ايران والسعودية.. من سيدفع الثمن الأغلى للهيمنة على لبنان؟
عبد الامير رويح
2016-03-24 07:47
الأزمات والمشاكل التي يعاني منها لبنان تتفاقم بشكل كبير، بسبب استمرار الخلافات السياسية والطائفية التي دمرت هذا البلد الذي يعيش في منطقة متوترة سياسيا وامنيا الامر الذي انعكس سلبا على مجمل الأوضاع في لبنان، يضاف الى ذلك التدخلات الخارجية خصوصا من بعض الدول الاقليمة التي استفادت كثيرا من النظام الحالي المبني على الطائفية والتحزب، حيث يعد هذا النظام وكما تنقل بعض المصادر سبب المشكلات والازمات المتفاقمة، التي اثرت على الواقع اللبناني السياسي والأمني والإجتماعي والإقتصادي.
ولعل أزمة النفايات التي لاتزال محط اهتمام واسع هي احدى اهم الازمات التي دفعت آلاف اللبنانيين للنزول الى الشارع منتقدين الإهمال والعجز الحكومة بفعل الانقسام السياسي بين مكوناتها. حيث تحولت التظاهرات إلى متنفس للتعبير عن الغضب المتراكم من الطبقة السياسية وحالة الانقسام السياسي في البلاد والفساد المستشري والبنية التحتية المترهلة. ومنذ نهاية الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاما في ، لم يوجه أي اهتمام للاستثمار في البنية التحتية. وكانت البلاد في حالة خراب وكذلك الخدمات الأساسية.
وفيما يخص بعض التطورات فقد بدأت شاحنات برفع النفايات المكدسة خارج بيروت بموجب خطة اعتمدتها الحكومة اللبنانية لوضع حد لازمة النفايات المستمرة منذ ثمانية اشهر، وقرر مجلس الوزراء اعادة فتح مطمر مثير للجدل بغية نقل اطنان من النفايات المكدسة منذ اشهر، بالرغم من غضب المواطنين، خاصة في ضواحي العاصمة اللبنانية. وكانت عشرات الشاحنات تنشط رفع اكياس النفايات التي اظهرت صور ملتقطة جوا انها اخذت شكل نهر في جديدة المتن شمال العاصمة بيروت.
وكانت السلطات اعلنت ان شاحنات محملة بالنفايات بدأت بدخول مطمر الناعمة جنوب العاصمة. فمنذ اغلاق هذا المطمر الاكبر في البلاد في تموز/يوليو تكدست اطنان من النفايات خاصة في ضواحي بيروت. وكان ناشطون من حراك "طلعت ريحتكم" اغلقوا طرقا مؤدية الى بيروت احتجاجا على قرار الحكومة اعادة فتح مطمر الناعمة لفترة قصيرة لمدة شهرين معتبرا ان هذه الخطة لا تحل المشكلة بشكل مسؤول يراعي البيئة. وسيفتح مطمران جديدان ايضا في ضاحية بيروت بحسب الخطة الحكومية.
و"طلعت ريحتكم" كان وراء تظاهرات غير مسبوقة للمواطنين قبل ثمانية اشهر للتنديد بعجز الحكومة خاصة في مسألة رفع النفايات من الشوارع. وقبل شهر حول هذا الحراك المدني دعاية لوزارة السياحة تشيد بمزايا الطبيعة اللبنانية بصور ملتقطة من الجو. ويظهر الفيديو الذي تم بثه على شبكات التواصل الاجتماعي مشاهد بانورامية لجبال من النفايات تمتد على مئات الامتار مثل الانهر وسط الغابة وفي الوديان او تحت الجسور. وانتقد الناشطون جشع السياسيين الذين يسعون بحسب قولهم الى الاحتفاظ بحصصهم من الارباح التي تمثلها السوق الهائلة التي تمثلها معالجة النفايات. بحسب فرانس برس.
وأثارت أزمة تراكم النفايات موجة لم يسبق لها مثيل من الاحتجاجات التي نظمها العام الماضي لبنانيون مستقلون عن الأحزاب السياسية الرئيسية قالوا إن الدولة عاجزة حتى عن حل مشكلة النفايات التي تمثل خطرا على صحة السكان. وكانت الحكومة تعكف على خطة لتصدير النفايات لكنها ألغت الشهر الماضي خطة لتصديرها إلى روسيا لأن الشركة التي اختيرت لذلك أخفقت في الحصول على وثائق تظهر أن موسكو وافقت على قبولها. وتجد الحكومة اللبنانية صعوبات في اتخاذ حتى القرارات الأساسية نتيجة الصراع السياسي بين الأطراف المتنافسة الممثلة فيها.
ايران والسعودية
من جانب اخر قال السياسي اللبناني السني سعد الحريري إن لبنان لن يكون تحت أي ظرف من الظروف "ولاية إيرانية" معادية للمملكة العربية السعودية وانتقد دور جماعة حزب الله اللبنانية الشيعية في الحرب السورية في خطاب يعكس التوترات في المنطقة. وكان رئيس الوزراء الأسبق يتحدث في بيروت في الذكرى الحادية عشرة لاغتيال والده رفيق الحريري.
وهذه ثالث زيارة يقوم بها الحريري للبنان منذ أطاح تحالف الثامن من اذار الذي تهيمن عليه جماعة حزب الله بحكومته في عام 2011. ويساهم التوتر بين السعودية وإيران -اللتين لهما نفوذ قوي في لبنان وتدعمان فصائل سياسية متنافسة- في تأجيج عدة صراعات في الشرق الأوسط منها الصراع في سوريا. وقال الحريري الذي تدعمه السعودية "لن نسمح لأحد بجر لبنان إلى خانة العداء للسعودية ولأشقائه العرب. لن يكون لبنان تحت أي ظرفٍ من الظروف ولايةً إيرانية. نحن عرب وعرباً سنبقى."
وتقاتل جماعة حزب الله المدعومة من إيران إلى جانب الجيش السوري دعما للرئيس بشار الأسد في حرب ضد المعارضة المسلحة التي تتلقى الدعم من السعودية وتركيا ودول أخرى. ووجهت محكمة دولية الاتهام إلى خمسة أعضاء من جماعة حزب الله في اغتيال رفيق الحريري عام 2005. ونفت جماعة حزب الله أي دور لها في واقعة الاغتيال التي دفعت لبنان إلى حافة الحرب الأهلية ولا تزال تثير الشجون بعد 11 عاما على حدوثها. وأدى اغتيال رفيق الحريري إلى تعميق الانقسام الطائفي على الساحة السياسية في لبنان ولا تزال تداعياته ماثلة إلى اليوم. بحسب رويترز.
وكانت اخر زيارة لسعد الحريري للبنان في الذكرى العاشرة لاغتيال والده. ويتزعم سعد الحريري تحالف 14 آذار الذي تشكل في أعقاب اغتيال الحريري الأب. وأكد الحريري علانية للمرة الأولى أنه طرح اواخر العام الماضي اقتراحا بأن يتولى سليمان فرنجية وهو حليف لحزب الله وصديق للأسد منصب رئيس لبنان الشاغر منذ 21 شهرا. لكنه شكك في أن يكون لمنافسيه السياسيين رغبة حقيقية في إنهاء الأزمة التي تعكس حالة أوسع من الجمود في الحكومة اللبنانية. وتقول جماعة حزب الله إنها متمسكة بمرشحها المفضل ميشال عون. وقال سعد الحريري "نحن عند التزامنا وعندما نعطي التزاماً نسير فيه حتى النهاية. نحن صادقون نريد رئيسا للجمهورية ونريد أن نتخلص من الفراغ ودفعنا الثمن داخلياً وخارجياً." لكنه قال لمنافسيه "تفضّلوا إلى مجلس النواب وانتخبوا رئيسا إلا إذا كان مرشحكم الحقيقي هو الفراغ." ويجري الحريري منذ وصوله إلى بيروت مشاورات مع حلفائه رؤساء الأحزاب المنضوية في تحالف (14 آذار) وآخرين. وقال بعد لقاء حليفه سامي الجميل رئيس حزب الكتائب المسيحي "نحن لدينا التزام واضح بمعالي الوزير (السابق) سليمان فرنجية."
من جهة اخرى دعا رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، إلى استعادة زخم العلاقة بين السعودية وإيران، لأنه يمثل ضرورة إسلامية وعربية ولبنانية. وقال بري في كلمة، إن "المخرج الرئيسي لضمان سلم لبنان الأهلي والخلاص من أزمته السياسية هو الحوار الوطني اللبناني على خلفية استعادة العلاقة السعودية الإيرانية لإيجابيتها"، مطالبا بضرورة وقف التحديات ووقف التوترات السائدة لما لها من انعكاسات مرة على شعوب المنطقة، وأبدى ترحيبه بوقف إطلاق النار في سوريا، مؤكدا ضرورة السير في الحل السياسي. قال إنه يمكن إيجاد الحلول للأزمات في لبنان وإيجاد الحلول الدستورية، بمجرد أن تعبر البلاد استحقاق رئاسة الجمهورية، وتابع "نحن أفضل بقعة في منطقة الشرق الأوسط وفي المنطقة العربية من الناحية الأمنية، ولدينا كفاءات اقتصادية تضاهي أكثر بلدان العالم، ورصيدنا الأمني لا يتجاوز العالم العربي فقط، بل يتعدى القسم الأكبر من أوروبا".
استقرار لبنان
قالت مسؤولة كبيرة بالأمم المتحدة إن لبنان نجا من خمس سنوات من الاضطرابات في الشرق الأوسط وخرج سليما بشكل لافت للنظر لكن ينبغي ألا ينظر إلى استقراره باعتباره أمرا مضمونا وإن البلد يحتاج إلى مساعدة مالية طويلة الأجل للتعامل مع العدد الكبير من اللاجئين السوريين. وقالت منسقة الأمم المتحدة الخاصة بلبنان سيجريد كاج إنه ينبغي الاعتراف بأزمة اللاجئين كأزمة طويلة الأجل وإن التعامل معها ينبغي أن يتجاوز مجرد تلبية الاحتياجات الإنسانية، وقالت "رسالتنا الرئيسية هي في الحقيقة الحاجة إلى تمويل مستدام طويل الأجل ويمكن التعويل عليه.. والتركيز بشدة- ليس فقط على الدعم الإنساني- وإنما أيضا على ما نسميه دعم الاستقرار ... خلق الوظائف." وفي ظل ملازمة كثير من الأطفال السوريين مخيمات اللاجئين لأجل غير مسمى فإن التعليم له أولوية رئيسية أيضا. وأضافت كاج في مقابلة "الاستجابة الأولى التي يقوم بها أفراد الإغاثة الإنسانية هي دائما حماية الأرواح وإنقاذها. لكننا الآن نرى جيلا يحتاج للالتحاق بالمدرسة." ويستضيف لبنان أكثر من مليون لاجئ سوري مسجل يعادلون نحو ربع عدد سكانه.
وشكل اللاجئون ضغطا هائلا على البلد الصغير ذي الموارد المحدودة والذي يعتمد استقراره السياسي على توازن طائفي دقيق. كانت الطوائف اللبنانية المتنافسة قد خاضت حربا أهلية في السبعينات والثمانينات وتجدد الصراع لفترة وجيزة في 2008. وتفادى لبنان نشوب صراع منذ بداية الحرب السورية إلا أن السياسيين اللبنانيين يواجهون صعوبة في الاتفاق على أي شيء وهو ما ترك الحكومة في حالة شلل شبه تام والبلاد بلا رئيس.
وقالت كاج "ينبغي أن ننتبه جيدا إلى ما يحدث في لبنان .. ينبغي أن ندعم لبنان.. ينبغي أن نعمل بنشاط من أجل لبنان.. لكن ينبغي أن يكون لبنان في مقعد القيادة." وتابعت تقول إنه في ظل استبعاد احتمال عودة لاجئين إلى سوريا لبعض الوقت "ينبغي أن ندرس في الواقع هشاشة لبنان واستقراره بشكل شامل." وأضافت "هناك الجانب السياسي وهناك الجانب الأمني.. وينبغي تعزيز جانب التنمية الاجتماعة والاقتصادية في لبنان." ومن المتوقع أن تسعى الحكومة اللبنانية لدعم من المانحين لخطط تشمل الاستثمار في البنية التحتية وهو ما سيخلق فرص عمل إلى جانب تمويل لدعم المدارس العامة التي تستوعب أطفالا سوريين.
وقالت كاج "مع تضرر الاقتصاد من الأزمة.. ارتفعت البطالة... لاسيما في المناطق الأشد فقرا وبين الشبان.. .. ولذا فقد كان الحديث عن البطالة يتسم بحساسية شديدة وكان هناك تردد في التعامل مع ذلك." وأقرت بخطر ظهور مشاعر عداء إذا نافس اللاجئون المواطنين اللبنانيين على الوظائف الشحيحة. وسوف تسمح مقترحات من الحكومة اللبنانية لهم بالعمل فقط في القطاعات كثيفة العمالة مثل الإنشاء والصناعة. بحسب رويترز.
وقالت "لكن الآن أعتقد أنه ومع دخول الأزمة عامها السادس هناك إدراك بأن هناك قوة عاملة محتملة كبيرة. ربما تفيد الاقتصاد وبالتالي لبنان.. لكن ينبغي أن نبحث خلق وظائف للبنانيين إلى جانب الفئات الضعيفة من اللاجئين." وأضافت أنه برغم أن النقاش لا يزال جاريا فقد تم طرح برنامج هام على مؤتمر لندن يسمح بالتوظيف المؤقت للسوريين. وتابعت تقول إن الاستعداد لبحث الفكرة يشكل "خطوة كبيرة إلى الأمام" برغم أنها لا تزال في مرحلة الإعداد.
وسيطلب لبنان من المانحين الدوليين خلال قمة تعقد يوم الخميس 12 مليار دولار على مدى السنوات الخمس القادمة لمواجهة ما وصفه وزير التعليم اللبناني إلياس بو صعب بأنه "زلزال متواصل" لأزمة اللاجئين السوريين. وقال الوزير اللبناني مؤتمر بالبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير "أول شئ عليكم عمله هو وقف نزيف الدم." وأضاف "هذا زلزال متواصل نعيشه كل يوم. وفي كل يوم يزداد قوة."
ويستضيف لبنان الذي يبلغ عدد سكانه أربعة ملايين نسمة عددا من اللاجئين السوريين يتجاوز مليون لاجئ مسجل وفقا لأرقام الأمم المتحدة. وتقول الحكومة إن العدد الحقيقي للسوريين في لبنان أكبر بكثير وتحذر من أنه لا قبل لها بتحمل تكلفة تسكين وإعالة مثل هذا العدد الضخم. ويطلب لبنان 12 مليار دولار إجمالا مقسمة بين المعونات التقليدية والقروض ويأمل أن تساند الدولة المضيفة بريطانيا نداءه.
وقال بو صعب "نطلب حوالي 4.9 و5.0 مليار دولار على هيئة منح خلال السنوات الخمس القادمة." وأضاف "في الوقت نفسه سنطلب تمويلا ميسرا ربما حوالي سبعة مليارات دولار لمشروعات وللبنية التحتية وغيرها وذلك من البنك الدولي أو أي بنك آخر أو البنك الأوروبي" للإنشاء والتعمير.