في صراع بلا حلول.. من هو الكفة الراجحة في المشهد العراقي؟

وكالات

2022-08-02 08:05

أظهر مقتدى الصدر رجل الدين المعمّم، من جديد لخصومه السياسيين أنه ما زال يتمتّع بقاعدة شعبية واسعة، وأنه قادر على حشد مناصريه من أجل الدفع بأجندته في المشهد السياسي.

منذ السبت، يقيم مناصروه اعتصاماً مفتوحاً داخل مجلس النواب. ويؤكد هؤلاء أنهم هناك "طاعة" لزعيمهم، وأنهم لن يغادروا إلا إذا طلب منهم ذلك. بحسب رويترز.

ويرفض الصدر مرشح خصومه السياسيين في الإطار التنسيقي، لرئاسة الوزراء، بعدما ترك لهم مهمة تشكيل الحكومة، إثر استقالة نواب تياره الـ73 من البرلمان، في واحدة من خطواته المفاجئة التي اعتاد القيام لها.

عبر منصة "تويتر"، يطلق مقتدى الصدر رسائل سياسية كثيرة. وعلى الرغم من أن له صلات وعلاقات في إيران، غالبا ما تثير تعليقاته غضب أولئك المقربين من طهران.

وهو لا يتردد في المطالبة مثلا بحل "الميليشيات"، وبدعوة أنصار الحشد الشعبي، الفصائل الموالية لإيران التي رفضت نتائج الانتخابات بعدما سجلت الكتلة الممثلة لها، "الفتح"، تراجعا، الى وقف الضغط.

ويعتمد الصدر على دعم جمهور لا يستهان به من الطائفة الشيعية، أكبر المكونات في العراق.

ويشرح الباحث في مركز "واشنطن إنستيتوت" حمدي مالك أن الصدر "قادر على احتلال الشارع، وليس لأحد القدرة على منافسته في هذا الميدان".

ويضيف أن الصدر "هو الشخصية المحورية في تياره، وهذا أمر مهم في العراق"، حتى لو أنه أحياناً يناقض نفسه ويبدّل مواقفه بين يوم وآخر.

وأرسل الصدر الآلاف من مناصريه إلى الشارع خلال الاحتجاجات الشعبية في تشرين الأول/أكتوبر 2019، لدعم المتظاهرين المطالبين بتغيير الطبقة السياسية الفاسدة. لكنه سرعان ما دعا مناصريه لمغادرة الشارع... ليدعو بعد ذلك إلى "تجديد الثورة الإصلاحية السلمية".

ويشير الخبير في التيارات الشيعية في جامعة "أرهوس" في الدنمارك بن روبن دكروز إلى أن الصدر "يحاول موضعة نفسه في مركز النظام السياسي، مع أخذ مسافة منه في الوقت نفسه. موقعه كرجل دين يتيح له أن يوهم بأنه أكبر من السياسة".

وشكّلت ملفات مكافحة الفساد وإعمار العراق مواضيع حملته للانتخابات التشريعية المبكرة، فيما لعب أيضاً على الوتر الوطني. ويقدّم نفسه على أنه معارض للنظام ومكافح للفساد، علماً أن الكثير من المنتمين لتياره يتولون مناصب مهمة في الوزارات.

تبقى علاقته مع إيران إحدى أكثر المسائل إثارة للجدل.

وفي حين تبنى في أعقاب احتجاجات العام 2019 خطاً قريباً من الحشد الشعبي الموالي لإيران، بات الآن يدافع عن خط أكثر "وطنية".

ويرى دكروز أن الصدر "يسعى إلى تسوية مع إيران تسمح له بمنافسة حلفائها على الساحة السياسية مع الخروج في الوقت نفسه عن نطاق سطوتهم"، لكن إيران "لا ترى في الصدر شخصاً يمكن الاعتماد عليه".

اعتصام طويل في البرلمان العراقي

ونصب أنصاره خياما واستعدوا للدخول في اعتصام مفتوح في البرلمان العراقي يوم الأحد في خطوة قد تطيل أمد الجمود السياسي أو تدفع البلاد إلى أعمال عنف جديدة.

واقتحم الآلاف من أنصار الصدر المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد يوم السبت وسيطروا على مبنى البرلمان الخالي للمرة الثانية في أسبوع بينما يحاول خصومه الشيعة، ومعظمهم مقربون من إيران، تشكيل حكومة.

وقال عضو في فريق الصدر السياسي، طلب عدم نشر اسمه لأنه ليس مخولا بالتصريح لوسائل الإعلام، لرويترز في محادثة هاتفية إن الاعتصام مفتوح لحين تلبية مطالبهم، وهي كثيرة.

وتابع أن التيار الصدري يطالب بحل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة واستبدال القضاة الاتحاديين.

وفاز التيار الصدري بأكبر عدد من الأصوات في انتخابات أكتوبر تشرين الأول وأصبح أكبر حزب في البرلمان، إذ شكل نحو ربع أعضائه البالغ عددهم 329.

وتكبدت الأحزاب المتحالفة مع إيران خسائر فادحة في الانتخابات، باستثناء رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، خصم الصدر اللدود.

وفشل الصدر في تشكيل حكومة خالية من تلك الأحزاب، غير أن المعارضة في البرلمان وأحكام محاكم اتحادية منعته من اختيار رئيس ورئيس وزراء.

وسحب الصدر نوابه من البرلمان واستخدم منذ ذلك الحين أنصاره، الذين يتكون أغلبهم من شيعة فقراء، في التحريض من خلال احتجاجات الشوارع.

ويمثل هذا الجمود أكبر أزمة في العراق منذ سنوات. ففي عام 2017، هزمت القوات العراقية إلى جانب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ودعم عسكري إيراني تنظيم الدولة الإسلامية الذي سيطر على ثلث البلاد.

وبعد ذلك بعامين، نزل العراقيون الذين يعانون من نقص الوظائف والخدمات إلى الشوارع مطالبين بوضع حد للفساد وإجراء انتخابات جديدة والإطاحة بجميع الأحزاب، وخاصة الجماعات الشيعية القوية، التي تحكم البلاد منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة وأطاح بصدام حسين عام 2003.

وقتلت القوات الحكومية والفصائل الشيعية المسلحة مئات المحتجين بالرصاص.

ويواصل الصدر ركوب موجة المعارضة الشعبية لخصومه المدعومين من إيران، قائلا إنهم فاسدون ويخدمون مصالح طهران وليس بغداد.

فرصة عظيمة للتغيير

وفي اليوم الثاني من الاعتصام، افترش المتظاهرون أروقة البرلمان، وأحضروا الفرش والأغطية. وصباح الأحد، كان متطوعون يقومون بتوزيع الحساء والبيض المسلوق والخبز والمياه على المعتصمين الذين قضوا ليلتهم الأولى في البرلمان، كما شاهد صحافي في فرانس برس.

وفي أول تعليق له، وصف زعيم التيار الصدري الاحتجاجات بـ"الثورة العفوية السلمية التي حررت المنطقة الخضراء كمرحلة أولى"، معتبراً أنها "فرصة ذهبية لكل من اكتوى من الشعب بنار الظلم والإرهاب والفساد والاحتلال والتبعية".

وشدّد الصدر في تغريدة على أن الاحتجاجات "فرصة عظيمة لتغيير جذري للنظام السياسي والدستور والانتخابات"، مضيفاً "من سمع واعية الإصلاح ولم ينصرها فسيكون أسير العنف والميليشيات والخطف والتطميع والترهيب والتهميش والذلة ومحو الكرامة".

ودعا "الجميع لمناصرة الثائرين للإصلاح بما فيهم عشائرنا الأبية وقواتنا الأمنية البطلة وأفراد الحشد الشعبي المجاهد".

ويشنّ رجل الدين الشيعي النافذ مقتدى الصدر حملة ضغط على خصومه السياسيين في الإطار التنسيقي رافضاً مرشحهم لرئاسة الحكومة محمد شياع السوداني، كما أعرب المتظاهرون عن رفضهم له كذلك.

وبعيد تغريدة الصدر، جدّد الإطار التنسيقي الذي يضمّ كتلاً شيعية أبرزها دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وكتلة الفتح الممثلة لفصائل الحشد الشعبي الموالي لإيران، دعوته إلى الحوار.

وقال في بيان إن الإطار "يستمر في دعوته إلى الحوار مع جميع القوى السياسية وخصوصا الأخوة (في) التيار الصدري".

وندّد الإطار، الخصم السياسي للتيار الصدري، في الوقت نفسه بـ"تصعيد مستمر وتطور مؤسف للاحداث وصل حد الدعوة الى الانقلاب على الشعب والدولة ومؤسساتها وعلى العملية السياسية والدستور والانتخابات" وعلى "الشرعية الدستورية"، في إشارة على ما يبدو إلى تغريدة الصدر.

إثر تظاهرات التيار الصدري السبت، توالت الدعوات إلى التهدئة والحوار من مختلف الأطراف السياسية العراقية.

وأدى انسحاب كتلة الصدر من البرلمان إلى سيطرة تحالف الإطار التنسيقي، وهو تحالف الأحزاب الشيعية المدعومة من إيران، على عشرات المقاعد.

ومنذ ذلك الحين، نفذ الصدر تهديدات بإثارة الاضطرابات الشعبية إذا حاول البرلمان الموافقة على حكومة لا يدعمها، قائلا إنها يجب أن تكون خالية من النفوذ الأجنبي والفساد الذي يجتاح العراق منذ عقود.

وهتف أنصار الصدر ضد منافسيه الذين يحاولون الآن تشكيل حكومة، واحتج الكثيرون أمام المحكمة العليا التي اتهمها الصدر بالتدخل لمنعه من تشكيل حكومة.

وردا على ذلك، دعا تحالف الإطار التنسيقي العراقيين إلى الاحتجاج السلمي "دفاعا عن الدولة وشرعيتها ومؤسساتها"، في بيان تلي في وقت لاحق من يوم السبت، مما أثار مخاوف من وقوع اشتباكات.

وفي حين يمارس الضغط الشعبي على خصومه، ترك الصدر لهم مهمة تأليف الحكومة، بعد أن استقال نواب التيار الصدري الـ73 في حزيران/يونيو الماضي من البرلمان، بعدما كانوا يشغلون ككتلة، أكبر عدد من المقاعد فيه.

مع ذلك، فإنّ الرسالة التي "يرسلها الصدر لمن هم بصدد تشكيل الحكومة أنه لا يزال يملك قوة الشارع"، كما أوضح الباحث في معهد شاتام هاوس ريناد منصور لفرانس برس. وأضاف أن الصدر يريد "استخدام قوة الشارع لإسقاط محاولات خصومه في تشكيل الحكومة".

ردود أفعال تدعو الى ضبط النفس والحوار

في الأثناء، أعرب الاتحاد الأوروبي عن "قلقه" إزاء "التظاهرات المتواصلة واحتمال تصاعدها في بغداد"، داعياً في بيان "كافة الأطراف إلى ممارسة ضبط النفس لمنع وقوع مزيد من العنف".

ودعت الأمم المتحدة إلى وقف التصعيد. وقالت بعثتها في العراق إن "أصوات العقل والحكمة ضرورية للحيلولة دون تفاقم العنف".

وحث رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أيضا الجماعات السياسية على عدم تصعيد الاضطرابات. ودعا في كلمة عبر التلفزيون إلى عدم تحول الاحتجاجات إلى اشتباكات والمحافظة على أمن العراق.

وذكرت وكالة الأنباء الرسمية أن رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي علق جميع جلسات المجلس حتى إشعار آخر.

وأطلق رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني مبادرةً للحوار بين الأطراف السياسية، داعياً إياهم في بيان الأحد "إلى القدوم إلى أربيل... والبدء بحوار مفتوح جامع للتوصل إلى تفاهم واتفاق قائمين على المصالح العليا للبلد".

ويقول العراقيون الذين لا تربطهم صلة بالصدر ولا بخصومه إنهم عالقون وسط هذه الحالة من الجمود السياسي.

وليل الجمعة، قام مؤيدون للصدر بمهاجمة مكاتب محلية في بغداد تابعة لحزب الدعوة الذي يتزعمه نوري المالكي، ومكاتب لتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، المنضوي في الإطار التنسيقي، كما أفاد مصدر أمني.

وقال زعيم تيار الحكمة في مقابلة مع بي بي سي عربي الخميس "كنا نتمنى أن ينتظروا لتشكيل الحكومة وثم يقيموا اداءها إن كان جيدا فيعطوها فرصة وإن كان اداؤها شيئاً آخر، ليعترضوا عليها".

وأضاف الحكيم "التيار الصدري لديه ملاحظة أو اشكالية في أن الإطار يقوم بتشكيل الحكومة. واليوم الإطار هو الكتلة الاكبر وهي مكلفة بتشكيل الحكومة، إن لم يرشح السيد السوداني سيرشح شخصاً ثانياً أو ثالثاً وقد يكون هناك اعتراضات عليه كذلك".

وغالبا ما يكون المسار السياسي معقدا وطويلا في العراق، بسبب الانقسامات الحادة والأزمات المتعددة وتأثير مجموعات مسلحة نافذة.

من جهتها اعتبرت إيران أن التطورات الأخيرة في العراق، هي "شأن داخلي" يجب حلّه بالحوار.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني خلال مؤتمر صحافي "نحن نتابع بعناية وحساسية التطورات الراهنة في العراق".

وأضاف "نعتبر أن التطورات الراهنة تعد جزءا من الشؤون الداخلية في العراق"، مشددا على أن الجمهورية الإسلامية "تحترم خيار الشعب العراقي وتؤكد أن الحوار هو الطريقة الأمثل لحل الخلافات الداخلية في العراق".

وأعرب كنعاني عن اقتناع طهران بأن "التيارات، الأحزاب، والتنظيمات السياسية العراقية قادرة على تجاوز المرحلة الراهنة (بالعمل) في إطار الدستور، الإجراءات القانونية لهذا البلد وبطريقة سلمية ضمن الاحترام المتبادل، والمساعدة على نمو العراق من خلال تشكيل حكومة شعبية".

وتحظى الجمهورية الإسلامية بدور وازن في العراق المجاور، وهي قدمّت دعما للفصائل المسلحة والقوات العراقية ضد تنظيم الدولة الإسلامية بعد سيطرته على مساحات واسعة من البلاد في 2014.

حرب شعبية ضد الفساد

في حديقة البرلمان، جلس البعض على حصائر تحت شجر النخيل بينما نام آخرون على فرش وأغطية وضعت على أرض المجلس. وبثّت أناشيد عاشورائية دينية عبر مكبّرات صوت، تزامناً مع بدء شهر محرّم الأحد في العراق، الذي يحيي فيه الشيعة ذكرى الإمام الحسين.

وانتشر الباعة الجوالون في المكان، وهم يقدّمون للمعتصمين المشروبات الباردة مثل التمر الهندي، والمثلّجات، والسجائر.

يقول المتظاهر عبد الوهاب الجعفري الأب لتسعة أطفال والبالغ 45 عاماً إن "السياسيين الموجودين حالياً في البرلمان لم يقدموا شيئاً". ويضيف الرجل الذي يعمل عاملاً يومياً "أنا موجود هنا من الأمس، للمطالبة بحقوق الفقراء".

وتقول أم حسين (42 عاماً) إن "مطالب السيد الصدر هي حكومة نزيهة بعيدا عن الإطار. الإطار يرشحون شخصيات معروفة بالفساد لم تقدّم شيئاً للوطن، سواء السوداني أو غير السوداني".

يؤكد المتظاهر ضرغام سمير عبدالله الذي يعمل عاملاً يومياً ويبلغ 30 عاماً أنه مشارك في الاعتصام "لاقتلاع الفاسدين...في شهر محرم إن شاء الله سوف نقتلع الفاسدين". وأضاف "لن نسمح لهم بتشكيل حكومة، أنا مع حل البرلمان، وحكومة صدرية. هذه ثورة الإمام الحسين في البرلمان، نريد قلع الفاسدين. لا للمالكي ولا للسوداني".

وقال أحد المتظاهرين ويدعى أبو فؤاد وسط حشود المحتجين الذين رفعوا صورا للصدر وأعلاما عراقية "نطالب بحكومة خالية من الفساد...هذه مطالب الشعب".

وردّد المتظاهرون عبارة "كل الشعب ويّاك سيّد مقتدى".

وقال متظاهر آخر ويدعى علاء حسين (49 عاما) "نحن كعراقيين عشنا الظلم من هؤلاء الفسدة".

"لدي ابنان عاطلان عن العمل بعد أن تخرجا من الجامعة وأنا عاطل عن العمل. لا توجد وظائف وهذا كله بسبب الفساد".

تقول أم مهدي "عندما يقرر مقتدى الصدر نذهب. حينما يقول +تذهبون+ نذهب". غطّت المرأة وجهها بخمار أسود فيما ارتدت عباءة تقليدية، وحملت على يدها طفلتها الرضيعة، فيما وقف إلى جانبها ابنها الأكبر البالغ 9 سنوات.

جاءت معها قريباتها الثلاث أيضاً. وتضيف المرأة "طاعة السيد أهمّ أمر بالنسبة لنا في الحياة"، في إشارة إلى مقتدى الصدر.

عند مداخل البرلمان، نصب متظاهرون خيمة بالطبعة العسكرية، بينما تبعثرت حولهم صناديق من المياه. تجوّل المتظاهرون بحرية في المكان، وحولهم رجال الأمن الذين كانوا يتعاملون مع الأمر بشكل طبيعي، كما شاهدت صحافية في فرانس برس.

مع بدء ساعات الليل، وصلت نحو عشر شاحنات صغيرة محملة بالمياه التي وضعت داخل مبردّات، وبطيخ، قام البعض بتقطيعه وتوزيعه على المتظاهرين. ووزّع آخرون الأرزّ مع اللحم.

على مقربة عند أحد الأرصفة الموازية للحديقة، تجمّع بعض المتظاهرين حول موقد بدائي الصنع، وضعوا عليه إبريقاً نحاسياً من الشاي. وقف شاب طويل القامة على الرصيف، وبدأ ببيع السجائر للمتظاهرين.

في الطابق الأرضي من مبنى البرلمان، ردّد متظاهرون شعارات دينية خاصة بعاشوراء، تزامناً مع بدء شهر محرّم، المقدّس عند الشيعة يوم الأحد، والذي يحيي فيه هؤلاء ذكرى الإمام الحسين.

عند المغرب، أقام عشرات من الرجال الصلاة، منهم من أحضر معه سجادته الخاصة.

تقول زينب حسين من داخل البرلمان فيما ارتدت العباءة السوداء التقليدية ووضعت على كتفيها كفناً أبيض، "تركت بيتي وعائلتي" للمشاركة في الاعتصام.

تردّد المرأة الأسباب التي تجعلها مستاءة، أسباب يشاركها إياها 42 مليون عراقي. وتقول "الماء، الكهرباء، المدارس، المستشفيات".

وتضيف "لماذا لا يوجد كهرباء في العراق؟ خيرات النفط أين تذهب؟".

داخل البرلمان، جلس بعض المتظاهرين على الأرائك السوداء الفارهة، فيما اختار آخرون الجلوس على طاولات خشبية، وافترش البعض السجاد الأزرق والأحمر الذي غطّى الأرض. منهم من كان يمرر الوقت بتصفّح هاتفه، ومنهم من غفا قليلاً.

في الشوارع المحيطة في البرلمان داخل المنطقة الخضراء الشديدة التحصين، جلس متظاهرون على العشب، أو قام بعضهم بالسير لتمضية الوقت.

ويرى المتظاهرون مقتدى الصدر كرمز معارض وشخصية مكافحة للفساد، منددين بأحزابٍ أخرى تولت السلطة منذ العام 2003، أي بعد سقوط صدام حسين. علما أن العديد من الموالين له يتولون مراكز مهمة في الوزارات.

يقول سيد حيدر القادم من حيّ مدينة الصدر الشعبي في العاصمة والبالغ 35 عاماً، "الفساد يعمّ جميع دوائر الدولة".

ويضيف "أي إنسان فقير بسيط لا يستطيع أن يصل إلى الدولة أو إلى الوزارة ما لم يكن مرتبطاً بحزب سياسي".

يؤكّد بدوره "الطاعة" لمقتدى الصدر، ويشدّد على أنه يشارك في الاعتصام بانتظار "التعليمات". ويضيف "يقول لنا +انسحبوا+، ننسحب. ونعود إن قال لنا عودوا لو عند منتصف الليل".

ويرى أن مقتدى الصدر هو "الشخص الوحيد الذي يدافع عن الفقير اليوم في العراق".

وفي حين أن بغداد تحقق إيرادات ضخمة من ثروتها النفطية الهائلة، فإن البلاد ليس لديها ميزانية، وتعاني من الانقطاع المتكرر للكهرباء والمياه، وضعف التعليم والرعاية الصحية، وعدم توفر فرص عمل كافية للشباب.

وقال المتظاهر حيدر اللامي لفرانس برس "خرجنا ثورةً للإصلاح... ونصرة للسيد القائد مقتدى الصدر". واضاف "لن نبقي على الفاسد، والمجرّب لا يجرّب. هؤلاء لا ينفعون بشيء، لقد تسببوا لنا بالأذى منذ العام 2003، ولم نرَ منهم نتيجة، سرقونا".

ما الذي يحرك الصراع على السلطة في العراق؟

ما هي خلفية الخصومة، ولماذا تصاعدت، وماذا يعني هذا للعراق وما هي مخاطر العنف؟

اشتد التوتر منذ انتخابات أكتوبر تشرين الأول التي برزت فيها حركة الصدر كأكبر كتلة لها 74 من مقاعد البرلمان البالغ عددها 329 وتراجعت حصة الفصائل المدعومة من إيران إلى 17 من 48 سابقا. بحسب رويترز.

وبعد الفشل في إلغاء نتيجة الانتخابات في ساحات القضاء، شرعت الفصائل المدعومة من إيران في إحباط جهود الصدر لتشكيل حكومة تضم حلفاءه من الأكراد والعرب السنة، لكنها تستبعد الجماعات التي وصفها بالفاسدة أو الموالية لطهران.

وعلى الرغم من تضاؤل عدد ممثليها في البرلمان، فقد تمكنت الجماعات المتحالفة مع إيران من إحباط الصدر من خلال حرمانه من الحصول على ثلثي النصاب القانوني اللازم لانتخاب رئيس دولة كردي- وهي الخطوة الأولى نحو تشكيل حكومة.

وشعر الصدر بالإحباط من هذا المأزق وطلب من نوابه الانسحاب من البرلمان في يونيو حزيران. وأخلت هذه الخطوة عشرات المقاعد للإطار التنسيقي، مما يعني أنه قد يحاول تشكيل حكومة من اختياره، رغم أن ذلك قد يجازف بإغضاب الصدر.

وطرح المالكي، خصم الصدر والذي يتحين العودة للحياة السياسية، نفسه لمنصب رئيس الوزراء- وهو منصب يجب أن ينتقل إلى شيعي في النظام السياسي العراقي- لكنه تراجع بعد أن انتقده الصدر على تويتر.

ثم طرح خصوم الصدر مرشحا آخر، هو محمد شياع السوداني، الذي يعده أنصار الصدر من الموالين للمالكي. وكانت هذه الخطوة بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير على ما يبدو بالنسبة لأنصار الصدر، مما أشعل فتيل الاحتجاجات.

مخاطر العنف القادم

أمضى العراق الآن أكثر من تسعة أشهر بدون حكومة جديدة- وهو رقم قياسي في حقبة ما بعد صدام.

وتزيد المواجهة من الفشل السياسي في بلد يعاني من تردي الخدمات العامة وارتفاع معدل الفقر وانتشار البطالة على الرغم من الثروة النفطية الهائلة وعدم وجود صراع كبير منذ هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية قبل خمس سنوات.

وفي الوقت الذي أدى فيه ارتفاع أسعار النفط الخام إلى زيادة عائدات النفط العراقية إلى مستويات قياسية، لا توجد ميزانية حكومية لعام 2022، كما تأجل الإنفاق على مشاريع البنية التحتية التي تشتد الحاجة إليها والإصلاحات الاقتصادية.

في غضون ذلك، يعاني العراقيون العاديون من انقطاع الكهرباء والمياه. ويقول برنامج الأغذية العالمي إن 2.4 مليون من السكان البالغ عددهم 39 مليون نسمة في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدة في توفير سبل العيش.

ويصرف هذا الشلل الانتباه عن مشاكل مثل ارتفاع أسعار الغذاء العالمية والجفاف والتهديد المستمر الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية.

ويواصل رئيس الوزراء المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي مهامه في تصريف الأعمال في الوقت الحالي.

ما هي فرص العنف؟

وأثارت دعوة الإطار التنسيقي لأنصاره بالتجمع اليوم الأحد مخاوف من حدوث مواجهة في الشوارع، لكنه ألغى المظاهرات بعد ذلك.

ودعت الأمم المتحدة إلى وقف التصعيد قائلة إن "أصوات العقل والحكمة ضرورية لمنع المزيد من العنف". كما دعا العديد من الزعماء العراقيين إلى الحفاظ على السلم الأهلي.

وتعهد الصدر بالعمل السياسي السلمي، لكن تسانده سرايا السلام المسلحة ويحتفظ كثيرون من أتباعه المدنيين بالسلاح، مما أثار مخاوف من وقوع اشتباكات مسلحة إذا تصاعدت المواجهة.

وسيزعج الخلاف بين الشيعة العراقيين إيران التي لها نفوذ كبير في العراق من خلال حلفائها الشيعة منذ أن أطاحت الولايات المتحدة بخصمها صدام.

وكانت إيران، التي لم تعلق بعد على التطورات الأخيرة، قد تدخلت من قبل لتهدئة الاضطرابات الداخلية في العراق.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي