أمريكا وإيران، بين زئبقية المعتدلين وصلابة المتشددين
كمال عبيد
2015-01-20 04:27
على الرغم من الدفء الحذر في العلاقات الامريكية الايرانية عقب انتخاب الرئيس حسن روحاني في عام 2013 والمفاوضات مع القوى العالمية الست بشأن النزاع الدائر منذ 12 عاما حول البرنامج النووي الإيراني، لا تزال الجمهورية الاسلامية الايرانية خصما عنيدا للولايات المتحدة، فمنذ نحو عامين يجري كبار الدبلوماسيين في طهران مفاوضات مع واشنطن - اولا سرا ثم علانية - لإنهاء الخلاف حول برنامج ايران النووي المثير للجدل.
لكن يبدو أن طريق حل الازمة النووية الايرانية مليء بأشواك الصراعات والاجندة الخاصة، التي تتغدى على الخطابات والتصريحات والمحادثات المتماهية دون الوصول الى معالجات أو اتفاقات جذرية بين طرفي الازمة، وهذا قد يضع الحل الدبلوماسي في خطر وثمة احتمال بأن ينتهي الأمر في إحدى المراحل، الى مواجهة عسكرية والعودة الى نقطة الصفر.
إذ يرى بعض المحللين ان تصاعد لهجة المعارك الكلامية المستمر بين طرفي الصراع الأمريكي الإيراني، يظهر ذريعة سياسية لإخفاء النوايا المبيتة والرهانات الشبه حتمية والحقيقية الموجود لدى البلدين، وقد اتضح جليا من خلال اعتمادهما على سياسة الغموض الاستراتيجي بالقوة الناعمة، التي تجسدها ديمومة الجدلية والمراوغات السياسية وصراع الأجندة بين الدولتين المتخاصمتين، لتشكل تلك القضايا محركا رئيسا لتصاعد التوترات والاتهامات بين إيران وأمريكا والتي تنعكس بصورة مباشرة على سير حل الازمة النووية.
فعلى الرغم مما يظهر من بوادر أزمة، فقد أضفت التحركات الحثيثة والليونة الدبلوماسية غير المسبوقة بين طرفي النزاع وخاصة من لدن الجانب الايراني، مناخا ايجابيا يتيح احتمال التوصل لاتفاق نووي وشيك، خصوصا بعد التقارب التاريخي بين امريكا وايران، مما أثار آمالا بحدوث انفراجة في جدار النزاع الطويل الامد، لكن في الوقت نفسه يواجه المفاوضون ضغوطا في واشنطن مع كونغرس يميل الى تشديد العقوبات الاقتصادية على ايران، وفي ايران مع الجناح المتشدد للنظام المعارض لأي تنازل حول تخصيب اليورانيوم الذي يعتبره حقا، ويشكك هذا الجناح ايضا في النوايا الامريكية، ولم تكشف إيران أو القوى الست تفاصيل المفاوضات وتجنبوا الاتهامات المتبادلة بسوء النوايا التي شابت اجتماعات كانت قد عقدت من آن لآخر على مدى العقد المنصرم.
لكن يرى معظم المحللين ان النزاع النووي بين الجانبين جسد في مختلف مراحله وتطوراته السابقة صورة مرسخة من عدم الثقة والعداء المتبادل الممزوجة بالمناورات السياسية والأجندة المجهولة، حيث شكلت جل هذه العوامل عقبات كبرى أمام تسوية تاريخية للقضية النووية في السنوات القليلة الماضية.
وعليه تشي المعطيات آنفة الذكر بأن النزاع النووي بين ايران وخصومها يتسم بالمناورات السياسية والأجندة المجهولة في مختلف مراحله وتطوراته السابقة، بسبب معضلة فقدان الثقة بين الاطراف المتخاصمة، لذا ليس من السهل الحصول على تسوية سريع لنزاع يشوبه الغموض ومستمر منذ عقد تقريبا واثار مخاوف من اندلاع حرب جديدة في الشرق الأوسط.
فعلى الرغم من ان المشهد مهيّأ للدبلوماسية من خلال المبادرات إلايرانية التصالحية بشأن برنامجها النووي واستعداد واشنطن للتعامل مع طهران دبلوماسيا، الا انه لا يتوقع حدوث انفراجة كبرى ما لم تقرن الأقوال بالافعال، مما يعني أن الازمة النووية كوضع وكتجربة ستبقى قيد البرغماتية والتنازلات السياسية الخفية والعلنية بين اطراف الازمة.
رؤى أوباما حول الازمة النووية
في مؤتمر صحفي مشترك بالبيت الأبيض حث أوباما ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أعضاء الكونجرس على التحلي بالصبر وتأجيل أي تشريعات لفرض عقوبات جديدة، وفق ما ذكرته رويترز.
وقال أوباما للصحفيين "لا توجد حجة جيدة لدينا لمحاولة تقويض المفاوضات إلى أن تنتهي... على الكونجرس التحلي بالصبر"، وأضاف "رسالتي الرئيسية للكونجرس هي "لا تطلقوا النار"، وقال أوباما إنه أبلغ المشرعين الديمقراطيين بأنه سيرفض مشروع قانون يدعو لفرض عقوبات جديدة اذا أحيل له.
على صعيد آخر اعلن الرئيس الاميركي في مقابلة صحافية ان الولايات المتحدة غير مستعدة لفتح سفارة اميركية في طهران قبل التوصل الى اتفاق حول الملف النووي الايراني، بخلاف ما هو حاصل بالنسبة الى كوبا. بحسب فرانس برس.
وفي ذات الصدد قال أوباما في مقابلة مع الإذاعة الوطنية إن إيران يمكن أن تصبح "قوة إقليمية ناجحة للغاية" إذا وافقت طهران على اتفاق طويل الأمد لكبح برنامجها النووي، وتابع في المقابلة التي سجلت في البيت الأبيض في 18 ديسمبر كانون الأول ومن المقرر أن تذاع هذا الأسبوع "أمامها (إيران) فرصة للتصالح مع العالم".
من جانب آخر اكد نائب الرئيس الاميركي جو بايدن ان الولايات المتحدة لن تدع ايران تملك السلاح النووي في اطار المفاوضات مع طهران حول برنامجها النووي المثير للجدل، ساعيا الى طمأنة اسرائيل حول امنها.
تصريحات خامنئي
من جهة أخرى اعرب المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية اية الله علي خامنئي عن عدم ثقته بواشنطن بشان المحادثات مع بلاده للتوصل الى اتفاق بشان برنامجها النووي، وقال خامنئي في كلمة في طهران "الولايات المتحدة تقول بغطرسة انه اذا قدمت ايران تنازلات في المسالة النووية، فانها لن ترفع العقوبات مرة واحدة، وفي ضوء ذلك كيف يمكننا ان نثق بمثل هذا العدو؟"، وفقا لما ذكرته فرانس برس.
وتأتي تصريحات خامنئي بعد يوم من دفاع وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف عن قيادته المفاوضات النووية مع القوى الكبرى امام نواب في مجلس الشورى (البرلمان) ينتقدون بشدة التنازلات التي منحت على حد رأيهم للغربيين.
لكن ظريف رأى ان المفاوضات غيرت صورة ايران التي كان ينظر اليها في ما مضى على انها "تمثل تهديدا وخطرا على السلام والامن الدوليين" واصبحت بلدا "تصالحيا ومستقرا وقادرا".
واثار خامنئي مجددا احتمال عدم التوصل الى اتفاق نهائي ودعا الى الاعتماد على النفس في مواجهة العقوبات الغربية الشديدة التي تخضع لها ايران والتي قوضت صادرات البلاد من النفط الذي يعد مصدرا مهما للدخل.
ويدعم خامنئي حتى الآن المفاوضات وجهود الرئيس حسن روحاني لحل الأزمة غير أنه استمر في تضمين خطاباته عبارات مثل "الأعداء" و"الشيطان الأكبر" لإرضاء المتشددين الذين كانت مشاعرهم المعادية للولايات المتحدة أساسية في قيام الثورة الإسلامية في إيران. بحسب رويترز.
وفي ذات الاطار قال حساب على موقع تويتر منسوب للزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إن تقريرا صادرا عن مجلس الشيوخ الأمريكي بشأن وقائع تعذيب قامت بها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أظهر الحكومة الأمريكية "كرمز للطغيان ضد الإنسانية". بحسب رويترز.
وقالت تغريدة "الحكومة الأمريكية اليوم رمز للطغيان ضد الإنسانية"، وجاء في تغريدة أخرى "انظروا إلى الطريقة التي تعامل بها الإنسانية من قبل القوى المهيمنة بالدعاية البراقة وباسم حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية".
على صعيد ذو صلة وصف مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان جهود الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية بأنها خدعة لتعزيز السياسات الأمريكية في المنطقة، وقال عبد اللهيان في مقابلة حصرية مع رويترز مستخدما الاختصار باللغة العربية لتنظيم الدولة الإسلامية "الحقيقة أن الولايات المتحدة لا تعمل على القضاء على (تنظيم) داعش. إنها حتى غير مهتمة بإضعاف داعش إنها مهتمة فقط بإدارة الصراع معه".
إذكاء عقوبات جديدة
في حين توقع السناتور الجمهوري ماركو روبيو ان يصوت الكونغرس الاميركي الجديد في العام 2015 على عقوبات جديدة بحق ايران على الرغم من معارضة الرئيس باراك اوباما لذلك. وفقا لفرانس برس.
وتابع هذا السناتور الذي يعتبر احد المرشحين في السباق لنيل ترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية العام 2016 "انا مستعد للتصويت على عقوبات جديدة على ايران ابتداء من اليوم".
وكان عدد من اعضاء مجلس الشيوخ اعلنوا خلال الاشهر الاخيرة تأييدهم لمشروع قانون اعده الديموقراطي روبرت منينديز والجمهوري مارك كيرك يفرض عقوبات بشكل آلي على ايران في نهاية مهلة محددة في حال لم يتم التوصل الى اي اتفاق، خلال ستة اشهر على سبيل المثال.
ومع تحول الاكثرية الى الجمهوريين في الكونغرس مطلع الاسبوع المقبل، سيكون باستطاعتهم التدخل بشكل فعال اكثر في تحديد وجهة مسار المفاوضات القائمة بين الدول الست الكبرى وايران بشأن الملف النووي لطهران.
كما يريد عدد اخر من اعضاء الكونغرس التصويت على اجراء قدمه الرئيس الجديد للجنة الشؤون الخارجية بوب كوركر يجبر الحكومة الاميركية على الحصول على موافقة الكونغرس قبل التوقيع على اي اتفاق مع ايران.
في حين حذر الرئيس الأمريكي باراك أوباما المشرعين الأمريكيين من فرض عقوبات جديدة على ايران تتصل ببرنامجها النووي وقال إن اتخاذ خطوة من هذا النوع سيضر بالمحادثات الدبلوماسية ويزيد احتمال اندلاع صراع عسكري مع طهران.
الى ذلك دانت ايران العقوبات الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة على تسعة افراد وشركات متهمين خصوصا بالالتفاف على العقوبات المفروضة على طهران. بحسب فرانس برس.
وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الايرانية مرضية افخم في لقائها الاسبوعي مع الصحافيين "نرفض بحزم هذا الاجراء الذي يشكل انتهاكا واضحا للارادة الحسنة" التي يفترض ان تتحلى بها الولايات المتحدة خلال المفاوضات.
ما علاقة رسوم شارلي ابدو بالازمة النووية؟
الى ذلك أجرى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري محادثات مكثفة مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف بشأن برنامج طهران النووي وعقدا جلسة مسائية قبل أن يحيلا الأمر إلى نائبيهما. حسبما ذكرته رويترز.
وجددت إيران والدول الست الكبرى الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين والمانيا مساعيها للتوصل إلى اتفاق نووي بعد أن فشل المفاوضون للمرة الثانية في نوفمبر تشرين الثاني في التوصل إلى اتفاق بحلول أجل مهلة نهائية حددوها لأنفسهم.
وفي وقت سابق قال ظريف إن الحوار الجاد مع الغرب سيكون أسهل اذا احترم حساسيات المسلمين التي أثارتها أحدث رسوم الكاريكاتير في صحيفة شارلي ابدو الفرنسية.
وقال ظريف للصحفيين قبل اجتماعه مع كيري إن الاجتماع سيساعد في قياس مدى استعداد الجانبين للمضي قدما تجاه ابرام اتفاق لكبح البرنامج النووي الايراني مقابل تخفيف العقوبات، وسيؤدي الاتفاق المأمول الذي يحل أجل مهلته الجديدة في 30 يونيو حزيران الى رفع تدريجي لعقوبات مالية وتجارية صارمة فرضت على الجمهورية الاسلامية منذ 2006 . وسيكون رفع العقوبات مقابل قيود يمكن التأكد منها على تخصيبها لليورانيوم لضمان عدم استخدامه في انتاج اسلحة نووية.
وعن أحدث نسخة لصحيفة شارلي إبدو الفرنسية الأسبوعية والتي يظهر على صفحتها الأولى رسم للنبي محمد قال ظريف "نعتقد أن المقدسات يجب أن تحترم، وأضاف أن احترام المقدسات يسهل إقامة علاقات يسودها الاحترام بين الشعوب.