إيران والسعودية.. البراغماتية مقابل السياسة الاندفاعية
عبد الامير رويح
2016-03-31 12:06
تحسين العلاقات المتوترة بين السعودية وإيران، في هذا الوقت بذات ربما يكون وبحسب بعض المراقبين امرا صعباً بسبب اختلاف وجهات النظر وتقاطع المصالح بين البلدين، فيما يخص العديد من الامور والقضايا المهمة في منطقة الشرق الأوسط، التي تشهد وكما تنقل بعض المصادر، وضعا متشابكاً وصعبا للغاية بسبب التطورات التي طرأت عليها عقب اندلاع ثورات الربيع العربي والتي تحول بعضها إلى ثورات مسلحة ساهمت بشكل كبير في تباين وجهات النظر واختلاف المصالح بين أغلب دول المنطقة.
ويرى بعض الخبراء أن معركة ايران والمملكة العربية السعودية هي معركة مستمرة للهيمنة الإقليمية، وهي تزداد شراسة يوما بعد يوم، وفي ظل التصريحات والاتهامات المستمرة بين الطرفين خصوصا، وان المملكة العربية السعودية وبعد استلام الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في البلاد، التي اصبحت تدار اليوم من قبل قيادات شابة ومندفعة، تسعى وبشتى الطرق الى تغير خارطة المنطقة بشكل عام، من خلال حصار وتقيد إيران في المنطقة خصوصا وان المملكة قد سعت في الفترة الاخيرة الى تكوين تحالفات عسكرية تحت غطاء طائفي وهو ما تستخدمه ايران ايضا من اجل تحقيق مصالحها، هذه الازمات والمشاكل تفاقمت بشكل كبير عقب إعلان الاتفاق النووي بين ايران والدول العظمى، الامر اثار مخاوف القادة السعوديين ودفعهم الى التحرك من اجل وقف التمدد الايراني وفرض امر واقع جديد، عن طريق التحالفات المضادة والتوغل في قضايا الاشتباك أكثر من المعتاد، كما حدث من السعودية في اليمن والعراق وسوريا.
شروط سعودية
في ما يخص اخر التطورات في هذا الملف فقد قال الأمير تركي الفيصل، أحد أفراد الأسرة المالكة السعودية البارزين، إن بلاده مستعدة لإجراء محادثات مباشرة مع إيران، المنافس الإقليمي، بشرط أن تبدي طهران رغبتها في سحب قواتها من سوريا. وأضاف الفيصل، الذي شغل منصب رئيس المخابرات السعودية لفترة طويلة وعمل أيضا سفيرا لبلاده لدى واشنطن ولندن في حواره لبي بي سي أن الرئيس الإيراني الأسبق، أكبر هاشمي رفسنجاني، استطاع بالتعاون مع العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله إنهاء قطيعة بين البلدين خلال فترة سابقة في ثمانينيات القرن الماضي.
وقال إن البلدين تربطهما مصالح مشتركة يمكنهما التركيز عليها. ورحب الفيصل بإعلان روسيا سحب جزء كبير من قواتها من سوريا ووصف الخطوة بالمفاجئة بالنسبة له، وقال :"سيساعد ذلك في دفع عملية السلام قدما، وقد يساعد الاتفاق الراهن لوقف الأعمال العدائية على نحو يفضي إلى وضع حد لإراقة الدماء". وقال :"ينبغي لجميع القوات الأجنبية أن تغادر سوريا. والشعب السوري سيرحب بذلك".
وفيما يتعلق بخطابه المفتوح الذي أرسله إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما وأعرب فيه عن غضبه من تصريحات أوباما في مجلة "ذي أتلانتك" الأسبوعية انتقد فيها الدور الإقليمي للسعودية، قال الفيصل إنه شعر بأنه لا يستطيع أن يقف صامتا دون رد على الاتهامات التي وجهها الرئيس الأمريكي للسعودية. وكان أوباما قد اتهم عددا من الدول الحليفة للولايات المتحدة، من بينها السعودية، ووصفها بأنها "راكب مجاني".
وقال :"لم نضطلع أبدا بدور الراكب المجاني عندما نتناول شؤون الدولة. نحن بلد له سيادة"، وأضاف أن السعودية "ليست المنتج رقم واحد للإرهابيين في العالم" كما يزعم. وأضاف : "نحن أكبر ضحية للإرهاب". كما تحدث عن اليمن مشيرا إلى أن المسلحين الحوثيين الذين تدعمهم إيران "يقاومون مبادرات للجلوس على طاولة المفاوضات والتفاوض على تسوية". وقال :"طالما أنهم يقاومون ذلك، فسوف تستمر الحملة العسكرية".
من جانب اخر قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إن السعودية لا ترى مانعا من فتح صفحة جديدة مع إيران إذا غيرت سياستها، وعدم "التدخل" في شؤون الآخرين. وتابع الجبير قائلا للصحافيين "لا شيء يمنع من فتح صفحة جديدة مع إيران وبناء أفضل العلاقات معها مبنية على حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الآخرين".
وشدد الجبير"إذا أرادت إيران علاقات جيدة عليها أن تلتزم بحسن الجوار (...) لا نحتاج إلى وساطة". ويذكر أن السعودية قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران مطلع كانون الثاني/يناير بعد أن هاجمت حشود سفارتها في طهران وقنصليتها في مشهد. وواصل الجبير قوله إن "العلاقات متدهورة بسبب السياسات الطائفية التي تتبناها إيران ودعمها للإرهاب وزرعها خلايا إرهابية في دول المنطقة وتهريب أسلحة إلى دول المنطقة من أجل عمليات التخريب".
وأوضح وزير الخارجية السعودي أن "إيران جارة مسلمة ولديها حضارة عظيمة وشعب صديق لكن السياسات بعد ثورة (آية الله) الخميني كانت عدائية". وقال الجبير إن لبنان يحكم الآن من قبل حزب الله مضيفا أن "المزعج في موضوع لبنان أن ميليشيا مصنفة كمنظمة إرهابية صارت تسيطر على القرار في لبنان". وتابع أن "إطلاق سراح ميشال سماحة من قبل المحكمة العسكرية في لبنان ليس مؤشرا إيجابيا في ما يتعلق باستقلال الجيش من نفوذ حزب الله". بحسب فرانس برس.
وردا على سؤال حول العقوبات ضد حزب الله، قال الوزير السعودي إن "وزراء خارجية مجلس التعاون قرروا أنهم سينظرون في الإجراءات التي نتخذها للتصدي لحزب الله ولوضع حد لقدراته من الاستفادة من التعامل مع أي من دول مجلس التعاون". وكثفت الرياض وحلفاؤها في الخليج العقوبات ضد "حزب الله" منذ عام 2013 ردا على تدخله في الحرب السورية لدعم الأسد.
اتهامات بالتجسس
الى جانب ذلك بدأت المملكة العربية السعودية محاكمة 32 شخصا، هم افغاني وايراني و30 سعوديا من المنطقة الشرقية حيث تتركز الاقلية الشيعية، بتهمة "التجسس" لصالح ايران، بحسب ما افادت وسائل اعلام محلية. وتأتي محاكمة افراد الخلية التي تم كشفها في آذار/مارس 2013، في اعقاب قطع الرياض علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، ردا على هجوم محتجين على مقرات دبلوماسية لها في ايران، اثر اعدام الشيخ السعودي الشيعي نمر النمر مطلع كانون الثاني/يناير.
واشارت وسائل اعلام محلية، بينها صحيفة الشرق الاوسط و"سعودي غازيت" الصادرة بالانكليزية، وقناة "العربية" التي تتخذ من دبي مقرا لها، ان المحاكمة بدأت في المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض. وتشمل التهم الموجة الى الافراد "تكوين خلية تجسس بالتعاون والارتباط والتخابر مع عناصر من المخابرات الايرانية"، و"تقديم معلومات في غاية السرية والخطورة في المجال العسكري تمس الامن الوطني السعودي".
كما يتهم افراد الخلية "بافشاء اسرار الدفاع والسعي لارتكاب اعمال تخريبية ضد المصالح والمنشآت الاقتصادية والحيوية في البلاد، والاخلال بالامن والطمأنينة العامة وتفكيك وحدة المجتمع واشاعة الفوضى واثارة الفتنة الطائفية والمذهبية". واشارت وسائل الاعلام الى ان عددا من افراد الخلية التقوا المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية آية الله علي الخامنئي. بحسب فرانس برس.
وكان الشيخ النمر احد ابرز وجوه الاحتجاجات التي اندلعت في المنطقة الشرقية بالسعودية في 2011، وتحول بعضها اعمال عنف. واثار اعدام النمر ضمن 47 مدانا "بالارهاب"، معظمهم مرتبطون بتنظيم القاعدة، احتجاجا لدى الاطراف الشيعية في المنطقة وخصوصا ايران. واعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع ايران في الثالث من كانون الثاني/يناير، غداة اعدام النمر. وتتهم الرياض طهران "بالتدخل" بشؤون دول عربية، لا سيما في ملفات يقف فيها الخصمان الاقليميان على طرفي نقيض، كسوريا واليمن. واتهم الجبير "عناصر من النظام الايراني" بالوقوف خلف الهجمات على البعثات الدبلوماسية، معتبرا ان لايران "خلايا تجسسية" تعمل على "تنفيذ عمليات تخريبية او ارهابية".
مخاطر وقوع مواجهة
من جانب اخر قال نائب رئيس هيئة اركان القوات المسلحة الايرانية العميد مسعود جزائري لقناة العالم "نحن لن نسمح ابدا بان تسير الامور في سوريا كما تريده الدول الشريرة التي تريد تنفيذ سياساتها، وسنتخذ الاجراءات اللازمة في حينها". وكان الصحافي يسأله ان كانت ايران سترسل مزيدا من المستشارين العسكريين الى سوريا في حال ارسال قوات سعودية الى هذا البلد، وحول مخاطر وقوع مواجهة بين ايران والسعودية.
وقد ارسلت الرياض طائرات حربية الى قاعدة جوية في تركيا بهدف "تكثيف" عملياتها كما تقول رسميا ضد تنظيم داعش في سوريا. واكد مسؤول عسكري سعودي من جهته ان المملكة مستعدة لارسال قوات برية الى سوريا في اطار التحالف لمحاربة الجهاديين. وقامت تركيا من جانبها بقصف مواقع كردية سورية في شمال سوريا بالقرب من الحدود التركية.
وقال جزائري "ان الارهابيين الذين يقاتلون الان في سوريا هم اذناب وايادي السعودية والدول الرجعية الاخرى بالمنطقة والاميركيين". وتساءل "من اين يتردد هؤلاء الارهابيون على سوريا، سوى من تركيا؟ من اين يتم دعمهم سوى من الدول الرجعية العربية؟" واستطرد قائلا "لذا فان ما يطرح بشان عزمهم على ارسال قوات برية في هذه الظروف وبالتزامن مع تقدم وانتصارات الجيش السوري والقوات الشعبية، اعتقد انه مجرد ضجيج سياسي وحرب نفسية". واعتبر "ان السعودية استنفدت كل قوتها في سوريا وهي تواجه الان الهزيمة ليس فقط في سوريا بل في اليمن ايضا".
في السياق ذاته حذر وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف من ان نشر السعودية قوات في سوريا سينتهك "القانون الدولي" وطلب من الرياض وقف قصفها لليمن. وقال ظريف الذي تدعم بلاده نظام بشار الاسد خلال مؤتمر صحافي "ان الذين ينشطون في سوريا من دون اذن الحكومة السورية ينتهكون القانون الدولي". وكان ظريف يجيب على سؤال حول اعلان السعودية امكانية نشر قوات على الارض تنشط في اطار التحالف ضد تنظيم داعش بقيادة اميركية.
وتدعم ايران التي ارسلت الاف "المستشارين العسكريين" الى سوريا، ايضا نظام دمشق بواسطة حليفها اللبناني حزب الله. وقال ظريف "ليس لايران قوات على الارض في سوريا. لدينا مستشارين عسكريين في سوريا كما في مناطق اخرى بدعوة من الحكومة". وفشلت محاولة لاجراء مفاوضات سورية برعاية الامم المتحدة. وانتقد ظريف الدور المضر للسعودية على حد قوله في هذه العملية. بحسب فرانس برس.
واضاف الوزير "لا يمكن لاشخاص من الخارج املاء نتيجة المفاوضات. سيقرر ذلك السوريون الذين هم حول طاولة المفاوضات وليس في عواصم المنطقة خصوصا الرياض". وتابع "لن يتمكنوا من اتخاذ قرار عن السوريين". وقال ظريف "اذا تحدثنا عن القوات العسكرية يجب وقف القصف في اليمن الذي ينفذ يوميا بحق مدنيين ابرياء ما يتسبب في مقتل الكثير من الاشخاص في حين لم يعد هناك اهداف عسكرية تقصف في اليمن" معلقا على الغارات الجوية السعودية في هذا البلد. واضاف "يجب وقف الفظاعات والان!"، بخصوص هذا النزاع الذي اوقع اكثر من 6100 قتيل نصفهم من المدنيين بحسب الامم المتحدة.
منع السفن الإيرانية
من جانب اخر قالت شركات تأمين بحري نقلا عن تقارير محلية إن السعودية والبحرين منعتا السفن التي ترفع العلم الإيراني من دخول مياههما وفرضتا قيودا ملاحية أخرى في تصعيد محتمل للتوتر بين طهران والرياض. وتكافح إيران لزيادة صادراتها النفطية ومازالت تواجه عقبات تأمينية ومالية رغم رفع العقوبات الدولية عن قطاعاتها البنكية والتأمينية والشحن البحري في إطار اتفاق نووي مع قوى عالمية.
ومن المستبعد أن يؤثر منع السفن الإيرانية من دخول تلك الموانئ على التجارة العالمية لكن الغموض سيضيف إلى العقبات التجارية أمام طهران. وقالت بعض شركات التأمين البحري نقلا عن تقارير من وكلاء محليين ومراسلين في مذكرات للأعضاء إن السعودية والبحرين منعتا جميع السفن التي ترفع العلم الإيراني من دخول مياههما. وقالت جارد النرويجية للتأمين البحري إن البحرين فرضت حظرا على أي سفينة زارت إيران ضمن آخر ثلاثة موانئ رست بها. بحسب رويترز.
وأضافت جارد في مذكرة نقلا عن معلومات من مصدر لوجستي "لا توجد حاليا مثل تلك القيود في السعودية." ولم يتسن الحصول على تعليق فوري من السلطات السعودية والبحرينية. من جهة أخرى قالت وست أوف إنجلاند للتأمين البحري "تمنع أي سفينة من دخول البحرين بعد زيارة ميناء إيراني ضمن آخر ثلاثة موانئ رست بها وهو ما ينتج عنه إلغاء الرحلة." ولم تصدر شركات تأمين بحري أخرى أي توجيه أو تؤكد ما إذا كانت هناك تعليمات جديدة أم لا. وفي حين تتطلع شركات نفطية مثل إيني الإيطالية وتوتال الفرنسية إلى شراء شحنات من إيران فإن شركات التأمين البحري العالمية مازالت قلقة على ما يبدو من العقوبات الأمريكية التي مازالت قائمة.
سويسرا ومصالح البلدين
اعلنت وزارة الخارجية السويسرية ان سويسرا ستمثل مصالح السعودية في ايران ومصالح ايران في السعودية بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وافاد بيان ان موضوع تمثيل مصالح البلدين كان "النتيجة الرئيسية" لزيارة يقوم بها وزير الخارجية السويسري ديدييه بوركهالتر الى الرياض، حيث التقى الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ووزير الخارجية عادل الجبير.
وعقد الجبير وبوركهالتر مؤتمرا صحافيا مشتركا في مقر الخارجية السعودية بالرياض، تطرقا خلاله الى موضوع رعاية المصالح. وقال الجبير "عرضت سويسرا ان تكون الدولة التي تراعي مصالح المملكة العربية السعودية في ايران، ونحن في المملكة العربية نقدر ذلك وقبلنا هذا الدور لسويسرا من اجل تسهيل الاجراءات للحجاج والمعتمرين الايرانيين للقدوم للمملكة لاداء (...) الحج والعمرة".
واضاف "هدفنا الا يتأثر المسلمون في ايران بالنسبة لقدرتهم للقدوم الى بيت الله الحرام في اي وقت يشاؤون (...) ونحن نقدر لسويسرا عرضها لرعاية مصالح المملكة في ايران، وسوف نجري مباحثات معهم لوضع النقاط على الحروف لانهاء هذه الاجراءات خلال الايام القادمة". واكد الوزير السويسري من جهته انه سبق له طرح الموضوع مع الجانب الايراني، وانه تلقى على ذلك "ردا ايجابيا".
وقال الجبير ان "الايرانيين يعلمون تماما ماذا يحتاج ان يفعلوه اذا ارادوا ان يحسنوا علاقاتهم مع المملكة. ما تقوم به ايران من اعمال عدوانية تجاه المملكة يجب ان يتغير". وردا على سؤال عن احتمال قيام سويسرا بوساطة بين السعودية وايران، قال الجبير "اعادة العلاقات تحتاج الى تعديل في سياسات ايران والاعمال التي تقوم بها في المنطقة. موضوع الوساطة في الوقت الحالي لا اعتقد ان ثمة حاجة له، لان المطلوب من ايران معروف ولا يحتاج تفسيرا". بحسب فرانس برس.
واشار بيان الخارجية السويسرية الى ان بوركهالتر عرض مع نظيره السعودي "بؤر التوتر في المنطقة وخصوصا في سوريا واليمن". وتدعم الرياض المعارضة السورية المطالبة برحيل الرئيس بشار الاسد عن الحكم، في حين انها تقود في اليمن منذ آذار/مارس، تحالفا عربيا داعما للرئيس عبد ربه منصور هادي ضد المتمردين الحوثيين وحلفائهم.