حماقة ترامب.. هل تحرم الحزب الجمهوري من استعادة حلم الرئاسة؟
عبد الامير رويح
2015-12-13 10:30
الحملة الانتخابية للرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية تشهد تطورات مهمة وكبيرة، اتت على خلفية التصريحات العنصرية الاخيرة للمرشح المثير لجدل دونالد ترامب، الذي يسعى لنيل ترشيح الحزب الجمهوري، والتي دعا فيها إلى منع المسلمين والمهاجرين من دخول أميركا هذه التصريحات وبحسب بعض المراقبين التي لاقت إدانة واسعة داخل وخارج امريكا، ستسهم بشكل فاعل في تغير الكثير من التوقعات والنتائج السابقة، الامر الذي اثار قلق ومخاوف الحزب الجمهوري الذي يأمل في إنهاء ثماني سنوات من الحكم الديموقراطي، من أن ينسف الملياردير الأميركي آمالهم في الوصول إلى البيت الأبيض. ويواجه الحزب خيارا صعبا بين تغيير مرشحه للرئاسة أو ربط مؤسسة حزبية عمرها 161 عاما بأهواء مرشح ينظر إليه العديد من الأميركيين على أنه عنصري.
هذه التحولات المهمة ستصب ايضا في مصلحة الخصوم حيث سعى العديد منهم الى تكثيف حملاتهم وحربهم الاعلامية، حيث يوجه المرشحون لمنصب رئيس الولايات المتحدة الاتهامات والانتقادات إلى بعضهم البعض، من اجل تحقيق مكاسب اضافية قد تمكنهم من الفوز بهذا السباق المهم، وتحظى الانتخابات الرئاسية الأمريكية وكما تنقل بعض المصادر، بمتابعةٍ واهتمامٍ كبيرين ليس على المستوى الأمريكي المحلي فحسب، ولكن أيضاً على المستوى الدولي، لما تشكله نتائج هذه الانتخابات من انعكاساتٍ مهمة على تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية التي تؤثر في العالم أجمع خصوصاً في ظل هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على هذا العالم فيما يسمى بالنظام السياسي الدولي أحادي القطبية الذي ظهر بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة.
تصريحات واستطلاعات
في هذا الشأن أثار ترامب جدلا دوليا بعدما قال انه يريد غلق الحدود الاميركية امام المسلمين. ومازال الملياردير الأميركي يتصدر استطلاعات الرأي لدى الجمهوريين بفارق عشر نقاط عن أقرب منافسيه. وكان من بين المنددين بتصريحات ترامب مرشحون جمهوريون آخرون، لكن قادة الحزب رفضوا التضحية به أو استبعاده من عملية التصويت.
وقال السناتور تيد كروز أحد المرشحين المفضلين لدى الجمهوريين المحافظين "أنا أحب ترامب وأحترمه". وأضاف "ما زلت أحب دونالد ترامب وأحترمه. وفيما ذهب مرشحون آخرون في هذا السباق إلى مهاجمته وإهانته، رفضت القيام بذلك ولا أعتزم تغيير ذلك الآن". وبعدما استشعر وجود مأزق، حذر ترامب الجمهوريين علنا من أنه سيقود حملة منفصلة ويشكل طرفا ثالثا في حال تحركوا ضده.
ويمكن لهذا الأمر أن يبدد فرص الجمهوريين بالفوز على هيلاري كلينتون في حال فازت بترشيح الحزب الديموقراطي في نهاية المطاف. وكتب ترامب على صفحته على فيسبوك ان "استطلاعا جديدا للرأي يشير إلى أن 68 في المئة من مؤيدي سيصوتون لي إذا خرجت من الحملة الجمهورية وترشحت كمستقل". وبحسب استطلاع للرأي أجرته يو أس ايه توداي/سوفولك، أعرب 27 في المئة من الناخبين الجمهوريين المحتملين عن تأييدهم لترامب، وهو رقم ما زال ثابتا خلال أشهر من الجدل.
وحصل أقرب منافسيه كروز على 17 في المئة فيما أعرب 16 في المئة عن تأييدهم للسناتور ماركو روبيو. وأسهمت تصريحات ترامب في انتشار حملة ترامب الانتخابية مجانا على شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي. ولطالما اعتبرت الشخصيات الكبيرة داخل الحزب بأن ترامب لن يفوز بترشيح الجمهوريين للانتخابات، التي تبدأ في أيوا قبل أقل من شهرين.
وكتبت كاتي بامر غايج على تويتر "ما زلت أعتقد أن الغالبية العظمى من الحزب الجمهوري التي رشحت ميت رومني منذ أربع سنوات، لن ترشح ترامب". وكانت غايج إحدى العاملين الرئيسيين في الحملة الانتخابية للحاكم السابق ميت رومني الذي خسر الانتخابات أمام باراك أوباما. لكن الجمهوريين يتساءلون إذا ما كان دعم ترامب قد يؤدي إلى خطأ سياسي.
ومع التغير الديموغرافي في الولايات المتحدة التي تشهد تراجعا البيض، لا يمكن أن يخاطر الجمهوريون بأثارة نفور ناخبي الأقليات الذين يصوتون بكثافة للحزب الديموقراطي. وقد تؤدي التصريحات الحالية لترامب بالإضافة إلى تصريحات قاسية حيال الهجرة كان أطلقها كروز، إلى اعتماد الحزب الجمهوري أكثر من أي وقت مضى على الناخبين البيض، المحافظين والإنجيليين الذين يدعمون ترامب. بحسب فرانس برس.
وقال لاري ساباتو مدير مركز الدراسات السياسية في جامعة فرجينيا ان "الجمهوريين في مأزق كبير". وأضاف "كيف يريدون جمع جناح ترامب إلى جانب مؤسسي الحزب؟". وتابع "أنا لا أرى جامعا واضحا، غير الكراهية لهيلاري كلينتون وباراك أوباما، هذا الشيء الوحيد الذي يمكن أن يجمعهم. قد يكون كافيا. ولكن قد لا يكون".
أصوات اليهود
من جهة اخرى فما حدث من دونالد ترامب زاد المهمة الصعبة صعوبة في نظر الحزب الجمهوري. فعلى مدى سنوات حرص الجمهوريون - يدعمهم في ذلك بعض المتبرعين من ذوي النفوذ - على استمالة أصوات اليهود الأمريكيين الذين يعتبرون أمن اسرائيل همهم الأكبر. وقبل أقل من أسبوع وقف عدد من الساعين إلى الفوز بترشيح الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة أمام مجموعة من المحافظين اليهود في واشنطن طلبا لدعمهم وأعلنوا تضامنهم مع الدولة اليهودية.
لكن جمهوريين بارزين قالوا إن الاقتراح الذي طرحه ترامب لمنع دخول كل المسلمين الأجانب إلى الولايات المتحدة قلب الأمر رأسا على عقب. وأصبحت العيون تنظر بقلق إلى زيارته المرتقبة لاسرائيل في نهاية ديسمبر كانون الاول. وقال نورم كولمان عضو مجلس الشيوخ عن ولاية مينيسوتا وعضو مجلس التحالف الجمهوري اليهودي "ما من شك أن هذا غير مفيد."
وقال لي كوان خبير الاستراتيجية الجمهورية "الطائفة اليهودية بصفة جماعية لديها ذاكرة مؤسسية وندوب مؤسسية من أحداث سابقة في التاريخ تعرضت فيها جماعة للاضطهاد بناء على الدين وحده." وأضاف أن ترامب يلحق الضرر بالحزب. وفي وقت سابق من الأسبوع الجاري دعا ترامب الذي يتقدم سباق الجمهوريين الساعين إلى الفوز بمقعد الرئاسة في الانتخابات التي تجري في نوفمبر تشرين الثاني 2016 إلى فرض حظر يمنع المسلمين بمن فيهم المهاجرون والطلبة والسياح من دخول الولايات المتحدة في أعقاب حادث اطلاق اثنين من المتطرفين المسلمين النار على حفل مما أدى لسقوط 14 قتيلا في كاليفورنيا.
وأثار اقتراحه إدانات من زملاء له في الحزب الجمهوري ومن الديمقراطيين والبيت الابيض وجماعات حقوق الانسان وحكومات أجنبية ومتشددين في سوريا بل ومن مارك زوكربرج الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك. وقال بعض اليهود من الجمهوريين أيضا إنهم لن يؤيدوا ترامب بعد الآن. وقال بول كوهين (59 عاما) الذي تقاعد قبل سبع سنوات من منصب إداري في شركة انتل "موقفه تجاوز الحد المعقول بالنسبة لي. وأنا أفكر في خيارات ثانية مثل تيد كروز وهو ما لم أكن أفعله من قبل."
وفي حين شعر المسؤولون الأمنيون في الولايات المتحدة بالقلق خشية أن تضر تصريحات ترامب بمساعي مكافحة الارهاب على المستوى العالمي فقد أبدى الجمهوريون قلقا ثانويا يتمثل فيما إذا كان حديث ترامب سيدفع بمزيد من الناخبين اليهود لتأييد الحزب الديمقراطي. ففي الحملة الانتخابية عام 2008 حصل باراك أوباما على 78 في المئة من أصوات اليهود. بحسب رويترز.
وبعد أربع سنوات حاول المرشح الجمهوري ميت رومني دق إسفين بين هؤلاء الناخبين وأوباما بمهاجمة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط موضحا أنه سيكون شريكا أكثر ولاء لاسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو. وحصل أوباما في نهاية الأمر على 69 في المئة من أصوات اليهود وأعيد انتخابه. ومع ذلك فقد كان أداء رومني أفضل من أي مرشح جمهوري على مدى ربع قرن.
بوش وبن كارسون
على صعيد متصل اكد جيب بوش المرشح الى الانتخابات التمهيدية الجمهورية في السباق الى البيت الابيض انه لن ينزل في حملته الى مستوى الملياردير دونالد ترامب الذي وصفه بانه "مثير للفتن". وقال جيب بوش اثناء تجمع في فلوريدا حيث اطلق شعارا جديدا هو "جيب يستطيع اصلاحه"، "لست هنا لتدمير الناس بل لجمعهم. سافعل ما بوسعي لكسب هذه الانتخابات، لكن هناك امورا لست مستعدا لفعلها". وتابع "لن اتخلى عن مبادئي"، مضيفا "لن اتخلى عن رسالتي المتفائلة، لن ارتدي لباس شخص مثير للفتن غاضب، ولن انتقص من الناس لاشعر بانني كبير".
وقال جيب بوش "ساقوم بحملتي وفق مبادئي وعندما ينتهي كل شيء ويتم احتساب المندوبين، سنكسب هذه الحملة". وسخر من النصائح العديدة التي قدمها له معلقون ومحترفون في العمل السياسي بعد تدهور شعبيته المستمر في استطلاعات الراي وادائه الرديء في مناظرات متلفزة.
وقال المرشح الجمهوري الذي اتبع حمية غذائية وانقص وزنه قبل ان يترشح الى الانتخابات الرئاسية هذه السنة، ساخرا ايضا "لو كان لينكولن حيا هل كنتم لتتصوروا الحماقات التي يمكن ان يواجهها. مستشارون يقولون له ان عليه ان يكون حليق الذقن ومعلقون تلفزيونيون ينصحونه بعدم اعتمار قبعته". وخلص الى القول "لا استطيع ان اكون امرا اخر غير نفسي"، "فالزعامة امر اخر".
والخطاب يرمي الى فتح نافذة جديدة لجيب بوش من اجل طمأنة انصاره وشبكة مانحيه في آن. وبعد ان كان يحتل الصدارة في استطلاعات عديدة قبل دخول دونالد ترامب السباق في حزيران/يونيو، بات جيب بوش نجل وشقيق الرئيسين السابقين في المرتبة الخامسة وراء قطب العقارات بن كارسون والسناتورين ماركو روبيو (فلوريدا) وتيد كروز (تكساس) بحسب المعدل الوسطي لاستطلاعات الرأي الذي يحتسبه موقع رييل كليير بوليتيكس. لكن المرشحين الذين كانوا يتصدرون في هذه المرحلة من الانتخابات التمهيدية الرئاسية السابقة انتهى بهم المطاف بالهزيمة في الانتخابات كما يذكر فريق بوش غالبا.
في السياق ذاته اعلن المرشح الاوفر حظا للفوز في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري للرئاسة الاميركية بن كارسون ان حملته للوصول الى البيت الابيض لن تتأثر بسبب تحقيقات صحافية تتهمه بالكذب حيال ماضيه. ومنذ ايام عدة يندد جراح الاعصاب المتقاعد، الذي تشير استطلاعات الرأي الى تعادله مع منافسه الملياردير دونالد ترامب، بالمعلومات المنشورة في الصحافة من دون تقديم توضيحات حول اتهامات بشأن كيفية قبوله في اكاديمية عسكرية عريقة ونزعته الى العنف عندما كان شابا.
ونشرت صحيفة وول ستريت جورنال فصلا جديدا عن طفولته تتحدث عن كيفية انتقاله من حياة فقيرة في ديترويت ليصبح جراح اعصاب شهيرا. وتشكك المقالة المنشورة في المرحلة الدراسية لكارسون في جامعة ييل المرموقة، مشيرة الى انه لم يكن ممكنا التحقق من قيامه، في تلك المرحلة، بحماية طلاب بيض خلال اعمال الشغب التي اعقبت اغتيال مارتن لوثر كينغ. وبحسب كارسون، فإن هذه جبهة جديدة لن تغير شيئا في ترشيحه للانتخابات الرئاسية في العام 2016. وردا على سؤال حول تغييرات محتملة في حملته بعد تلك الاتهامات، قال كارسون "قطعا لا".
واضاف خلال مقابلة مع قناة اي بي سي الاميركية ان "حملتنا هي الاهم. نحن نقول الحقيقة، ونتعامل مع القضايا المهمة". وفي مقابلة اخرى على قناة ان بي سي نيوز، قال كارسون "نحن ندقق في الامر، وما يحصل معي (...) لم اختبره مع اي شخص آخر". واكد مجددا انه حصل في سن السابعة عشرة على منحة للدراسة في اكاديمية وست بوينت. ويبدو انه حصل على هذه المنحة بعد عشاء في ايار/مايو 1969 في ديترويت مع الجنرال وليام ويستموريلاند الذي اكتسب شهرة خلال حرب فيتنام. واختار كارسون بعد ذلك دراسة الطب.
وذكرت مجلة بوليتيكو ان مؤسسة وست بوينت الشهيرة لم تحتفظ باي وثيقة تؤكد قبول كارسون في صفوفها ولا حتى ترشحه لذلك. وفتح ملف جديد ضد كارسون بعدما تحدث تحقيق صحافي آخر عن فورات غضب عنيفة كانت تنتابه خلال شبابه. واشار التحقيق الى انه كان يعاني في طفولته من "نزعة مرضية الى الغضب" تخلص منها بايمانه المسيحي. بحسب فرانس برس.
وادت احدى نوبات الغضب بكارسون يوما الى محاولة طعن فتى في الرابعة عشرة من العمر. وفي مناسبات اخرى، ضرب الطفل كارسون رفيقه في الصف بقفل معدني وسبب له جروحا في الرأس. ويبدو انه هدد والدته مرة بمطرقة لانها لم تكن موافقة على الملابس التي يختارها، ورشق صبيا بحجر وسبب له جروحا في الانف وكسر نظارته. وفي هذا السياق، قال لمحطة اي بي سي "اود لو ارى شخصا واحدا (...) تذكره بشكل دقيق 100 في المئة تلك الاحداث التي وقعت قبل 40 او 50 عاما".
هجمة إلكترونية
الى جانب ذلك تعرض أحد المواقع الإلكترونية للملياردير الأمريكي دونالد ترامب الساعي للترشح لانتخابات الرئاسة الأمريكية عن الجمهوريين وكما نقلت بعض المصادر، لهجوم إلكتروني شنته مجموعة (أنانيموس) بعد تصريحات معادية للإسلام. وتناقلت وسائل إعلام أمريكية أنباء مفادها أن الموقع المذكور والتابع لناطحة السحاب المملوكة لـ(ترامب تاور) تعطل لبضع ساعات إثر هجمة إلكترونية، حيث اتخذ ترامب من ناطحته المذكورة مقرا لحملته الانتخابية.
مجموعة (أنانيموس) نشرت قبيل الهجوم على (تويتر) تعليقا بهذا الصدد قالت فيه: "تعرض موقع ترامب تاور للهجوم في خطوة منا للتعبير عن رفض العنصرية والكراهية". هذا ونشرت (أنانيموس) على الإنترنت قبل بضعة أيام تسجيلا أعربت فيه عن احتجاجها على تصريحات لترامب اقترح فيها حظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة. واعتبرت في احتجاجها أن أي تصريحات تصدر عن أي مسئول أمريكي لا تصب إلا في صالح تنظيم (داعش) الذي يستغلها في حملاته المعادية للغرب عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وكتبت (أنانيموس) مخاطبة ترامب: "عليك التفكير مرتين يا دونالد ترامب قبل أن تتلفظ بأي عبارة، فاحذر منا يا ترامب". ولم تصدر أي توضيحات عن مقر ترامب وحملته الانتخابية لما يشاع عن هجوم (أنانيموس) فيما استأنف الموقع عمله بشكل طبيعي. ويتعرض ترامب لانتقادات متكررة تصدر عن كثير من الأوساط بما فيها الجمهورية، وخاصة بعد تصريحه الأخير بشأن حظر دخول المسلمين بلا استثناء إلى الولايات المتحدة. ورغم مواقفه وتصريحاته المدهشة، تشير مختلف استطلاعات الرأي إلى أنه صاحب الحظ الأوفر في الترشح لانتخابات الرئاسة الأمريكية بين الجمهوريين.