غزة التي لاتنام فيها الحرب.. تشهد إبادة تامة
شبكة النبأ
2023-10-11 05:07
قال مسؤولون فلسطينيون إن قطاع غزة شهد أكثر الأيام دموية خلال 15 عاما في أعقاب الهجوم غير المسبوق لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) على إسرائيل بعدما أودت ضربات جوية إسرائيلية بحياة نحو 300 فلسطيني خلال 24 ساعة. وقالت وزارة الصحة في غزة يوم الثلاثاء إن 770 فلسطينيا على الأقل قتلوا وأصيب أربعة آلاف جراء الضربات الإسرائيلية منذ يوم السبت على القطاع.
وأضافت الوزارة أن 18 آخرين على الأقل قتلوا وأصيب 100 في الضفة الغربية منذ يوم السبت.
وقال أقارب إن من بين القتلى توأمين يبلغان من العمر ثلاثة أشهر قُتلا مع والدتهما وثلاث شقيقات في ضربة جوية السبت في خان يونس بجنوب قطاع غزة.
وقُتل ما لا يقل عن عشرة أشخاص في تلك الضربة التي دمرت أربعة منازل. ولا يزال رجال الإنقاذ يحاولون العثور على ناجين تحت الأنقاض.
ووصف المتحدث العسكري الرئيسي لإسرائيل الهجوم الذي شنه مقاتلو حماس، والذي قتل ما لا يقل عن 700 إسرائيلي واختطاف العشرات، بأنه "أسوأ مذبحة للمدنيين الأبرياء في تاريخ إسرائيل" وقال إن الرد سيكون قاسيا.
وتوعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "بالانتقام الشديد لهذا اليوم الأسود".
وفي غزة، استيقظت صابرين أبو دقة، التي انتشلت من أنقاض المنازل التي قصفت في خان يونس، في المستشفى لتجد أن ثلاثة من أطفالها قتلوا وأصيب اثنان منهم بينما لا يزال مصير السادس غير معروف.
وقالت بصوت متعب وهي تتحدث من المستشفى "كل شي وقع فوق روسنا، أولادي كانوا حواليا". ونادت على أطفالها من أسفل الأنقاض لكن لم تسمع ردا.
وقالت "صاروا يرفعوا عني الركام شوية شوية، ثلاث ساعات وهم بيرفعوا الركام عني".
وبدأت الضربات الجوية الإسرائيلية على غزة بعد وقت قصير من هجوم حماس واستمرت طوال الليل وحتى اليوم الأحد مما أدى إلى تدمير مكاتب ومعسكرات تدريب للحركة إضافة إلى منازل ومبان أخرى.
وقالت صابرين وسكان ثلاثة منازل أخرى دمرت في الضربات الجوية إنهم لم يتلقوا أي تحذير مسبق من إسرائيل، وأشاروا إلى أن هذا يختلف عن مرات قصف سابقة اتصلت خلالها قوات الأمن الإسرائيلية بالسكان لإبلاغهم بالإخلاء قبل الهجوم.
وامتنع الجيش الإسرائيلي، الذي يتهم حماس دوما بالعمل عمدا من المباني السكنية وغيرها من المباني المدنية، عن التعليق.
قال الجيش الإسرائيلي إن طائراته المقاتلة دمرت 800 هدف للمسلحين حتى الآن في قطاع غزة. ورفض سلامة معروف، رئيس المكتب الإعلامي لحكومة حماس، ذلك ووصفه بأنه "غطاء لتبرير عدوان الاحتلال على المدنيين وعلى ممتلكاتهم".
وفي مدينة رفح المتاخمة للحدود المصرية، قال أقارب إن ضربة جوية إسرائيلية قتلت 12 فردا من عائلة أبو قوطة. وأضافوا أنه من المعتقد أن سبعة آخرين من أفراد الأسرة ما زالوا تحت الأنقاض.
وتدير حماس قطاع غزة، الذي يسكنه حوالي مليوني شخص، منذ سيطرتها على القطاع في عام 2007. ويعاني اقتصاد القطاع منذ فترة طويلة من اختناق بسبب الحصار الذي تفرضه إسرائيل والقيود التي تضعها مصر.
وقالت أونروا في بيان إنه تأكد أن من بين القتلى صبيان، وكلاهما طالبان في المدارس التي تديرها الأمم المتحدة في خان يونس وبيت حانون. وأضافت أن ثلاث مدارس تابعة للأونروا تعرضت "لأضرار" ناجمة عن الضربات الجوية الإسرائيلية.
وقالت الوكالة "يجب حماية المدنيين في جميع الأوقات، بما في ذلك أثناء القتال. أونروا تؤيد الدعوات للتوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار ووقف العنف في كل مكان".
ولجأ عيد العطار الذي يعمل معلما إلى مدرسة تابعة للأونروا مع أطفاله الخمسة وشقيقه الذي يتنقل بكرسي متحرك عندما استهدفت ضربات جوية إسرائيلية محيط منازلهم في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة. وقال "عشنا خلال خمسة حروب متتالية منذ 2008 وكل حرب بتكون أصعب وأقسى من اللي قبلها".
وقال أشرف القدرة المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية في غزة إن المستشفيات مكتظة وتعتمد على المولدات الكهربائية للحصول على الكهرباء بعد أن قطعت إسرائيل إمداداتها لقطاع غزة والبالغة 120 ميجاوات يوم السبت.
وقال وزير الطاقة الإسرائيلي يسرائيل كاتس إن إسرائيل ستقطع إمدادات الطاقة عن قطاع غزة، معلنا أن "ما حدث حتى الآن لن يستمر" في إشارة إلى أن إسرائيل تعتبر الهجوم بمثابة تغيير كامل لقواعد اللعبة.
هجرة جماعية
من جهته قال مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية يوم الثلاثاء إن نحو 200 ألف شخص، أو قرابة عشرة بالمئة من السكان، فروا من ديارهم في غزة منذ بدء الهجمات، وهم معرضون لنقص مياه الشرب والكهرباء بسبب الحصار.
وقال ينس لايركه المتحدث باسم المكتب في مؤتمر صحفي بجنيف "تصاعدت وتيرة النزوح بشكل كبير في عموم قطاع غزة، حيث تجاوز العدد 187500 شخص منذ يوم السبت. ويحتمي معظمهم في المدارس".
وأضاف أن من المتوقع حدوث المزيد من النزوح مع استمرار الاشتباكات.
وقال متحدث باسم منظمة الصحة العالمية أن المنظمة سجلت 13 هجوما على مرافق صحية في غزة منذ بدء التصعيد في مطلع الأسبوع، مضيفا أن الإمدادات الطبية التي كانت مخزنة في القطاع نفدت بالفعل.
وقال مسؤولون فلسطينيون ومصدران أمنيان مصريان إن مصر تتحرك لمنع نزوح جماعي من قطاع غزة إلى شبه جزيرة سيناء مع تسبب القصف الإسرائيلي في إغلاق معبر الخروج الوحيد من القطاع الفلسطيني.
وأضاف المصدران الأمنيان المصريان أن الهجوم الإسرائيلي على غزة يثير قلق مصر التي دعت إسرائيل لإتاحة ممر آمن لخروج المدنيين من القطاع الفلسطيني بدلا من تشجيعهم على الفرار باتجاه جنوب غرب القطاع نحو شبه جزيرة سيناء المصرية.
وتابع المصدران أن مصر لن تسمح بأي نزوح جماعي للفلسطينيين إلى سيناء وتعتبر أن أي تحرك لدفع الفلسطينيين للهجرة جنوبا يمثل تهديدا خطيرا لأمنها.
ورفح هي نقطة العبور الوحيدة المتاحة لسكان غزة الذين يقدر عددهم بنحو 2.3 مليون نسمة. وباقي القطاع تحيط به إسرائيل والبحر.
وتفرض إسرائيل حصارا على حركة البضائع والأشخاص إلى ومن غزة كما تشدد مصر الإجراءات على الحدود.
وعدّل الجيش الإسرائيلي في وقت سابق توصية من أحد المتحدثين باسمه بأن يتوجه الفلسطينيون الفارون من غاراته الجوية في قطاع غزة إلى مصر.
وتشن إسرائيل على غزة أعنف الضربات الجوية في تاريخ صراعها مع الفلسطينيين الممتد على مدى 75 عاما منذ أن توغلت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) بشكل دام داخل إسرائيل يوم السبت.
وتوسطت مصر، وهي أول دولة عربية تقيم علاقات مع تل أبيب، بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية خلال صراعات سابقة في غزة وتضغط لمنع مزيد من التصعيد في القتال الحالي.
وقالت وزارة الداخلية في غزة، التي تديرها حماس، إن القصف الذي وقع يوم الاثنين واليوم الثلاثاء أصاب بوابة دخول على الجانب الفلسطيني من معبر رفح مما تسبب في توقف العمل هناك. وقالت مصادر مصرية إن المعبر أُغلق أيضا من الجانب المصري وإن الفلسطينيين الذين كانوا يعتزمون السفر إلى غزة عادوا لمدينة العريش بشمال سيناء.
بدوره دعا برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إلى إنشاء ممرات إنسانية لإدخال الغذاء إلى غزة في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل توجيه ضربات جوية للقطاع الفلسطيني في أعقاب هجمات دامية شنتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وقال برنامج الأغذية العالمي ومقره روما "مع اشتداد الصراع، يواجه المدنيون، ومنهم أطفال وأسر معرضة للخطر، تحديات متزايدة تتعلق بالحصول على الإمدادات الغذائية الأساسية".
وأضاف "يدعو البرنامج إلى إيصال المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق إلى المناطق المتضررة، ويحث كذلك جميع الأطراف على التمسك بمبادئ القانون الإنساني... ومنها ضمان الحصول على الغذاء".
ويقدم البرنامج مساعدات غذائية مباشرة لنحو 350 ألف فلسطيني شهريا، ويوفر في الوقت ذاته مساعدات بالتعاون مع شركاء آخرين في العمل الإنساني عبر تحويلات نقدية لنحو مليون فلسطيني.
وقال البرنامج إنه مستعد لتوفير مخزون غذائي للنازحين ومن هم في الملاجئ.
وأضاف "في حين أن معظم المتاجر في المناطق المتضررة في فلسطين تحتفظ حاليا بمخزون غذائي يكفي شهرا، فإن هذه المخزونات معرضة للاستنزاف سريعا مع شراء الناس الطعام خوفا من صراع طويل الأمد".
وقال الجيش الإسرائيلي إنه نشر عشرات الآلاف من الجنود في محيط قطاع غزة، وهو شريط ساحلي ضيق يسكنه 2.3 مليون فلسطيني، وسط تكهنات واسعة النطاق بتوغل إسرائيلي وشيك وواسع النطاق في القطاع.
مدينة ركام وشوارع خالية
أمضى مازن محمد ليلته في مدخل المبنى الذي يسكن فيه، مع عائلته وعدد من الجيران، للاحتماء من القصف الإسرائيلي. عندما خرجوا صباحا، لم يصدقوا ما رأوه: مبان مدمرة وركام في شوارع خالية في غزة.
ويروي محمد (38 عاما) وهو أب لثلاثة أطفال "ما إن شاهدنا الحي، تساءلت أنا وزوجتي معا: هل هذا حقيقي؟. شعرنا أننا في مدينة أشباح وكأننا الناجون الوحيدون".
وتقطن العائلة في حي الرمال في غرب غزة الذي تعرّض لمئات الغارات الجوية الإسرائيلية الليلة الماضية. ويقول محمد "لم نستطع المغادرة أو البقاء في الشقة لأنها في الطابق العاشر، وقد تحطم زجاج النوافذ وتناثرت الشظايا".
ويقول سكان إن الغارات ترافقت خلال الليلة الساخنة مع قصف متواصل من زوارق بحرية، وسط انقطاع كامل للتيار الكهربائي ولخطوط الانترنت والمياه.
مع طلوع الصباح، خرجت مئات العائلات الى الشوارع. كان كثيرون يحملون حقائب وأكياسا وضعوا فيها ملابس وأغراضا شخصية، وكانوا يسيرون بمعظمهم على الأقدام لندرة سيارات الأجرة. بينما ركب آخرون سياراتهم التي سلمت من القصف، وقد وضعوا على أسطحها فرشات اسفنجية يمكن استخدامها للنوم حيث سيجدون مكانا لاستقبالهم.
ويقول مازن محمد الذي كان يقود سيارة "صُدمت عندما شاهدت أحياء كاملة مدمرة والركام يغلق العديد من الشوارع الرئيسية"، ما اضطره لأخذ شوارع التفافية للوصول الى وجهته في حي النصر في وسط مدينة غزة حيث ستقيم العائلة لدى أصدقاء موقتا.
ويعيش كثيرون في غزة في هاجس الموت.
خارج مستشفى الشفاء في غرب غزة، يجهش رجال بالبكاء بعد أن نقلوا أحباء أو اصدقاء لهم الى المستشفى وما لبثوا أن فارقوا الحياة.
وخلفت الغارات الإسرائيلية دمارا واسعا في محيط مستشفى الشفاء، المستشفى الرئيسي في القطاع، بعد أن دُمّرت عمارة سكنية من ستة طوابق قربه.
وتقول مي يوسف (34 عاما) "أشعر أنني قريبة من الموت، إن لم أكن أنا، فموت آخرين أهتم لأمرهم".
وتتابع السيدة، وهي أم لطفلين، "أشعر أنني لم أعد إنسانة، أنني عاجزة. لم أستطع تهدئة أطفالي، ابنتي الصغيرة أصابتها حمى من شدة الخوف. وجدنا صعوبة كبيرة لإيجاد صيدلية لشراء مسكّن وخافض للحرارة".
وأغلقت أيضا جميع المحال التجارية، باستثاء عدد قليل منها التزم أصحابها بفتحها لساعات قليلة لإعطاء المواطنين فرصة لشراء مواد تموينية.
وحاولت وزارة الاقتصاد في غزة طمأنة المواطنين عبر بيانات صحافية قالت في أحدها "إن السلع الأساسية في السوق تكفي لمدة ثمانية شهور، بينما تكفي كميات الطحين لثلاثة شهور".
ويشغل التزوّد بالغذاء بال المواطنين، خصوصا مع قرار السلطات الإسرائيلية إغلاق معبر كرم أبو سالم (إيريز) التجاري الذي تمر عبره البضائع حتى إشعار آخر، وتشديدها الحصار على قطاع غزة.
وتبدو المخابز الأمكنة الوحيدة التي يخاطر سكان بالتواجد أمامها، ويقف العشرات في طوابير لشراء الخبز.
في أحد الأفران، يطلب رجل خمس ربطات من الخبز، إلا أن العامل يخبره بأنه لا يحق له بأكثر من ربطتين لتلبية حاجات الجميع.
ويتواصل انطلاق صافرات سيارات الاسعاف وسيارات الدفاع المدني ليلا نهارا في جميع مناطق القطاع. وتقول وزارة الصحة في غزة إن 15 سيارة إسعاف تعرضت للاستهداف.
ويرغب كثيرون من سكان قطاع غزة بمغادرة القطاع المحاصر، والذي في ظل إغلاق كل المعابر منه الى إسرائيل، لا يربطه بالخارج إلا معبر رفح مع مصر الذي تعرّض للقصف ثلاث مرات منذ بدء التصعيد.
ويقول عدد من الغزاويين إنهم دفعوا مئات الدولارات لتسجيل أسمائهم عبر شركة "يا هلا " التي تنظم رحلات الخروج عبر رفح. والمعبر مفتوح إجمالا فقط للحالات الإنسانية ومقابل أذونات.
وقال أحد العاملين في الشركة لفرانس برس إن "الإقبال شديد والحجز مكتمل لأسبوع كامل على الأقل".
ودفع القلق أبو أحمد الشنطي (47 عاما) للتوجه الى حي الرمال لتفقّد محله لبيع الملابس. ويقول "لم أتمكّن من العبور بسيارتي الى الشارع الذي يتواجد فيه محلي. مشيت حتى المكان لأرى محلي مدمرا ومحلات كثيرة مدمرة قربه وقد سوّيت بالأرض".
ويتابع "إسرائيل تقصد تدمير كلّ شيء في غزة وإبادتها".
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت إن الثمن الذي ستدفعه غزة "سيغير الواقع لأجيال"، وإن إسرائيل تفرض حصارا كاملا وتحظر دخول واردات الغذاء والوقود في إطار معركة ضد "الحيوانات".
عمري كله من حرب لحرب
رغم أن الجيش الإسرائيلي بعث برسائل هاتفية يطلب فيها من الفلسطينيين مغادرة بعض المناطق في غزة بعد الهجوم الدامي الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يوم السبت، لا يعرف محمد بريص بأي ملاذ يحتمي من هجوم يتوقع السكان أن يكون الأسوأ على الإطلاق.
وتساءل الرجل البالغ من العمر 55 عاما "وين نروح؟ وين نروح؟".
وفر من منزله القريب من خط مواجهة محتمل ليحتمي بمتجره، لكنه تعرض للقصف في واحدة من مئات الضربات الجوية وقذائف المدفعية التي تقصف غزة بالفعل.
ويستعد الفلسطينيون لهجوم على نطاق غير مسبوق على قطاع غزة الصغير والمكتظ بالسكان يفوق الدمار الذي حدث في الجولات السابقة، بحيث يصبح الناجون منه معدمين بدون مأوى أو ماء أو كهرباء أو مستشفيات أو طعام.
ولا يوجد في غزة ملاجئ مخصصة للحماية في أوقات الحرب.
وفي مخيم جباليا للاجئين في شمال القطاع، تسلق رجال مبنى متداعيا لانتشال جثة رضيع من وسط الأنقاض ونزلوا بها عبر الحشد المجتمعين وسط الحطام. وقالت وزارة الصحة في غزة إن تلك الغارة الجوية أسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى.
ومع وصول سيارات الإسعاف إلى مستشفى، هرع العاملون لنقل الجرحى على محفات. وكان هناك رجل يرقد في الداخل بجانب جثة ابن أخيه الملفوفة بالكفن وقد أصابته حالة حزن هستيرية وظل يضرب الأرض ويحتضن الجثة ويصرخ.
وجابت مواكب الجنازات شوارع غزة. كما سار رجال في رفح بجنوب البلاد خلف جثمان محمول على نعش ورفعوا خلفه علم فلسطين وراية حماس.
وفي الجبانة كانت عائلة سعد لُبَد، وهو صبي قتل في الغارات، تدفن جثمانه، ووضعوا الجسد الصغير الملفوف بالكفن الأبيض على قطعة من القماش المنقوش قبل إنزاله إلى المقبرة.
تعرض سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة لنوبات متكررة من الحروب والضربات الجوية من قبل. وكثير منهم لاجئون ينحدرون من نسل أولئك الذين فروا أو طردوا من منازلهم في الحرب عندما تأسست دولة إسرائيل عام 1948.
ويتوقعون أن تكون الحرب هذه المرة أسوأ.
وقال ساكن في بيت حانون على الحدود الشمالية الشرقية لقطاع غزة مع إسرائيل "مش محتاجة تفكير كتير، إسرائيل تلقت أكبر خسارة في تاريخها، فالواحد بيقدر يتنبأ شو راح يعملوا".
وأضاف "عن نفسي أنا أخدت أسرتي وطلعت متلي متل عشرات العائلات إللي طلعوا، كتير منا اجتهم اتصالات ورسائل صوتية من ضباط أمن إسرائيليين بتطلب منهم يتركوا مناطقهم لأنهم راح يعملوا شي هناك".
وبدأت العائلات في تخزين المواد الغذائية مع بدء هجوم يوم السبت، لكنها تخشى انخفاض الإمدادات رغم تأكيدات حماس.
ومع قطع إسرائيل إمدادات الكهرباء عن غزة، فإن نقص الوقود الذي يلوح في الأفق يعني أن المولدات الخاصة وكذلك محطة الكهرباء الخاصة بالقطاع التي ما زالت توفر نحو أربع ساعات من الكهرباء يوميا ستواجه صعوبات في العمل.
ويعني نقص الكهرباء أن السكان لن يستطيعوا إعادة شحن هواتفهم، ومن ثم تنقطع إمكانية تبادل الأخبار فيما بينهم ولن يتمكنوا من ضخ المياه إلى خزانات الأسطح.
وفي الليل، يغرق القطاع في ظلام دامس تشقه من حين إلى آخر انفجارات الغارات الجوية.
وقال مسؤولون بوزارة الصحة في غزة إنه من المتوقع نفاد الوقود اللازم لتشغيل أجهزة إنقاذ الحياة في المستشفيات في غضون أسبوعين.
ويلجأ كثيرون من عشرات الآلاف الفارين من منازلهم إلى مدارس الأمم المتحدة. وفي إحدى هذه المدارس بمدينة غزة، أشارت إسراء القيشاوي، البالغة من العمر 13 عاما، إلى زاوية في غرفة دراسة حيث تضع حشيتها كل ليلة إلى جانب 30 شخصا آخرين.
وقالت إسراء إن الخوف يجعلها تريد الذهاب إلى المرحاض كل بضع دقائق، لكن لا يوجد ماء.
وأضافت "مقرفة".
وقالت إسراء التي كانت ترتدي زيا أخضر "الحرب صارت فجأة واحنا خايفين منها".
وقال سكان وفرق طبية إن الغارات الجوية أضرت بالشوارع وأغلقتها مما جعل من الصعب على مركبات الإسعاف الوصول إلى مواقع القصف. وقالت فرق الدفاع المدني إنها لا تستطيع التعامل مع هذا العدد الكبير من مواقع القصف وطلبت فرق إنقاذ أجنبية لمساعدتها في إنقاذ الناجين المحاصرين تحت الأنقاض.
وقال أحد سكان بيت حانون إن قصف الشوارع هو تحضير فيما يبدو لهجوم بري إسرائيلي آخر مثل ذلك الذي شهده من سطح منزله في غزة في عامي 2008 و2014.
لكن على الرغم من الاخطار، عبر الرجل البالغ من العمر 45 عاما الذي طلب عدم الكشف عن هويته خوفا من الانتقام الإسرائيلي، عن سعادته بهجوم حماس على إسرائيل.
وقال "إحنا خايفين بس فخورين لأول مرة نشعر بهيك فخر، حماس مسحت كتائب كاملة من الجيش الإسرائيلي كسرتهم متل البسكوت".
وقال محمد بريص، وهو يقف أمام حطام متجره، بالقرب من منازل أصابها الدمار وقتل فيها ثلاث عائلات بأكملها، إنه ود لو توقفت دوامة الدمار التي لا نهاية لها في غزة.
وقال بريص وهو ينظر إلى أطلال متجره "بيكفي، زهقنا. أنا عمري 55 سنة ومن حرب لحرب وكل حرب بتكون أصعب وأقسى من غيرها... داري تدمرت مرتين".