهر الماضي وتبادلت الحكومة السورية وخصومها الاتهامات بالمسؤولية عن التصعيد العسكري.

فبعد أن كان نشاط جبهة النصرة محدودا في الأيام الأولى من تطبيق الهدنة قال قادة فيها ومعارضون آخرون إن الجبهة عاودت الظهور في ساحات المعارك مع انهيار المساعي الدبلوماسية وقادت هجمات في الآونة الأخيرة على قوات إيرانية مؤيدة للحكومة قرب حلب. وفي أحدث مظاهر هذا التطور أحيت الجبهة وجماعات أخرى جيش الفتح الذي يمثل تحالفا عسكريا لجماعات إسلامية متباينة حققت انتصارات كبيرة على القوات الحكومية في العام الماضي.

ومن المحتمل أن تؤدي عودة جبهة النصرة للظهور إلى إضعاف جماعات المعارضة التي يدعمها الغرب والتي وافقت على اتفاق الهدنة وشاركت في مباحثات السلام بما يقنع الحكومة السورية وحلفاءها من الروس والإيرانيين بالمضي في الحرب التي وجهوا فيها ضرباتهم للمعارضة بكل ألوانها.

ويشارك في الصراع مجموعة متباينة من الجماعات المتصلة بتنظيم القاعدة أو التي تستلهم فكر التنظيم والجماعات ذات الأهداف الوطنية التي تحارب تحت راية ما يسمى الجيش السوري الحر، وقد حصلت بعض هذه الجماعات على مساعدات عسكرية من الولايات المتحدة وتركيا والسعودية. أما تنظيم داعش الذي خرج من عباءة تنظيم القاعدة فيحارب جماعات المعارضة الأخرى والحكومة السورية في إطار دفاعه عن دولة الخلافة التي أعلنها في سوريا والعراق. وقد فقد التنظيم مساحات من الأراضي الخاضعة لسيطرته في الشهور الأخيرة لكنه ما زال يسيطر على جانب كبير من شرق سوريا وشمالها.

وتحارب فصائل الجيش السوري الحر تنظيم داعش على الحدود التركية في الأسابيع الأخيرة وقال زكريا ملاحفجي رئيس المكتب السياسي لتجمع "فاستقم" إن هذه الفصائل صدت في الوقت نفسه ثلاث هجمات من جانب القوات الحكومية إلى الشمال من حلب مباشرة. وتقول الفصائل إنها لن تعود إلى محادثات السلام حتى يتحسن الوضع على الأرض. ومما يعكس ضعف احتمالات نجاح المساعي الدبلوماسية أنه لم يتحدد موعد للمحادثات في اجتماع دولي.

معارك عنيفة

فيما يخص بعض تطورات فقد اوقعت معارك عنيفة مستمرة منذ حوالى 20 يوما نتيجة صراع على النفوذ بين الفصائل الاسلامية في الغوطة الشرقية في ريف دمشق 300 قتيل على الاقل من المقاتلين، وفق ما افاد المرصد السوري لحقوق الانسان. وقال مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن "قتل اكثر من 300 مقاتل خلال اشتباكات ناتجة عن صراع على النفوذ بين الفصائل الاسلامية في الغوطة الشرقية ومستمرة" منذ 28 نيسان/ابريل الماضي. وتدور معارك عنيفة بين فصيل "جيش الاسلام"، الاقوى في الغوطة الشرقية، من جهة وفصيل "فيلق الرحمن" و"جيش الفسطاط" وهو عبارة عن تحالف لفصائل اسلامية على رأسها جبهة النصرة، من جهة ثانية.

وقال عبد الرحمن ان غالبية القتلى الـ300 ينتمون الى "جيش الاسلام" وجبهة النصرة، كما قتل العشرات من فصيل "فيلق الرحمن". وبحسب عبد الرحمن فان "الاشتباكات مستمرة برغم الوساطات التي تقدم بها اهالي الغوطة الشرقية والتظاهرات التي خرجت للمطالبة بوقف القتال". واشار الى "استمرار التحريض من الشرعيين في جبهة النصرة على جيش الاسلام". ومع استمرار الاشتباكات، تعمل الاطراف المتقاتلة على وضع سواتر ترابية وتثبيت نقاط تمركز في بلدات ومدن الغوطة الشرقية.

وبدأت الاشتباكات نهاية نيسان/ابريل اثر هجمات عدة شنها فصيل "فيلق الرحمن" على مقرات "جيش الاسلام". واستهدفت الهجمات مقرات "جيش الاسلام" في القطاع الاوسط للغوطة الذي يشمل مناطق عدة بينها سقبا وبيت سوى وجسرين وزملكا ومسرابا. واعتقل المهاجمون وقتها "اكثر من 400 مقاتل من جيش الاسلام وصادروا اسلحتهم". وبحسب عبد الرحمن، اسفرت المعارك ايضا عن "مقتل عشرة مدنيين، بينهم طفلان وطبيب نسائي من القلائل في الغوطة الشرقية والوحيد المختص بمسائل العقم والإنجاب في المنطقة". بحسب فرانس برس.

ووصف الهلال الاحمر السوري في دوما في بيان الطبيب نبيل الدعاس بانه "من أهم أعمدة الطب باختصاصه في الغوطة الشرقية". ويحاصر الجيش السوري مناطق عدة في ريف دمشق منذ العام 2013. وابرز المناطق المحاصرة مدن وبلدات دوما وعربين وزملكا في الغوطة الشرقية. وتسيطر فصائل مقاتلة غالبيتها اسلامية على هذه المناطق.

جرائم حرب

من جانب اخر قالت منظمة العفو الدولية إن جماعات مسلحة من المعارضة السورية ربما ارتكبت جرائم حرب في قصفها المكثف لمنطقة خاضعة لسيطرة كردية في مدينة حلب بشمال البلاد. وأضافت المنظمة إنها جمعت أدلة على مقتل العشرات من المدنيين في القصف العشوائي لحي الشيخ مقصود في حلب التي تنقسم السيطرة فيها على الاغلب بين قوات الحكومة والمعارضة. والعنف جزء من قتال محتدم بين ميليشيا وحدات حماية الشعب الكردية -المدعومة من واشنطن في قتالها ضد متشددي تنظيم داعش- وبين جماعات معارضة بعضها مدعوم من بلدان أجنبية عبر تركيا. ويتبادل الجانبان الاتهام بقتل مدنيين.

وقالت العفو الدولية في بيان "نفذت جماعات مسلحة تحاصر حي الشيخ مقصود.. بصورة متكررة هجمات عشوائية قصفت منازل مدنية وشوارع واسواقا ومساجد مما أدى إلى مقتل وإصابة مدنيين وأظهر استهانة سافرة بالحياة الإنسانية." وقالت ماجدالينا مغربي نائبة مدير منطقة الشرق الأوسط بالمنظمة إن الهجمات "قد ترقى إلى جرائم حرب." "بإطلاقها قذائف غير دقيقة على أحياء مدنية فإن الجماعات المسلحة التي تهاجم حي الشيخ مقصود تنتهك بشكل فادح مبدأ التمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية وهو قاعدة أساسية بالقانون الدولي."

واعتمدت المنظمة على شهادات شهود عيان ومقاطع مصورة وقالت إن 83 مدنيا على الأقل بينهم 30 طفلا قتلوا في المنطقة في الفترة من فبراير شباط إلى أبريل نيسان. ومنذ شهور تقاتل وحدات حماية الشعب وحلفاء لها مقاتلين معارضين من بينهم جماعات إسلامية في شمال محافظة حلب المتاخمة لتركيا. وزات وتيرة القصف على حي الشيخ مقصود -التي تقطنه نسبة كبيرة من الأكراد- منذ فبراير شباط. بحسب رويترز.

ويقول مقاتلو المعارضة إن وحدات حماية الشعب تريد فتح طريق للدخول من تركيا إلى المشارف الغربية لمدينة حلب والتي تسيطر عليها المعارضة بحلب. ويقولون إن القوات الكردية تعمل مع الحكومة السورية. وتنفي وحدات حماية الشعب هذا الاتهام.

قائمة الإرهاب

على صعيد متصل واجهت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وأوكرانيا، دعوة روسيا في مجلس الأمن لإدارج فصيلين مسلحين في سوريا على قائمة المنظمات الإرهابية، بالرفض، وفق ما أوردت مصادر دبلوماسية. وأفادت مصادر دبلوماسية أن موسكو طلبت إضافة فصيلي "أحرار الشام" و"جيش الإسلام" على قائمة المنظمات الإرهابية لارتباطهما بتنظيمي القاعدة و"داعش"، إلا أن طلبها جوبه برفض الدول الأربع.

وأرجع المتحدث باسم البعثة الأمريكية في الأمم المتحدة سبب رفض الطلب الروسي إلى أن الفصيلين "هما طرفان مشاركان في وقف إطلاق النار"، مشددا على أن إدراجهما على القائمة السوداء يمكن أن يؤدي إلى "تداعيات سيئة على الهدنة في وقت نحاول فيه تهدئة الوضع". و"جيش الإسلام" هو الفصيل المعارض الأقوى على الإطلاق في منطقة دمشق ويحظى بدعم السعودية، أما حركة "أحرار الشام" فهي من أهم الفصائل الإسلامية المعارضة وتنشط في محافظات سورية عدة. والحركة التي تمولها تركيا ودول خليجية قاتلت خصوصا إلى جانب جبهة النصرة، ذراع تنظيم القاعدة في سوريا، قرب حلب وفي محافظة إدلب. بحسب فرانس برس.

وتمكن تنظيم داعش من قطع طريق إمداد رئيسية بين حمص وتدمر بعد أسابيع من استعادة الجيش السوري السيطرة على المدينة الأثرية، بحسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان. وقال المرصد السوري إن التنظيم "تمكن من قطع طريق الإمداد الرئيسية بين حمص وتدمر قرب مطار التيفور العسكري بعد شنه هجوما من شرق حمص". وتسيطر قوات النظام السوري على هاتين المدينتين، بعدما تمكن الجيش في نهاية آذار/مارس بدعم من الطيران الروسي من استعادة السيطرة على مدينة تدمر المدرجة على لائحة اليونيسكو للتراث العالمي.

الظواهري من جديد

من جانب اخر دعا أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة المقاتلين المتشددين في سوريا للاتحاد أو مواجهة خطر الموت ولكنه وصف من جديد متشددي تنظيم داعش بأنهم "غلاة" في تسجيل صوتي جديد بث على الإنترنت. ويعترف الظواهري الذي خلف أسامة بن لادن مؤسس تنظيم القاعدة بفروع التنظيم في الشرق الأوسط وفي شمال أفريقيا وجنوب آسيا. لكن هيمنة الجماعة تعرضت لتحد ماثل بقيام تنظيم داعش الذي يسيطر على أجزاء من سوريا والعراق وله أتباع في اليمن وليبيا.

وفي سوريا فإن تنظيمي داعش وجبهة النصرة هما أكبر تنظيمين يقاتلان القوات الحكومية السورية. وكان التنظيمان يعملان تحت مظلة تنظيم واحد إلى أن انفصلا في 2013 لأسباب أهمها الصراع على السلطة بين قادتها. وقال الظواهري "من واجبنا اليوم أن ننفر لنصرته خفافا وثقالا وأن نحرض على وحدة المجاهدين في الشام حتى يتحرر من النظام النصيري العلماني وأعوانه الروافض الصفويين وحلفائه الروس والغربيين الصليبيين. "إخواني المجاهدين من كل الدنيا.. إن مسألة الوحدة هي قضية الحياة أو الموت لكم."

ولم يتسن على الفور التحقق من صحة التسجيل وهو الأول منذ يناير كانون الثاني لكنه يحمل سمات تسجيلات الظواهري السابقة. وفي يناير دعا الظواهري وهو طبيب سابق مصري إلى الثأر بعدما أعدمت السعودية عشرات المتشددين. وانتقد الظواهري في تسجيل يوم العملية السياسية التي تدعمها الأمم المتحدة سعيا للوصول إلى حل في سوريا وأشاد بجبهة النصرة التي تسيطر على معظم أجزاء محافظة إدلب. بحسب رويترز.

وجبهة النصرة جزء من تحالف من فصائل إسلامية يدعى جيش الفتح الذي يقود معارك ضد القوات الحكومية السورية وحلفائها الروس والمدعومين من إيران في ريف جنوب حلب. وفي يناير كانون الثاني حاولت جبهة النصرة ولم تفلح في إقناع الفصائل الإسلامية المنافسة للتوحد في كيان واحد بمن فيهم تنظيم أحرار الشام. وشدد الظواهري من جديد على الانقسام الأيديولوجي بين القاعدة والدولة الإسلامية التي تقاتل القوات الروسية والتحالف الذي يقوده الغرب. وتقاتل في نفس الوقت المعارضين المدعومين من الغرب والجيش السوري. ووصف الظواهري أتباع تنظيم داعش بأنهم "غلاة خوارج" وقال إنه ينتهي بهم المطاف متنصلين من معتقداتهم ومنهاجهم.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي