أوباما والكونغرس.. حرب سياسية مكسبها الانتخابات القادمة
كمال عبيد
2015-08-15 07:38
اتسمت تداعيات وتطورات مرحلة ما بعد الاتفاق النووي، بالصراعات المحتدمة والخيارات الصعبة خاصة ما بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما، والكونغرس، الذي يسيطر عليه الجمهوريين الساعين الى عرقلة اتفاق إيران النووي، مما يمهد لصدوع محتملة على المستوى الداخلي في أمريكا.
لذا يرى بعض المحللين ان على الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن ينتهج مسارا واضحا وإن كان مراوغا في الكونجرس لمنع نسف الاتفاق النووي مع إيران، وسيكون هدفه اقناع عدد كاف من الاعضاء الديمقراطيين في الكونجرس لتأييد الاتفاق لمواجهة المعارضة شبه الجماعية من الاعضاء الجمهوريين.
وفعلاً دافع اوباما عن الاتفاق مع ايران حول برنامجها النووي، محذرا المشرعين الاميركيين من ان رفض الحلول الدبلوماسية سيؤدي الى الحرب ويهدد مصداقية الولايات المتحدة، واستحضر أوباما مبادرات السلام لإنهاء الحرب الباردة التي قام بها الرئيسان السابقان جون كنيدي ورونالد ريجان فقال إنه لو عرقل الكونجرس الاتفاق فسيسرع طريق طهران لامتلاك قنبلة وسيلحق ضررا بالغا بمصداقية أمريكا.
فيما لا يزال أمام الكونجرس حتى 17 سبتمبر أيلول للتصويت على مثل هذا الإجراء. وإذا اتخذ قرار بالرفض كما يتوقع الكثيرون في إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما فسيكون أمام الرئيس 22 يوما لاتخاذ قرار باستخدام حق النقض وقيام الكونجرس بإلغائه.
في المقابل يقول معارضون للاتفاق في الولايات المتحدة وعلى رأسهم الجمهوريون إنه لم يضمن بشكل كاف عدم قدرة إيران على تطوير سلاح نوويا ويحتجون بأن رفع العقوبات عن إيران سيمكنها من فعل ذلك، وسارع منتقدون لأوباما في الكونجرس لرفض دفوعه.
وسبق لاوباما ان اكد مرارا ان البديل من الاتفاق الحالي مع ايران هو عمل عسكري ضدها، الامر الذي ندد به معارضوه باعتبار انه معادلة غير صحيحة، لان البديل بنظرهم هو اتفاق افضل مع ايران لا ينص فقط على تفتيش مواقعها وتحديد قدرتها على التخصيب بل يفكك تماما برنامج طهران النووي.
والجدل الدائر حول البرنامج النووي الايراني خلق انقساما بين الحزبين داخل الكونغرس حيث يواجه معارضة شديدة من الجمهوريين الذين يسيطرون على المجلسين، ويحتاج اوباما الى دعم الديموقراطيين لتفادي اطاحة المشرعين بهذا الاتفاق.
ويرى بعض المتخصصين بالشأن الامريكي أن البيت الأبيض يعمل بدأب لإقناع المشرعين الأمريكيين وغيرهم من النقاد بقبول اتفاق الاطار الذي ابرم بين إيران والولايات المتحدة وروسيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا والصين، وكان اتفاق الاطار خطوة كبيرة تجاه صفقة نهائية لكنه لم يتضمن اتفاقا على توقيت ومدى تخفيف العقوبات. ويجب ان تسوى أمور أخرى كثيرة قبل حلول الموعد النهائي في آخر يونيو لإبرام اتفاق نهائي.
ويرى هؤلاء المتخصصون انه على الرغم من توحد الجمهوريين بوجه عام بشأن هذه القضية ومعارضة بعضهم ومنهم مرشحون محتملون لانتخابات الرئاسة لعام 2016 للاتفاق بشراسة فإن من المرجح أن يكون الدور الرئيسي في هذا الأمر للمشرعين من الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه أوباما.
بينما يرى بعض المحللين انه على الرغم من العراقيل التي تضعها الإدارة الجمهورية أمام قرارات الإدارة الديمقراطية، الا انه بات من الواضح نجاح الإدارة الديمقراطية بتغير السياسية الداخلية والخارجية على حدا سواء، وهذا ما يخشاه الجمهوريين من مساعي الحرب الديمقراطي في سحب بساط الحكم من تحتهم وتوجيه ضربات سياسية تحت الحزام، لذا توقع اغلب المحللين بنشوب معارك سياسية حيوية بين اوباما وخصومه خلال الفترة المقبلة.
صدوع محتملة وخيارات صعبة
في سياق متصل قال مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون إن الكونجرس إذا صوت برفض الاتفاق النووي مع إيران فإن الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد يجد نفسه سريعا في مواجهة أصداء سلبية كثيرة من بينها مأزق مؤلم مع الصين.
وكانت الصين -احدى القوى العالمية الست التي تفاوضت مع إيران- خفضت كمية النفط الإيراني الذي تشتريه امتثالا لقانون عقوبات أمريكي كان يهدف للضغط على إيران لقبول حل دبلوماسي للنزاع النووي. بحسب رويترز.
وإذا أحبط الكونجرس الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه يوم 14 يوليو تموز فإن بكين المتعطشة للطاقة قد تفهم أن الدبلوماسية فشلت وتتحرر من قيود العقوبات وتزيد وارداتها من النفط الإيراني.
وسيتعين على أوباما الاختيار بين فرض عقوبات على الصين وإضافة مشاكل جديدة للعلاقات الثنائية أو ترك بناء القيود على إيران ينهار، وقال ريتشارد نيفيو الذي كان إلى وقت قريب كبير مسؤولي العقوبات في وزارة الخارجية الأمريكية والبيت الأبيض "ستجدون سريعا أننا سنضطر لاتخاذ قرارات عقوبات غير جذابة كثيرا".
وتوقع مسؤولون أمريكيون ودبلوماسيون أوروبيون أن المثال الصيني ليس سوى أحد التداعيات الكثيرة المتوقعة إذا أعاق الكونجرس الاتفاق الذي يضمن لإيران تخفيف العقوبات مقابل فرض قيود على أنشطتها النووية.
ومن بين تلك التداعيات خلاف محتمل بين جانبي الأطلسي بهذا الشأن وإلغاء إيران الاتفاق وعودتها سريعا للتخصيب النووي واسع النطاق بل ومعارك قضائية أمريكية بسبب العقوبات، وتكافح إدارة أوباما من أجل إقرار الاتفاق الذي سيعد إنجازا في إرث الرئيس. ولدى الإدارة دوافع كثيرة لتصوير بدائل قاتمة للاتفاق مع إيران.
ووصف أوباما الخيار بأنه "بين الدبلوماسية وشكل من أشكال الحرب" مع إيران كما يتفق حلفاء أوروبيون وبعض المحللين على أن إحباط الاتفاق سيكون باهظ الثمن، وقال مسؤول السياسة الخارجية السابق في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا الذي ساعد في إطلاق أول محادثات نووية مع إيران عام 2004 لرويترز "ستكون ضربة قوية جدا للولايات المتحدة في العالم. وستكون سيئة أيضا بالنسبة للشرق الأوسط بأسره ولإسرائيل".
وتعرض أنصار الاتفاق الذي يخضع للدراسة في الكونجرس لانتكاسة عندما أعلن تشاك شومر وهو سناتور ديمقراطي كبير في نيويورك معارضته للاتفاق، ودرس مسؤولون أمريكيون سيناريو آخر هو أن إيران ستلتزم بالاتفاق حتى إذا صوت الكونجرس برفضه. وقد ترد دول كثيرة بوقف الالتزام بالعقوبات على إيران مما سيثير الشقاق مع واشنطن.
الاتفاق مع إيران سينجو من مراجعة الكونجرس
من جهتهم قال ديمقراطيون إنهم سيحصدون ما يكفي من الأصوات لضمان نجاة الاتفاق النووي مع إيران من مراجعة سيجريها الكونجرس رغم اعلان السناتور الديمقراطي البارز تشاك شومر أنه سيصوت برفضه.
وقال متحدث باسم السناتور ديك ديربن المؤيد للاتفاق إن الديمقراطيين ما زالوا واثقين في قدرتهم على صد محاولات الجمهوريين إحباط الاتفاق الشهر المقبل، وأضاف المتحدث بن مارتر "هناك قوة دافعة وراء هذا الاتفاق كما رأيتم من ديمقراطيين. بحسب رويترز.
وذكر شومر العضو الكبير في مجلس الشيوخ من نيويورك أنه سيعارض الاتفاق النووي بين القوى العالمية الست وإيران والذي أعلن يوم 14 يوليو تموز، وقال معظم الجمهوريين إنهم يعارضون الاتفاق إلى جانب عدد من الديمقراطيين في مجلس النواب، وقالت السناتور كيرستن جيليبراند إنها ستؤيد الاتفاق قبل ساعات من اعلان شومر رفضه له. كما أعلنت السناتور تامي بولدوين من ويسكونسن موافقتها عليه.
زعيم الجمهوريين يهاجم اوباما
رفض السناتور الجمهوري ميتش مكونيل زعيم الاغلبية في مجلس الشيوخ الامريكي يوم الخميس الطرح الذي قدمه الرئيس باراك أوباما للدفاع عن الاتفاق النووي مع إيران قائلا إن من "السخف" المجادلة بأن على المشرعين ان يختاروا بين الاتفاق أو الذهاب إلى الحرب، وأبلغ مكونيل الصحفيين ردا على خطاب اوباما إن الرئيس ارتكب "خطأ فادحا" بموقفه هذا، واضاف قائلا "هذا الاتفاق ليس النقيض للحرب. تلك كانت الحجة التي ساقوها طوال المفاوضات. انها إما هذا الاتفاق أو اتفاق افضل أو المزيد من العقوبات"، ودافع أوباما عن الاتفاق الدولي الذي تم التوصل إليه يوم 14 يوليو تموز تحت قيادة الولايات المتحدة في مواجهة مسعى غاضب من جانب معارضين سياسيين واسرائيل وقال إن رفض الاتفاق سيفتح الباب امام احتمال نشوب حرب. بحسب رويترز.
وقال اوباما إنه اذا عرقل الكونجرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون الاتفاق فإن هذا سيسرع وتيرة سعي ايران لتصنيع قنبلة نووية، واضاف قائلا "دعونا نتحدث بصراحة.. الاختيار الذي نواجه هو بشكل اساسي بين الحل الدبلوماسي او شكل من اشكال الحرب. ربما ليست غدا وربما ليست بعد ثلاثة شهور من الان لكن قريبا".
لكن مكونيل رفض ما ذهب اليه اوباما. وقال "تلك حجة سخيفة." وشكا زعيم مجلس الشيوخ ايضا من ان الرئيس تعامل مع النزاع بشأن إيران كحملة سياسية عندما قال إن المتشددين في طهران "يعملون من اجل قضية مشتركة" مع المشرعين الجمهوريين.
وكان خطاب أوباما جزءا من حملة للترويج للاتفاق الذي جرى التفاوض عليه على مدار 18 شهرا بين إيران والقوى الست العالمية التي وافقت على رفع عقوبات اقتصادية مفروضة على طهران في مقابل كبح برنامجها النووي الذي تقول طهران إنه لاغراض الطاقة فقط.
وقال معارضو الاتفاق إنه لا يذهب الي مدى كاف لضمان ان ايران لن يكون بمقدورها مطلقا تطوير سلاح نووي، وضغط البيت الابيض على الكونجرس لدعم الاتفاق. والكونجرس في عطلة حاليا وامامه حتى السابع عشر من سبتمبر ايلول للتصويت على الاتفاق. ووافق زعماء مجلس الشيوخ على بدء مناقشة الاتفاق مع ايران في اقرب وقت عندما يعودون إلى واشنطن في الثامن من سبتمبر.