حرب المسيرات والترويع المضاد

وكالات

2023-06-01 06:10

اتّهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوكرانيا بالسعي إلى "ترويع" الروس بعد هجوم غير مسبوق الثلاثاء بمسيّرات على موسكو ومحيطها، في حين استُهدفت كييف بموجة جديدة من الضربات الدامية.

وسقطت مسيرات عدة فجراً على مباني في العاصمة الروسية الواقعة على بعد أكثر من 500 كيلومتر من الحدود الأوكرانية، ما أثار الصدمة في نفوس السكان الذين كانوا يعتقدون أن النزاع يدور في مناطق بعيدة عنهم.

وقال مسؤولون عينتهم روسيا إن قصفا أوكرانيا أسفر عن مقتل خمسة في قرية في منطقة لوجانسك شرق أوكرانيا بينما تسبب هجوم بطائرة مسيرة في اشتعال حريق في مصفاة نفطية في جنوب روسيا.

كما قال مسؤولون روس إن قصفا أوكرانيا استهدف بلدة روسية قريبة من الحدود للمرة الثالثة في أسبوع، مما أدى لإصابة أربعة وألحق أضرارا بمبان وأشعل النيران في سيارات.

وغداة اتهام روسيا لأوكرانيا بإرسال طائرات مسيرة لمهاجمة أبنية في موسكو، قال مسؤولون عينتهم روسيا في لوجانسك إن خمسة قتلوا وأصيب 19 عندما استخدمت القوات الأوكرانية قاذفات صواريخ هيمارس أمريكية الصنع واستهدفت مزرعة في قرية كارباتي خلال الليل.

وتسيطر موسكو على منطقة لوجانسك بالكامل تقريبا.

وقال فياتشيسلاف جلادكوف حاكم منطقة بيلجورود الروسية على تطبيق المراسلة تيليجرام إن ضربة مدفعية أوكرانية استهدفت بلدة شيبيكينو التي تبعد سبعة كيلومترات تقريبا إلى الشمال من الحدود مع منطقة خاركيف الأوكرانية.

وأضاف جلادكوف أن اثنين من المصابين احتاجا إلى نقلهما إلى المستشفى نتيجة القصف المدفعي الذي استهدف شيبيكينو وأسفر أيضا عن تحطيم نوافذ وإلحاق أضرار بسطح بناية سكنية مؤلفة من ثمانية طوابق إضافة إلى أربعة منازل ومدرسة ومنشآت أخرى.

وقال حاكم منطقة كراسنودار الروسية إن طائرة مسيرة هي السبب المحتمل في اندلاع حريق بمصفاة أفيبسكي للنفط.

وأضاف الحاكم فينيامين كوندراتييف على تطبيق المراسلة تيليجرام أن وحدات الإطفاء أخمدت الحريق سريعا وأنه لم تقع إصابات. ومصفاة أفيبسكي ليست بعيدة عن ميناء نوفوروسيسك على البحر الأسود، بالقرب من مصفاة أخرى تعرضت للهجوم عدة مرات هذا الشهر.

ولم ترد معلومات بعد عمن أطلق الطائرة المسيرة، لكن موسكو اتهمت كييف بزيادة الهجمات داخل روسيا في الأسابيع القليلة الماضية، بينما قصفت روسيا مرارا المدن الأوكرانية بطائرات مسيرة وصواريخ.

وقال ماكسيم وهو موظف في الجمارك يبلغ 40 عاماً ويعيش بالقرب من مبنى تعرّض لأضرار في جنوب غرب موسكو "كنا ننام جميعاً، كانت الساعة الرابعة فجراً، ثم وقع انفجاران ودوت صفارات الانذار في كل السيارات" في الشارع.

وقالت تاتيانا كالينينا وهي متقاعدة تقطن منطقة أخرى في العاصمة تضررت جراء إسقاط طائرة مسيرة "كنت أعتقد أنّ كل هذه الأمور بعيدة جداً، ولا تتعلق بنا. ثم فجأة حدث ذلك بالقرب من منزلنا".

ورأى مراسلو وكالة فرانس برس مبنى تحطّمت فيه عدة نوافذ. وكان الدخول إليه ممنوعًا بسبب طوق أمني.

وكان بعض السكان الذين تم إجلاؤهم يحتسون الشاي في مدرسة قريبة أثناء مشاهدة فيلم سوفياتي قديم.

وأعلنت روسيا رصد ثماني مسيّرات أوكرانية في موسكو ومحيطها، مؤكدةً إسقاطها كلها. ووقع جزء من حطامها على مباني، ما أدى إلى إصابة شخصين بجروح طفيفة، بحسب ما أكد رئيس بلدية موسكو سيرغي سوبيانين.

ترويع الروس

وفي حين نفت أوكرانيا ضلوعها بالعملية، اتهمها بوتين بالسعي إلى "ترويع روسيا وترويع المواطنين الروس"، معتبراً أنّ منظومة الدفاع الجوي في موسكو التي اعترضت المسيّرات "عملت بشكل طبيعي ومرضٍ".

وأكّد بوتين أن الهجوم جاء ردا على ضربة روسية استهدفت مقر الاستخبارات العسكرية الأوكرانية.

ووصف النائب الروسي مكسيم إيفانوف الهجوم بأنه أخطر هجوم على موسكو منذ غزو ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، قائلا إنه لا يوجد روسي يمكنه الآن تجنب "الواقع الجديد".

وقال النائب الروسي ألكسندر خينشتاين الذي دعا إلى تطوير جذري للدفاعات "ستزداد أعمال التخريب والهجمات الإرهابية التي تنفذها أوكرانيا... لا يجب التقليل من شأن العدو!"

قدم التلفزيون الرسمي الروسي تغطية هادئة للهجمات، وواصل العديد من سكان موسكو حياتهم اليومية.

ووصفت أولجا، التي قالت إنها تعيش بالقرب من موقع سقوط طائرة مسيرة، الضربات بأنها "منطقية، متوقعة... هل كنا ننتظر شيئا آخر؟"

وعلى الرغم من هذا، قال رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين إن نحو 1.5 مليون شخص في مناطق دونيتسك ولوجانسك وزابوريجيا وخيرسون تسلموا بالفعل جوازات سفر روسية.

إلى ذلك اعتبرت الخارجية الروسية بأن الدول الغربية مسؤولة عن الهجوم "غير المسؤول" على موسكو، من خلال دعمها لكييف.

وكررت الولايات المتحدة من جهتها موقفها المبدئي مؤكدة أنها لا تؤيد تنفيذ هجمات داخل روسيا. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية "بشكل عام لا نؤيد تنفيذ هجمات داخل روسيا. نركز على تزويد أوكرانيا بالمعدات والتدريب الذي تحتاج إليه لاستعادة السيادة على أراضيها".

التقليل من أهمية الهجمات

واستَهدف عدد قليل جداً من الهجمات بمسيرات موسكو ومنطقتها منذ بدء النزاع، في حين كثرت هجمات كهذه في مناطق روسية أخرى.

وفي بداية أيار/مايو، أسقطت مسيّرتان فوق الكرملين مركز السلطة في موسكو في هجوم نسب إلى كييف.

وفي الأشهر الأخيرة، استهدفت مسيرات أيضًا قواعد عسكرية أو منشآت للطاقة في روسيا.

ورأت الخبيرة في الشأن الروسي والأوراسي في مركز كارنيغي تاتيانا ستانوفايا أنه "من المستغرب أن نرى كيف تقلل السلطات الروسية بالإجماع من أهمية هجمات الطائرات المسيّرة على المدن الروسية".

وأكدت وسائل إعلام روسية ومسؤولون روس سقوط مسيّرات عدة على منطقة راقية في غرب العاصمة يقطنها عدد من أفراد النخبة السياسية.

وفي حديث مع وكالة فرانس برس، قال فالنتان يميليانوف المقيم في جنوب غرب موسكو قرب إحدى المواقع المتضررة إن "لا هلع" في الحيّ، معتبرًا أن الدفاع الجوي الروسي "يعمل جيدًا".

وأكّد الرجل الخمسيني أن ذلك "يطمئنه"، مشددًا على أنه "غير متفاجئ" بهذا الهجوم بسبب تصعيد النزاع.

حرب طائرات مسيرة

قالت روسيا إن طائرات مسيرة أوكرانية قصفت أحياء راقية في موسكو يوم الثلاثاء ووصف سياسي ذلك بأنه أخطر هجوم على العاصمة منذ الحرب العالمية الثانية.

كما تعرضت كييف للاستهداف جوا للمرة الثالثة في 24 ساعة.

وزادت وتيرة الهجمات الجوية من الجانبين مع جمود المعارك على الأرض في ظل ترسيخ القوات الروسية لوجودها على طول الجبهة في شرق وجنوب أوكرانيا.

وقالت وزارة الدفاع الروسية إن ثماني طائرات مسيرة أطلقتها أوكرانيا استهدفت مدنيين وتم إسقاطها أو تغيير وجهتها من خلال عمليات تشويش إلكترونية لكن قناة بازا على تيليجرام التي لها صلات بأجهزة أمنية قالت إن الأمر تضمن أكثر من 25 طائرة مسيرة.

ونفى ميخايلو بودولياك أحد مستشاري الرئاسة الأوكرانية تورط كييف المباشر في الأمر لكنه قال "سعداء بمشاهدة تلك الأحداث" وتوقع المزيد من مثل تلك الضربات.

وقال رئيس بلدية موسكو إن شخصين أصيبا وتم إخلاء بعض البنايات السكنية لفترة وجيزة. وقال سكان إنهم سمعوا دويا عاليا تلاه انبعاث رائحة بنزين. وصور بعضهم طائرة مسيرة يتم إسقاطها ويتصاعد منها الدخان.

واستهدفت تلك الطائرات المسيرة بعض أرقى أحياء موسكو بما في ذلك مناطق يمتلك فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأفراد آخرون من النخبة الحاكمة منازل.

وقال بوتين إن أكبر ضربة بطائرات مسيرة تشنها أوكرانيا على موسكو هي محاولة لإخافة روسيا واستفزازها وإن الدفاعات الجوية حول العاصمة سيتم تعزيزها.

واستهدفت طائرات مسيرة روسية وصواريخ مرارا مواقع مدنية في كييف ومدن أوكرانية أخرى منذ الأيام الأولى في الحرب.

وقال البيت الأبيض إنه يجمع معلومات بشأن تقارير أفادت بضربات بطائرات مسيرة في موسكو.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان-بيير في إفادة صحفية "لا نؤيد تنفيذ هجمات داخل روسيا".

وواشنطن أحد موردي السلاح الرئيسيين لأوكرانيا لكن بشرط أن تستخدمها للدفاع عن نفسها ولاستعادة مناطق احتلتها القوات الروسية.

واتهم سفير روسيا لدى الولايات المتحدة واشنطن بتشجيع "إرهابيين" في كييف من خلال التجاهل العلني لهجوم الطائرات المسيرة.

وسيطرت روسيا بعد بدء الغزو بقليل على محطة زابوريجيا النووية جنوب أوكرانيا. وقال رفائيل جروسي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوم الثلاثاء إن الوكالة التابعة للأمم المتحدة طلبت من أوكرانيا وروسيا احترام المبادئ الخمس التي تهدف لحماية أكبر محطة نووية في أوروبا.

وأضاف أن المحطة لا يجب أن تكون هدفا أو منطلقا لأي هجمات أو تستخدم كقاعدة لأسلحة ثقيلة أو أي عتاد عسكري آخر.

ومنذ أن أرسلت روسيا عشرات الآلاف من القوات إلى جارتها في فبراير شباط 2022، تدور معظم أحداث الحرب داخل أوكرانيا.

لكن جرى تكثيف الضربات الجوية على أهداف بعيدة عن خطوط الجبهة في الآونة الأخيرة وسط حالة من الجمود المشوب بالفوضى على الأرض مع تعزيز القوات الروسية لوجودها في شرق وجنوب أوكرانيا.

وتتعرض الأهداف المدنية في كييف والمدن الأوكرانية الأخرى بشكل متكرر للقصف بالطائرات المسيرة والصواريخ الروسية منذ أيام الحرب الأولى.

وعلى الرغم من أن الهجوم بمسيّرات الذي استهدف موسكو غير مسبوق من حيث حجمه، إلا أنه يبقى متواضعًا مقارنة بوابل الصواريخ والمسيّرات الروسية التي تضرب العاصمة الأوكرانية منذ أيام عدة.

هجوم مضاد

تأتي الهجمات داخل روسيا في الوقت الذي تستعد فيه كييف لهجوم مضاد لطرد القوات الروسية من الأراضي التي احتلتها منذ أن شنت موسكو غزوها الشامل لأوكرانيا في فبراير شباط 2022.

ولم يصدر بعد تعليق من أوكرانيا على القصف الأخير لكنها لا تعلن مسؤوليتها أبدا تقريبا عن هجمات داخل روسيا أو داخل المناطق الخاضعة للسيطرة الروسية في أوكرانيا.

وقبيل الإعلان عن الهجوم على العاصمة الروسية، تحدثت أوكرانيا عن مقتل شخص وإصابة 11 مدنياً بجروح في هجوم استهدف كييف ليل الاثنين الثلاثاء، هو الثالث خلال 24 ساعة بحسب ما أعلنت السلطات المحلية.

وأفاد سلاح الجو الأوكراني عبر تلغرام بأن قوات الاحتلال الروسية هاجمت خلال ليل الإثنين الثلاثاء أوكرانيا بواسطة 31 مسيّرة إيرانية الصنع من طراز شاهد-136/131، مؤكداً أنه أَسقَط 29 منها، "غالبيتها العظمى قرب العاصمة وفي اجواء كييف".

وأمام مبنى واجهته متفحمة في العاصمة الأوكرانية، لفّ سكان مصابون بالصدمة أنفسهم ببطانيات وعانقوا بعضهم البعض.

وقال ميخائيلو أوفتشارينكو "سمعنا دوياً قوياً أدى إلى تحطيم النوافذ والأبواب"، لافتاً إلى أنه بالكاد تسنى له الوقت للاحتماء داخل شقته بعيدًا عن النوافذ مع زوجته وطفليهما، قبل الانفجار.

وسقطت صواريخ روسية في وضح النهار على مدينة كييف، ما بثّ الذعر في الشوارع بعد ليلة من القصف الجديد. لجأ العديد من السكان إلى الملاجئ تحت الأرض ولا سيّما في المترو.

أودت الحرب بحياة عشرات الآلاف في أوكرانيا وشردت الملايين وحولت مدنا إلى أنقاض وأحدثت فوضى في الاقتصاد العالمي.

وقال إيهور كليمينكو وزير الداخلية الأوكراني "تحاول روسيا تحطيمنا وكسر إرادتنا".

وفي العاصمة، قالت أوكرانيا إنها أسقطت أكثر من 20 طائرة مسيرة إيرانية الصنع من طراز شاهد. وأصيب 11 شخصا.

وقال مسؤولون إن امرأة (33 عاما) لقيت حتفها في شرفتها عندما سقط حطام قذيفة روسية على أحد المباني الشاهقة في كييف. وتحطم طابقان علويان وتحيط النيران بأعلى المبنى ومن المحتمل أن يكون ثمة أشخاص تحت الأنقاض.

وهاجمت روسيا كييف 17 مرة في مايو أيار بالطائرات المسيرة أو الصواريخ، وغالبا ما تهاجم خلال الليل، فيما يبدو أنها محاولة لتحطيم الروح المعنوية. وتقول أوكرانيا إن دفاعات باتريوت المضادة للصواريخ التي حصلت عليها من الولايات المتحدة تحقق معدل اعتراض نسبته 100 بالمئة.

وتتعهد كييف بشن هجوم مضاد مدعوم بأسلحة حصلت عليها مؤخرا من الغرب لمحاولة طرد المحتلين الروس من أراض تم الاستيلاء عليها في إطار ما تسميها موسكو "عملية عسكرية خاصة" بهدف "القضاء على النازية" في أوكرانيا وحماية الناطقين بالروسية.

وتصف أوكرانيا الأمر بأنه انتزاع أراض استعماري أحدثه سعيها إلى تقريب العلاقات مع الغرب بعد تاريخ طويل من هيمنة موسكو عليها.

وتقول روسيا إنها ضمت أربع مناطق أوكرانية في الشرق والجنوب، لكن قواتها لا تسيطر بالكامل على أي منها، ولم يعترف المجتمع الدولي بضم روسيا للمناطق.

توازياً، أعلنت منظمة الصحة العالمية الثلاثاء تسجيل أكثر من ألف هجوم على النظام الصحي في أوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي، وهو أعلى رقم يُسجل على الإطلاق خلال حالة طوارئ إنسانية.

وأشار الفرع الأوروبي للمنظمة في بيان إلى أن "منظمة الصحة العالمية تحقّقت من وقوع 1004 هجمات خلال الأشهر الخمسة عشر الماضية من الحرب الشاملة، أودت بحياة ما لا يقل عن 101 شخص من العاملين في المجال الصحي والمرضى وإصابة الكثيرين بجروح".

وأكد أن الهجمات تؤثر على المرافق الصحية والإمدادات ووسائل النقل، بما في ذلك سيارات الإسعاف.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي