المسنّون الأوكرانيون كبار المنسيين في الحرب

وكالات

2022-05-11 06:28

في 21 آذار/مارس، خرج فلاديمير ليغنوف ليدخّن، فسقطت قذيفة في جواره أفقدته ذراعه. لم تكن الحادثة استثنائية إذ يجسّد الرجل البالغ من العمر 71 عاما الواقع المرير للمسنّين الأوكرانيين. بحسب فرانس برس.

يتنقّل الرجل ببطء شارد الذهن وقد طوي الكمّ الأيسر لقميصه الرمادي اللون تحت إبطه في رواق مركز إيواء في دنيبرو، المدينة الكبيرة في وسط أوكرانيا التي استحالت مركزا واسعا لتوفير المساعدات الإنسانية.

ويصعب على فلاديمير الذي كان سابقا سائق قطار أن يستوعب ما حصل له. فمن ألقى القذيفة التي أصابته في أفدييفكا، القطب الصناعي في منطقة دونيتسك؟ وأيّ حرب هي تلك التي وقع ضحيتها؟ وهو يردّد باستمرار "لا أستوعب ما يحدث. ففي خلال أسبوع، ينبغي لي أن أغيّر الضمّادة في مستشفى ميرنوراد (في قلب منطقة النزاع حيث بُترت ذراعه). لكن هنا يقولون إنه ينبغي لي أن أغادر بعد ثلاثة أيّام".

ويصرّح وهو ينظر إلى رجل أعرج مرّ أمامه يعتمر قلنسوة حمراء مخطّطة بالأزرق "لعلّه من الأجدى أن أُنقل إلى المقبرة. فأنا لا أريد العيش على هذا النحو".

تبدو المعاناة الجسدية و/أو النفسية جليّة على المسنّين الذين التقى بهم مراسلو وكالة فرانس برس في مركز دنيبرو، وهي عيادة توليد أعيد فتحها على عجالة في آذار/مارس لإيواء المهجّرين داخليا بصورة مؤقّتة، وعند وصول شاحنة صغيرة من الجبهة الشرقية، يئنّ ثلاثة أشخاص من الألم، في حين يبذل متطوّعون قصارى جهدهم لإخراجهم من المركبة ووضعهم على كراسي متنقّلة.

منسيّون

وليس الركّاب الآخرون أفضل حالا بكثير. يمسك رجل كبير في السنّ منهك القوى بسجائره لحظة خروجه من المركبة. ثمّ يجمع أغراضه بسرعة، كما لو كان عليه أن يغادر فورا، في حين أنه وصل لتوّه إلى مركز آمن بعد أسابيع أمضاها في جحيم الحرب.

تقول أولغا فولكوفا التي تدير بشكل طوعي المركز الذي يستقبل 84 شخصا، 60 % منهم هم من المسنّين "وضع من أمضوا وقتا طويلا في الأقبية هو الأصعب. بقي كثيرون وحيدين. قبل الحرب، كنّا نساعدهم لكنّهم تُركوا لحالهم بلا أيّ مساعدة".

وفي أغلب لأحيان، يكون الكبار في السنّ "منسيّين وفي وضع جدّ هشّ" خلال النزاعات، على ما يوضح فيديريكو ديسي مدير الفرع الأوكراني من منظمة "هنديكاب إنترناشونال" (Handicap international) غير الحكومية التي توفّر التجهيزات وتعتزم تقديم مساعدة مالية لمركز دنيبرو، ويكون المسنّون "مقطوعين عن بقيّة العائلة" عموما و"عاجزين في الأغلب عن استخدام هاتف والتواصل مع الخارج"، وفق ديسي الذي يشدّد على "ضيق حالهم" في أجواء الحرب.

تُعدّ أليكساندرا فاسيلشنكو، وهي روسية تعيش في أوكرانيا بلغت الثمانين قبل أسبوع أيسر حظّا من البقيّة. فلا يزال في وسعها المشي بالرغم من أمراض كثيرة وقد أتى حفيدها لاصطحابها فور وصولها إلى مركز دنيبرو.

وتقدّر السيّدة المتوقّدة الفرصة التي أتيحت لها، لا سيّما بعدما أمضت عدّة أسابيع "وحيدة في شقّة من ثلاث غرف" في كراماتورسك (الشرق) حيث أودت غارة روسية استهدفت المحطّة مؤخّرا بحياة 57 شخصا على الأقلّ.

وكانت السيّدة الثمانينية قد تحوّطت وخزّنت المؤن، لكن "كنتُ طوال الوقت مختبئة في الحمّام... وأنا أبكي. فقد كنت مسجونة في منزلي"، بحسب ما تخبر فاسيلشنكو متمنّية "الموت" لـ "فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين" ولعائلته.

لا تشتكي زويا تاران المستلقية على السرير والمتمسّكة بجهازها للمشي من واقع حالها، بالرغم من معاناتها من السكّري وصعوبات في التنقّل وتدنيّ البصر، وكلية واحدة لا غير ما زالت بخير، فقد انسحب ابنها فيتالي، موسيقي الروك السابق، من "الأوساط الفنية"، على حدّ قولها، ليكرّس وقته لوالدته. وهي تقول "أنا جدّة مسنّة وهو عيناي ويداي وساقاي".

الحرب الثالثة

كانت زويا تاران تريد البقاء في ديارها، لكن عندما اقتربت القنابل من سلوفيانسك، قرّرت المغادرة "لإنقاذ" ابنها. وهي تتساءل "لماذا علينا تحمّل مآسي الحرب؟ ماذا يريدون منّا؟"، وبحسب "هنديكاب إنترناشونال" التي تستند في تقاريرها إلى أرقام السلطات الأوكرانية، انتقل نحو 13 ألف مسنّ أو معوّق إلى دنيبرو وجوارها منذ بداية الغزو الروسي وعبر المنطقة أكثر من نصف مليون شخص.

استقبل "بيت الرحمة"، وهو مستوصف سابق حوّل إلى ملجأ للمعوزين من تمّ إجلاؤهم من ماريوبول (الجنوب)، فضلا عن كبار في السنّ من الشرق، ويقول كونستانتين غورشكوف الذي يدير المركز مع زوجته ناتاليا "إذا ما فُتحت عشرة مراكز مثل هذا، فهي ستكتظّ على الفور"، وانضمّ نحو ثلاثين شخصا إلى الأشخاص المئة الذي يؤويهم الملجأ، من بينهم يوليا بانفيوروفا (83 عاما) الآتية من ليسيشانسك في منطقة لوغانسك التي تطمع روسيا بها في الشرق، وتروي أستاذة الاقتصاد السابقة كيف سقطت ثلاث قذائف بالقرب من منزلها وحطّمت النوافذ، وتقول "هي الحرب الثالثة التي أعيشها"، بعد حرب 1939-1945 والنزاع الذي نشب في 2014 في دونباس التي تشمل لوغانسك ودونيتسك.

وتستطرد "أستذكر جيّدا كيف حرّرت ليسيشانسك من النازيين في 1943. وقد تعرّض بلدنا للاجتياح، كما هي الحال اليوم. وكانت حرّيته على المحكّ، كما اليوم. فحرّيتنا واستقلالنا هما في خطر. ولا بدّ من الكفاح لصونهما... لكن الأمر مهول بالفعل".

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي