تقديم الانتخابات الرئاسية في مصر استباقا لإجراءات اقتصادية قاسية
شبكة النبأ
2023-09-27 07:21
أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر الاثنين أن الانتخابات الرئاسية ستُجرى في كانون الأول/ديسمبر، على خلفية أزمة اقتصادية عميقة في البلاد.
وقال رئيس الهيئة وليد حمزة في مؤتمر صحافي إن الانتخابات الرئاسية ستجرى على مدى ثلاثة أيام من 10 الى 12 كانون الأول/ديسمبر، اي قبل قرابة أربعة أشهر من انتهاء الولاية الحالية للرئيس عبد الفتاح السيسي مطلع نيسان/أبريل المقبل.
وأعلنت اللجنة الانتخابية كذلك أن المرشحين عليهم التقدم بطلباتهم خلال الفترة من 5 الى 14 تشرين الأول/اكتوبر على أن تبدأ الحملات الانتخابية في التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر وتنتهي في التاسع والعشرين من الشهر نفسه.
ولم يعلن بعد الرئيس المصري الذي يتولى السلطة في البلاد منذ العام 2014، عزمه الترشح لولاية ثالثة إلا أنه أمر شبه مؤكد، وفق المحللين.
وأعرب أربعة مرشحين آخرين عن نيتهم الترشح هذه المرة أبرزهم عضو البرلمان السابق أحمد الطنطاوي الذي يقول إن الأجهزة الأمنية ألقت القبض على بعض مساعديه ومنعته من إقامة فعاليات انتخابية. ولم يرد المسؤولون على مزاعمه.
وبدأ الطنطاوي حملة انتخابية للترشح ضد السيسي وهو النائب السابق في البرلمان أحمد الذي لم يكف طول الأشهر الأخيرة عن ادانة "الجرائم" التي ترتكبها أجهزة الأمن بحق أنصاره وأعضاء حملته الذين تم توقيف 35 منهم على الأقل أخيرا.
كما كشف الطنطاوي الذي عرف بانتقاداته الحادة للسلطات في البرلمان، أن هاتفه المحمول وضع تحت المراقبة منذ أيلول/سبتمبر 2021 بعد أن أكد معمل سيتيزن لاب في تورونتو أن برنامج تجسس استخدم لاختراق هاتفه.
وحكم على معارض آخر وهو هشام قاسم رئيس التيار الحر (ائتلاف أحزاب ليبرالية معارضة) بالسجن ستة أشهر أخيرا، وهو ما يحرمه من اي امكانية للمشاركة في العملية الانتخابية.
وتصب التوقعات في صالح الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي رغم الأزمة الاقتصادية التي تشمل ارتفاعا قياسيا في التضخم ونقص العملة الأجنبية.
ويحق للسيسي (68 عاما) الترشح لفترة ثالثة وفق تعديل للدستور في 2019 شمل تمديد الولاية الرئاسية من أربع سنوات إلى ست سنوات، مما يفتح الطريق أمامه للبقاء في المنصب حتى عام 2030 على الأقل.
وقالت الهيئة إن من المتوقع إعلان نتائج الانتخابات في 18 ديسمبر كانون الأول، وفي حال اللجوء إلى جولة ثانية ستعلن النتائج النهائية في موعد أقصاه 16 يناير كانون الثاني.
وعلى الرغم من أن السيسي لم يعلن رسميا ترشحه، بدأت الأحزاب الموالية للحكومة حملة شملت لوحات إعلانية في جميع أنحاء القاهرة تدعم إعادة انتخابه.
وأُعلن فوز السيسي في انتخابات عامي 2014 و2018 بنسبة 97 بالمئة من الأصوات. وفي عام 2018، واجه منافسا واحدا فقط كان هو نفسه من أشد المؤيدين للسيسي، وذلك بعد القبض على المنافس الرئيسي وانسحاب المرشحين الآخرين مرجعين ذلك إلى أساليب ترهيب.
وأصبح السيسي، قائد الجيش السابق، رئيسا في عام 2014 بعد عام من الإطاحة بالرئيس المنتخب ديمقراطيا محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في أعقاب احتجاجات على حكمه.
ويقول محللون إن السيسي يتمتع بدعم الأجهزة الأمنية وعلى رأسها الجيش الذي أصبح أكثر قوة ووسّع نفوذه الاقتصادي.
ويتسم حكم السيسي بحملات قمع ضد المعارضة من مختلف الأطياف السياسية.
ويقول السيسي ومؤيدوه إن تلك الإجراءات ضرورية لتحقيق الاستقرار بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد حسني مبارك عام 2011 في انتفاضات "الربيع العربي" ولتمهيد الطريق أمام التنمية الاقتصادية.
فيما يقول نشطاء إن عشرات الآلاف سُجنوا منذ عام 2013، دون محاكمات عادلة في كثير من الأحيان، وإن حملة القمع مستمرة على الرغم من قرارات العفو عن بعض السجناء البارزين وإطلاق حوار سياسي وطني.
إجراءات اقتصادية قاسية منتظرة
ويعتقد المراقبون أن تقديم موعد الانتخابات الرئاسية مرتبط بإجراءات اقتصادية قاسية قد تضطر السلطات المصرية لاتخاذها مطلع العام المقبل لمواجهة الازمة الاقتصادية خصوصا مشكلة الديون الخارجية (165 مليار دولار) التي يتعين سداد أقساطها خلال الشهور المقبلة في وقت تعاني من نقص في النقد الأجنبي.
ويعاني المصريون بالفعل من تراجع قدرتهم الشرائية مع ارتفاع التضخم الذي سجل رقما قياسيا جديدا في أب/أغسطس اذ بلغ قرابة 40%.
وشهدت مصر في الأشهر الأخيرة انخفاضاً في قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية بنسبة 50 في المئة تقريباً.
وقال استاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة مصطفى كامل السيد لفرانس برس إنه كان من المفترض أن تبدأ اجراءات الانتخابات في كانون الأول/ديسمبر على أن يجرى الاقتراع في الربيع ولكن "جرى تقديم موعد الانتخابات لأسباب تتعلق بالوضع الاقتصادي على الارجح".
وأضاف "الاتفاق الذي أبرمته مصر مع الصندوق (أي صندوق النقد الدولي) العام الماضي كان يتضمن شروطا لم تف مصر بأهمها وهو تعويم الجنيه فتأجلت زيارتان لبعثة الصندوق الى مصر هذا العام ولكن تقرر أن تتم زيارة الصندوق الي القاهرة بداية العام المقبل".
وتابع "بما أن التعويم ستترتب عليه آثار فادحة على غالبية المصريين فقد تقرر على الأرجح تبكير الانتخابات وتنفيذ الاجراءات الاقتصادية بعدها".
ويعاني المصريون بالفعل من تراجع قدرتهم الشرائية مع ارتفاع التضخم الذي سجل رقما قياسيا جديدا في أب/أغسطس اذ بلغ قرابة 40%، بعد أن فقد الجنيه المصري منذ آذار/مارس 2022 50% من قيمته أمام العملات الأجنبية.
وترزح مصر التي يبلغ عدد سكانها 105 ملايين نسمة، وهي أكبر مستورد للقمح في العالم، تحت وطأة الحرب بين أوكرانيا وروسيا، الموردَين الرئيسيَين لها في مجال الحبوب.
وتضخّمت ديونها في ظل المشاريع الضخمة للرئيس عبد الفتاح السيسي، ودعم الدولة للعديد من المنتجات.
وتعدّ مصر الآن واحدة من الدول الخمس الأكثر تعرّضاً لخطر التخلّف عن سداد ديونها الخارجية، وفقاً لوكالة "موديز".
وتضاعفت ديون مصر الخارجية بأكثر من ثلاث مرات في العقد الأخير لتصل إلى 165,4 مليار دولار هذا العام، وفقاً لأرقام وزارة التخطيط.
وبعدما اعتمدت لسنوات على دعم من دول الخليج بشكل ودائع في البنك المركزي، تحاول القاهرة بيع أصول للدولة أو إطلاق مشاريع على أراضيها للمستثمرين الخليجيين الذين باتوا يقولون إنهم يريدون "عوائد على الاستثمار".
منذ العام 2017، حصلت مصر على أربعة قروض من صندوق النقد الدولي لمواجهة النقص في الدولار ودعم الموازنة، لكن ما زالت مؤشرات التعافي من الأزمة الاقتصادية سلبية.
وكان آخر هذه القروض العام الماضي حين وافق الصندوق على قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار حتى يتاح للحكومة المصرية تأمين مصادر تمويل أخرى أبرزها من البلدان الخليجية وهو ما لم يحدث حتى الآن.
ولم يصدر صندوق النقد مراجعته الأولى لبرنامج التمويل والذي كان مقررا في آذار/مارس وتمنح على أساسه الشريحة الثانية من القرض.
وفي ظل محدودية النقد الأجنبي في البلاد، تراجعت أيضا تحويلات المصريين من الخارج، أكبر مصدر للعملة الصعبة في البلاد، إذ يلجأ العديد إلى السوق الموازية.
وبحسب ما أفادت بيانات البنك المركزي المصري، فقد انخفضت التحويلات بنسبة 26,1 في المئة في الفترة بين تموز/يوليو 2022 وآذار/مارس 2023.
وشهد احتياطي القاهرة من النقد الأجنبي ارتفاعا بسيطا ليبلغ 34,9 مليار دولار حتى آب/أغسطس، متضمنا ودائع خليجية بقيمة 28 مليار دولار، علما أنه لا يزال أقل بنحو سبعة مليارات دولار عما كان عليه قبل الحرب الأوكرانية.
الخشية من اندلاع اضطرابات شعبية
ويبدو أنه من غير المرجح أن تخفض مصر قيمة عملتها مرة أخرى قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في ديسمبر كانون الأول المقبل خشية اندلاع اضطرابات شعبية، لكن مع تراجع الجنيه أمام الدولار في السوق السوداء يخشى محللون أن تكون عواقب التأجيل أوخم.
ويُتوقع فوز الرئيس عبد الفتاح السيسي بفترة حكم جديدة، لكن التضخم ارتفع إلى مستويات قياسية وظهرت مشكلات اقتصادية عميقة الجذور على السطح بسبب النقص المزمن في العملة الصعبة منذ أوائل عام 2022.
ويقول محللون إن كل هذا يشير إلى الحاجة إلى خفض آخر لقيمة العملة، لكن السلطات تشعر بالقلق من أن ذلك، أو فرض إجراءات تقشفية، أثناء الحملة الانتخابية قد يؤدي إلى اضطرابات في وقت محفوف بتوترات سياسية شديدة.
وفي حزمة دعم مالي بقيمة ثلاثة مليارات دولار وقعتها مصر مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر كانون الأول الماضي، وافقت الحكومة على السماح بتعويم حر للعملة والإسراع ببيع أصول الدولة لتضييق العجز في ميزانيتها وفي ميزان معاملاتها الجارية، لكن البطء كان السمة الغالبة في كلا الأمرين.
ومنذ مارس آذار، أبقت القاهرة على سعر صرف ثابت للجنيه مقابل الدولار عند 30.85 للشراء و30.95 للبيع حتى مع تراجع العملة المحلية في السوق السوداء إلى نحو 40 جنيها للدولار بحلول منتصف مايو أيار.
وفي العام الماضي وحتى مارس آذار، خسر الجنيه نحو نصف قيمته الرسمية، مع انخفاض قيمة العملة المصحوب بموجات عالية من التضخم.
وقال جيمس سوانستون، من كابيتال إيكونوميكس، في مذكرة "أكدت الحكومة قلقها من أن الانخفاض السابق في قيمة العملة وارتفاع التضخم قد سبب ألما شديدا للشعب المصري. ولا شك أن المسؤولين يشعرون بالقلق من خطر حدوث اضطرابات اجتماعية".
وارتفع التضخم سريعا في عام حتى أغسطس آب من العام الجاري إلى مستوى قياسي بلغ 37.4 بالمئة وزاد المعروض النقدي (ن2) 24 بالمئة مما يعني ضعفا أكبر محتملا للعملة.
وقال فاروق سوسة، من بنك جولدمان ساكس، "مع ارتفاع التضخم، كلما طال أمد تأخير مصر في التحرك نحو نظام أكثر مرونة لسعر الصرف، زاد الانخفاض عن المستويات الحالية للجنيه".
كان من المقرر أن يصرف صندوق النقد الدولي الدفعات مرتين سنويا على مدار 46 شهرا، لكنه أرجأ سداد الدفعة التي كانت مقررة في يونيو حزيران وسط تقارير تفيد بعدم رضاه عن التقدم الذي أحرزته مصر.
وكتب سوانستون في المذكرة "الخطر الواضح هو أن كل هذا يؤدي إلى مزيد من التأخير في مراجعات اتفاق صندوق النقد الدولي مع مصر، ويزيد الضغط الهبوطي على الجنيه".
وقال معهد التمويل الدولي في تقرير هذا الشهر إن قيمة الجنيه مبالغ فيها بنحو 10 بالمئة، متوقعا أن ترتفع هذه النسبة إلى نحو 20 بالمئة بحلول نهاية عام 2024.
وأضاف المعهد أن كلا من "ارتفاع التضخم وانخفاضه لدى الشركاء التجاريين وسعر الصرف الثابت" يمكن أن يسهم في الضغط على الجنيه.
بينما قالت كارلا سليم من بنك ستاندرد تشارترد إنه من الممكن أن يؤدي تأخير تخفيض قيمة الجنية إلى التخفيف من وطأة تعديل سعر الصرف بشرط أن تمضي الحكومة قدما في بيع الأصول.
وأضافت "أعتقد أن تأخر تخفيض قيمة العملة قد يعني في الواقع تعديلا أقل حدة لأن السلطات ستكون قد سمحت بمزيد من الوقت لتدفقات الدولار الأمريكي من مبيعات الأصول، مما يؤدي إلى مزيد من التضييق في صافي مركز الالتزامات الأجنبية".
ويقول مصرفيون ومستوردون ومحللون إن البنوك والجهات المستورِدة لجأت إلى حيل جديدة للالتفاف على القيود المفروضة على فتح خطابات الاعتماد أو تجهيز المدفوعات النقدية المباشرة للواردات في محاولة لمواجهة نقص العملات الأجنبية.
ويقول اقتصاديون إن تقلص عدد المصانع والمدخلات الأخرى أدى إلى تباطؤ النمو.
وبدأ المصدرون في التعاون مع المستوردين لشراء السلع، وذلك بعد الاستفادة من العملات الأجنبية التي توفرت لديهم جراء بيع منتجات إلى الخارج.
كما يشتري المستوردون الدولار بالجنيه المصري في السوق السوداء، ثم يبيعونه مرة أخرى لبنوك معينة بسعر الصرف الرسمي لتفتح لهم هذه البنوك خطابات اعتماد بقيمة العملية بالجنيه بالإضافة إلى فرض علاوة تتراوح من 10 إلى 20 بالمئة.
وقال مستوردان لرويترز إن هذا يمكن أن يرفع تكلفة البضائع المشتراة من الخارج 35 بالمئة.
ومع ذلك، يبدو أن الوضع السياسي يتفوق على الاقتصاد في الوقت الحالي مع عدم سماع أي حديث رسمي عن تخفيض قيمة العملة مع اقتراب البلاد من الانتخابات الرئاسية.