ترامب يصدم العالم.. صنعنا التاريخ

شبكة النبأ

2024-11-07 07:27

نجح دونالد ترامب الاربعاء في رهانه بالعودة الى البيت الابيض في فوز بدون منازع أثار مفاجأة واسعة في الولايات المتحدة ترددت أصداؤها عبر العالم.

تعد عودة الجمهوري استثنائية أيضا بشكل إضافي لأن حملته الثالثة تخللتها محاولتا اغتيال وأربع لوائح اتهام وإدانة جنائية.

كان انتصاره واضحا وسريعا، بحيث فاز الرئيس السابق بالولايتين المتنازع عليهما، كارولاينا الشمالية وجورجيا، خلال ساعات قليلة، قبل أن تعطيه بنسلفانيا وويسكونسن الدفع النهائي.

حتى قبل إعلان فوزه رسميا، تلقى الجمهوري سيلا من التهاني من رؤساء ومسؤولين في الخارج.

وقد أعلن دونالد ترامب الأربعاء، أنه حقق “فوزا سياسيا لم تشهده بلادنا من قبل”، وقال ترامب “صنعنا التاريخ لسبب الليلة، والسبب أننا ببساطة تخطينا عقبات لم يظن أحد أنها ممكنة” واعدا بـ”مساعدة البلاد على الشفاء”.

وقبل كلمة ترامب، هنأ رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون “الرئيس المنتخب”، بعدما تفردت فوكس نيوز بإعلان فوز ترامب رغم عدم حسم الشبكات الأخرى نتيجة السباق.

وأعلنت محطة فوكس نيوز باكرا صباح الأربعاء فوز ترامب، لتكون وسيلة الإعلام الأميركية الكبرى الوحيدة التي تعلن ذلك، بعدما توقعت فوزه في ولايتي بنسلفانيا وويسكنسن الأساسيتين.

وقال جونسون “دونالد ترامب هو الآن رئيسنا المنتخب الذي اختاره الشعب الأميركي لفترة مثل هذه الفترة”.

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أول المهنّئين مبديا “استعداده للعمل” مع الجمهوري في ظل “الاحترام والطموح” فيما هنّأ رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ترامب على “اعظم عودة في التاريخ” معتبرا انها “التزام متجدد قوي” بالتحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

كذلك هنأ الأمين العالم لحلف شمال الأطلسي مارك روته ترامب على فوزه موكدا أنه سيبقي الناتو “قويا”، كما هنأه رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ورئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي.

كذلك سيطر الجمهوريون على مجلس الشيوخ بنيلهم غالبية 51 مقعدا على الأقل من أصل مئة فيه، وفق توقعات وسائل إعلام أميركية.

وسدد ترامب نكستين لهاريس بفوزه بولايات كارولاينا الشمالية وجورجيا وبنسلفانيا، وهي من الولايات السبع المتأرجحة التي تحدّد مصير الانتخابات. 

ومع اقتراب ترامب من العتبة المطلوبة للفوز، أعلنت حملة هاريس أن المرشحة لن تلقي كلمة أمام أنصارها ليلة الانتخابات، وبرر الرئيس المشارك للحملة سيدريك ريتشموند ذلك بالقول “ما زالت هناك أصوات يجب فرزها”.

وفي بلد يشهد انقسامات كبيرة، باتت أنظار الأميركيين شاخصة إلى الشاشات فيما خارطة البلاد تتلون تباعا بالأحمر لون الجمهوريين أو الأزرق لون الديموقراطيين.

وكانت مديرة حملة كامالا هاريس، جين اومالي ديلون قالت الثلاثاء إن “الطريق الأوضح للفوز” يمر عبر ولايات ميشيغن وويسكنسن وبنسلفانيا أي ثلاث ولايات فقط من الولايات السبع المتأرجحة، والمعروفة بـ”الجدار الأزرق”.

وكان ترامب فاز بهذه الولايات الثلاث في 2016 في مواجهة هيلاري كلينتون، فيما ظفر بها جو بايدن في العام 2020.

وانقلبت الأجواء كليا في جامعة هاورد في واشنطن التي يرتادها عموما السود وحيث تجمع انصار كامالا هاريس.

 فقد عم التوتر الأجواء راهنا بعدما كانت احتفالية، على ما قالت صحافية من وكالة فرانس برس.

وقالت الناخبة شارلين اندرسون وهي تغادر المكان “أنا خائفة وقلقة الآن. أكاد لا استطيع تحريك رجلي”.

ولم تسجل أي مفاجاة في الولايات الأخرى التي صدرت فيها النتائج.

وبحسب توقعات وسائل إعلام أميركية، فاز المرشحان بسلسلة من الولايات كانت محسوبة لهما، وكانت نائبة الرئيس تأمل بأن ستكون أول امرأة تنتخب لهذا المنصب، في مواجهة الرئيس السابق الذي لم يعترف قط بهزيمته في انتخابات عام 2020.

وصورت كامالا هاريس منافسها على أنه “فاشي” يهدد حقوق المرأة. 

أما دونالد ترامب فوصف منافسته بأنها زعيمة ضعيفة و”غبية”، ومتهاونة في التعامل مع الهجرة غير النظامية والجريمة.

وفي السباق للكونغرس، ذكرت محطتا “فوكس نيوز” و “إن بي سي نيوز” أن الجمهريين استعادوا السيطرة على مجلس الشيوخ في الكونغرس بعد فوزهم بمقعدين أساسيين في ولايتي أوهايو وفرجينيا الغربية، ما جعلهم يتخطون عتبة 51 مقعدا فيه.

ويتمتع الديموقراطيون حاليا بغالبية ضئيلة للغاية في مجلس الشيوخ (51 مقعدا مقابل 49)، وأي مقعد جديد يفوز به الجمهوريون يهدد فرصهم في الاحتفاظ به.

الرئيس العائد

في العام 2016 فجّر دونالد ترامب أكبر مفاجأة سياسية في التاريخ الأميركي الحديث بفوزه برئاسة الولايات المتّحدة. بعدها بأربع سنوات، غادر البيت الأبيض وسط فوضى غير مسبوقة. اليوم، عاد الملياردير الجمهوري إلى البيت الأبيض بعد حملة انتخابية شابتها توترات ومحاولتا اغتيال وعدائية غير مسبوقة.

صوّت له عشرات ملايين الأميركيين، ويبدو الرجل البالغ 78 عاما، والذي أعلنت نهايته السياسية أكثر من مرة، ووُجّهت اليه تهم جنائية، وصدرت في حقّه أحكام وغرامات ومحاولات عزل، اليوم، وكأنه لا يُقهر.

يعتمد دونالد ترامب على “حدس” سياسي لطالما تباهى به، وبقدرة على تجاوز كل القواعد المعمول بها، ونجح في تخطي كل الصعوبات، الواحدة تلو الأخرى.

في العام 2016، قال جملة أصبحت شهيرة في ما بعد جاء فيها “يمكنني أن اقف في وسط الجادة الخامسة وأطلق النار على أحدهم، من دون أن أخسر مقترعا واحدا”.

تخلّى عنه العديد من قيادات وأعضاء الحزب الجمهوري بعد الهجوم الذي شنّه أنصاره على مبنى الكابيتول حيث مقرّ الكونغرس بعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في العام 2024، لكنه استعاد في أربع سنوات، السيطرة التامة على حزبه.

خلال مؤتمر الحزب الجمهوري في تموز/يوليو، تفرّج ترامب على مناهضيه السابقين يتناوبون على المسرح للثناء عليه.

كما شاهد بفخر المئات من أنصاره يضعون ضمادة بيضاء على آذانهم تضامنا معه بعد تعرّضه لإطلاق نار في بنسيلفانيا.

وستبقى صورة دونالد ترامب، وهو ينهض عن الأرض مدمّى الوجه وقد رفه قبضته متحدّيا، من أكثر اللحظات تحديا في حملته الانتخابية الثالثة.

وتحوّلت صرخته، وهو يتوجّه الى أنصاره، بينما يساعده عناصر أمن على الخروج من المكان “ناضلوا، ناضلوا، ناضلوا”، الى شعار يهتف به أنصاره في التجمعات الانتخابية، معبّرين عن قناعتهم بأن ترامب يفهم واقعهم اليومي أكثر من أي كان.

يملك ترامب موهبة خطابية، ونجح في تقديم نفسه منذ سبع سنوات، على أنه “الناطق” باسم أميركيين (والغالبية التي تعتقد ذلك من أصحاب البرشة البيضاء والرجال المتقدمون في السنّ) استمالهم بحديثه عن المهاجرين الذين “يسمّمون” الولايات المتحدة، وهزئه بالديموقراطيين الضعفاء.

لم يحل أحد أو شيء في طريق طموح دونالد ترامب، صاحب الشعر الأشقر الفاقع الذي له مبدأ بسيط: “إما أنّ تكون معي، وإما ضدّي”. 

وُلد دونالد جاي ترامب في نيويورك في 14 حزيران/يونيو 1946 وتلقّى تعليمه في مدرسة عسكرية وانضمّ إلى شركة العائلة بعدما درس الأعمال. 

وخلافا للصورة التي يحاول ترويجها عن نفسه، فهو ليس “رجلاً عصامياً” بنى نفسه بنفسه، بل إنه ورث أمبراطورية عقارية بناها والده.

بعد الحرب العالمية الثانية، تمكّن والده فريد ترامب المتحدّر من مهاجر ألماني، من بناء أمبراطورية عقارية في مدينة نيويورك من خلال تشييده مبان للطبقة الوسطى في أحياء الطبقة العاملة.

في سبعينات القرن الماضي، تسلّم دونالد ترامب مسؤولية هذه الأمبراطورية، قبل أن يتعرّف إليه الجمهور الأميركي العريض من خلال برنامج تلفزيون الواقع “ذي أبرانتيس”.

وصل إلى السلطة في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 في سيناريو سياسي غير مسبوق قلّما توقّعه أحد. وتسلّم مقاليد الرئاسة في مطلع العام 2017.

خلال السنوات الأربع التي قضاها في “1600 شارع بنسلفانيا”، شاهد الأميركيون، بتعجّب أو صدمة أو خوف أو كل هذه المشاعر مجتمعة، رئيسا متفلّتا من كلّ القيود والمعايير.

تحت شعار “أميركا أولاً”، كان ترامب مرّة تلو مرّة أبعد ما يكون عن الدبلوماسية، لم يتوانى عن اعتماد المواقف المتشدّدة حتى مع حلفاء الولايات المتّحدة، وخاض تصعيدا خطرا مع إيران، وأبدى إعجابا مقلقا بزعماء استبداديين من أمثال فلاديمير بوتين وكيم جونغ-أون، ووجّه ضربة قاسية إلى الجهود العالمية لمكافحة التغيّر المناخي.

خلال فترة حكمه، أعاد تشكيل المحكمة العليا، ومنح بذلك، المحافظين رافضين الإجهاض انتصارا مدويّا.

لم يتردّد في مهاجمة الإعلام. وهو الرئيس الأميركي الوحيد الذي وجّه إليه مجلس النواب مرتين لائحة اتّهام وأحاله على مجلس الشيوخ لمحاكمته بقصد عزله.

في التجمّعات الانتخابية لحملته، ارتدى أنصاره قبّعات حمراء مطبوع عليها شعار “ماغا” (الأحرف الأولى لشعار “فلنجعل أميركا عظيمة مجدداً” بالانكليزية).

بعد خسارته أمام جو بايدن في العام 2020، لاحقته التحقيقات والدعاوى القضائية التي وصفها بأنها “حملة اضطهاد سياسي”.

ومن أبرز القضايا ضده اتّهامات بممارسة ضغوط على المسؤولين عن العملية الانتخابية في ولاية جورجيا في 2020، وتحقيق بشأن طريقة تعامله مع أرشيف البيت الأبيض، وقضية ستورمي وليامز، الممثلة الإباحية التي اتهم بمحاولة شراء صمتها.

ولم يتردّد ترامب الذي لا حدود لتفلته الكلامي، في وصفها ب”وجه الحصان”.

وترامب أب لخمسة أبناء ولدوا من ثلاث زوجات، وجدّ لعشرة أحفاد. لا يفوّت مناسبة إلا ويمدح فيها القيم العائلية، في مسعى نجح من خلاله في اجتذاب تأييد الأوساط الإنجيلية.

كيف ستبدو رئاسة ترامب الثانية؟

عودة ترامب الى البيت الأبيض تغرق ملايين الأميركيين الذين يرتدون القبعات الحمراء في حالة من الفرح العارم لكنها تغرق كثيرين آخرين في الخوف بسبب خطابه الحاد بشكل متزايد لا سيما في ما يتعلق بالمهاجرين.

كيف بالتالي يمكن التوفيق بين هاتين الأميركيتين اللتين يفصل بينهما كل شيء؟.

عند ادائه اليمين في 20 كانون الثاني/يناير، سيكون على الجمهوري أن يضمد الجراح في هذا البلد المنقسم تماما.

وفي خطاب النصر، أطلق دونالد ترامب دعوة الى “الوحدة” وحض الأميركيين على وضع “الانقسامات التي سادت في السنوات الأربع الماضية خلفنا”.

خلال حملته الانتخابية، هاجم منافسته بالشتائم، واتهم المهاجرين ب “تسميم دماء البلاد”، وسخر من منافسيه.

كيف ستبدو رئاسة ترامب الثانية؟

السؤال يثير الحيرة والقلق، في الولايات المتحدة وخارجها.

واقترح الملياردير “أكبر عملية” على الإطلاق لترحيل المهاجرين، في اليوم الأول من ولايته.

بعدما انتقد بشدة المليارات التي تنفق في الحرب في أوكرانيا، وعد بحل هذا النزاع حتى قبل أداء القسم – وهو احتمال يثير قلقا لدى كييف.

وأكد قطب العقارات أيضا أنه سينهي الحرب في الشرق الأوسط، بدون أن يوضح كيفية القيام بذلك.

تعهد الجمهوري المعروف بتشككه في قضايا المناخ، وقف اتفاق باريس حول المناخ والتنقيب عن النفط “بأي ثمن”.

بشأن الاقتصاد يريد ترامب “سرقة الوظائف من الدول الأخرى” من خلال التخفيضات الضريبية والرسوم الجمركية.

لكنه يبقى غامضا حين يتعلق الأمر بالحق في الإجهاض، والذي أضعفه إلى حد كبير قضاة المحكمة العليا الذين يفاخر بتعيينهم.

لكن بشأن هذا الملف كما في ملفات أخرى، فإن أطباع هذا الرئيس السبعيني العاصف والتي لا يمكن توقعها تغذي كل التكهنات.

ويشعر الديموقراطيون بالقلق إزاء تهديداته المتزايدة ضد “العدو الداخلي” وتعطشه للانتقام.

تحاول السفارات الأوروبية من جهتها منذ أشهر اختراق شبكة الجمهوري المبهمة جدا لتجنب التعرض للمفاجأة كما حدث في عام 2016، حين وصل فجأة الى رئاسة الولايات المتحدة وتنمر على الحلفاء.

سيمكن للرئيس الجديد الاعتماد على مجلس الشيوخ الذي استعاده الجمهوريون من أيدي الديموقراطيين. وسيكون انتصاره كاملا إذا احتفظ حزبه بمجلس النواب.

ولم ترشح تفاصيل كثيرة حول خيارات إدارة ترامب المستقبلية، مع استثناء واحد لافت هو انه أعلن أنه سيوكل مسؤولية كبرى للملياردير إيلون ماسك الذي أنفق أكثر من 110 ملايين دولار من ثروته على حملة الحزب الجمهوري.

عبر انتخاب دونالد ترامب، قرر الأميركيون وضع رجل يبلغ 78 عاما على رأس أكبر قوة في العالم وسيصبح في كانون الثاني/يناير أكبر رئيس للولايات المتحدة يؤدي اليمين الدستورية.

وسيعلم بعقوبته في 26 تشرين الثاني/نوفمبر حين يصدر الحكم بحقه في قضية دفع أموال سرا لنجمة أفلام إباحية.

وما زال من المبكر القول ما سيكون أثر انتخابه على متاعبه القانونية حيث يواجه احتمال السجن في عدة قضايا، أو كيف سيكون رد فعل خصومه السياسيين الذين يعبرون عن قلق بشأن عودته الى السلطة منذ أشهر.

خلافا لدونالد ترامب الذي قاطع حفل تنصيب جو بايدن، فقد التزم الرئيس الديموقراطي المشاركة في حفل تنصيب الجمهوري، و”الانتقال السلمي للسلطة” بحسب الناطقة باسمه.

شعار “أميركا أولا” يعود

مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، من المرتقب أن يشهد العالم تقلّبات جديدة، لا سيّما أن الرئيس المنتخب المعروف بنزعته الحمائية وأطواره المتقلّبة ينوي طيّ صفحة جو بايدن الذي عكف خلال السنوات الأربع الأخيرة على ترميم صورة الولايات المتحدة.

ولا شكّ في أن الارتدادات الأكثر تجلّيا لفوز المرشح الجمهوري على غريمته الديموقراطية كامالا هاريس ستكون على أوكرانيا حيث تعهّد ترامب بإنهاء الحرب بسرعة مع إجبار كييف على تقديم تنازلات للغزاة الروس.

ويعتبر قطب الأعمال البالغ 78 عاما أن “هذه الحرب ما كان لها أن تحصل يوما” ويتباهى بعلاقته “الجيّدة جدّا” مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي سيسعى على الأرجح إلى تنظيمم لقاء ثنائي معه بعد تولّيه مهامه في العشرين من كانون الثاني/يناير.

ورجّح ليون ارون من معهد الأبحاث “American Enterprise Institute” في واشنطن أن “تكون خطوته الأولى أشبه بدبلوماسية جدّ شخصية مذهلة” يدعو فيها بوتين للحوار قائلا “فلنتكلّم عن الموضوع فلاديمير. يمكننا أن نحلّ هذه المشكلة”.

لكنه أشار إلى أنه “يصعب توقّع المآل”، مستبعدا أن يقدّم بوتين تنازلات بشأن أوكرانيا ولافتا إلى أنه لا بدّ أيضا من أن يراعي ترامب موقف الكونغرس الأميركي الذي له أيضا كلمته في السياسة الخارجية.

وفي حين جعل الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن من تعزيز تحالفات بلده أولوية، قد تشهد علاقات الولايات المتحدة بحلفائها التاريخيين توتّرات من جديد.

وقد اتّهم ترامب الأوروبيين خصوصا باستغلال المظلّة الأميركية الدفاعية، مشكّكا في جدوى حلف شمال الأطلسي (ناتو) الذي يعدّ حجر الزاوية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة منذ الحرب الباردة.

ولا شكّ في أن فوز المرشّح الجمهوري سيكون له أصداء إيجابية على زعماء قوميين مثل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الذي التقاه في عدّة مناسبات خلال الحملة الانتخابية وعلى آخرين استبداديين مثل الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون.

أما الكرملين، فهو أعلن من جانبه أن فلاديمير بوتين لا ينوي تقديم التهاني إلى دونالد ترامب.

وفي الملفّ الصيني، لا يخفي دونالد ترامب سخطه معتبرا العملاق الآسيوي عدوّا لبلده.

غير أنه تباهى أيضا بروابطه الوطيدة بالرئيس شي جينبينغ، معتدّا بمقاربته للعلاقات الدولية “القائمة على الصفقات”.

وأعربت الصين عن أملها في “تعايش سلمي” مع الولايات المتحدة بعد إعلان ترامب عن فوزه.

وقد يثير الرئيس المنتخب سخطا أيضا في أميركا اللاتينية حيث بات عدّة شركاء كبار للولايات المتحدة، مثل البرازيل وكولومبيا، برئاسة زعماء من اليسار.

وقد يتسبّب التعهّد الذي قطعه خلال الحملة الانتخابية بطرد ملايين المهاجرين غير الحائزين أوراقا رسمية بفوضى في المنطقة إذا ما تمّ الإيفاء به.

وفي وجه رؤية لعالم تتعدّد فيه الأقطاب الفاعلة، يرفع ترامب شعار “أميركا أوّلا” خصوصا في مجال التجارة.

ترامب مختلف

ورأى براين فينوكن المتخصّص في السياسة الخارجية للولايات المتحدة في مجموعة “International Crisis Group” أن اندفاع ترامب قد يزداد مقارنة بولايته الأولى.

وصرّح “قد يكون ترامب في ولايته الثانية مختلفا جدّا. وهو لن يتحلّى بأيّ من الطباع التي لجمت اندفاعه في فترة ما أو بطريقة ما، بما في ذلك بشأن البنتاغون”.

وقد سبق للملياردير الجمهوري أن أثار الخوف في أوساط تايوان من خلال التساؤل علنا عن جدوى الدفاع عن الجزيرة في وجه اجتياح صيني.

وبخصوص الشرق الأوسط، من المرتقب أن يعيد ترامب التأكيد على دعمه غير المشروط لإسرائيل ويضع نصب عينيه العدوّ الإيراني الذي ينبغي عدم توفير جهد للتصدّي له.

وتفيد تقارير إعلامية بأنه أعطى رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو شيكا على بياض في حربه في غزة ولبنان خلال الشهرين اللذين يسبقان تولّيه الرئاسة.

وقد أشاد نتانياهو “بأعظم عودة في التاريخ”، باعتبار أن رجوع ترامب إلى البيت الأبيض “سيعيد الالتزام القويّ في التحالف الكبير” مع إسرائيل.

ولا شكّ في أن دونالد ترامب سيزيد الضغوطات على إيران بعدما شجّع نتانياهو خصوصا على قصف المنشآت النووية الإيرانية ردّا على الهجوم الصاروخي الذي استهدف إسرائيل في مطلع تشرين الأول/أكتوبر.

وكان قد نقل خلال ولايته الأولى مقرّ السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. واستقبل مؤخرا بنيامين نتانياهو في دارته في مارالاغو.

ويتوقّع أن يشجّع الملياردير الجمهوري بلدانا عربية أخرى على الاعتراف بإسرائيل بعد اتفاقات ابراهام التي طبّعت بموجبها الإمارات والبحرين والمغرب علاقاتها بالدولة العبرية.

ويحدوه أيضا الأمل الذي حطّم في عهد بايدن في تطبيع بين السعودية وإسرائيل، ما من شأنه أن يشكّل منعطفا كبيرا في المنطقة.

إنهاء حرب أوكرانيا

بدوره رد الكرملين بحذر يوم الأربعاء بعد إعلان دونالد ترامب فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية قائلا إن الولايات المتحدة لا تزال دولة معادية وإن الوقت سيوضح ما إذا كان خطاب ترامب بشأن إنهاء حرب أوكرانيا سيترجم إلى حقيقة.

وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن ترامب أدلى ببعض التصريحات المهمة حول رغبته في إنهاء حرب أوكرانيا خلال حملته، لكن الوقت فقط هو الذي سيخبر ما إذا كانت تلك التصريحات ستفضي إلى إجراء فعلي.

وأضاف بيسكوف للصحفيين "دعونا لا ننسى أننا نتحدث عن دولة غير صديقة، ضالعة بشكل مباشر وغير مباشر في حرب ضد دولتنا (في أوكرانيا)".

وقال بيسكوف إنه ليس على علم بأي خطط للرئيس فلاديمير بوتين لتهنئة ترامب على فوزه مشيرا إلى أن العلاقات مع واشنطن وصلت إلى أدنى مستوياتها التاريخية.

وأضاف "قلنا مرارا إن الولايات المتحدة قادرة على المساهمة في إنهاء هذا الصراع. لا يمكن أن يتم ذلك بين عشية وضحاها، ولكن الولايات المتحدة قادرة على تغيير مسار سياستها الخارجية..هل سيحدث هذا، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف ... سنرى بعد (تنصيب الرئيس الأمريكي في) يناير".

يقول دبلوماسيون روس وأمريكيون إن العلاقات بين أكبر قوتين نوويتين في العالم تدهورت لأدنى مستوياتها فقط خلال أكثر أيام الحرب الباردة توترا.

وقال المسؤولون الروس وعلى رأسهم بوتين قبل الانتخابات إنه أيا كان الفائز بالرئاسة الأمريكية فلن يحدث فرقا بالنسبة لموسكو، وذلك على الرغم من إظهار التغطية الإعلامية الحكومية الموجهة من الكرملين تفضيلا لترامب.

وقال كيريل دميتريف رئيس صندوق الثروة السيادي الروسي إن فوز ترامب قد يكون فرصة لإصلاح العلاقات.

وأضاف دميتريف، المصرفي السابق في جولدمان ساكس والذي كان له اتصالات سابقة مع فريق ترامب، "هذا يفتح فرصا جديدة لإعادة ضبط العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة".

ووعد ترامب، البالغ من العمر 78 عاما، بإنهاء الحرب في أوكرانيا سريعا إذا تم انتخابه، رغم أنه لم يوضح بالضبط كيف سيفعل ذلك.

وقال بوتين إنه مستعد للحديث عن نهاية محتملة للحرب ولكن يجب الاعتراف بالمكاسب الإقليمية والمطالبات الروسية، وهو الأمر الذي رفضته القيادة الأوكرانية باعتباره استسلاما غير مقبول.

تتقدم القوات الروسية بأسرع وتيرة منذ عام على الأقل في أوكرانيا وتسيطر على حوالي خمس البلاد.

ويشمل ذلك شبه جزيرة القرم، التي ضمتها موسكو من أوكرانيا في عام 2014، وحوالي 80 بالمئة من دونباس - منطقة إنتاج الفحم والصلب - وأكثر من 70 بالمئة من منطقتي زابوريجيا وخيرسون.

وقال الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف يوم الأربعاء إن فوز ترامب سيكون على الأرجح نبأ سيئا لأوكرانيا التي تعتمد على واشنطن كداعم عسكري رئيسي لها.

وقال ميدفيديف الذي أصبح الآن مسؤولا أمنيا كبيرا في منشور على تطبيق تيليجرام "لدى ترامب سمة مفيدة بالنسبة لنا، بصفته رجل أعمال حتى النخاع، فهو يكره بشدة إنفاق المال على المتسلقين والحلفاء الأغبياء وعلى المشاريع الخيرية غير الفعالة وعلى المنظمات الدولية الجشعة".

مخاوف اوربية

وهنأ زعماء أوروبيون دونالد ترامب يوم الأربعاء على فوزه في انتخابات الرئاسة الأمريكية وقالوا إنهم مستعدون للعمل معه لكنهم سيدافعون عن مصالح أوروبا، وسط مخاوف من تأثير عودته للبيت الأبيض.

وبالنظر إلى العلاقات المضطربة عبر الأطلسي خلال فترة رئاسته السابقة وانتقاده الشديد لحلف شمال الأطلسي ونظرته المختلفة إلى حرب أوكرانيا وموقفه من تغير المناخ، قال كثير من المسؤولين الأوروبيين قبل انتخابات يوم الثلاثاء إنهم قلقون من فوز ترامب.

لكن القادة سارعوا بإرسال رسائل للرئيس الجمهوري السابق.

وإلى جانب السياسة الخارجية، ربما تواجه التجارة الأوروبية طريقا وعرا. وقال ترامب الشهر الماضي إنه في حال فوزه سيتعين على الاتحاد الأوروبي "دفع ثمن باهظ" لعدم شراء ما يكفي من الصادرات الأمريكية.

وشددت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على أن تجنب الحروب التجارية سيكون في مصلحة الولايات المتحدة وكذلك أوروبا.

وقالت "دعونا نعمل معا من أجل شراكة عبر الأطلسي تستمر في خدمة مواطنينا... تعتمد الملايين من فرص العمل والمليارات من حركة التجارة والاستثمار على جانبي المحيط الأطلسي على ديناميكية واستقرار علاقتنا الاقتصادية".

وقال ترامب إنه سيفرض رسوما جمركية 10 بالمئة على الواردات من جميع الدول و60 بالمئة على الواردات من الصين.

وكان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته من بين الكثيرين في أوروبا الذين هنأوا ترامب وعبروا عن أملهم في تعزيز التعاون معه، في حين قال عدد من الوزراء والقادة إن عودته إلى البيت الأبيض ستتطلب من أوروبا تحمل مسؤولية أكبر عن أمنها.

وأشاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بترامب، على الرغم مما قد يكون تحولا في واشنطن تجاه بلاده. وانتقد ترامب مستوى الدعم الأمريكي للمجهود الحربي في أوكرانيا ووعد قبل الانتخابات بإنهاء الصراع قبل أن يتولى منصبه في يناير كانون الثاني، دون أن يوضح الكيفية.

وقال رئيس الوزراء المجري القومي فيكتور أوربان قبل أيام إن أوروبا ستحتاج إلى إعادة التفكير في دعمها لأوكرانيا إذا فاز ترامب بالرئاسة.

وقال في وقت مبكر من صباح يوم الأربعاء عبر منصة إكس "هذه أكبر عودة في التاريخ السياسي للولايات المتحدة! تهانينا للرئيس دونالد ترامب على فوزه العظيم. انتصار يحتاجه العالم بشدة!".

* المصدر: وكالات+رويترز+فرانس برس

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي