سوريا.. بين الطريق إلى الفيدرالية وحتمية التقسيم
عبد الامير رويح
2016-04-24 02:17
تطورات جديدة تشهدها الملف السوري يمكن ان تسهم وبحسب بعض الخبراء، في خلق أزمة جديدة قد تكون سببا في تعقيد الوضع الراهن وعرقلة الحلول المطروحة للوصول الى حل نهائي وشامل للقضية السورية، حيث يسعى أكراد سوريا الى الاستفادة من الوضع الحالي وتحقيق مكاسب جديدة واقامة نظام فيدرالي شمالي سوريا، معربين عن أملهم في أن يعمم النظام الفيدرالي على بقية مناطق البلاد، هذه الرغبة الكردية وبحسب بعض المصادر تواجه رفض قوي من قبل بعض الاطراف والدول، فهذا الامر يثير غضب أنقرة التي يبدو أنها حسمت أمرها في اتجاه الخيار العسكري لإنهاء هذه الطموحات الانفصالية خشية انتقالها وتمددها إلى الداخل التركي، كما ان غالبية القوى السورية المعارضة تتخوف من أن تؤدي الفيدرالية إلى تقوية نفوذ الأقليات داخل سورية، وخاصة الكرد الذين قد يسعون لدولة كردية مستقلة عن سورية. ويسيطر مسلحو وحدات حماية الشعب الكردية على أراض تمتد لـ400 كليومتر على طول الحدود السورية مع تركيا، وتسيطر أيضا على أجزاء منفصلة على الحدود الشمالية الغربية، في منطقة عفرين.
كما ترفض الحكومة السورية فكرة النظام الفيدرالي، بينما تراه بعض الدول صيغة محتملة للحكم في سوريا. وقد عزز الأكراد مواقعهم شمالي سوريا خلال النزاع المسلح، وسيطروا على مناطق طردوا منها تنظيم داعش، وأعلنوا فيها إدارة مستقلة. ولا يشارك حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في محادثات السلام في جنيف، وهو ما يرضي رغبة تركيا التي تعده امتدادا لحزب العمال الكردستاني، الذي يخوض تمردا جنوب شرقي تركيا، وتصنفه أنقرة ودول غربية تنظيما إرهابيا.
وفيما يخص اخر التطورات فقد اندلعت معارك دامية بين القوات الحكومية والمقاتلين الأكراد في مدينة القامشلي الواقعة شمال شرق سوريا، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان وما أكده مصدر كردي. وقال مصدر أمني كردي إن "الاشتباكات العنيفة اندلعت بين الأكراد مدعومين بقوات الأمن الداخلي (الأسايش) من جهة، وقوات النظام السوري مدعومة بالدفاع الوطني من جهة ثانية، إثر إشكال عند حاجز في المدينة".
وتتقاسم القوات الكردية المحلية والنظام السوري السيطرة على مدينة القامشلي، التي تقطنها أكثرية كردية، في محافظة الحسكة. ووسط هذه المعارك، "وقع انفجار بدراجة نارية مفخخة قرب حاجز للاساييش قرب حي طي في المدينة"، من دون ان يشير الى سقوط ضحايا. وتبنى تنظيم داعش تفجير احد عناصره بحزام ناسف حاجزا لقوات الاساييش في المدينة. وانسحبت قوات النظام السوري تدريجيا من المناطق ذات الغالبية الكردية مع اتساع رقعة النزاع في سوريا العام 2012، لكنها احتفظت بمقار حكومية وادارية وبعض القوات، لا سيما في مدينتي الحسكة والقامشلي.
في السياق ذاته يهدف أكراد سوريا وحلفاؤهم إلى استكمال خططهم لإقامة اتحاد سياسي يتمتع بالحكم الذاتي في شمال سوريا خلال ستة أشهر مواصلين بذلك العمل في تنفيذ الخطة رغم اعتراضات حكومات أجنبية تخشى تفكك سوريا. وفي الوقت الذي تتعثر فيه المحادثات الرامية لإنهاء الصراع الدائر في سوريا منذ خمس سنوات بدأت هذه الخطط تتبلور بعيدا عن الجهود الدبلوماسية التي ترعاها الأمم المتحدة لتخلق حقائق على الأرض في منطقة من البلاد يعرفها الأكراد باسم روج أفا في اللغة الكردية.
لكن هدف الوصول إلى إدارة فيدرالية يقول المسؤولون الأكراد إنها ستتيح لغيرهم من الجماعات العرقية الحكم الذاتي والتمتع بالحقوق يواجه مقاومة لا سيما من الولايات المتحدة التي تدعم الميليشيا الكردية الرئيسية عسكريا. وقالت هداية يوسف المسؤولة الكردية التي تقود المساعي الرامية لإنشاء الحكومة الجديدة إن الوقت قد حان لكي يقدم الغرب دعمه الكامل لخطة تقول إنها لا تهدف إلى انفصال الأكراد بل إلى المساعدة في تسوية الأزمة السورية. وقالت "لا نتوقع من الأطراف المعادية أن يؤيدوا هكذا المشروع ولكن على الأمل من دول الغرب والدول التي عاشت تجربة اتحادات وفيدراليات بأنهم سوف يقدمون المساعدة ليتطور هكذا مشروع."
وقد برزت الجماعات الكردية كبعض من أفضل الجماعات تنظيما في سوريا منذ تفجر الصراع عام 2011. واستطاعت وحدات حماية الشعب وهي الفصيل الكردي المسلح الرئيسي اقتطاع ثلاث مناطق في شمال سوريا حيث تأسست بالفعل حكومات إقليمية. وتتوقع هداية أن تتوسع الحكومة الفيدرالية الجديدة لتشمل ما يخسره تنظيم داعش من مناطق. ووحدات حماية الشعب شريك أساسي للولايات المتحدة في حملتها على داعش في سوريا وتشكل عماد تحالف قوى سوريا الديمقراطية الذي يحارب التنظيم المتشدد في مناطق واسعة من شمال البلاد.
لكن ذلك لم يترجم إلى دعم سياسي من جانب الولايات المتحدة التي تؤثر في تشكيل سياساتها مخاوف تركيا من أن يغذي تزايد النفوذ الكردي في سوريا الاتجاه الانفصالي بين الأقلية الكردية التركية. وعندما صوت ممثلو الشمال الخاضع لسيطرة الأكراد بالموافقة على إقامة النظام الاتحادي الديمقراطي روج أفا أكدت واشنطن من جديد معارضتها لإقامة "مناطق تتمتع بحكم شبه ذاتي داخل سوريا".
من ناحية أخرى لم يدع حزب الاتحاد الديمقراطي وهو الحزب الرئيسي للأكراد السوريين للمشاركة في محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة بما يتفق مع رغبات تركيا. وقالت هداية (43 عاما) إن قرار إنشاء حكومة اتحادية يرجع في جانب كبير منه إلى اتساع نطاق الأراضي التي يتم الاستيلاء عليها من الدولة الإسلامية بما تشمل من مدن عربية. وأضافت "الآن بعد تحرير الكثير من المناطق تطلب (الأمر) ... أن نذهب إلى نظام أوسع وأشمل (يستوعب) ... جميع التطورات التي تحدث في المنطقة وأيضا ل... القبلية والحقوق لجميع المكونات الموجودة في المنطقة لأن يمثلوا ذاتهم لأن يشكلوا إدارتهم الذاتية."
وسجنت هداية عامين في دمشق قبل بدء الحرب بتهمة الانضمام لعضوية منظمة سرية تهدف لتفتيت سوريا أما اليوم فهي ترفض إي إشارة إلى أن الأكراد يسعون لتطبيق خطة انفصالية حتى مع تزايد قوتهم. وتشارك هداية في رئاسة مجلس من 151 عضوا يضم أكرادا وعربا وتركمانا وأشوريين وغيرهم من الجماعات التي ستعتمد دستورا جديدا يعرف باسم "العقد الاجتماعي". وسيبدأ صياغة هذا الدستور بعد لقاءات تشاورية على المستوى المجتمعي.
وقد عقدت لقاءات من هذا النوع في مدينة الشدادي التي تم الاستيلاء عليها في الآونة الأخيرة من الدولة الإسلامية ومدينة صرين الواقعة شرقي نهر الفرات في محافظة حلب والتي تم الاستيلاء عليها من الجهاديين في العام الماضي. وقالت هداية "كل اللقاءات إلى الآن هي إيجابية." وأضافت أنه رغم عدم الاتفاق حتى الآن على التفاصيل فسيكون للحكومة الجديدة مجلس تشريعي لم يتحدد مقره بعد. كما أن الدستور سيحدد أيضا طبيعة العلاقة بين الاتحاد الفيدرالي والحكومة الديمقراطية المستقبلية في سوريا. وقالت هداية "بعد المصادقة على العقد الاجتماعي لنظام الفيدرالية سوف يتم تنظيم الانتخابات العامة في مناطق الفيدرالية الديمقراطية وبذلك سيتم تشكيل المجلس الذي يتم انتخابه من قبل الشعب." بحسب رويترز.
ويرفض الرئيس السوري بشار الأسد وجماعات المعارضة التي تقاتل لإسقاطه ما ترى إنه اتجاه انفصالي لدى الأكراد. وقالت حكومة الأسد إن التصويت الشهر الماضي على السعي لحكم ذاتي ليس له أي قيمة قانونية لأنه لا يمثل رغبة السوريين كلهم. وقالت هداية إن الاستعدادات خلال الأشهر الستة المقبلة ستشمل دبلوماسية عامة في الخارج لشرح الخطة وأضافت "سوف نجاهد بكل جهدنا أن نكون جاهزين" خلال ستة أشهر.
انقسام داخلي
الى جانب ذلك ندد أحد زعيمي تحالف سياسي من الأكراد والعرب في سوريا بقرار اتخذته المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في شمال البلاد بالسعي للحصول على حكم ذاتي مما يظهر معارضة للخطوة حتى بين أقرب حلفائهم. واتفقت المناطق الشمالية السورية الثلاث في مؤتمر على إقامة نظام ديمقراطي اتحادي للإدارة الذاتية بشمال سوريا. وسارعت الحكومة السورية وتركيا إلى إدانة الخطوة وكذلك واشنطن التي تخشى من أن تعقد محادثات السلام التي تدعمها الأمم المتحدة في جنيف.
وقال هيثم مناع الذي يرأس مجلس سوريا الديمقراطية إلى جانب الناشطة الكردية إلهام أحمد إن الخطوة غير مناسبة. وأضاف متحدثا بالنيابة عن تيار (قمح) وهو تيار رئيسي في المجلس "نرفض هذا الإجراء الأحادي الجانب ونطالب بالتراجع عنه والعمل في إطار مجلس سوريا الديمقراطية." وتشكل المجلس الذي يجمع الأكراد والعرب وآخرين في ديسمبر كانون الأول الماضي خلال اجتماع في شمال شرق سوريا بهدف تشجيع رؤية ديمقراطية علمانية للبلاد.
وحزب الاتحاد الديمقراطي السوري الكردي جزء من المجلس وكان إلى جانب المجموعات العربية والآشورية والتركمانية وغيرها في الشمال من المؤيدين الرئيسيين للعملية التي أدت إلى إعلان النظام الاتحادي. وقال مناع "حزب واحد من مكونات مجلس سوريا الديمقراطية قام بهذا الإجراء بشكل منفرد" مضيفا أن هذا الإعلان يتناقض مع أهداف المجلس. ومضى مناع يقول "نحن مع سوريا المركزية الديمقراطية ولكن عندما أتحدث عن ذلك نتحدث عن نظام يتناسق مع الوضع السوري وينطلق من المعطيات السورية ويقرره الشعب السوري ولا يفرض من أي جانب بسبب وجوده العسكري في المنطقة."
من جانب اخر قال مسؤولون أكراد إنهم يؤيدون فكرة إقامة نظام اتحادي يتمتع بحكم ذاتي في شمال سوريا لكنهم رفضوا الخطوات التي اتخذها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي للسعي للحكم الذاتي بوصفها غير قانونية. وقال عبد الحكيم بشار وهو ممثل للأكراد بالهيئة العليا للمفاوضات التي تضم ثلاثة مفاوضين أكراد إن سوريا ستحتاج إلى نظام اتحادي بالمستقبل. وأضاف "أعتقد أن الفيدرالية ستكون الحل الأمثل لسوريا بسبب النزاعات التي أحدثها النظام بين الشعب السوري."
وقال إن اتخاذ قرار بهذا الصدد يجب ألا يتم إلا حين يتنحى الرئيس بشار الأسد وبعد استشارة الشعب السوري بكامله. وأضاف بشار "سنمارس ضغطا لإقامة دولة فيدرالية حينئذ لكن المنطقة الفيدرالية التي أعلنها الآن (حزب الاتحاد الديمقراطي) لم يتم الاتفاق عليها بين الناس... سيقلب هذا الرأي العام ضد الأكراد لأننا كان ينظر إلينا دائما على أننا انفصاليون وسيعزز هذا القرار وجهة النظر هذه." ويقول حزب الاتحاد الديمقراطي إن المسؤولين الأكراد بالهيئة العليا للمفاوضات لا يمثلون الأكراد على الأرض وإنه هو الذي يجب أن يتفاوض في جنيف نيابة عن الأكراد. بحسب رويترز.
وقال بشار "إذا كان التمثيل يأتي تحت تهديد السلاح فبالطبع حزب الاتحاد الديمقراطي يمثل الأكراد لكنني واثق أننا نمثل ما بين 70 و80 في المائة من الشعب الكردي." وأضاف "إذا كان التمثيل يتقرر تحت تهديد السلام فبوسعنا أن نقول أيضا إن داعش تمثل نصف سوريا." ومنعت تركيا مشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي بالمحادثات إذ تخشى من أن يذكي تنامي نفوذ الأكراد في سوريا المشاعر الانفصالية بين أقليتها الكردية. وهي تعتبر الجناح العسكري للحزب حليفا لحزب العمال الكردستاني الذي حارب من أجل حصول الأكراد على حكم ذاتي بجنوب شرق تركيا.
الجامعة العربية
على صعيد متصل اعلنت الجامعة العربية رفضها اعلان الاكراد نظاما فدراليا في المناطق التي يسيطرون عليها في شمال سوريا، مشددة على ان "وحدة الاراضي السورية" ركن مهم للاستقرار في المنطقة. وكانت احزاب سورية كردية اعلنت النظام الفدرالي في مناطق سيطرة الاكراد في شمال سوريا، وسارعت دمشق والمعارضة الى الرفض بقوة.
وقال نائب الامين العام للجامعة العربية السفير احمد بن حلي في تصريحات للصحافيين إن "الجامعة العربية ترفض مثل هذه الدعوات الانفصالية التي تمس وحدة سوريا". واضاف ان جزء من الأكراد أنفسهم رفضوا مثل هذه الدعوات قائلا إن "مبدأ الجامعة العربية في ما يتعلق بالشأن السوري يقوم على ان وحدة سوريا وسلامتها الاقليمية هو احد ثوابت الجامعة العربية". واكد بن حلي ان الجامعة العربية ترى ان "الدعوات الخاصة سواء من اطراف سورية او غير سورية بخصوص وحدة سوريا وسلامته الاقليمية امر مرفوض". واشار الى ان "سوريا الموحدة هى ركن أساسي بالنسبة للامن والاستقرار في المنطقة".
وعضوية سوريا معلقة في الجامعة العربية ويظل مقعدها شاغرا في كافة الاجتماعات العربية. الا ان بن حلي اكد ان "الجامعة العربية ترى ان سوريا هي دولة هامة بالنسبة للنظام الإقليمي العربي الذي تمثله الجامعة العربية". من جانبها، اكدت زارة الخارجية الأميركية أنها لن تقبل بتفكيك سوريا، وانها لن تعترف بمنطقة موحدة تتمتع بحكم ذاتي للاكراد في سوريا. بحسب فرانس برس.
ويشكل الاكراد اكثر من عشرة في المئة من سكان سوريا، وقد عانوا من التهميش على مدى عقود قبل اندلاع النزاع، اذ ان فئة كبيرة منهم محرومة من الجنسية السورية، كما كان يمنع عليهم تعلم لغتهم او الكتابة بها أو حتى احياء تقاليدهم مثل احتفالات عيد النوروز. ويريد الاكراد، الذين اثبتوا فاعلية في التصدي لتنظيم داعش في شمال وشمال شرق سوريا بدعم من قوات التحالف الدولي، تحقيق حلم طال انتظاره بربط مقاطعاتهم الثلاث، الجزيرة (الحسكة) وعفرين (ريف حلب الغربي) وكوباني (ريف حلب الشمالي)، من اجل انشاء حكم ذاتي عليها على غرار كردستان العراق.