مركز المستقبل يناقش صراع العشائر في البصرة... الأسباب والتداعيات
حيدر الاجودي
2016-01-29 07:44
يعد المجتمع العراقي بمختلف طوائفه وأعراقه عشائري الطابع والعادات والتقاليد، وهناك أعراف متفق عليها بين العشائر في ما يتعلق بالخلافات المسلحة والتي ربما تؤدي الى نشوب نزاعات عشائرية، وتعدّ النزاعات العشائرية إحدى أبرز أسباب الموت في العراق بالإضافة إلى العبوات الناسفة والمعارك والاغتيالات المنظمة. وتتنوع أسباب الخلافات العشائرية المسلحة التي تؤدي إلى نشوب قتال بينها، وتحديداَ بعد فقدان السيطرة على الوضع من قبل العقلاء، كيف نرى اليوم أن يصل النزاع والتقاتل إلى درجة استخدام الأسلحة الفتاكة في صراعات أساسها في الغالب بسيط ومحدود؟.
في إطار اهتمام مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية بقضية الصراعات العشائرية التي تحدث في جنوب العراق وخصوصا في البصرة، عقد المركز حلقته النقاشية الشهرية تحت عنوان (صراع العشائر في البصرة... الأسباب والتداعيات)، بحضور نخبة من شيوخ العشائر العراقية ومجموعة من الباحثين الأكاديميين وممثلي بعض الكتل السياسية والإعلاميين والناشطين الحقوقيين في مقر جمعية المودة والازدهار.
في البدء تطرق مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية ومدير الجلسة الحوارية عدنان الصالحي، إلى دور العشائر العراقية في تشكيل الدولة والحفاظ على هيبتها، معتبرا إياها أنها تمثل على مر التاريخ أعلى علامات الوطنية والدفاع عن الثوابت الاجتماعية الأصيلة وهذا مايميز العشائر العراقية عن غيرها.
مشيرا إلى أن العشائر العراقية تمثل تحديا صعبا أمام كل من يحاول العبث بمقدرات البلد والشعب، كما إنها لعبت دورا ايجابيا كبيرا في الوضع الأمني والسياسي للبلد.
مستذكرا الدور البارز الذي لعبته العشائر العراقية في ظل وجود النظام البعثي القمعي وما بعده بوجود الاحتلال الأمريكي والصراعات الطائفية بين أبناء البلد وصولا إلى دورها في الوقوف بوجه داعش الإرهابي.
وختم الصالحي مقدمته بالاعتراض على من يحاول زج اسم العشائر العراقية في معركة لا دخل لها بها وتضخيم أخبارها أو محاولة استدراجها فعلا في حرب أهلية لا طائل منها غير الدمار.
في هذا السياق، تطرق المستشار والباحث القانوني والمتخصص في الشأن العشائري جاسم الشمري، إلى الدور البارز والمهم لدور العشيرة تجاه الفرد والمجتمع، والى تقويم العادات والتقاليد العشائرية بالإضافة إلى القيود التي تفرضها وتلتزم بها العشائر وتطبقها في حال حصول ما ينافي الأخلاق الإنسانية.
وحاول الشمري مناقشة النزاعات العشائرية في البصرة قانونيا، ومدى حجم الأضرار الاقتصادية والسياسية التي تسببها هذه النزاعات في المنطقة، مسلطا الضوء على أسباب النزاعات العشائرية منها، تردي الوضع الأمني في المنطقة، وضعف تطبيق القانون فضلا عن غيابها، وغض النظر عن الكثير من المشكلات التي تزيد التشنجات بين أفراد العشائر، وشيوع النعرات الطائفية والعشائرية وتسليح العشائر بدون رخصة، بالإضافة إلى وجود أجندات خارجية تسعى إلى تفتيت بنية العشائر العراقية.
من جانبه تطرق الدكتور عادل كاظم السهلاني التدريسي في جامعة كربلاء، إلى أهمية البصرة الإستراتيجية بالنسبة للعراق، وتأثير النزاعات العشائرية على النسيج العراقي بصورة عامة بالإضافة إلى الجرائم التي تحدث داخل العشيرة وكيفية الوصول إلى حلها بالتراضي فيما بين أبناء العشيرة الواحدة أو بين العشائر.
مشيرا إلى أن النزاعات العشائرية في البصرة لا تقل خطورة عن الإرهاب الداعشي على البلد، ولا يجب أن يتهرب أصحاب الحل والقرار من هذه المشكلات.
مشددا على ضرورة اخذ الدولة حقها في تطبيق القانون بحق مرتكبي المخالفات والانتهاكات التي تحدث بين أفراد العشيرة الواحدة، وعدم الركون إلى العشيرة لفض النزاعات واعتبارها كبديل عن الدولة في حل المشكلات.
مضيفا أسباب النزاعات العشائرية يعود إلى ضعف الدولة وارتباطها بالعشيرة على أعلى المستويات، إضافة إلى ضعف فرض هيبة القانون في الوصول إلى تطبيق العدالة أمام مرتكبي الخروقات القانونية، ووجود مافيات السرقات التي استغلت ضعف الدولة وضعف القانون لتقوي دور العشيرة في إسنادها.
بعد ذلك فتح مدير الجلسة الحوارية الباب أمام الحاضرين ليشاركوا بمداخلاتهم وطرح أسئلتهم واشكالياتهم التي أجاب عنها بوضوح تام أصحاب الأوراق النقاشية.
المداخلات:
أشار الشيخ سعد صفوك- عضو مجلس النواب العراقي ومحافظ كربلاء الأسبق وشيخ عشائر المسعود، إلى أن قوة العشيرة وسلطتها تضمحل في حال تغليب سلطة القانون والدولة وهذا الأمر يكون عكسيا، مؤكدا على أن العشيرة كانت هي القوة الغالبة في فترة الحكم العثماني والاحتلال البريطاني للعراق والفترات التي أعقبتها إلى تولي السلطة الحكم البعثي وقمعه لسلطة العشيرة واضمحلالها شيئا فشيئا، وعادت قوة العشيرة إلى الظهور مرة أخرى بعد اعتماد الدولة على شيوخ العشائر في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، وبعد سقوط النظام السابق ازدادت سلطة العشيرة وأصبحت ذات نفوذ واسع في الدولة، وهذا النفوذ هو الذي مكن أبنائها من التسلح غير المشروع وخرق القوانين خارج إطار الدولة.
كثرة قادة العشيرة
بيّن الشيخ منديل النواب شيخ عشائر الزكاريط، أن كثرة تشعب قادة العشيرة الواحدة تؤدي إلى ظهور مشاكل جديدة تكون بينهم أولا وتنتقل إلى الأولاد والأحفاد، مطالبا الدولة بالتدخل لوضع حد لاعتماد شيوخ العشائر والاقتصار على الأصل فقط دون الكثرة، وأضاف النواب، في الآونة الأخيرة أصبح السياسي يضرب على وتر العشيرة بالالتجاء إليها في حال تعرضه لخطر معين أو لتحقيق مغانم ومكاسب خاصة وهذا الأمر لم يلق ردعا كافيا للحد من فساد بعض السياسيين.
قوانين تتعارض مع حقوق الإنسان
أوضح حيدر الجراح مدير مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث، خلال مداخلته إلى أن بعض قوانين العشيرة التي تفرضها على أفرادها تتعارض مع قوانين حقوق الإنسان وبالتالي ربما تتعارض مع الشريعة الإسلامية، وسجل الجراح اعتراضا لعدم توضيح تداعيات الصراع العشائري الحاصل في البصرة والاكتفاء فقط بذكر الأسباب، وعدم توضح من يقف وراء هذه الصراعات العشائرية.
الصراعات وتعطيل الإقليم
من جانبه قال الدكتور احمد المسعودي الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية، إن الأحزاب السياسية العراقية هي احد الأطراف التي تقف خلف الصراعات العشائرية في البصرة بغية إلغاء مشروع إقامة الإقليم الذي يتبناه المواطنون البصريون، فإشعال البصرة بصراعات دينية وسياسية وعشائرية وغيرها تساهم في تغييب مشروع الأقلمة. وأضاف المسعودي أن لدول الجوار نفوذ واسع في التدخل بهذه الصراعات بسبب عرقلة إقامة المشاريع الإستراتيجية للبلد، فضلا عن امتداد بعض العشائر إلى تلك الدول، متسائلا في الوقت نفسه عن سبب تكرار الصراعات العشائرية في البصرة؟، وكيف تم اختيار هذا الوقت بالتحديد؟، وما هي علاقة الصراعات بمشروع إقامة إقليم الجنوب في البصرة؟.
نزوح بسبب جفاف الاهوار
عدّ مدرب التنمية البشرية الدكتور بشير المقرم، قضية جفاف الاهوار احد أسباب نزوح بعض العشائر إلى شمال البصرة، الأمر الذي تسبب في تصادم العشائر بينهما بسبب ضعف الوضع الأمني وإرباكه وفقدان الولاء للوطن، أدى إلى ظهور العصابات الإجرامية التي قامت تبتز المواطن المدني والعسكري مما تسبب بإرباك الحكومة والتقصير في تقديم الخدمات العامة للمواطنين. وأضاف المقرم أن الضعف الأمني في المحافظة أدى إلى امتلاك العشائر لأسلحة غير مرخصة من اجل حماية أبنائها الأمر الذي ينبأ عن ضعف هيبة الدولة.
شق النسيج الاجتماعي
الحقوقي هاشم المطيري، خلال مداخلته إن الصراعات العشائرية مسألة مألوفة منذ ألاف السنين ليس فقط بالعراقي وإنما يشمل المحيط العربي، وأضاف ربما هذا الكيان الاجتماعي في بعض البلدان قد انتهى وتلاشى ولكن في العراق مازال حاكما ومسيطرا، وإذا ما استغل هذا الكيان بصورة صحيحة فأنه يساعد النخب على تطوير المجتمع بكافة أطيافه. متسائلا لماذا هذا التسليط الإعلامي على قبيلتي طرفي الصراع؟، ولماذا لم تكن هناك وساطات اجتماعية للحد من المشكلة؟، مشيرا إلى إن هذا الصراع أريد منه تضخيما لشق النسيج الاجتماعي الداعم ليد الدولة المحررة وليس ليد الدولة التي تهدم.
غياب هيبة الدولة
أوضح مدير مكتب تيار الإصلاح الوطني في كربلاء المقدسة المحامي صالح مهدي، إلى أن العشيرة هي مصدر قوة الفرد والمجتمع إذا ما تناغمت قوانينها مع الشريعة السمحاء وتطبيق سلطة القانون في الدولة، مضيفا إن تكرار حدوث الصراعات والنزاعات العشائرية جاء بسبب غياب هيبة الدولة الذي ولد صراع بين الكتل السياسية وحول هذا الصراع إلى البصرة لما تمتلكه هذه المدينة من موقع جيوسياسي واستراتيجي، بالإضافة إلى ظهور الجريمة المنظمة التي تهدد امن المحافظة.
الانتماء العشائري انتماء للوطن
من جانبه أكد الشيخ مرتضى معاش، على إن انتماء الفرد للعشيرة هو انتماء للوطن وقوة العشيرة هي من مفاخر الوطن، معتبرا السلم الأهلي هو خط احمر لا يمكن تجاوزه وضرورة مساهمة العشائر في التنمية المستدامة (الاجتماعية والاقتصادية) بالإضافة إلى إسهام العشائر في تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، داعيا السياسيين إلى عدم تسييس العشائر وإدخالها في النزاعات السياسية والاعتماد على محاكم خاصة محايدة للفصل بين النزاعات التي تحدث. وتسائل معاش عن إمكانية تأسيس برلمان عشائري لمعالجة أوضاع العشائر ومشكلاتهم وفقا لقوانين الشريعة الإسلامية ومراعاة لقوانين الدولة؟.
تضليل إعلامي
أشار مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات الأستاذ احمد جويد، إلى إن الصراعات القبلية لا تقتصر فقط على العراق وإنما في اغلب دول المنطقة، فهي تكون بغياب سلطة الدولة وسلطة القانون، ففي ليبيا واليمن تشهد الصراعات العشائرية أوجها، أما بالنسبة لجنوب العراق فقد اتخذ بعض ضعفاء النفوس بعض وجهاء العشائر كأداة لتنفيذ مكاسبهم الخاصة بعيدا عن سلطة القانون. وأضاف جويد أن من جملة أسباب الصراع القبلي هو قلة الوعي الثقافي والتنافس على النفوذ القبلي وكثرة وجود البطالة، معتقدا إن الصراع الذي حدث في البصرة هو مشكلة طبيعية وسلط عليه الإعلام المعادي لوجود معارك قوية في غرب العراق أدت إلى انسحاب داعش منها فتعمدوا اللعب بالتضليل الإعلامي.
اختلاق مشاكل
أوضح مدير مكتب ممثلية شؤون العشائر في محافظة كربلاء المقدسة المقدم سلمان، إلى أن اختلاق المشاكل العشائرية في البصرة هو من اجل إبعاد الأنظار عما يدور على الساحة السياسية للبلد، وحدثت الكثير من المشاكل في البصرة وتوصلوا إلى الحل السليم مثل مشكلة اغتيالات الكفاءات العلمية والطبية وأيضا مشكلة الفصلية العشائرية. ودعا المقدم سلمان الى مراعاة حقوق الإنسان والقواعد المرورية وحقوق المرأة وعدم الاعتداء على الكفاءات الطبية والعلمية والكوادر التدريسية ومنتسبي رجال الأمن العراقي في قضايا الفصل العشائري في كربلاء المقدسة.
بعد ذلك اخذ أصحاب الورقتين النقاشية بالإجابة عن جميع التساؤلات والإشكاليات التي طرحت أثناء مداخلات الحاضرين، ليختم مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية الأستاذ عدنان الصالحي حلقته النقاشية التي انصب الاهتمام فيها على مايدور في جنوب العراق من صراعات ونزاعات عشائرية، مسجلا بذلك أهم النتائج والتوصيات التي خرجت بها الجلسة النقاشية.
النتائج والتوصيات
- إشاعة ثقافة التعارف والتواصل الاجتماعي لبناء المجتمع بمختلف عشائرية وثقافته ومعتقداته.
- إشاعة ثقافة حقوق الإنسان من خلال الندوات الثقافية.
- تهذيب الأعراف العشائرية التي تخالف الشرع والقانون وتنتهك حقوق الإنسان وتكليف المديرية العامة لشؤون العشائر بتبني هذا الموضوع.
- القضاء على البطالة بتأمين مصادر رزق لأبناء العشائر.
- مصادرة ونزع الأسلحة غير المرخص الخفيفة والمتوسطة، والعمل على حل النزاعات بين العشائر والحد منها قانونيا.
- وضع منهاج للصلح خاص بالعشيرة وتلزم به أفرادها.
- نبذ الظواهر السلبية والدخيلة على العشائر العراقية ومنها حرق البيوت والكتابة (مطلوب عشائريا) على الدور والمحلات.
- إدانة العشائر للإرهاب والتطرف بكل أنواعه وأشكاله وخصوصا فيما يتعلق بتهديد الموظفين والأطباء ومنتسبي قوى الأمن.
- عقد الندوات والمؤتمرات بشكل مستمر في دواوين العشائر التي تسهم في دعم وإسناد الأجهزة الأمنية.
- الاعتماد على قوة العشيرة بخدمة الدين والوطن والشعب والمقدسات.
- التخلي عن بعض القوانين العشائرية التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية السمحاء.