حكومة جديدة في العراق في مواجهة فساد عميق
وكالات
2022-10-29 05:34
بعد عام من التوتر الذي وصل إلى عنف دام أحياناً، أصبح للعراق أخيراً الخميس حكومة جديدة بعد منح البرلمان الثقة لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني وفريقه، الذي عليه أن يواجه الآن تحديات جمّة سياسية واقتصادية.
ويشكّل هذا الضوء الأخضر للحكومة الجديدة محطة حاسمة في مسار الخروج البطيء من أزمة سياسية عانى منها العراق على مدى أكثر من عام، أي منذ الانتخابات التشريعية في تشرين الأول/أكتوبر 2021.
لكن أخيراً، صوّت النواب في البرلمان الواقع في المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد، بالغالبية المطلقة على الحكومة الجديدة، وفق بيان رسمي صادر عن مكتب السوداني.
وصوّت النواب بغالبية النصف زائدا واحدا من 329 نائباً، على البرنامج الوزاري ثمّ على 21 وزيراً برفع الأيدي داخل قاعة البرلمان في العاصمة خلال الجلسة التي شارك فيها 253 نائباً بحسب دائرة إعلام البرلمان.
وتتألف الحكومة الجديدة من 12 وزيراً شيعياً، غالبيتهم مرشحون من قبل الإطار التنسيقي، وستّة وزراء من السنة، ووزيرين كرديين، ووزيرة واحدة للأقليات، فيما لا تزال وزارتان من حصة المكوّن الكردي، قيد التفاوض ولم يتمّ ملؤهما بعد. وتشغل ثلاث نساء مناصب في الحكومة الجديدة.
ويخلف السوداني البالغ 52 عاماً، مصطفى الكاظمي الذي تولى رئاسة الحكومة في أيار/مايو 2020.
وقبيل بدء الجلسة، قال السوداني في كلمةٍ أمام البرلمان "سيتصدى فريقنا الوزاري للمسؤولية في هذه المرحلة التي يشهد فيها العالم تحولات وصراعات سياسية واقتصادية كبيرة جدا".
وكلّف السوداني، وهو محافظ ووزير سابق منبثق من الطبقة السياسية الشيعية التقليدية، في 13 تشرين الأول/أكتوبر تشكيل الحكومة، من قبل رئيس الجمهورية الجديد عبد اللطيف رشيد مباشرةً بعد انتخابه. وهو مرشّح القوى السياسية الموالية لإيران المنضوية في الإطار التنسيقي. بحسب فرانس برس.
وأقر البرلمان اختيارات السوداني لإحدى وعشرين وزارة خلال تصويت لاختيار وزراء الحكومة. واختار السوداني رئيس شركة غاز الجنوب الحكومية حيان عبد الغني وزيرا للنفط، وأبقى فؤاد حسين وزيرا للخارجية لولاية ثانية، وطيف سامي وزيرا للمالية.
وتعهد السوداني بإصلاح الاقتصاد ومحاربة الفساد وتحسين الخدمات العامة المتدهورة ومكافحة الفقر والبطالة وغيرها.
كما وعد بتعديل قانون الانتخابات في غضون ثلاثة أشهر وإجراء انتخابات نيابية مبكرة في غضون عام.
وقال السوداني في كلمته بالبرلمان قبل التصويت إن الفساد أخطر من جائحة كورونا وإنه السبب في الكثير من المشاكل الاقتصادية وإضعاف سلطة الدولة وتفشي الفقر والبطالة وضعف الخدمات العامة.
والسوداني هو مرشح أكبر كتلة برلمانية والتي تُعرف باسم الإطار التنسيقي، وهي تحالف من الفصائل المتحالفة مع إيران. وتولى السوداني المنصب خلفا لرئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، الذي كان يقود حكومة انتقالية، بعد أن خرج المتظاهرون المناهضون للحكومة إلى الشوارع بالآلاف في عام 2019، مطالبين بالوظائف وبرحيل النخبة الحاكمة في العراق.
ويتهم المتظاهرون أيضا الطبقة السياسية التي تولت السلطة بعد الغزو الأمريكي الذي أطاح بصدام حسين في 2003 بالفساد الذي دفع البلاد نحو الفوضى والدمار الاقتصادي.
وترك الشلل السياسي الذي استمر لمدة عام العراق بدون ميزانية لعام 2022، الأمر الذي يعرقل الإنفاق على مشاريع البنية التحتية والإصلاح الاقتصادي التي تشتد الحاجة إليها.
ويقول العراقيون إن هذا الوضع يفاقم نقص الخدمات والوظائف حتى مع تحقيق بغداد دخلا نفطيا قياسيا بسبب ارتفاع أسعار الخام وعدم خوض حروب كبيرة منذ هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية قبل خمس سنوات.
وقال فرهاد علاء الدين رئيس المجلس الاستشاري العراقي، وهو معهد للأبحاث السياسية، إن الحكومة ستواجه تحديات صعبة للغاية مضيفا أنها طرحت برنامجا طموحا جدا يمكن أن يساعد في العودة إلى المسار الصحيح في حالة تنفيذه.
وخلال الجلسة، أبدى النائب المعارض علاء الركابي من حركة امتداد المنبثقة من احتجاجات تشرين، اعتراضه على الحكومة الجديدة، ما أدّى إلى حصول شجار داخل القاعة. لكن الجلسة تواصلت بعد ذلك.
وقال الركابي بعد الجلسة أمام صحافيين "طوال عقدين من الزمن أحزاب السلطة نفسها تتوافق في ما بينها... يشكلون حكومات محاصصة دمرت البلد". وأضاف "نحن ضد هذه الحكومة وقد ولدت ...وولدت معها معارضة سياسية في البرلمان العراقي".
ما ينتظره العراقيون من هذه الحكومة هو استجابة للأزمات السياسية والاجتماعية التي يعيشونها.
فهذا البلد الذي يملك ثروات هائلة من النفط، يعاني من تهالك في شبكة الكهرباء، بينما كل أربعة شباب من عشرة عاطلون عن العمل وثلث السكان فقراء.
ورحّبت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق في بيان بمنح الثقة للحكومة الجديدة، منبهة الى "تحديات خطيرة تتطلب اجراءات حاسمة" تنتظرها، مثل "معالجة الفساد" و"آثار التغير المناخي".
كذلك، هنّأت السفيرة الأميركية في بغداد ألينا رومانوفكسي في تغريدة الحكومة الجديدة بنيلها الثقة وقالت "نتطلعُ قدماً للعمل مع الحكومة الجديدة لتعزيز أهدافنا المشتركة خلال هذه المرحلة المحورية للعراق وشعبه".
في برنامجه، يسعى السوداني إلى "معالجة ظاهرة البطالة وخلق فرص عمل للشباب من الجنسين" و"إصلاح القطاعات الاقتصادية والمالية وخاصة قطاعي الزراعة والصناعة والقطاع المصرفي ودعم القطاع الخاص".
كما يتعين على رئيس الحكومة الجديد معالجة موازنة العام 2022 التي لم يتمّ إقرارها بعد، ما يتيح الاستفادة من 87 مليار دولار من احتياطات العملة الأجنبية، غالبيتها من عائدات النفط، تقبع في البنك المركزي بانتظار حكومة جديدة.
وتعدّ تلك تحديات حقيقية في بلد يعاني من فساد مزمن ومحسوبية مهيمنة بشكل كبير على مفاصل الدولة، فيما يواجه العراق كذلك أزمة جفاف حادة، مع تراجع الأمطار ومنسوبات الأنهر، أثّرت على حياة السكان.
ويتوقّع المحلل السياسي العراقي علي البيدر أن يتجلى الغضب الشعبي، وغضب مناصري مقتدى الصدر في "احتجاجات مشتركة" بين هؤلاء و"محتجي حراك تشرين"، الذي هزّ العراق في تشرين الأول/أكتوبر 2019.
حكومة بلا صدريين
ولم يُمثّل التيار الصدري، الخصم الرئيسي للإطار التنسيقي في هذه الحكومة، فيما كان زعيمه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر قد تعهّد سابقاً أنه لن يشارك فيها.
وخلال العام الماضي، تصاعدت الخلافات والتوتر بين طرفي الأزمة، التيار الصدري والإطار التنسيقي، بشكل كبير. وفي أواخر آب/أغسطس، تجلّت عنفاً دامياً في الشارع، قتل فيه أكثر من 30 من مناصري الصدر في اشتباكات مع الجيش وقوات الحشد الشعبي، وهو تحالف فصائل مسلحة باتت منضوية في الدولة وممثلة بجزء كبير في الإطار التنسيقي.
ويرى الاستاذ في جامعة بغداد ورئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري أن "العلاقة مع الصدر هي أهم تحدّ بالنسبة لحكومة محمد شياع السوداني، باعتبار أن الصدر أعطى مواقف مسبقة باتجاه حكومة يشكلها الإطار، باتجاه المرشح نفسه".
من هنا، يشرح الشمري أن على السوداني والإطار التنسيقي "مدّ جسور سريعة مع زعيم التيار الصدري" ومنحهم "ضمانات تعدّ تطمينات في قضية اشتراطات زعيم التيار الصدري في ما يرتبط بعملية الإصلاح وحتى إجراء انتخابات مبكرة".
وإذا لم يحصل ذلك، "سيكون التحدي كبيراً جداً" وقد يؤدي إلى "ردة فعل متطرفة من قبل زعيم التيار الصدري وحتى أتباعه" أي اللجوء إلى الشارع مرةً أخرى.
وقد وضع السوداني في برنامج حكومته الجديدة، بند "تعديل قانون الانتخابات النيابية خلال ثلاثة أشهر واجراء انتخابات مبكرة خلال عام"، أحد مطالب الصدر الذي يقول إنه مناهض لنظام المحاصصة المهيمن على طريقة الحكم في العراق منذ إسقاط نظام صدام حسين في العام 2003.
وكان التيار الصدري قد أعلن سابقا على لسان المقرب من زعيم التيار مقتدى الصدر محمد صالح العراقي، عن رفضه المشاركة في الحكومة المقبلة في العراق، وذلك بعد نحو يومين من انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتكليف رئيس جديد بتشكيل حكومة بعد أزمة سياسية طويلة.
وتحدّث صالح في بيان نشر على مواقع التواصل الاجتماعي عن وجود "مساعٍ لا تخفى لإرضاء التيار وإسكات صوت الوطن"، في إشارة إلى تصريحات إعلامية وخبراء يتحدثون عن إمكانية اقتراح مناصب وزارية على التيار الصدري.
وقال صالح "في خضم تشكيل حكومة ائتلافية تبعية مليشياوية مجربة لم ولن تلبّي طموح الشعب ... بعد أن أُفشلت مساعي تشكيل حكومة أغلبية وطنية ... نشدد على رفضنا القاطع والواضح والصريح لاشتراك أي من التابعين لنا ... في هذه التشكيلة الحكومية التي يترأسها المرشح الحالي أو غيره من الوجوه القديمة أو التابعة للفاسدين وسلطتهم".
وأضاف "كل من يشترك في وزاراتها معهم ظلماً وعدواناً وعصياناً لأي سبب كان فهو لا يمثلنا على الإطلاق بل نبرأ منه إلى يوم الدين ويعتبر مطروداً فوراً عنّا (آل الصدر)".
وكان في صلب الأزمة خلال الأشهر الماضية الخلاف بين المعسكرين الشيعيين الكبيرين: التيار الصدري من جهة، والإطار التنسيقي الذي يضمّ كتلاً عدّة من بينها دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وكتلة الفتح الممثلة لفصائل الحشد الشعبي.
وتتمتع طهران بنفوذ قوي في العراق على المستوى السياسي والاقتصادي. ويستقبل العراق كذلك قوات أميركية في إطار التحالف الدولي لمكافحة الجهاديين.
كما يجد العراق نفسه أمام قصف جارتيه إيران وتركيا، لأراضيه في إطار ملاحقتهما لتنظيمات معارضة.
سرقة 2,5 مليار دولار من أموال الضرائب
من جهتها أوقفت القوات الأمنية العراقية، في مطار بغداد رجل أعمال متهما بالتورط في قضية "سرقة" 2,5 مليار دولار من أموال الضرائب فيما كان يحاول مغادرة العراق، وفق بيان لوزارة الداخلية.
وأثارت القضية التي خرجت إلى الإعلام منتصف تشرين الأول/أكتوبر، جدلا واسعا في العراق الغني بالنفط، لكنه يعاني فسادا مزمنا.
وذكر البيان الصادر عن وزير الداخلية عثمان الغانمي أنه جرى "إلقاء القبض على نور زهير جاسم في مطار بغداد الدولي أثناء محاولته المغادرة خارج البلاد بطائرة خاصة".
من جهتها، قالت هيئة النزاهة الحكومية في بيان، أيضا إن المشتبه به هو "المدير المفوض لشركة (المبدعون) للخدمات النفطية المحدودة" وهو "أحد المتهمين في قضية مبالغ الأمانات الضريبية المودعة في فروع مصرف الرافدين".
وكشف كتاب رسمي صادر عن هيئة الضرائب أن مبلغ 2,5 مليار دولار، جرى سحبه بين أيلول/سبتمبر 2021 وآب/أغسطس 2022 من مصرف الرافدين الحكومي، عبر 247 صكا ماليا، حرر إلى 5 شركات، قامت بصرفها نقدا مباشرة.
وسبق أن استمع القضاء إلى إفادات عدد من المسؤولين في هيئة الضرائب بشأن هذه القضية، كما أصدر مذكرات توقيف بحقّ مالكي الشركات المتهمة بسحب الأموال.
ويحتل العراق المرتبة 157 (من 180) في مؤشر منظمة الشفافية الدولية عن "مدركات الفساد". وغالبا ما تستهدف المحاكمات في قضايا الفساد في حال حصلت، مسؤولين في مراكز ثانوية.
وقالت مبعوثة الأمم المتحدة في العراق جنين بلاسخارت مطلع تشرين الأول/أكتوبر "يمثل الفساد المستشري سببا جذريا رئيسا للاختلال الوظيفي في العراق" مضيفة "بصراحة، لا يمكن لأي زعيم أن يدّعي أنه محمي منه".
لم تكشف السلطات بعد عن هويات المتورطين في هذه القضية التي أثارت جدلاً واسعاً لدى الرأي العام في بلد غني بالنفط لكن يعاني من فساد مزمن.
وأفاد البيان الصادر عن مجلس القضاء الأعلى "قررت محكمة تحقيق الكرخ الثانية المختصة بقضايا النزاهة استقدام مدير عام الهيئة العامة للضرائب ومعاونه، والمشرف على القسم المالي والرقابي ووكيل القسم المالي ومدير القسم المالي".
وأضاف أن القرار "يأتي وفقا لاحكام المادة 340 من قانون العقوبات عن تهمة احداث الضرر العمدي باموال وزارة المالية بصرف مبالغ الامانات الضريبية".
صدرت كذلك "مذكرات قبض بحق اصحاب الشركات ووضع الحجز الاحتياطي على حساباتها والتي حررت لصالحها صكوك الامانات الضريبية"، وفق البيان.
وقال مصدر قضائي لفرانس برس، فضّل عدم الكشف عن هويته، إن المسؤولين الخمسة الذين صدر بحقهم قرار الاستدعاء، "مثلوا أمام المحكمة وتمّ أخذ إفاداتهم".
من جهته، نفى مصرف الرافدين في بيان مسؤوليته، وقال إن صرف صكوك الهيئة العامة للضرائب تمّ بعد "التأكد من صحة صدورها بكتب رسمية بين المصرف والهيئة".
وشكّلت لجنة داخلية أولى للتحقيق في هذه القضية العام الماضي، وفق بيان صادر عن وزارة المالية، أصدر على إثره الوزير السابق للمالية علي علاوي منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2021 "أوامر بعدم صرف أي مبالغ بدون موافقته".
أما التحقيق الداخلي الثاني، الذي بدأ في 6 أيلول/سبتمبر، أفضى إلى "تغييرات ادارية احترازية... منها عزل رئيس الهيئة العامة للضرائب والكادر المتقدم معه".
وأضاف البيان أن تحقيق هيئة النزاهة والقضاء العراقي في القضية منذ آب/أغسطس 2022، أدّى إلى صدور قرارات مختلفة منها "أوامر قبض بحق المتهمين من الموظفين وعدد من أصحاب الشركات والمستفيدين من صرف تلك الأموال".
وقالت الوزارة إن تلك الاجراءات والتحقيق سمحا في "حماية المبلغ المتبقي من صندوق الهيئة العامة للضرائب، أوّلاً، ومنع استنزاف أي مالٍ عامٍ في أماكن أخرى، ثانياً".
وعلّقت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة جنين بلاسخارت في تغريدة على القضية قائلةً "ماذا يمكن للعراق فعله بمليارات الدولارات المفقودة منه؟ الاستثمار بالمدارس والمستشفيات والطاقة والمياه والطرق وغير ذلك".
وفي تعليق على القضية، كتب الباحث في "سنتشوري إنترناشونل" سجاد جياد على تويتر "الأسئلة البديهية هي من هم المالكون الحقيقيون لتلك الشركات ومن سمح بإعطاء الصكوك لتلك الشركات؟ وكيف عبر الأمر غير ملحوظ لعام كامل؟ من هم السياسيون المتورطون في عملية الفساد والسرقة الكبيرة هذه؟".
وفي حديث السبت عن تحقيق داخلي في وزارة المالية بشأن القضية، اتهم وزير المالية السابق بالوكالة إحسان عبد الجبّار في تغريدة "مجموعة محددة" بالمسؤولية بدون أن يعطي تفاصيل إضافية.
وغالبًا ما تستهدف المحاكمات في قضايا الفساد في حال حصلت، مسؤولين في مراكز ثانوية، في بلد تشكّل عائدات النفط 90% من إيراداته.