القنبلة القذرة.. دعاية إرهابية ام حقيقة مرعبة
وكالات
2022-10-26 06:42
"القنبلة القذرة ليست ’سلاح دمار شامل‘ ولكنها ’سلاح تخريب شامل‘ يهدف إلى التلويث والإخافة"، هكذا تصف اللجنة التنظيمية النووية الأمريكية السلاح الذي تقول موسكو إن كييف تستعد لاستخدامه، بينما تنفي أوكرانيا هذه الاتهامات وتعتبرها "حجة" روسية لـ"التصعيد". فما هي "القنبلة القذرة"؟
ليست "القنبلة القذرة"، التي تتهم روسيا أوكرانيا بأنها تريد أن تفجرها على أراضيها، قنبلة نووية، بل قنبلة تقليدية محاطة بمواد مشعة معدة لنشرها على شكل غبار عند وقوع الانفجار.
وصرح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي "إذا قالت روسيا إن أوكرانيا تقوم بالتحضير لشيء ما، فإن هذا يعني شيئا واحدا: روسيا حضرت بالفعل كل ذلك"، متهما موسكو بالبحث عن مبرر لتصعيد النزاع.
ويشير مصطلح "القنبلة القذرة" المعروف أيضا باسم "جهاز التشتيت الإشعاعي" (RDD)، بشكل عام إلى أي جهاز تفجير ينشر واحدا أو أكثر من المنتجات السامة كيميائيا أو بيولوجيا (NRBC: نووي أو إشعاعي أو بيولوجي أو كيميائي).
لا يعتبر هذا النوع من القنابل سلاحا ذريا ينتج انفجاره من انشطار نووي (قنبلة نووية) أو اندماج (قنبلة هيدروجينية) ويتسبب بدمار هائل على نطاق واسع. كما أن تصنيع القنبلة الذرية يتطلب استخدام تقنيات تخصيب اليورانيوم المعقدة.
وفيما تعد "القنبلة القذرة" أقل تعقيدا في تصنيعها، فهي تستخدم متفجرات تقليدية. كما أن الغرض الرئيسي منها تلويث منطقة جغرافية والناس الموجودين فيها عن طريق الإشعاعات المباشرة وابتلاع أو تنشق المواد المشعة.
وتقول اللجنة التنظيمية النووية الأمريكية إن "القنبلة القذرة ليست ’سلاح دمار شامل‘ ولكنها ’سلاح تخريب شامل‘ يهدف إلى التلويث والإخافة".
والخطر الرئيسي لـ"القنبلة القذرة" مصدره الانفجار وليس الإشعاع. وحدهم الأشخاص القريبون جدا من موقع الانفجار سيتعرضون لإشعاع يكفي للتسبب بمرض خطير فوري.
مع ذلك، يمكن أن ينتقل الغبار والدخان المشع إلى مسافة أبعد بحيث يشكلان خطرا على الصحة في حال تنشق الغبار وتناول أطعمة أو مياه ملوثة.
وتستخدم المواد المشعة اللازمة لتصنيع مثل هذه العبوات الناسفة في المستشفيات والمؤسسات البحثية والمواقع الصناعية أو العسكرية.
وقال الجنرال إيغور كيريلوف المسؤول عن المواد المشعة والمنتجات الكيميائية والبيولوجية في الجيش الروسي إن "العناصر المشعة في مرافق تخزين الوقود النووي المستخدمة في محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية (الأوكرانية) يمكن استخدامها".
في آذار/مارس 2016، خططت الخلية الإرهابية المسؤولة عن تفجيرات بروكسل لتصنيع "قنبلة قذرة" مشعة بعدما رصد اثنان من الانتحاريين "خبيرا نوويا" بلجيكيا عبر الفيديو.
لماذا تتحدث روسيا عنها الآن؟
في أحدث حملات روسيا للدفاع عن غزوها لأوكرانيا، ركزت موسكو على اتهامات بأن كييف ربما تعتزم استخدام ما يسمى “بالقنبلة القذرة“، وهي قنبلة تفجيرية تقليدية ولكنها مخلوطة بمواد نووية سامة.
وتقول كييف وحلفاؤها الغربيون إن الاتهامات لا تمت للحقيقة بصلة، وأن فكرة أن أوكرانيا قد تتسبب في تسميم أراضيها منافية للعقل بلا شك. ويقولون إن موسكو ربما تدعي ذلك لتبرير تصعيدها للحرب سواء كتهديد حقيقي أو كأساس للدعاية.
لا ينشأ عن القنابل القذرة انفجارا ذريا يسوى المدن بالأرض، ولكنها مصممة لنشر غبار سام. ويشعر الخبراء الأمنيون بقلق من استخدامها غالبا في صورة سلاح إرهابي في المدن لترويع المدنيين، أكثر من استخدامها كسلاح تكتيكي بين الأطراف المتناحرة في صراع.
ويقول الخبراء إن الأثر الصحي المباشر ربما يكون محدودا، لأنه سيكون بوسع معظم الموجودين في أي منطقة منكوبة الهروب قبل التعرض لجرعات قاتلة من الإشعاع. ولكن الضرر الاقتصادي قد يكون ضخما جراء ضرورة إخلاء المناطق الحضرية أو حتى هجر مدن بأكملها.
وفي شهادة أمام مجلس الشيوخ الأمريكي خلال فترة حكم الرئيس السابق باراك أوباما، حدد الطبيب هنري كيلي، رئيس اتحاد العلماء حينئذ، الخطوط العريضة للعديد من التصورات الافتراضية، اعتمادا على كمية المواد النووية المستخدمة ونوعها ومدى انتشارها.
وقد تتطلب قنبلة تستخدم عنصر السيزيوم المشع من أحد الأجهزة الطبية المفقودة أو المسروقة إخلاء منطقة تشمل العديد من أحياء مدينة وجعلها غير آمنة لعقود.
ويقول كيلي إن قطعة من الكوبالت المشع من أحد مصانع تشعيع الأغذية، إن انفجرت في قنبلة في نيويورك، قد تلوث منطقة مساحتها 1000 كيلومتر مربع وربما تجعل جزيرة مانهاتن غير صالحة للسكن.
ما الذي تدعيه روسيا؟
بعثت موسكو رسالة تفصل فيها ادعاءاتها عن كييف إلى الأمم المتحدة، وقال دبلوماسيون إن روسيا تعتزم طرح القضية في اجتماع مغلق مع مجلس الأمن.
وقال اللفتنانت جنرال إيجور كيريلوف، رئيس قوات الحماية النووية والبيولوجية والكيماوية الروسية، في إفادة صحفية إن هدف أوكرانيا من شن مثل هذا الهجوم هو الانحاء باللوم على روسيا.
وأضاف “الهدف من الاستفزاز سيكون اتهام روسيا باستخدام سلاح دمار شامل في مسرح العمليات الأوكراني ويعني ذلك شن حملة قوية مناهضة لروسيا في العالم، تهدف إلى تقويض الثقة في موسكو”.
قالت كييف وحلفاؤها الغربيون إن ادعاء موسكو أن أوكرانيا قد تتعمد جعل بعض أراضيها غير صالحة للسكن مناف للعقل، ولا سيما في وقت تستعيد فيه القوات الأوكرانية أراضيها في ساحة المعركة.
ووصفت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في بيان مشترك الادعاءات الروسية بأنها “كاذبة تماما” وحذرت موسكو من استخدامها “كذريعة” للتصعيد.
وحذر الكرملين الغرب أن رفض موقف موسكو يعد أمرا خطيرا.
أوكرانيا تبقى شفّافة
وكررت روسيا اتهاماتها لأوكرانيا مؤكدة انها دخلت "المرحلة الأخيرة" من صنع "قنبلتها القذرة"، وهي ادعاءات رفضتها كييف التي دعت خبراء دوليين للمجيء وتفتيش منشآتها.
ووجهت موسكو هذه الاتهامات لأول مرة الأحد خلال محادثات هاتفية بين وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ونظرائه الأميركي والفرنسي والبريطاني والتركي. فقد أعرب لمحاوريه عن "مخاوفه" بشأن "الاستفزازات المحتملة من جانب أوكرانيا باستخدام + قنبلة قذرة +".
وقال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا إن هذه الادعاءات "سخيفة" و"خطيرة" ودعا الرئيس فولوديمير زيلينسكي العالم إلى "الرد بأقسى ما يمكن" على الاتهامات الروسية.
واعلن كوليبا أنه تحدث مع رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي بهذا الشأن، وقال إنه "دعا الوكالة الدولية للطاقة الذرية رسمياً لإرسال خبراء على وجه السرعة إلى المرافق السلمية في أوكرانيا"، أي المنشآت التي "تدّعي روسيا بشكل مضلل" بأنّ أوكرانيا تطوّر "قنبلة ذرية" فيها، وفق تعبيره.
وأضاف أنّ غروسي "قَبِل. وعلى عكس روسيا، لطالما كانت أوكرانيا وتبقى شفّافة. ليس لدينا ما نخفيه".
قنبلة كاذبة
في المقابل، وصفت باريس ولندن وواشنطن في بيان مشترك اتهامات موسكو لكييف بأنها ترغب في استخدام "قنبلة قذرة" بالـ"كاذبة".
ورأى الأوكرانيون والغربيون على حد سواء في الأمر تهديدًا بالاستعداد لشن هجوم ويشتبهون في أن روسيا مستعدة لتفجر "قنبلة قذرة" لتبرير تصعيد عسكري، على سبيل المثال من خلال استخدام سلاح نووي تكتيكي انتقامًا.
في بداية هجومها، اتهمت موسكو أوكرانيا بإعداد أسلحة جرثومية في مختبرات سرية تمولها الولايات المتحدة، وهي مزاعم نفتها كييف.
تأتي ادعاءات "القنبلة القذرة" في الوقت الذي تواجه فيه القوات الروسية صعوبات على جبهات متعددة في أوكرانيا بعد أن خسرت آلاف الكيلومترات المربعة في شمال شرق البلاد في ايلول/سبتمبر وتتراجع الآن في منطقة خيرسون الجنوبية حيث تنظم سلطات الاحتلال الروسية عمليات إجلاء للسكان بسبب تقدم قوات كييف.
وأعلنت القيادة الأوكرانية أنها استعادت ما مجموعه 90 بلدة من القوات الروسية في منطقة خيرسون، إحدى المناطق الأربع في أوكرانيا التي اعلنت موسكو ضمها في أيلول/سبتمبر.
نفذت موسكو سلسلة ضربات على نطاق واسع في الأسابيع الأخيرة بما في ذلك بطائرات بدون طيار إيرانية الصنع، ضد البنى التحتية الحيوية في أوكرانيا. وتسبب هذا القصف في انقطاع التيار الكهربائي في جميع أنحاء البلاد الأحد.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأحد إن "السلام ممكن" في أوكرانيا عندما "يقرر" الأوكرانيون ذلك، بينما كرر زيلينسكي أنه لن يتفاوض أبدًا مع روسيا طالما ان فلاديمير بوتين في السلطة.
وقال نيد برايس المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن روسيا ستواجه عواقب سواء استخدمت ما تسمى “القنبلة القذرة” أو سلاحا نوويا تقليديا.
وردا على سؤال عما إذا كانت واشنطن ستتعامل مع استخدام “قنبلة قذرة” بنفس تعاملها مع استخدام أي قنبلة نووية أخرى، قال برايس إنه “ستكون هناك عواقب” على روسيا في الحالتين.
وأضاف برايس للصحفيين “سواء استخدمت ‘قنبلة قذرة‘ أو قنبلة نووية. كنا واضحين للغاية بشأن ذلك”.
روسيا تستعد للعمل في ظروف التلوث الإشعاعي
من جهتها قالت وزارة الدفاع الروسية إنها أعدت قواتها للعمل في ظروف التلوث الإشعاعي بعدما اتهمت موسكو كييف بالتخطيط لتفجير “قنبلة قذرة“، وهو ما تنفيه أوكرانيا بشدة.
وأبلغ وزير الدفاع سيرجي شويجو وزراء دفاع غربيين يوم الأحد أن موسكو تعتقد أن أوكرانيا تستعد لتفجير مثل هذه القنبلة، وهي عبوة تستخدم متفجرات تقليدية محملة بمواد مشعة لنشر التلوث على مساحة واسعة.
وقالت وزارة الدفاع الروسية إن رئيس هيئة الأركان العامة فاليري جيراسيموف تحدث هاتفيا مع نظيريه الأمريكي والبريطاني لمناقشة احتمال أن تستخدم أوكرانيا “قنبلة قذرة”.
أمرت روسيا المدنيين بإخلاء الأراضي التي تسيطر عليها على الضفة الغربية لنهر دنيبرو حيث تتقدم القوات الأوكرانية منذ بداية هذا الشهر بعد وقت قصير من زعم موسكو أنها ضمت المنطقة.
وهزيمة روسيا هناك ستكون واحدة من أكبر انتكاسات موسكو في الحرب. وعاصمة خيرسون هي المدينة الكبيرة الوحيدة التي سيطرت عليها روسيا منذ بدء غزوها في فبراير شباط، وتمثل منطقة وجودها الوحيد على الضفة الغربية لنهر دنيبرو الذي يقسم أوكرانيا. وتسيطر هذه المنطقة على البوابة المؤدية إلى شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في عام 2014.
وأعلنت السلطات الروسية في خيرسون أن الرجال المتبقين سيكون لديهم خيار الانضمام إلى وحدة عسكرية للدفاع عن النفس. وتتهم كييف روسيا بإرغام الرجال في المناطق المحتلة على الانضمام لتشكيلات عسكرية، وهي جريمة حرب بموجب اتفاقيات جنيف.
وقال كيريلو بودانوف رئيس المخابرات العسكرية الأوكرانية إن القوات الروسية تستعد للدفاع عن مدينة خيرسون، وليس الانسحاب منها، وإن التقارير عن عمليات الإجلاء جزء من حملة إعلامية روسية. وأضاف أنه بينما تقوم روسيا بنقل مخصصاتها المالية لعملياتها وعتادها والسكان المعرضين للخطر والمصابين من خيرسون، فإنها تعزز أيضا الدفاعات.
وصرح لصحيفة أوكرانسكا برافدا الإلكترونية “إنهم يخلقون الوهم بأن كل شيء قد ضاع. لكنهم في نفس الوقت ينقلون وحدات عسكرية جديدة ويستعدون للدفاع عن شوارع خيرسون”.
ومنذ أن عانت القوات الروسية من هزائم كبيرة في ساحة المعركة في سبتمبر أيلول، صعَّد الرئيس فلاديمير بوتين الحرب واستدعى مئات الآلاف من جنود الاحتياط وأعلن ضم الأراضي المحتلة وهدد مرارا باستخدام الأسلحة النووية للدفاع عن الأراضي الروسية.
وبدأت روسيا هذا الشهر حملة جديدة باستخدام صواريخ كروز بعيدة المدى وطائرات مسيرة إيرانية الصنع لمهاجمة البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا قبل حلول الشتاء.
ويعج التلفزيون الرسمي الروسي بالبرامج الحوارية التي تستضيف مؤيدين للهجمات على البنية التحتية المدنية الأوكرانية يدعون إلى اتخاذ تدابير أكثر صرامة من أي وقت مضى للقضاء على ما يصفونه بالدولة الأوكرانية غير الشرعية.