الحظر الشامل للوقود الأحفوري يضر النساء
دورية Nature
2022-09-12 06:22
بقلم: فيجايا راماشاندران
إذا أردتَ معرفة ما تحمله عملية الطهي من مخاطر، فاسأل ابنة عمي. في عمر ثلاث سنوات، كانت تعيش بمدينة صغيرة في الهند اسمها سارام، أوقعتْ الفتاةُ موقدَ الكيروسين الذي تستخدمه أمها، ما أصابها بحروق بالغة، وترك وجهُها لباقي حياتها مُحملًا بندوب تلك الحادثة.
الأخطار الناجمة عن استخدام بعض أنواع الوقود ليست دائمًا واضحة، فنحو 2.6 مليار شخص، أغلبهم يعيشون في دول منخفضة الدخل، يعانون فقر الطاقة، متمثلًا في عدم إمكانية حصولهم على أنواع نظيفة من الوقود، ويطهون طعامهم باستخدام نيران يُشعلونها خارج البيوت أو باستخدام مواقد تعمل بالكيروسين أو الفحم أو الحطب أو مخلّفات الحيوانات، أو غيرها من أشكال الكتلة البيولوجية.
وبحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، يشهد كل عام موت 3.8 مليون شخص مبكرًا، إثر إصابتهم بأمراضٍ ترتبط بتلوث الهواء داخل المنازل؛ غالبًا ما يكون ناتجًا عن أنواع الوقود تلك. فالطهي باستخدام الكتلة البيولوجية يُسفر عن حالات وفاة أكثر من الوفيات الناتجة عن أمراض السل والملاريا وفيروس نقص المناعة المكتسبة/الإيدز مجتمعين. وبوصفي مديرة قسم الطاقة والتنمية في معهد «بريكثرو»، المختص بالأبحاث البيئية، ومقرّه بيركلي، كاليفورنيا، فإنني أسعى إلى إيجاد حلول لقضية فقر الطاقة. ولا تنفك ابنة عمي تخطر ببالي، مع حقيقة أن موقد الكيروسين كان ليضرّها حتى لو لم تُسقطه على نفسها.
بوجه خاص، تمثّل مصادر الوقود تلك خطرًا كبيرًا على النساء والفتيات، باعتبار أن معظم مهام الطهي والأعمال المنزلية تقع على عاتقهن. وقد وجدتْ دراسةٌ أُجريت في الهند أن النساء أكثر عُرضَة للإصابة بمشكلات صحية تنتج عن تلوث الهواء في أثناء الطهي بالأماكن المغلقة. وكلما زاد فقر النساء وانخفض مستوى تعليمهن، زادت احتمالية إصابتهن بتلك الأمراض، مقارنة بأقرانهن من النساء الأفضل تعليمًا والأيسر حالًا ((R. Ranjan and K. K. Bhadra IndianJ. Hum. Dev. 13, 294–307; 2019). ولكون النساء مضطرّات لجمع مصادر الوقود، فإنهن يضيّعن جزءًا معتبرًا من أوقاتهن، ويفقدن دخلهن، ويتعرّضن للأخطار. وبدلًا من الذهاب إلى المدرسة، تخرج الفتيات لجمع الحطب أو روث البقر.
من البديهي أن وقوع مسؤوليات الطهي على كاهل النساء إحدى صور التمييز ضد المرأة بالفعل، لكن ما يزيد فداحة الأذى الواقع عليهن، أزمة الصحة العامة التي ترتبط بتولّي تلك المسؤولية في كثير من الدول منخفضة الدخل.
أمكننا بالفعل حماية ملايين النساء من تلك الأخطار، عن طريق التحوّل إلى أنواع أنظف من الوقود، خاصة الغاز النفطي المُسَال (LPG)، الذي يُصنَع من النفط المكرّر. وعلى الأرجح، فإن مواقد الطهي، التي تعمل بالغاز النفطي المُسَال، هي الحل الأنظف والأكثر قابلية للتطبيق على نطاق واسع في الوقت الحاليّ، بغرض تحسين صحة النساء وتقليل حالات الوفاة الناتجة عن تلوث الهواء داخل الأماكن المُغلقة في الدول الفقيرة.
لكن الغاز النفطي المُسَال نوع من الوقود الأحفوري في نهاية الأمر، ورغم تأثيراته الضئيلة في جودة الهواء محليًا، فإن حرقه يُسبّب انبعاث غازات الدفيئة. ولذلك تسعى دول أوروبية، مثل ألمانيا، وهي أحد أكبر مستهلكي الفحم والغاز الطبيعي، والنرويج، أحد أكبر مُصدّري الغاز الطبيعي، إلى فرض حظر شامل على تمويل جميع مشروعات الوقود الأحفوري في الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل. لكن هذا المنهج المنغلق، الذي لا يضع في اعتباره وجودَ اختلاف في الاحتياجات والظروف، يضرّ بالمناخ، ويعرِّض غالبية النساء للدخان الضار المنبعث من الوقود غير النظيف المُستَخدم في أعمال الطهي. ينبغي للغرب أن يستوعب الوضع على أرض الواقع، وأن يصمّم استراتيجية أكثر عملية لحلّ تلك الأزمة التي تؤثّر في الصحة العامة.
كانت الأمم المتحدة قد نشرت، الشهر الماضي، تقريرًا يتناول التقدّم المُحرَز في سبيل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ومن بينها الهدف السابع (انظر nature.com/3y6i)، الذي يحاول توفير طاقة حديثة ومستدامة وميسورة التكلفة، يمكن لجميع الناس الاعتماد عليها، بحلول عام 2030. ويوضِّح التقرير أن العالم يعاني عجزًا كبيرًا في توفير الاستثمارات اللازمة لتحقيق هذا الهدف. إذ نحتاج إلى 4.5 مليار دولار سنويًا كي نضمن استفادة الجميع من أنواع الوقود النظيفة اللازمة للطهي (يشمل هذا الرقم التقديري تكلفة توفير البنية التحتية، مثل المواقد التي تعمل بالغاز النفطي المُسَال). لكن الدول الغنية، حتى الآن، لم تُخصّص إلا نحو 130 مليون دولار سنويًا من ميزانيتها.
وحسبما يرى الخبراء، فإن وجود مقياس خاص للطهي النظيف، يشمل أنواع الوقود المُستَخدمة في الطهي ومن ثمَّ يوفّر بيانات أفضل لصانعي السياسات، ربما يسرع من تحقيق هذا الهدف. فرغم أن منظمة الصحة العالمية تقدِّم تقديرات على مستوى البلدان بخصوص معدّلات استخدام الوقود النظيف، فإن بعض هذه البلاد لم تقدِّم بياناتها لمدّة سنوات، بل ولا تستعلم بعض الدراسات الاستقصائية المحلّية عن أنواع المواقد التي تستخدمها الأُسر المعيشية. ولذا فإن وجود مقياس مناسب سيسمح لنا بتحديد مدى توافر وقود الغاز النفطي المُسَال أو المواقد الكهربائية في كل دولة من الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل، عبر إجراء دراسات استقصائية تستكشف أفضل الممارسات. وسوف تتمكن هذه الدراسة من قياس حجم أعمال الطهي التي تجري باستخدام الغاز النفطي المُسَال، وتلك التي تستخدم الكتلة البيولوجية.
ينبغي كذلك أن تُمنَح الهيئات الإحصائية الوطنية التمويل الذي يسمح لها بجمع تلك البيانات سنويًا على مستوى الأسر المعيشية. وقد أوضحت المعلومات الواردة عن أحد تلك المشروعات، وهو البرنامج الأمريكي للاستقصاءات الصحية والديموجرافية، أهمية تعليم الفتيات، وإتاحة وسائل منع الحمل لهن، إلى جانب توفير الخدمات الصحية الأساسية.
ومن المُرجّح أن يظهر عدد من البيانات المهمة، المُستقَاة من تجربة عشوائية مُحكمة تجري حاليًا لدراسة مواقد الغاز النفطي المُسَال وتوزيع الوقود، وتشمل 3200 أسرة معيشية في الهند، وجواتيمالا، وبيرو، ورواندا (T. Clasen et al. Environ. Health Perspect. 128,47008; 2020). تتلقى الأُسر المشاركة في التجربة مواقد تعمل بالغاز النفطي المُسَال، إضافة إلى مخزون مجاني من الغاز النفطي المُسال يكفي 18 شهرًا. ثم تقيس التجربة النتائج الصحية المترتبة على ذلك، مثل وزن الأطفال عند الولادة، ومعدل الإصابة بالالتهاب الرئوي الحاد والتقزم، كما تخضع النساء الأكبر سنًا لمتابعة صحية ترصد ارتفاع ضغط الدم. وتشمل الدراسة كذلك فحص المطابخ بحثًا عن جسيمات أول أكسيد الكربون والكربون الأسود، التي تنتج عن حرق الكتلة البيولوجية عند درجات حرارة منخفضة. وآمل أن يعير واضعو السياسات انتباههم لهذا البحث الذي يحاول استكشاف أفضل الممارسات الممكنة.
ربما يزعم واضعو السياسات في الدول الغنية أنهم يدعمون تمكين المرأة، لكن ما أراه أنهم مهتمون أكثر بالإجراءات السطحية التي تهدف إلى تخفيف آثار التغيّر المناخي، وبإجبار الدول الصغيرة على تطبيق اقتطاعات واللجوء إلى تسويات، أكثر من اهتمامهم بتحسين حياة النساء الأفقر. وللمفارقة، فإن أنواع وقود الطهي النظيفة لا تترك آثارًا سلبية على البيئة بالقدر نفسه الذي تتركه أنواع الوقود المعتادة. فصحيح أن الكربون الأسود ملوث سريع الزوال، غير أن تأثيره الاحتراري على المناخ يزيد بأضعاف مضاعفة على تأثير غاز ثاني أكسيد الكربون.
إن قرارات الحظر الاستعراضية والزائفة، ذات النطاق الواسع، التي تستهدف الوقود الأحفوري، لا تساعد أحدًا. نحن في حاجة إلى تبنّي منهج أذكى، يعتمد على البيانات، إذا أردنا أن نوفّر حماية أفضل للمناخ وللفئات الأضعف في البلدان النامية على حد سواء.