تركيا وامريكا.. خلاف حول الاكراد واتفاق ضد روسيا
عبد الامير رويح
2016-04-04 11:40
العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية شهدت في الفترة الاخيرة حالة من التوتر، بسبب مسألة حقوق الإنسان والأزمة السورية، حيث تصاعد الغضب التركي من تأكيد واشنطن على عدم اعتبار حزب الاتحاد الديمقراطي، منظمة إرهابية بسبب مشاركته في الحرب على تنظيم داعش فقد اكدت الولايات المتحدة الأمريكية، على أنها لن تغير موقفها من عدم اعتبار حزب الاتحاد الديمقراطي إرهابيا، كما اعترض البيت الأبيض على عملية القمع العنيفة التي تشنها الحكومة التركية في سبيل تقيد الحريات العامة، وهو ما دفع الرئيس التركي الى اعلان حرب مضادة من خلال توجيه انتقادات مستمرة للولايات المتحدة والرئيس أوباما، فقد ندد الرئيس التركي بشدة بدعم الولايات المتحدة عسكريا لاكراد سوريا الذين تعتبرهم انقرة "ارهابيين"، مؤكدا ان سياسة واشنطن حولت المنطقة الى "بركة دماء".
وقال اردوغان موجها كلامه للاميركيين في خطاب القاه امام مسؤولين في انقرة "منذ ان رفضتم الاقرار بهم (على انهم منظمة ارهابية) تحولت المنطقة الى بركة دماء". واضاف "يا اميركا، لا تستطيعين ان تجبرينا على الاعتراف بحزب الاتحاد الديموقراطي او وحدات حماية الشعب (الكردي). اننا نعرفهما جيدا تماما كما نعرف داعش". ومنذ اشهر، يزداد التوتر بين واشنطن وانقرة بسبب الدعم العسكري الذي توفره الولايات المتحدة لحزب الاتحاد الديموقراطي ووحدات حماية الشعب الكردي في معركتهما ضد تنظيم داعش.
وتعتبر تركيا الحزب وجناحه العسكري تنظيمين "ارهابيين" على صلة وثيقة بحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمردا داميا في تركيا منذ 1984. واستدعي السفير الاميركي في تركيا جون باس الى الخارجية التركية غداة تصريحات للمتحدث باسم الخارجية الاميركية اكد فيها ان حزب الاتحاد الديموقراطي ليس حركة "ارهابية". وتساءل اردوغان حول الشراكة بين بلاده والولايات المتحدة في ضوء تلك التصريحات. وقال "لا افهم. انهم (الاميركيون) يلتزمون الصمت حين نكرر (ان حزب الاتحاد الديموقراطي مجموعة ارهابية) ويقولون لا نعتبرهم على هذا النحو خلف ظهرنا". وتخشى الحكومة التركية ان يتيح الدعم العسكري الاميركي للاكراد السوريين الذين يسيطرون على قسم كبير من اقصى شمال سوريا على طول الحدود التركية، توسيع نفوذهم.
اكراد سوريا
في السياق ذاته طالب رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو الولايات المتحدة بدعم غير مشروط في القتال ضد وحدات من المسلحين الأكراد السوريين في موقف يعكس التوتر المتصاعد بين واشنطن وأنقرة بسبب السياسة المتبعة في شمال سوريا. وقال داود أوغلو أيضا إن تركيا ستتخذ إجراءات أمنية جديدة في جميع أنحاء البلاد وخاصة في العاصمة أنقرة. وتقول تركيا إن وحدات حماية الشعب الكردية السورية التي تدعمها الولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم داعش بسوريا ضالعة في تفجيرات بالتعاون مع حزب العمال الكردستاني المحظور. وقالت واشنطن التي لا تعتبر وحدات حماية الشعب الكردية منظمة إرهابية إنها لا يمكنها أن تنفي أو تؤكد اتهام تركيا للوحدات. وقال داود أوغلو "الشيء الوحيد الذي نتوقعه من حليفتنا الولايات المتحدة هو دعم تركيا بدون شروط وبلا تردد."
من جانب اخر قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن وحدات حماية الشعب الكردية السورية استخدمت أسلحة أمدتها بها الولايات المتحدة ضد المدنيين.ة وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة "لم تقدم أي أسلحة من أي نوع لوحدات حماية الشعب". وترى واشنطن في المقاتلين الأكراد السوريين حلفاء يمكن الاعتماد عليهم ضد التنظيم لكن أنقرة تعتبر هذه الوحدات منظمة إرهابية ذات صلة بمسلحين أكراد يشنون حملة مسلحة في أراضيها منذ عقود.
على صعيد متصل قال إبراهيم كالين المتحدث باسم الرئاسة التركي إن واشنطن باتت أكثر حذرا في صلاتها بمقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية السورية مشيرا إلى أن أنقرة لاحظت بعض التغييرات في موقف واشنطن من هذه العلاقة. وقال كالين للصحفيين في أنقرة "لاحظت بعض التغير في الموقف الأمريكي. اعتقد أنهم باتوا أكثر حذرا." وأضاف "لقد عبروا عن قلقهم من تحركات وحدات حماية الشعب وصلاتهم بالروس ونظام الأسد." واستغلت الوحدات الكردية المكاسب الميدانية التي حققتها القوات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد في الآونة الأخيرة مدعومة بغطاء جوي روسي وتمكنت من احتلال مناطق إضافية على مقربة من الحدود مع تركيا. وتدعم واشنطن الوحدات الكردية في قتالها تنظيم داعش في سوريا لكنها طلبت منها وقف السعي للسيطرة على مناطق أخرى.
عمليات عسكرية
في السياق ذاته دعت الولايات المتحدة تركيا الى التوقف عن قصف مواقع الاكراد والنظام في شمال سوريا، وذلك بعيد انتقال انقرة من التهديد الى التنفيذ وتلويحها بارسال قوات برية بالاشتراك مع السعودية لمحاربة الجماعات الجهادية في سوريا. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية جون كيربي في بيان "لقد دعونا الاكراد السوريين وقوات اخرى تابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي الكردي الى عدم استغلال الفوضى السائدة للسيطرة على مزيد من الاراضي. لقد رأينا ايضا تقارير بشأن قصف مدفعي من الجانب التركي للحدود ودعونا تركيا الى وقف هذا القصف". واضاف "نحن قلقون ازاء الوضع في شمال حلب ونعمل على وقف التصعيد من كل الأطراف".
وتأتي هذه الدعوة الاميركية اثر اعلان انقرة ان مدفعيتها قصفت مواقع للنظام السوري واخرى لحزب الاتحاد الديموقراطي الكردي في شمال سوريا، مؤكدة ان قصفها هو رد على تعرض الاراضي التركية لاطلاق نار. واتى القصف التركي اثر اعلان انقرة استعدادها للتحرك عسكريا ضد المقاتلين الاكراد، والمشاركة في عملية برية مع السعودية ضد الجهاديين في سوريا.
ونقلت وكالة الاناضول التركية للانباء عن مصدر عسكري قوله انه بحسب قواعد الاشتباك قصفت القوات المسلحة التركية اهدافا لحزب الاتحاد الديموقراطي الكردي على مشارف مدينة اعزاز في محافظة حلب، كما رد الجيش على نيران اطلقتها قوات النظام السوري على نقطة حراسة في محافظة هاتاي جنوب تركيا. بحسب فرانس برس.
بدوره، اكد رئيس الوزراء التركي احمد داود اوغلو الضربات التي استهدفت حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي وقال كما نقلت عنه وكالة الاناضول خلال زيارته مدينة ارزنجان التركية في شرق البلاد "عملا بقواعد الاشتباك، قمنا بالرد على القوات الموجودة في اعزاز ومحيطها والتي تشكل تهديدا". وفي اشارة على ما يبدو الى حزب الاتحاد الديموقراطي، تحدث عن "مجموعة ارهابية تشكل فرعا للنظام السوري ومتواطئة في الغارات الروسية ضد المدنيين". وكان المرصد السوري لحقوق الانسان مع مصدر في وحدات حماية الشعب الكردية اعلنا في وقت سابق السبت ان المدفعية التركية استهدفت مناطق خاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية في ريف حلب الشمالي، من بينها قرية المالكية ومطار منغ العسكري.
دولة كردية
من جهة اخرى قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وكما نقلت بعض المصادر، إن كلا من نائب الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير الخارجية جون كيري وعداه بعدم السماح بإقامة دولة يديرها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا. وأكد أردوغان، بعد انتهاء زيارته لواشنطن، عن حدوث تقارب في الموقفين التركي والأميركي بشأن أكراد سوريا وهم أقرب حلفاء واشنطن في المعركة ضد تنظيم داعش، مشيراً إلى أن تركيا طرحت أسماء 2400 مقاتل عربي وتركماني مدربين للتصدي لـ داعش ووصفهم بأنهم جزء من المعارضة المعتدلة وبالتالي لم يعد لدى الولايات المتحدة عذر للتعاون مع وحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي.
ويذكر أن ورشة عمل أعدها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، كشفت عن حجم التعقيدات التي تربط العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة وروسيا بشأن مساعي أكراد سوريا لتكوين فيدرالية في شمال البلاد. وقال الباحث في معهد واشنطن، أندرو تابلر إن الأكراد السوريين يشكلون نقطة خلاف بين واشنطن وأنقرة بسبب اعتبار تركيا أن الحزب جماعة إرهابية، بينما تراه الولايات المتحدة حليفا ضد داعش.
وأوضح تابلر أن في أوساط السياسة الأميركية، تُعتبر تركيا وحزب الاتحاد الديمقراطي حليفين، وإن كانا مختلفين جداً، ضد تنظيم داعش، فتركيا تتشارك مع سوريا حدودا طويلة ولها قواعد عسكرية كثيرة ولها ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي (الناتو). وفي الوقت نفسه، كان حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه المسلح وحدات حماية الشعب، أكثر القوات البرية فعالية في استعادة الأراضي السورية من قبضة داعش.
من جانبه قال سونر جاغابتاي، مدير برنامج الأبحاث التركية في المعهد، إنه يمكن تعريف العلاقات الحالية بين الولايات المتحدة وتركيا في ما يتعلق بـحزب الاتحاد الديمقراطي على أنها انفراج عملي في العلاقات، فأنقرة لا تعارض مساعدة واشنطن للحزب في عمليات شرق الفرات. كما أن واشنطن لا تعارض ضرب تركيا لـحزب الاتحاد الديمقراطي من المناطق القريبة من الحدود، وفي مناطق أعمق داخل سوريا.
حرية الصحافة
الى جانب ذلك ندد الرئيس الأميركي باراك أوباما بأشد العبارات بالمسار "المقلق جدا" الذي ينتهجه نظيره التركي رجب طيب أردوغان حيال حرية الصحافة في تركيا. وقال أوباما الذي كان التقى أردوغان في واشنطن "ليس هناك أي شك في أن الرئيس أردوغان انتخب مرات عدة وفق عملية ديموقراطية، ولكن أعتقد أن النهج الذي اعتمدوه حيال الصحافة يمكن أن يودي بتركيا إلى مسار من شأنه أن يكون مقلقا جدا". وتتهم السلطات التركية بالاستبداد وتكميم أفواه الصحافيين المعارضين، وخصوصا بعد وضع صحيفة "زمان" اليومية تحت الوصاية مؤخرا.
وقال أوباما "أؤمن بشدة في حرية الصحافة. وأؤمن بشدة في حرية الدين، ودولة القانون والديموقراطية". وأضاف في ختام قمة الأمن النووي في واشنطن "ليس سرا أن هناك بعض الديناميات التي تثير قلقي في تركيا"، مشيرا إلى أنه أبدى مخاوفه هذه "مباشرة" لنظيره التركي. وتوترت في الأشهر الأخيرة العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، الحليفتان في حلف شمال الأطلسي، بسبب قضايا عدة بينها حرية التعبير والصحافة، ولكن أيضا حيال الملف السوري، وخصوصا منذ بدأت أنقرة بشن حملة على التنظيمات الكردية فيما تعتبر واشنطن ان المقاتلين الاكراد هم الاجدى في مكافحة الجهاديين على الارض. بحسب فرانس برس.
وأوضح الرئيس الأميركي أنه "كما هو الحال مع العديد من الأصدقاء والشركاء، ونحن نعمل معهم (الأتراك)، ونتعاون معهم ونقدر جهودهم، وستكون هناك خلافات. وحيثما تكون الخلافات سنعبر عنها، وهذا ما حاولت القيام به هنا". ووقعت اشتباكات أمام معهد "بروكينغز" الاميركي على هامش كلمة لاردوغان هناك. وقبل وصول الرئيس التركي، اشتبك مسؤولون في جهاز امنه مع متظاهرين مؤيدين للاكراد كانوا يحتجون على وجوده في واشنطن. وهاجم عناصر الامن ايضا صحافيين فركل احدهم صحافيا حاول تصوير الصدامات، فيما نعت اخر خبيرة في السياسة الخارجية بانها "مومس لحزب العمال الكردستاني".