حكومة كردستان.. التهرّب من أزمة داخلية بافتعال أزمة خارجية

عبد الامير رويح

2016-02-13 01:52

اقليم كردستان العراق يعيش اليوم جملة من الازمات والمشكلات السياسية والاقتصادية الكبيرة، التي تفاقمت بشكل خطير وكما يقول بعض المراقبين، نتيجة السياسة الفاشلة لحكومة الاقليم والتفرد باتخاذ القرارات ومخالفة الحكومة الاتحادية في بغداد، اذ يعاني الاقليم من ازمة اقتصادية تفاقمت في المدة الاخيرة، بسبب انخفاض اسعار النفط وتكاليف الحرب ضد داعش، وهو ما اثار غضب الشارع خصوصا بعد ان عمدت الحكومة الى تطبيق خطط واجراءات تقشفية بعد ان عجزت عن الايفاء بالتزاماتها، ومن اهم القرارات التي اتخذتها حكومة كردستان العراق كما تنقل بعض المصادر، قرار بتخفيض رواتب موظفي الدوائر الرسمية حيث وصلت نسب التخفيض إلى 75% من رواتب اصحاب الدرجات العليا، ونسب متفاوتة لأصحاب الدرجات الأخرى حتى طال التخفيض رواتب الدرجات المتدنية، الأمر الذي واجه رفضاً واسعاً لدى موظفي الدولة الذين خرجوا بتظاهرات احتجاجية واعتصامات مفتوحة، والمطالبة بصرف رواتبهم المتأخرة منذ شهور.

ويذكر ان حكومة كردستان اعلنت انها لن تدفع سوى جزء من رواتب موظفيها بسبب الازمة المالية الحادة الناجمة عن هبوط اسعار النفط. واوضحت حكومة الاقليم في بيان ان هذا القرار يشمل كل الموظفين باستثناء قوات الامن.

وقالت انها قررت "اتباع نظام ادخار نسبي عادل من المجموع الكلي لرواتب ومخصصات ذوي الرواتب باستثناء وزارة البيشمركة والقوات الأمنية". وتوقفت حكومة الاقليم عن دفع رواتب الموظفين منذ اربعة اشهر بسبب الازمة الاقتصادية، ما دفع المدرسين في مدينة السليمانية الى تنظيم اضراب عام.

وقالت ان دفع جزء فقط من رواتب الموظفين يهدف الى "ضمان استمرارية صرف جزء من الرواتب والمخصصات شهريا"، موضحة ان "ماتبقى مع رواتب الأشهر الباقية في العام الماضي تبقى قروضا لدى وزارة المالية وتدخل في حساب خاص باسم (مدخرات ذوي الرواتب في اقليم كردستان) بشكل مؤقت لغاية تحسن الأوضاع المالية". ويقوم الاكراد بتصدير النفط من حقول كركوك التي تسيطر عليها قوات البشمركة ومن حقول اخرى في الاقليم عبر ميناء جيهان التركي بصورة مستقلة وخلافا لرغبة الحكومة الاتحادية. وتعتمد حكومة اقليم كردستان لتمويل مؤسساتها على بيع النفط الذي هبطت اسعاره بشكل حاد.

الاحتجاجات تتصاعد

وفي هذا الشأن تصاعدت الاحتجاجات في اقليم كردستان العراق بعد أن كشفت الحكومة عن إجراءات تقشفية جديدة لتجنب انهيار الاقتصاد الذي يقول مسؤولون إنه قد يقوض جهود الحرب على تنظيم داعش. وقطع بعض مقاتلي البشمركة الكردية الطريق الرئيسي خارج قاعدتهم في مدينة السليمانية في اليوم الثالث من اضرابات واحتجاجات نظمها افراد من الشرطة وموظفون حكوميون آخرون يطالبون بصرف رواتبهم.

وقال أحد المتظاهرين لقناة ان.ار.تي التلفزيونية المحلية إنه لم يقبض راتبه منذ أربعة أشهر وأضاف "صراحة البشمركة لم يعد باستطاعتها تحمل ذلك." وقال آخر من أفراد البشمركة "الحكومة فقدت شرعيتها. يتعين عليها إتاحة الفرصة لغيرها." وحذر مسؤولون أكراد من أن الأزمة الاقتصادية قد تزيد من الانشقاقات بين صفوف البشمركة وطلبوا من قوى أجنبية منها الولايات المتحدة تقديم المساعدات المالية. وتظاهر رجال الشرطة كذلك في كويا وحلبجة وجمجمال. وفي الأيام القليلة الماضية نظمت بعض الاضرابات والمظاهرات الصغيرة في أربيل عاصمة الاقليم حيث يندر التعبير عن الغضب العام.

وتوقف ازدهار اقتصادي استمر عشرة أعوام فجأة عام 2014 عندما خفضت بغداد تمويلها للاقليم بعد أن أقام خط أنابيب نفطي خاصا به إلى تركيا وبدأ في التصدير بشكل مستقل. وترك ذلك الاقليم المتمتع بالحكم الذاتي يواجه صعوبات في تدبير رواتب العاملين بالحكومة والبالغة 875 مليار دينار عراقي (800 مليون دولار) شهريا.

وحاولت حكومة الاقليم تعويض النقص بزيادة صادراتها المستقلة من النفط إلى نحو 600 ألف برميل يوميا لكن عند مستويات الأسعار الراهنة مازال الاقليم يعاني من عجز يتراوح بين 380 مليار و400 مليار دينار عراقي (717 مليون دولار). وفاقمت الحرب على تنظيم داعش الوضع وتدفق أكثر من مليون نازح بسبب أعمال العنف في بقية أرجاء العراق من الأزمة التي نتجت كذلك عن سنوات من سوء الإدارة والفساد بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.

وانضمت قطاعات جديدة الى الاضراب منها الشرطة المحلية والجمارك ووحدات من البشمركة ورجال الدين خصوصا في محافظة السليمانية. ويذكر ان الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة غوران المعارضة يسيطران على السليمانية. وقد بدا المدرسون في المحافظة الاضراب قبل ان تنضم اليهم شرطة المرور. ويبلغ عدد الذين يتقاضون رواتب من حكومة الاقليم نحو 1,3 مليون شخص بين متقاعد وموظف ومدرس وقوات امنية وغيره في المحافظات الثلاث السليمانية واربيل ودهوك.

وانضم الى حركة الاضراب الاطباء في اربيل، كبرى مدن الاقليم، الخاضعة لسيطرة الحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة رئيس الاقليم مسعود بارزاني. واكد مسؤول محلي ان "نسبة الموظفين الذين لم يلتزموا بالعمل بلغ 75 بالمئة من موظفي القطاع العام" في الاقليم بمجمله. وقطعت قوات من البشمركة الطريق الرئيسي بين السليمانية وكركوك، لعدة ساعات احتجاجا على تاخر الرواتب.

من جهة اخرى، قام رجال الجمارك باغلاق الطريق الرئيسي لمديريتهم قرب مقر قيادة قوات البشمركة باحراق اطارات سيارات لمنع مرور السيارات. كما منع متظاهرون شاحنات نفط محملة من التوجه نحو الحدود مع ايران هاتفين "تسقط الحكومة الفاسدة". الى ذلك، قال هفال ابوبكر رئيس مجلس محافظة السليمانية ان "حكومة الاقليم لم تدفع خلال الاشهر السنة الماضية رواتب موظفي الدولة ولم تصرف اي مبلغ من العائدات المتحصلة من بيع النفط والجمارك على الحدود". بحسب فرانس برس.

واضاف ابو بكر "رفضنا نظام الرواتب الجديدة لحكومة اقليم كردستان ونحن مع حقوق موظفي الدولة". وكشف ابو بكر عن ارسال "برقية عاجلة الى حكومة الاقليم تحذر من ان الوضع يتدهور وبدا يخرج عن السيطرة". وحذر من تفاقم الامور مطالبا بمعالجة فورية "لوقف الاعتصامات والتظاهرات التي تتسع يوميا". ويقوم الاكراد بتصدير النفط من حقول كركوك التي تسيطر عليها قوات البشمركة ومن حقول اخرى في الاقليم عبر ميناء جيهان التركي بصورة مستقلة وخلافا لرغبة الحكومة الاتحادية. وتعتمد حكومة الاقليم على بيع النفط الذي هبطت اسعاره بشكل حاد لتصل الى نحو عشرين دولارا للبرميل الواحد.

استقلال كردستان

في السياق ذاته قال مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي في العراق إن الإقليم يجب أن يجري استفتاء غير ملزم على الاستقلال. وجاءت دعوته رغم أن الإقليم يواجه العديد من الأزمات. وكان البرزاني قد دعا في السابق لإجراء استفتاء على الاستقلال في كردستان لكنه لم يحدد موعدا لإجرائه.

وكان من شأن الفوضى التي أحدثها استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية على أجزاء واسعة من العراق وسوريا أن أتيحت للأكراد فرصة لتعزيز حلمهم الذي طال وقته بالاستقلال لكن المنطقة تكابد في الوقت الحالي لتجنب الانهيار الاقتصادي‭ ‬في وقت انخفضت فيه أسعار النفط بشدة. وقال البرزاني في تصريح نشر في موقع إن الوقت حان والموقف مناسب الآن للشعب الكردي لاتخاذ قرار من خلال استفتاء على مصيره.

وأضاف أن الاستفتاء لا يعني إعلان قيام الدولة لكن ما يعنيه أن نعرف إرادة ورأي الشعب إزاء الاستقلال وعلى القيادة السياسية الكردية أن تنفذ إرادة الشعب في الوقت المناسب والظروف المناسبة. وفي السنوات الأخيرة سعى أكراد العراق لتعزيز الحكم الذاتي في كردستان من خلال بناء خط أنابيب نفط إلى تركيا وتصدير النفط بشكل مستقل في الوقت الذي ضعفت فيه العلاقات مع الحكومة المركزية في بغداد بسبب تقاسم السلطة وعوائد النفط. بحسب رويترز.

وقاومت القوى الإقليمية على مر التاريخ الطموحات الكردية للاستقلال خاصة الدول المجاورة للعراق التي توجد بها أقليات كردية كبيرة. وتقول الولايات المتحدة أيضا إنها تريد أن يبقى أكراد العراق جزءا منه. وقال البرزاني إنه إذا انتظر شعب كردستان أن يأتي أحد آخر ليقدم لهم حق تقرير المصير كمنحة فإن الاستقلال لن يتحقق أبدا. وشدد على أن هذا الحق موجود ولا بد أن يطالب به شعب كردستان وأن يضعه في حيز التنفيذ. ويرى البعض مثل هذه الدعوات للاستقلال محاولة للتشتيت الانتباه عن القضايا الداخلية وتوحيد الشعب الكردي وراء البرزاني الذي انتهت فترة رئاسته العام الماضي لكنه ما زال في المنصب.

علاقة بغداد والاقليم

من جانب اخر اتفق وفد من إقليم كردستان العراق مع الحكومة العراقية على التعاون فيما يتعلق بالاصلاحات التي تهدف إلى التعامل مع أزمة اقتصادية حادة تؤثر على الجانبين. وتعتمد كل من بغداد وحكومة كردستان العراق على عائدات صادرات النفط وتضررت بشدة من الانخفاض الشديد في الأسعار العالمية للخام. وتوترت العلاقات بين الطرفين في السنوات الأخيرة بسبب خلافات على حصة الاقليم من الموازنة العامة واقتسام ايرادات النفط.

واجتمع الوفد بقيادة نيجيرفان البرزاني رئيس وزراء اقليم كردستان العراق مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ومسؤولين حكوميين آخرين. وقال سعد الحديثي المتحدث باسم العبادي بعد المحادثات إن الاجتماع كان إيجابيا فيما يتعلق بطبيعة المشاكل والقضايا الشائكة التي ما زالت عالقة بين الطرفين. وأضاف أن المزيد من الاجتماعات ستعقد الآن بشكل منتظم. وآخر اجتماعات من هذا النوع جرت في يوليو تموز الماضي.

وكان مسؤولون أكراد حذروا في الأسابيع الأخيرة من أن منطقتهم تواجه انهيارا اقتصاديا. وشهدت المنطقة حالة ازدهار في أعقاب غزو قادته الولايات المتحدة أطاح بحكم صدام حسين في عام 2003 بحصولها على نصيب من ايرادات صادرات النفط المتزايدة. لكن بغداد قطعت التمويل للمنطقة في عام 2014 بعد أن أقام الأكراد خط أنابيب خاصا بهم يصل إلى تركيا وبدأوا في تصدير النفط دون موافقة الحكومة المركزية في إطار سعيهم لتحقيق استقلال اقتصادي. بحسب رويترز.

وزادت صادرات الاقليم منذ ذلك الحين إلى ما يزيد على 600 ألف برميل يوميا لكن مع تراجع أسعار النفط أصبح يعاني من ديون ولم يدفع مرتبات الموظفين العموميين منذ خمسة شهور. وقدرت بغداد عجز موازنة عام 2016 بنحو 24 تريليون دينار (20.41 مليار دولار). وقال وزير المالية العراقي هوشيار زيباري إن الأزمة ترغم الأكراد على بحث إحياء اتفاق مع بغداد لإعادة حصة المنطقة من الميزانية مقابل تصدير النفط تحت إشراف الدولة. ولم يشر الحديثي إلى ما إذا كان ذلك قد نوقش خلال الاجتماع.

الى جانب ذلك أبدى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، استغرابه من عدم إعطاء الرواتب لموظفي إقليم كردستان كون الإقليم يتسلم نسبة 15% من الناتج النفطي العراقي، فيما دعا الى مزيد من "الشفافية" في الإقليم ومراقبة الموارد المالية. وقال العبادي إن "إقليم كردستان يتسلم نفس نسبة النفط التي في العراق ويصدر 612 ألف برميل في اليوم"، مشيرا الى أنه "يمثل 15% من الناتج النفطي العراقي". وأبدى العبادي استغرابه من "عدم إعطاء الرواتب لموظفي كردستان"، موضحا أن "النفط الذي يسلم من الحكومة العراقية الى الاقليم يمثل مالا وهذا يجب ان ينعكس على الاقليم".

اشكالية الخندق الكردي

على صعيد متصل وعند مدينة ربيعة شمال غرب اربيل يمر خندق يثير الكثير من الجدل حاليا في الأوساط السياسية العراقية. ويمتد الخندق من ربيعة، قرب الحدود السورية، إلى مدينة خانقين، قرب الحدود الإيرانية جنوب شرق عاصمة إقليم كردستان العراق الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي منذ تسعينيات القرن الماضي. وتعزيز الأمن هو المبرر الرئيس للأكراد لحفر الخندق على أطراف المدن التي استعادوها من قبضة تنظيم داعش منذ أواخر عام 2014.

وسياسة القوات العسكرية الكردية، التي تعرف اختصارا بالبيشمركة، تستند إلى تطويق تلك المدن المحررة بخندق عميق وعريض لمنع انتحاريي التنظيم وسياراتهم المفخخة من التسلل إلى مدن الإقليم. ويقول اللواء هاشم ستيه، قائد الفرقة الثامنة في قوات البيشمركة، إن الخندق أثبت فعالية كبيرة في صد هجمات انتحارية للتنظيم، خاصة بالقرب من مدينة شنجال التي سيطرت عليها قوات البيشمركة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بدعم جوي من طيران التحالف بقيادة الولايات المتحدة.

ورفض القائد العسكري، الذي شارك في الإشراف على معارك مع تنظيم داعش كان آخرها معركة استرداد مدينة سنجال، أن يجيب على سؤال عن إذا كانت النية إنشاء سور أو حائط يطوق الإقليم في المستقبل إذا انفصل عن سائر العراق. لكنه أضاف بنبرة عسكرية حاسمة "قوات البيشمركة ستستمر في مد الخندق إلى أطراف كل قطعة من الأراضي الكردية لتعزيز الأمن، بما فيها المناطق المتنازع عليها مع بغداد".

ويمر الخندق ويخترق في أجزاء منه بعض المدن التي كانت سببا في دفع الجيش العراقي وقوات البيشمركة إلى حافة الحرب في الماضي القريب، كمدينة كركوك التي يُطلق عليها "قدس العراق" لرمزيتها التاريخية للعرب والأكراد. وكانت كركوك ومدن أخرى مثل خانقين وجلولاء، تحت سيطرة الحكومة المركزية قبل ظهور تنظيم الدولة واستيلائه على أرض شاسعة شمالي وغربي العراق في بداية عام 2014.

وأثار الخندق عموما ريبة الحكومة العراقية وتكهنات في بغداد بأن اربيل تعتزم الاستناد إلى الخندق في ترسيم الدولة الكردية المرتجاة بعد استفتاء في المستقبل على الانفصال عن العراق، والذي يتمسك به رئيس الإقليم مسعود بارزاني. وبسؤاله عن إذا كان الخندق سيكون الخطوة الأولى للتمهيد لانفصال الإقليم عن العراق، قال وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي "نأمل ألا تكون هذه هي نية الإقليم. لكن هذا لا ينفي أن الاخوة الأكراد لهم حق تقرير المصير في نهاية المطاف".

ويراود أكراد العراق الأمل بتحقيق حلم الانفصال عن بغداد وإنشاء دولة مستقلة في الشمال بعد إقرار الدستور الدائم للعراق عام 2005 والذي نص في المادة 140 منه على إجراء استفتاء في كردستان لسؤال السكان إذا كانوا يريدون الانفصال عن بغداد أو البقاء ضمن عراق واحد. وتحدث مسؤولون أكراد صراحة عن الانفصال، خاصة بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، والذي أدى إلى الإطاحة بنظام البعث بقيادة صدام حسين الذي يذكره العديد من الأكراد بكونه رمزا لاضطهاد الأكراد.

ومنذ ذلك الحين تحديدا، سعت حكومة الإقليم إلى اتخاذ خطوات، خاصة على الصعيد الاقتصادي، لتعزيز وترسيخ فكرة الاستقلال عن بغداد. ولعل من أبرز تلك الخطوات التي أثارت حنق الحكومة المركزية بدء الإقليم تصدير النفط إلى تركيا، خاصة نفط كركوك، وهو ما أدى إلى قيام بغداد بتعليق حصة الإقليم من الموازنة السنوية (17 في المئة أو ما يعادل 15 مليار دولار تقريبا).

وحقق تصدير نفط الإقليم ونفط كركوك المتنازع عليها بعض الانتعاش الاقتصادي للأكراد، لكنه ما لبث أن تلاشى بعد انهيار أسعار النفط الخام العالمية من نحو 100 دولار إلى أقل من 30 دولارا للبرميل. ويقول كفاح محمود، الباحث والمحلل السياسي المقرب من رئيس الإقليم مسعود بارزاني، إن هناك شعور سائد بين العديد من الأكراد بأن "من المستحيل العيش في عراق واحد بسبب الإرث الثقيل في الذاكرة الكردية لبعض المآسي التاريخية التي ارتكبها نظام البعث بحق الأكراد". ويضيف محمود "لكن الانفصال عن بغداد لن يكون بين عشية وضحاها ولن يكون بالأمر السهل على الإطلاق لبغداد، والتي اتخذت مؤخرا خطوات عدائية كقطع حصة الإقليم من الموازنة".

خلال عامين تقريبا، تحولت الأنظار في بغداد تحديدا إلى خطر جديد يهدد العراق بأسره وهو التنظيم الجهادي المتطرف المرتبط فكريا بتنظيم القاعدة. وتصدر القضاء على تلك الجماعة المسلحة سلم أولويات الحكومة المركزية، وهو ما طغى على قضايا كانت في الأمس القريب تؤرق المسؤولين، خاصة في وزارة الدفاع، وعلى رأسها قضية المناطق المتنازع عليها بين بغداد واربيل. إلا أن قدوم التنظيم واستيلاءه على ثاني كبرى المدن العراقية، مدينة الموصل عاصمة محافظة نينوى، غيّر المعادلة وأصبح العراقيون يشيرون عند التحدث عن الواقع العسكري والسياسي في العراق اليوم إلى ما يسمونه بحقبة "ما بعد سقوط الموصل". وخلق هذا "واقعا جديدا" على الأرض، كما يقول أنور دحام من عشيرة البوشمر السنية العربية العريقة في مدينة ربيعة.

يتوخى أنور (48 عاما) الحذر في التعليق على قضايا حساسة تتعلق بإقليم كردستان العراق، كقضية الخندق على سبيل المثال. وعلى الرغم من اعتقاده بأن الخندق قد يقسم العراق، إلا أنه يعتقد أيضا أنه سيعزز الأمن في المنطقة وسيحميهم مع الأكراد من مسلحي التنظيم. ويقول أنور "أي انسان يتمنى أن بلده تظل موحدة وأن العراق يظل واحدا ولكننا في سفينة تضربها الأمواج. وداعش الإرهابي يمثل تهديدا لجميع القوميات في العراق، العرب والأكراد والتركمان والإيزيديين والمسيحيين وغيرهم. هل تريد بر الأمان أم الغرق؟ لولا الخندق لما استطعنا الجلوس في بيتي اليوم لإجراء هذه المقابلة معك. هذه هي الحقيقة".

ويوافقه الرأي جاره الكردي أحمد عبد الحميد الذي اصطحبني إلى سطح منزله لنرى الخندق في الأفق البعيد. ويقول أحمد مشيرا إلى الخندق إنه "خط الدفاع الرئيس عن الأكراد". ولكن أحمد (59 عاما) يتمنى صراحة أن يضع الخندق الأساس لدولة كردية في شمال العراق، ويضيف بلغة عربية ضعيفة مطعمة أحيانا بكلمات من اللغة الكردية "هذا الخندق أمان. يفصلنا عن بغداد. هذا أمان لنا. نريد استقلالا عن العراق". وعندما تحدثت مع بعض الجنود وقادتهم، كاللواء هاشم، عند الخندق، أشارو ضمنيا إلى أن للخندق سببا آخر غير توفير الأمن، وهو الحفاظ على المكاسب التي حققوها على الأرض في معاركهم مع التنظيم الجهادي المسلح. بحسب بي بي سي.

من بين تلك المكاسب أراض يقول الأكراد إنها حق تاريخي لهم وأن صدام حسين مارس سياسة التعريب والتهجير بها لإحداث تغيير ديموغرافي بها. ويقول اللواء هاشم "لن نفرط في أي منطقة حررناها من داعش والتي بذلنا الدماء من أجلها. سنحتكم إلى العملية الديمقراطية، فأهالي تلك المدن التي يمر بها الخندق، بما فيها بعض المناطق المتنازع عليها مغ بغداد، سيصوتون على حق تقرير مصيرهم كما صرح رئيسنا مسعود بارزاني أكثر من مرة".

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي