سكان حي ميسور في بكين وتحدي العيش في ظل الحلم الصيني

وكالات

2022-10-25 04:48

يعيش وو دي "الحلم الصيني" الذي دافع عنه الرئيس شي جينبينغ بالكامل؛ فهو متزوج وقريبًا سيصير أبًا لطفل ثانٍ، ولديه شقة في بكين وسيارة ووظيفة مجزية في مجال التكنولوجيا، على الرغم من صعوبات الانتقال من مقاطعة إلى أخرى في الصين، تمكن ومن الانتقال من شاندونغ في الشرق إلى حي شانغدي في العاصمة الذي يعد أحد أحياء الطبقة الوسطى، قال الشاب البالغ من العمر 33 عاما مبتسما "الأمور تسير على ما يرام". فصعوده الاجتماعي يترجم مفهومًا عزيزًا على شي جينبينغ كشف عنه عندما تولى السلطة قبل 10 سنوات؛ إنه "الحلم الصيني" الذي يُفترض أن يجعل الصين دولة متقدمة تقنيًا وقوية ومزدهرة بحلول عام 2050. وكل ذلك بفضل الحزب الشيوعي. بحسب فرانس برس.

لقد أمكن انتشال ملايين الصينيين من براثن الفقر بفضل التنمية الاقتصادية مدعومة بالتقنيات الجديدة والمصانع التي تزود بقية العالم بالمنتجات والطاقة الفائضة لدى سكان البلاد الذين يناهز عددهم 1,4 مليار شخص.

يعني هذا بالنسبة للسكان مزيدًا من الفرص والازدهار لكنه يمثل أيضًا تحديًا جديدًا للحزب الحريص على البقاء في السلطة، قال شي جينبينغ في خطاب ألقاه في نهاية عام 2012، بعد فترة وجيزة من انتخابه على رأس الحزب الشيوعي "لكل شخص مُثله العليا وتطلعاته وأحلامه. تحقيق نهضة الأمة الصينية هو أعظم حلم صيني"، ولكن بينما يستعد لتولي فترة رئاسية ثالثة على نحو غير مسبوق، يتكون لدى بعض الصينيين الانطباع بأن هذا الحلم بدأ يتصدع.

إرهاق

حتى في شانغدي، يُمكن استشفاف بعض القلق وراء مظاهر الثروة؛ بدءًا من الإرهاق الناجم عن ساعات العمل الإضافية وتكاليف السكن والتعليم المرتفعة والضغط الاجتماعي المرتبط بالزواج، خصوصا لدى الجيل الشاب.

قالت آنا تشين البالغة من العمر 29 عامًا وتعيش في شانغدي "لدى الناس توقعات مختلفة عن ذي قبل"، على مدى السنوات العشر الماضية، تحول الحي من ضاحية غير ذات أهمية إلى موقع لشركات التكنولوجيا الصينية المتقدمة وارتفعت فيه أبراج تشغلها شركات كبيرة، قد تختفي الأنهار الجليدية في جبال الألب، ولن تظهر عواقب ذلك في جبال سويسرا فحسب، بل في جميع أنحاء أوروبا.

يقع حي شانغدي بالقرب من أنقاض القصر الصيفي القديم الذي دمره الجنود الفرنسيون والبريطانيون في عام 1860 وصار رمزًا لما يُسمى "قرن الذل" (1839-1949) عندما تعرضت الصين لغزوات ومعاهدات فرضها الغرب واليابان.

يعمل الكثير من سكان شانغدي لدى عمالقة التكنولوجيا الصينيين مثل بايدو (محرك البحث) وكواشو (مقاطع فيديو قصيرة) وديدي وهي منتشرة في كل مكان في البلاد وتتفوق في الحجم على الكثير من منافساتها في الغرب.

ذكاء اصطناعي

يرتدي شيلدون زانغ البالغ من العمر 31 عامًا نظارات عصرية وقميصًا قطنيًا داكن اللون وسروال الجري، وهو الزي النموذجي لهذا الجيل الشاب من موظفي قطاع التكنولوجيا ومن الخريجين الجدد.

أسس شيلدون شركته بعد التخرج عندما كان في العشرينات وهو يعمل اليوم "مهندس تجربة المستخدم" لدى شركة إنترنت كبيرة، حيث يتعامل مع الروبوتات والذكاء الاصطناعي في مشاريع "ستكون مفيدة للبشرية جمعاء"، على حد قوله.

الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية وأجهزة الاستشعار والرقائق الإلكترونية، كلها مصطلحات تعد ضرورية لتنمية الصين خلال الخطة الخمسية الأخيرة، وتمثل جزءًا من المبادلات اليومية للشركات في شانغدي، لكن كبح السلطات جماح عمالقة التكنولوجيا لشعورها بالقلق من هيمنتها المتزايدة على المستهلكين، يثير القلق.

حتى الشركات المزدهرة مثل علي بابا (التجارة الإلكترونية) وتنسنت (الإنترنت وألعاب الفيديو) شهدت تراجعًا في مبيعاتها وأعلنت عن خطط لتسريح العاملين، نما الاقتصاد الصيني بنسبة 0,4% فقط على أساس سنوي في الربع الثاني من 2022، وهو أسوأ أداء منذ بداية الوباء.

عاملون في المجال الرقمي

يشعر البعض بالفعل بالضغوط. وهم يطلقون على أنفسهم تسمية "العاملين الرقميين" كما تقول لي مينغشين البالغة من العمر 27 عامًا والمتخصصة في الإستراتيجيات في منصة لأفلام الفيديو، قالت لي إن "وضعنا يشبه إلى حد ما وضع العمال المهاجرين من الريف في التسعينات". وأضافت أن على الرغم من أن راتبها جيد غير أنه لن يسمح لها على الأرجح بشراء شقة في شانغدي حيث يصل سعر المتر المربع إلى 100 ألف يوان (أكثر من 14 ألف يورو)، وأضافت "تركنا مسقط رأسنا للعمل في بكين. لكن لا يمكننا أن نقول حقًا إننا أصبحنا من سكان بكين. المبرمجون لدينا مثل الأشخاص الذين عملوا على آلات الخياطة أو صنعوا البراغي في الماضي. من السهل استبدالهم بعاملين آخرين".

ظهرت في السنوات الأخيرة في الصين ثقافة مضادة تشجع الشباب على القيام بأقل قدر ممكن ورفض الضغوط الاجتماعية المتعلقة بالعمل، وجراء الإجراءات الصارمة لمكافحة كوفيد على الاقتصاد، صار من الصعب العثور على وظيفة على أي حال والاحتفاظ بها. ووفقًا للأرقام الرسمية، اقترب معدل البطالة في صفوف من تراوح أعمارهم بين 16 و24 عامًا من 20% في تموز/يوليو، وهو أعلى مستوى منذ عام 2018.

البحث عن الحرية

لكن العيش في المدينة يوفر أيضًا فرصًا أخرى. في مقهى في شانغدي قالت فينغ التي تبلغ من العمر 30 عامًا إنها فرحة لأنها تركت للتو وظيفتها في منصة للفيديو لتصير مدربة لليوغا، وقالت لوكالة فرانس برس "ما يهمني هو الحرية. لن يمنعني المال أو الأفكار المسبقة من فعل ما أريد"، في حديقة الحي، يمرح أطفال بين تماثيل حجرية تمجد سياسة الحد من المواليد التي فرضت منذ نهاية السبعينات لإبطاء النمو السكاني.

لكن هذه السياسة صارت شيئًا من الماضي مع تشجيع الصين الآن الأزواج على إنجاب حتى ثلاثة أطفال لوقف انخفاض عدد السكان. قد يكون هذا هو التحدي الأكبر الذي يواجه "الحلم الصيني". إذ كيف يمكن للدولة أن تستمر في دفع تكاليف الرعاية الصحية والمعاشات التقاعدية لمن هم فوق الستين والذين يقدر أن يصل عددهم إلى 400 مليون بحلول عام 2040؟ إذا استمر الاتجاه الحالي، ستصل الصين إلى ذروتها السكانية في نهاية العقد قبل حدوث انخفاض "مستدام"، وفقًا للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية التي تعبر عن القلق من "عواقب اقتصادية واجتماعية سلبية للغاية"، ولكن حتى الآن، لم يكن للتخفيضات الضريبية أو العلاوات تأثير ملحوظ. وقال أب فضل عدم ذكر اسمه إن "رعاية طفل واحد بحد ذاتها مكلفة".

حلم محجوز للآخرين

آنا تشين هي واحدة من هؤلاء الشباب، وهدفها الوحيد هو العمل بشكل كافٍ يمكنها من السفر وإعالة والديها المسنين، قالت متحدثة باسم مستعار "يوجد عدد كاف من البشر على الأرض ... وعلى النحو الذي يتغير فيه المجتمع، يمكن العيش بشكل جيد جدًا بدون زواج وبدون أطفال"، في ظل مبنى سكني فخم، وفي حر الصيف، يجلس وانغ يوفو البالغ من العمر 70 عامًا والذي جاء من مقاطعة جيانغسو في الشرق إلى بكين عندما كشف شي جينبينغ عن مفهومه "للحلم الصيني"، يقود وانغ فريقًا من العمال الذين قدموا مثله من المقاطعات ويعملون على تجميل المساحات الخضراء في شانغدي.

يتقاضى وانغ يوفو حوالى 6500 يوان شهريًا (940 يورو) وهذا أضعاف الراتب الذي كان يتقاضاه في البداية. وبفضل مثل هؤلاء العمال القادمين من الريف، تمكنت البلاد من توسيع المراكز الحضرية بسرعة كبيرة على مدار الأربعين عامًا الماضية، وتفيد الأرقام الرسمية أن 290 مليون شخص يعملون في مثل هذه الوظائف منخفضة الأجر، وأكثرهم في صناعة البناء، تمنع القواعد الصارمة للتنقل بين المقاطعات إلى جانب تكاليف المعيشة المتزايدة معظمهم من الاستقرار بشكل دائم في المدن الكبيرة التي ساعدوا على بنائها.

بعد انتهاء استراحة الغداء، وقبل أن يستأنف وفريقه إلى العمل، قال وانغ إن الأمور أفضل مما كانت عليه قبل 10 سنوات، لكن الشعور تمامًا بالانتماء إلى سكان بكين يبدو معقدًا. وأضاف بأسف أن "الناس مثلنا لن تكون لديهم مطلقًا إمكانات لشراء منزل هنا".

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي