حزب الله والسعودية.. مواجهة مفتوحة النهاية

مسلم عباس

2016-03-29 08:10

لم تكن اللهجة التصعيدية من قبل السعودية ضد حزب الله مستغربة لدى جميع المتابعين، بل يعتبر القرارات السعودية المتعلقة بتجريم حزب الله متأخرة وكان متوقعا حدوث صدام عسكري بين الطرفين منذ سنوات، فالسعودية تعتبر حزب الله امتدادا لإيران العدو اللدود لها في حين يعتبر حزب الله المملكة السعودية بانها الوجه العربي للاستعمار الغربي وانها الراعي الرسمي للجماعات الارهابية التكفيرية التي تفتك بالشيعة وتشن عليهم حرب ابادة جماعية مستهدفة المدنيين الشيعة في كل ارجاء العالم وخاصة في العراق.

ورغم الخلاف الحاد بين الطرفين الا انه لم يتطور الى المواجهة العسكرية لأسباب تعود لطبيعة التوازنات السياسية في المنطقة، فخلال السنين الماضية لم تختل موازين القوى في المنطقة كما هي عليه الان، فكان محور الصراع يدور حول استعادة فلسطين باعتبارها قضية العرب الاولى ومن يتحدث بلغة تصعيدية ضد اشقائه العرب يكون كلامه مرفوضا، حتى وان تعلق ذلك بحزب الله، الا ان احداث ما يسمى بالربيع العربي خلطت الاوراق واثارت بركان العداء السعودي ضد حزب الله فاستغلت تدخله في سوريا من اجل اضفاء صفة طائفية على عمله وخلال خمس سنوات ضخت القنوات الاعلامية التي تعتاش على المال السعودي رسائل شوهت صورة الحزب لدى الجمهور العربي ورسمت له صورة قاتمة باعتباره معتديا على الشعب السوري بحسب ما يروج له الاعلام السعودي.

السعودية ورغم ما عملته من تشويه لصورة الحزب الا انه بقي صامدا بل واصبح اقوى مما كان في السابق وبات من اهم اللاعبين السياسيين على الساحة اللبنانية فيما اصبح قطبا اقليميا يوازي حضوره العسكري والاجتماعي وزن دول خليجية، ومع احتدام الصراع مع ايران ورغبة السعودية للانتقام من كل حلفائها في المنطقة لجأه السعودية الى تجريم حزب الله ووضعه على قائمة الارهاب العربية في قرار وصف بانه يخدم مصلحة اسرائيل ويكشف الوجه الحقيقي للمملكة السعودية.

وبعد أسبوع من قرار مجلس التعاون الخليجي باعتبار الحزب "منظمة إرهابية" ؛ اعتبر وزراء الخارجية العرب في (آذار مارس 2016 )حزب الله اللبناني "مجموعة إرهابية"، وسط تحفظ من لبنان والعراق وملاحظة من الجزائر. وأعلن وكيل وزارة الخارجية البحرينية وحيد مبارك سيار خلال مؤتمر صحافي تلا فيه المقررات الصادرة عن اجتماع وزراء الخارجية العرب أن "القرار الصادر من مجلس الجامعة يتضمن تسمية حزب الله "إرهابيا".

وهذان القراران جاءا في أعقاب وقف السعودية مساعدات عسكرية للبنان بسبب مواقف "مناهضة" لها حملت مسؤوليتها للحزب الشيعي، ودعوة عدد من دول الخليج مواطنيهم إلى عدم زيارة لبنان، و اختتمت حملة القرارات السعودية ضد حزب الله بقرار جامعة الدول العربية اعتبار الحزب منظمة ارهابية وكالعادة رفض العراق ولبنان القرار.

تصعيد خليجي

السعودية توعدت في بيان لوزارة الداخلية كل شخص على علاقة بحزب الله اللبناني سواء انتمى إليه أو أيده، وأشارت الوزارة في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية أنها ستطبق بحق أي من هؤلاء سواء من السعوديين أو المقيمين "عقوبات مشددة" بموجب القوانين السعودية وقوانين مكافحة الإرهاب. وتضمن البيان كل مواطن أو مقيم يؤيد أو يظهر الانتماء إلى حزب الله أو يتعاطف معه أو يروج له أو يتبرع له أو يتواصل معه أو يؤوي أو يتستر على من ينتمي إليه فسيطبق بحقه ما تقضي به الأنظمة والأوامر من عقوبات مشددة بما في ذلك نظام جرائم الإرهاب وتمويله. وحذر البيان من أن الأجانب العاملين والمقيمين بالمملكة معرضون أيضا للترحيل.

واعلنت السعودية في 27 تشرين الاول/اكتوبر 2015 فرض عقوبات على 12 شخصا ومؤسسة قالت انهم يعملون "لصالح حزب الله" اللبناني وبينهم قياديون وقالت وكالة الانباء السعودية الرسمية ان المملكة قامت "بتصنيف أسماء لقياديين ومسؤولين من حزب الله على خلفية مسؤولياتهم عن عمليات لصالح الحزب في أنحاء الشرق الأوسط، بالإضافة إلى كيانات تعمل كأذرع استثمارية لأنشطة الحزب" .كمزيد من الاستهداف لأنشطة حزب الله الخبيثة التي تعدت إلى ما وراء حدود لبنان".

ومن ابرز تلك الاسماء مصطفى بدر الدين، الذي يعد من القياديين البارزين في الحزب كما برز اسم محمد يوسف منصور المعروف باسم سامي شهاب الذي صدر بحقه حكم في السجن في مصر في 2010 بتهمة تزعم خلية للحزب، قبل ان يفر من السجن مع آخرين اثناء الاحتجاجات الشعبية التي انتهت بسقوط نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك مطلع 2011.

ويبدو ان الدول الخليجية باتت تسير مع الركب السعودي في معادات حزب الله وهو ما يراه متابعون بانه سيؤدي الى نتائج سلبية على تلك الدول فالاجراءات التعسفية ضد الشيعة في الخليج ستدفع بهم الى مقاومة تلك الاجراءات ما يعني مزيدا من عدم الاستقرار خاصة في الدول التي يتواجد فيها الشيعة بشكل كبير مثل دولة الكويت والتي ابعدت 14 شخصا، هم 11 لبنانيا وثلاثة عراقيين، مدعية انتمائهم لحزب الله بحسب صحيفة القبس الكويتية. وتنقل الصحيفة عن مصدر امني بإن جهاز امن الدولة "اعد قائمة جديدة تضم أسماء عدد من اللبنانيين والعراقيين، بعضهم يعمل كمدير عام، وآخرون يعملون مستشارين في شركات كبيرة غير مرغوب فيهم داخل البلاد، ويجب ترحيلهم للمصلحة العامة، موضحا أن إبعادهم عن الكويت سيمنعهم من دخول دول مجلس التعاون الخليجي في المستقبل".

وفي البحرين اعلنت وزارة الداخلية في 14 آذار/مارس ابعاد عدد غير محدد من اللبنانيين لارتباطهم بحزب الله ، فيما اشارت صحيفة "السفير" اللبنانية في 11 آذار/مارس الى ان ما بين 7 الى 10 عائلات "من لون طائفي معين"، ابلغت من السلطات بضرورة "مغادرة الاراضي البحرينية خلال مهلة اقصاها 24 ساعة".

وفي وقت سابق (منتصف كانون الاول 2015) صوت الكونغرس الأمريكي بالإجماع على قانون يفرض عقوبات على المصارف التي تتعامل مع حزب الله اللبناني. كما استهدف النواب قناة "المنار" الناطقة باسم الحزب. وتصنف الولايات المتحدة حزب الله ضمن المنظمات الإرهابية منذ 1995.

وأقر مجلس النواب القانون بالإجماع، على غرار ما فعل مجلس الشيوخ في السابع عشر من تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2015. كما استهدف النواب أيضا قناة "المنار" التابعة لحزب الله التي يسعون لقطع تعاملها مع مشغلي الأقمار الصناعية.

وأكد مسؤول كبير في البيت الأبيض أن الرئيس باراك أوباما سيوقع القانون، ويفرض القانون على الرئيس الأمريكي إدراج قواعد لمعاقبة المؤسسات المالية التي تقوم بمعاملات مع حزب الله أو تبييض أموال لفائدته، وهذا القرار يفرض على الإدارة الأمريكية تقديم تقارير إلى الكونغرس بهدف تسليط الضوء على الشبكات العالمية لحزب الله خصوصا في جنوب الصحراء الأفريقية وآسيا. وعلى الإدارة الأمريكية أن تحصي الدول التي تدعم حزب الله أو التي يحتفظ الحزب فيها بقاعدة لوجستية مهمة.

تشكيك بالسعودية

وفي ظل الصراع المحموم بين حزب الله والسعودية تبقى اللغة التصعيدية هي السمة الغالبة للعلاقة بين الطرفين فقد قال حزب الله في بيان له مطلع عام 2016 إن التحالف الذي تقوده السعودية لمكافحة تنظيم داعش الارهابي ويضم 34 بلدا أُنشِئ "بشكل مشبوه" وشكك البيان في جدارة الرياض لقيادته. واشار بيان حزب الله الى إن " إنشاء هذا التحالف هو أمر دُبر على عجل وبشكل مشبوه ما يطرح الكثير من الأسئلة وعلى رأسها السؤال حول مدى جدارة السعودية في قيادة تحالف ضد الإرهاب." وجدد الحزب تحميل السعودية مسؤولية الفكر الإرهابي المتطرف واستمرارها في تبني هذا الفكر ودعمه في كل العالم.

ورفض الحزب مشاركة لبنان في هذا التحالف قائلا: "إننا فوجئنا بإعلان السعودية أن لبنان هو جزء من التحالف دون علم أحد من اللبنانيين بهذا الأمر وذلك في خطوة تمثل انتهاكا للدستور والقانون وكل الأصول المتبعة في لبنان."

وكان رئيس الوزراء اللبناني تمام سلام قال إن القيادة السعودية طلبت من لبنان الانضمام إلى التحالف الذي قال إنه يرحب به لأن لبنان يعتبر نفسه "على خط المواجهة الأمامي مع الإرهاب."

وقال بيان حزب الله إنه "يرى فيما قال رئيس الحكومة اللبنانية رأيا شخصيا لا يلزم أحدا لأن رئيس الحكومة أيا كان لا يمكنه الموافقة على الدخول في حلف عسكري تحوم حوله كل هذه التساؤلات"، واضاف إن مشاركة لبنان في أي حلف عسكري تتطلب قرارا من مجلس الوزراء وموافقة البرلمان.

في المقابل رحب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بتعزيز الوجود العسكري الروسي في سوريا دعما للحليف المشترك الرئيس بشار الأسد وقال إن فشل الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش هو الذي دفع روسيا للتدخل ، وقال نصر الله في مقابلة بثتها قناة المنار التلفزيونية التابعة لحزب الله واستمرت ثلاث ساعات إن الدعم الروسي المتزايد للأسد شمل إرسال نظم أسلحة متقدمة للغاية وطائرات حربية وطائرات هليكوبتر.

ويستغل حزب الله اي مناسبة للتعبير عن ادانته للسياسات السعودية المعادية للشيعة في المنطقة والعالم حيث هتف أنصار حزب الله اللبناني "الموت لآل سعود" في الوقت الذي صعد فيه الأمين العام للحزب من هجومه على المملكة العربية السعودية في خطاب خلال إحياء مراسم ذكرى عاشوراء من العام الماضي.

ووضع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله حكام المملكة العربية السعودية جنبا إلى جنب مع عدويه القديمين إسرائيل والولايات المتحدة وقال نصر الله في خطابه أمام عشرات الالوف من أنصاره في الضاحية الجنوبية لبيروت "نحن اليوم أبناء الحسين عليه السلام نقول لأمريكا نقول لاسرائيل نقول لآل سعود نقول للتكفيرين لا والله لا نعطيكم بيدنا إعطاء الذليل ولا نقر إقرار العبيد نحن أهل الجهاد وأهل المقاومة"، وبينما هتفت الحشود "الموت لآل سعود" قال نصر الله "باسم هذه الحشود الحسينية نجدد صرختنا العالية وإستنكارنا الشديد للعدوان الأمريكي-السعودي على شعب اليمن المظلوم."

مخاوف اسرائيلية

وفي ظل التصعيد الخليجي ضد حزب الله تبقى القوة العسكرية للحزب مصدر قلق لاسرائيل إذ ناشد رئيس بلدية حيفا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن ينقل مخزنا للكيماويات الصناعية من المدينة قائلا إن التهديد المستتر الذي وجهه حزب الله اللبناني يضع مليون شخص في خطر. وزادت مخاوف الإسرائيليين من مخاطر التسمم من مخزن للأمونيا مكون من أربعة طوابق في ميناء حيفا بعد الهجمات الصاروخية التي شنها حزب الله خلال الحرب التي دارت في لبنان عام 2006. وفي عام 2013 قالت حكومة نتنياهو إن المخزن سيغلق في إطار خطة لبناء مخزن ومصنع جديد للأمونيا في صحراء النقب.

ووصف حسن نصر الله مخزن حيفا بأنه بديل عن سلاح للدمار الشامل وهو ما دفع رئيس البلدية يونا ياهاف إلى مناشدة نتنياهو إلى التحرك. وقال ياهاف لراديو الجيش الإسرائيلي "نحن وحدنا في هذه المعركة. هناك مليون شخص حول هذا المخزن هنا. إنها مادة غازية مادة شديدة الخطورة." فيما لم يرد مكتب نتنياهو على هذه التصريحات.

وبعد تهديد حزب الله قالت وزارة البيئة الاسرائيلية في بيان نقلته وكالة "رويترز" ان المسألة الرئيسية التي تؤخر بناء المصنع هو ارتفاع سعر الغاز لأن المصنع يحتاج إلى غاز لينتج الأمونيا" واعترف البيان أيضا بأن مخزن حيفا "يمثل خطرا بيئيا وأمنيا".

وقبل نحو عشر سنوات نقلت إسرائيل مخزنا للغاز من بي جليلوت قرب تل أبيب بعد أن فجر ناشطون فلسطينيون قنبلة في الموقع مما كاد أن يشعل حريقا هائلا، كما يوجد في حيفا مصانع أخرى كبيرة منها أكبر مصفاة للنفط في إسرائيل.

وفي خطاب ألقاه السيد حسن نصر الله في 16 فبراير شباط قال إن حزب الله لم يضرب مخزن حيفا في حرب عام 2006 لكنه قد يفعل مستقبلا. وقال نصر الله "ويخشى سكان حيفا من هجوم قاتل- إذا حصلت حرب أو ما حصلت حرب هم على كل حال خائفون- ويخشى سكان حيفا من هجوم قاتل على حاويات- حاويات ضخمة جداً- من مادة الأمونيا- هذه موجودة في حيفا ولا تزال حتى الآن، نحن في حرب تموز تجنبنا أن نمد يدنا عليها- التي تحتوي على أكثر من 15 ألف طن من الغاز والتي ستؤدي إلى موت عشرات آلاف السكان.. هذا الأمر كالقنبلة النووية تماما."

وفي اطار جهوزية حزب الله لاي مواجهة مع إسرائيل او الجماعات التكفيرية اعتبر السيد حسن نصرالله في 18 اكتوبر 2015 ان عناصر الحزب يخوضون حربا "فاصلة وحاسمة" في سوريا في مواجهة المشروع "التكفيري"، مؤكدا جهوزيتهم وحضورهم ميدانيا اكثر من اي وقت مضى.

وساوى نصرالله بين قتال اسرائيل وقتال التنظيمات المتطرفة في سوريا معتبرا ان "كلا المشروعين الصهيوني والتكفيري يريدان الوصول الى النتيجة نفسها وهي تدمير شعوبنا ومجتمعاتنا واذلالها وقهرها وسحقها ومصادرة ارادتها". واضاف "سنواصل تحمل المسؤولية ونملك من القادة والامكانات والكفاءة ان نتواجد في الجبهتين في مواجهة الصهاينة واي مشروع يواجه كرامة الناس وامنهم".

ويرى بعض المتابعين للازمة بين حزب الله والدول الخليجية بانها مفتعلة وتهدف الى اقصاء الشيعة من الدول العربية بشكل كامل، لا سيما بعد ظهور الشيعة كقوة سياسية وعسكرية استطاعت فرض معادلات سياسية جديدة ادت الى خسارة المحور السعودي الغربي، الا ان هذا التصعيد ضد الشيعة قد يدفع المنطقة الى مواجهة اقليمية كبرى بين السعودية وايران، وهي مواجهة قد تؤدي الى تغير موازين القوى في منطقة الشرق الاوسط.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي